صورة المسجد في الفيلم العربي

 صورة المسجد  في الفيلم العربي

 إنها مشاهد لا تنسى في المدن والقرى العربية كافة على مدار أجيال متلاحقة، حين كان أطفال كل منطقة يلتقون يوميًا في شهر رمضان، في فترة ما بعد صلاة العصر حتى يحين انطلاق مدفع الإفطار بحلول المغرب، حول الساحة الخارجية للمسجد الرئيس في الحي، فقد اعتاد المشاهدون دومًا أن تكون قصص الأفلام مرتبطة بقوة بلحظات الخلاص الإنسانية من التوبة النصوح التي يمرّ بها الإنسان علامة على التطور البشري.
هي الحالة الإنسانية التي اعتمدت عليها قصص الضالين، ولذا فإنّ للمسجد مكانة خاصة، وفي السينما كم صفّق المشاهدون وهم يرون ردّ فعل الأذان على التحوّل الحاد لدى الناس حين يسمعون صوته، فتسكن الطمأنينة في قلوبهم، هكذا صارت المساجد في السينما رمزًا بارزًا لكل مظاهر التطهّر والهداية والتوبة، ثم التحول إلى الأفضل. 

 

 

تعامل‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تربّى‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬الأفلام،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المسجد‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬الله،‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬الصلاح،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬التصفيق‭ ‬المتلاحق‭ ‬في‭ ‬الصالات‭ ‬عندما‭ ‬ينطلق‭ ‬الأذان‭ ‬مدويًا‭ ‬مليئًا‭ ‬بالحماس،‭ ‬ومعبّرًا‭ ‬عمّا‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الناس،‭ ‬وأشهد‭ ‬أنني‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تربّى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬بعد‭ ‬لحظة‭ ‬انطلاق‮ ‬مدفع‭ ‬الإفطار،‭ ‬وعلى‭ ‬أثره‭ ‬مباشرة‭ ‬ينطلق الأطفال‭ ‬إلى‭ ‬البيوت،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬يخرجون‭ ‬حاملين‭ ‬الفوانيس،‭ ‬ويظلّون‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬المرح‭ ‬ساعات‭ ‬غير‭ ‬قليلة‭.‬

‮ ‬كنّا‭ ‬صغارًا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬المآذن‭ ‬كأنها‭ ‬هي‭ ‬التي‮ ‬تعلن‭ ‬للناس أنه‭ ‬حان‭ ‬موعد الإفطار،‭ ‬وكان‭ ‬لتلك‭ ‬الأذان‭ ‬مكانة‭ ‬مقدّسة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع،‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬جسّدتها‭ ‬السينما‭ ‬دومًا‭ ‬بتصوير‭ ‬المآذن‭ ‬العالية‭ ‬المهيبة‭ ‬والمقدسة،‭ ‬والأطفال‭ ‬يقضون‭ ‬ساعاتهم‭ ‬حول‭ ‬المسجد‭ ‬بالنهار،‭ ‬ويعيشون‭ ‬الأوقات‭ ‬السعيدة‭.‬‮  ‬

‮ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬تفتتح‭ ‬مشاهدها‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬أحد‭ ‬المساجد،‭ ‬وقد‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬صوت‭ ‬المؤذن،‭ ‬ثم‭ ‬نرى‭ ‬المصلين‭ ‬وقد‭ ‬أدّوا‭ ‬شعائرهم‭ ‬كي‭ ‬ينطلقوا‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬‮«‬العزيمة‮»‬‭ ‬لكمال‭ ‬سليم‭ (‬1939‭)‬،‭ ‬و«الإيمان‮»‬‭ ‬لأحمد‭ ‬بدرخان‭ (‬1952‭)‬،‭ ‬و«رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الله‮»‬‭ ‬لكمال‭ ‬عطية‭ (‬1960‭).‬

والمسجد‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬هو‭ ‬بؤرة‭ ‬المناطق‭ ‬السكانية،‭ ‬خاصة‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬الآهلة‭ ‬بالناس‭ ‬الذين‭ ‬يتنامى‭ ‬عددهم‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬وكم‭ ‬رأينا‭ ‬المساجد‭ ‬الكبرى،‭ ‬وقد‭ ‬تبرّك‭ ‬أهل‭ ‬المنطقة‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأفلام‭ ‬‮«‬مسمار‭ ‬جحا‮» ‬إخراج‭ ‬ابراهيم‭ ‬عمارة،‭ (‬1952‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬تبدأ‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬المشهد،‭ ‬ومنها‭ ‬الفيلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬سريانا،‭ ‬إخراج‭ ‬ستيفن‭ ‬كاهان‭ (‬2006‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ ‬جورج‭ ‬كلوني،‭ ‬وتدور‭ ‬أحداثه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬أدّوا‭ ‬فريضة‭ ‬الصلاة‭ ‬يخرجون‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬وبصحبة‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬قصته‭ ‬التي‭ ‬تصلح‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬فيلمًا‭ ‬كاملًا‭.‬

 

ارتباط‭ ‬بالمساجد

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة،‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬مثلًا،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السكان جاءوا‭ ‬من‭ ‬الريف،‭ ‬وحاروا‭ ‬في‭ ‬الإقامة‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬أولياء‭ ‬الله‭ ‬الصالحين،‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬السقا‭ ‬مات‮»‬‭ ‬لصلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭ (‬1978‭)‬،‭ ‬و«قنديل‭ ‬أم‭ ‬هاشم‮»‬‭ ‬لكمال‭ ‬عطية‭ (‬1968‭)‬،‭ ‬و«شارع‭ ‬السد‮»‬،‭ ‬إخراج‭ ‬محمد‭ ‬حسيب‭ (‬1986‭)‬،‭ ‬وكلها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مسجد‭ ‬السيدة‭ ‬زينب‭.‬

وأيضًا‭ ‬أفلام‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بنات‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬لحسن‭ ‬الإمام‭ (‬1956‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬أفلام‭ ‬ثلاثية‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬بين‭ ‬القصرين‮»‬‭ ‬و«قصر‭ ‬الشوق‮»‬‭ ‬و«السكّرية‮» ‬لحسن‭ ‬الإمام،‭ ‬و«خان‭ ‬الخليلي‮»‬‭ ‬لعاطف‭ ‬سالم‭ (‬1966‭)‬،‭ ‬و«واحد‭ ‬من‭ ‬الناس‮»‬‭ ‬إخراج‭ ‬أحمد‭ ‬جلال‭ (‬2006‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحسين،‭ ‬وذلك‭ ‬بشكل‭ ‬يمكن‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭ ‬المصرية تقترب‭ ‬من‭ ‬الجامع،‭ ‬وعبّرت‭ ‬عن‭ ‬حب المسلمين‭ ‬الفائق‭ ‬للمساجد،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬مراسم‭ ‬الاحتفال‭ ‬بقدوم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وأيضًا‭ ‬الموالد‭. ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬عبّرت‭ ‬عن‭ ‬ارتباط‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬بالمساجد‭ ‬التي‭ ‬يدخلها‭ ‬الكثيرون‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الناس،‭ ‬فإنّ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبطال‭ ‬الأفلام‭ ‬ربطوا‭ ‬حياتهم‭ ‬ولقمة‭ ‬العيش‭ ‬بالمساجد،‭ ‬فصار‭ ‬المكان‭ ‬كائنًا‭ ‬حيًّا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مكانًا‭ ‬لأداء‭ ‬الشعائر،‭ ‬بل‭ ‬لأهداف‭ ‬اجتماعية،‭ ‬منها‭ ‬إقامة‭ ‬الولائم،‭ ‬وعقد‭ ‬القران‭ ‬للمتزوجين‭ ‬حديثًا،‮ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬المكان‭ ‬الأنسب‭ ‬للدعاء‭ ‬إلى‭ ‬الخالق‭ ‬لفكّ‭ ‬الكرب‭ ‬أو‭ ‬الاستجابة‭ ‬لدعاء‭ ‬ملحّ،‭ ‬ولهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬تعاظمت‭ ‬مكانة‭ ‬المساجد،‭ ‬ووضعت‭ ‬السينما‭ ‬ذلك‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬أسمى‭ ‬صور‭ ‬علاقات‭ ‬البشر‭ ‬بأنفسهم‭ ‬عامة،‭ ‬وأيضًا‭ ‬علاقاتهم‭ ‬ببعضهم‭ ‬البعض‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬بالغ‭ ‬الاتساع،‭ ‬ومهما‭ ‬كتبنا‭ ‬في‭ ‬المقال،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستفاضة‭.‬

 

مركز‭ ‬الثقل

إذا‭ ‬بدأنا‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام،‭ ‬فإن‭ ‬الصورة‭ ‬واضحة‭ ‬جدًا‭ ‬عندما‭ ‬نرى‮ «‬الإيمان‮»‬‭ ‬و«خان‭ ‬الخليلي‮»‬،‭ ‬وأيضًا‭ ‬‮«‬مسمار‭ ‬جحا‮»‬‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬المسجد‭ ‬والشيخ‭ ‬الذي‭ ‬يديره‭ ‬بمنزلة‭ ‬مركز‭ ‬الثقل‭ ‬لكل‭ ‬الأحداث،‭ ‬فالناس‭ ‬عندما‭ ‬تتبرم‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬عربيدًا،‭ ‬فإنّهم‭ ‬يستشيرون‭ ‬إمام‭ ‬المسجد،‭ ‬الذي‭ ‬يذهب‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬المصلين‭ ‬لنقل‭ ‬الشكوى‭ ‬إلى‭ ‬الأخ‭ ‬الأكبر،‭ ‬ويبدو‭ ‬المسجد‭ ‬مؤثرًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

ومثلما‭ ‬بدأ‭ ‬الفيلم‭ ‬بالجامع،‭ ‬فإنه‭ ‬ينتهي‭ ‬وقد‭ ‬عزم‭ ‬الأخ‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة‭ ‬لأداء‭ ‬الشعائر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مرّ‭ ‬بمراحل من‭ ‬التوبة‭ ‬والتطهر‭.‬

أما‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬مسمار‭ ‬جحا‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬الفيلم‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المنحى،‭ ‬حيث‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬الأولى‭ ‬أثناء‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حوار‭ ‬بين‭ ‬حاكم‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬والقاضي‭ ‬جحا،‭ ‬الذي‭ ‬ينتقد سلوك‭ ‬الحاكم،‭ ‬ويقرر‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬حضور‭ ‬الصلاة‭ ‬متخفيًّا،‭ ‬ليسمع‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة‭ ‬بأذنيه‭.‬

وفي‭ ‬الفيلم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬المهمة‭ ‬للمسجد‭ ‬كما‭ ‬تراها‭ ‬السينما،‭ ‬فالقاضي‭ ‬جحا‭ ‬الذي‮ ‬‭ ‬يخطب‭ ‬على‭ ‬المنبر،‭ ‬ينتقد‭ ‬الحاكم‭ ‬الذي‭ ‬يمثّل‭ ‬المستعمر‭ ‬الأجنبي،‭ ‬هذا‭ ‬الحاكم‭ ‬يرسل‭ ‬العسس‭ ‬ليستمعوا‭ ‬إلى‭ ‬جحا‭ ‬ونقل‭ ‬مضمون‭ ‬الخطبة‭ ‬إلى‭ ‬الحاكم،‭ ‬الذي‭ ‬ينزل‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬ليضبط‭ ‬جحا‭ ‬وهو‭ ‬يرتكب‭ ‬فعل‭ ‬الانتقاد‭ ‬ضد‭ ‬الحاكم‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬جدل،‭ ‬ويدور‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬داخل‭ ‬المسجد‭ ‬عقب‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة،‭ ‬حيث‭ ‬يعتمد‭ ‬كاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬على‭ ‬نوادر‭ ‬جحا‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬تراثنا،‭ ‬فكلما‭ ‬حاول‭ ‬الحاكم‭ ‬إيقاع‭ ‬جحا‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬لفظي،‭ ‬أفلت‭ ‬القاضي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يؤم‭ ‬الناس،‭ ‬من‭ ‬المصيدة‭ ‬التي‭ ‬يكاد‭ ‬يقع‭ ‬فيها،‭ ‬وهكذا‭ ‬رأينا‭ ‬المسجد‭ ‬هنا‭ ‬مكانًا‭ ‬للتعبّد‭ ‬وأداء‭ ‬الشعائر،‭ ‬وأيضًا‭ ‬للنضال‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬والظلم‭ ‬ومنبرًا‭ ‬للتنوير‭. ‬وقد‭ ‬جسّد‭ ‬عباس‭ ‬فارس‭ ‬هنا‭ ‬دور‭ ‬جحا،‭ ‬أما‭ ‬دور‭ ‬الحاكم فقد‭ ‬جسّده‭ ‬زكي‭ ‬رستم‭.‬

 

بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم

أما‭ ‬الفيلم‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المنطقة‭ ‬السكنية،‭ ‬ويبدو‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬التي‭ ‬يطل‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬المسجد‭ ‬متواصلًا‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬فكأنه‭ ‬المأوى،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الفتاة‭ ‬تصعد‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬المئذنة‭ ‬وتحسّ‭ ‬كأنها‭ ‬تلتقي‭ ‬هناك‭ ‬بمهد‭ ‬الأمنيات،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬بصدمة‭ ‬نفسية‭ ‬وهي‭ ‬تكاد‭ ‬تسقط‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬المئذنة،‭ ‬وتظل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬يقوم‭ ‬أبوها‭ ‬معها‭ ‬بزيارة‭ ‬عيادات‭ ‬الأطباء،‭ ‬ويلجأ‭ ‬كثيرًا‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬ويكتب رسالة‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬ابنته‭ ‬وهي‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكنّه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬يضعها،‭ ‬وسط‭ ‬إحساس‭ ‬بالحيرة‭ ‬الشديدة‭.‬‮ ‬

‮ ‬بالنسبة‭ ‬لفيلم‭ ‬‮«‬قنديل‭ ‬أم‭ ‬هاشم‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬بين‭ ‬د‭. ‬إسماعيل‭ ‬وخادم‭ ‬المسجد‭ ‬الزينبي،‭ ‬الشيخ‭ ‬درديري،‭ ‬يعكس‭ ‬المقابلة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والعلم‭. ‬

‭ ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬السيدة‭ ‬زينب،‭ ‬حيث‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬مساجد‭ ‬العاصمة،‭ ‬تدخل‭ ‬الكاميرا‭ ‬إلى‭ ‬صحن‭ ‬الجامع‭ ‬والضريح،‭ ‬وهو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تربّى‭ ‬فيه‭ ‬إسماعيل‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬شابًّا،‭ ‬فسافر‭ ‬إلى‭ ‬أوربا،‭ ‬ودرس‭ ‬طب‭ ‬العيون،‭ ‬فلما‭ ‬عاد‭ ‬صارت‭ ‬أمامه‭ ‬مهمة‭ ‬علاج‭ ‬ابنة‭ ‬عمه‭ ‬فاطمة‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تفقد‭ ‬بصرها،‭ ‬ويكتشف‭ ‬أن‭ ‬أسرته‭ ‬تفعل‭ ‬مثل‭ ‬الباقين،‭ ‬وأنهم‭ ‬يعالجون‭ ‬مرضاهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬زيت‭ ‬قناديل‭ ‬المسجد،‭ ‬ويشعر‭ ‬الطبيب‭ ‬الشاب‭ ‬بأنّ‭ ‬الدرس‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬أوربا‭ ‬يجب‭ ‬تجاهله‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬وأن‭ ‬درديري‭ ‬حارس‭ ‬المسجد‭ ‬ينصح‭ ‬باستخدام‭ ‬زيت‭ ‬القنديل،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بقايا‭ ‬اشتعال‭ ‬فتيل‭ ‬القنديل،‭ ‬ويبدو‭ ‬المسجد‭ ‬هنا‭ ‬مشرقًا‭ ‬بأضواء عشرات‭ ‬القناديل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأنحاء‭.‬

وفي‭ ‬لحظة‭ ‬الجدل‭ ‬مع‭ ‬درديري،‭ ‬يحطّم‭ ‬إسماعيل‭ ‬أحد‭ ‬القناديل،‭ ‬وفي‭ ‬الحال‭ ‬يتعرّض‭ ‬للعقاب‭ ‬من‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬المسجد،‭ ‬فالناس‭ ‬لم‭ ‬تتحمّل‭ ‬مسّ‭ ‬المقدّس‭ ‬والموروث،‭ ‬فدافعوا‭ ‬عن‭ ‬مقدساتهم،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الطبيب‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬أدواته،‭ ‬فاستعان‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬المعتقد‭ ‬والعلم‭ ‬حتى‭ ‬نجح‭.‬

 

ملاذ‭ ‬مضمون

حسبما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬الأفلام،‭ ‬فإن‭ ‬الناس‭ ‬بنوا‭ ‬المساجد‭ ‬وسط‭ ‬مساكنهم،‭ ‬وأقاموا‭ ‬فيها‭ ‬شعائرهم،‭ ‬وجعلوها‭ ‬رمزًا‭ ‬لأنماط‭ ‬حيواتهم‭ ‬وعبادتهم‭ ‬وأعيادهم‭. ‬

وكما‭ ‬نرى،‭ ‬فإن‭ ‬المساجد‭ ‬هي‭ ‬المقاصد‭ ‬باعتبارها‭ ‬بيوت‭ ‬الله،‭ ‬وكانت‭ ‬موجودة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬القرى،‭ ‬وحيثما‭ ‬ذهب‭ ‬الناس‭ ‬وصنعوا‭ ‬القصص‭ ‬ذهبت‭ ‬السينما‭.‬

وهناك‭ ‬مثلًا‭ ‬أفلام‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬الشهيرة،‭ ‬مثل‭ ‬منطقة أبو العباس‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‭ ‬التي‭ ‬رأيناها‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬منها‭: ‬‮«‬بنات‭ ‬بحري‮»‬،‭ ‬ومسجد‭ ‬السيد‭ ‬البدوي‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬اللص‮»‬‭ ‬لسعد‭ ‬عرفة‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المساجد‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬لأداء الشعائر،‭ ‬أي‭ ‬الصلاة،‭ ‬فقد‭ ‬توجهت‭ ‬النساء،‭ ‬ومنهن‭ ‬أمهات‭ ‬وعاشقات،‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬لتقديم‭ ‬النذور‭ ‬والدعوات،‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬للحب‭ ‬قصة‭ ‬أخيرة‮»‬‭ ‬إخراج رأفت‭ ‬الميهي‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬المسجد‭ ‬كان‭ ‬الملاذ‭ ‬المضمون‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬أفلام منها‭ ‬‮«‬حميدو‮»‬‭ ‬و«رصيف‭ ‬نمرة‭ ‬5‮»‬‭ ‬‮«‬وجعلوني‭ ‬مجرمًا‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا الفيلم‭ ‬الأخير،‭ ‬فإن‭ ‬الشاب‭ ‬سلطان‭ ‬قد‭ ‬أوى‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ضيق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سدّت‭ ‬أمامه‭ ‬الطرق‭ ‬عقب‭ ‬أن‭ ‬قتل‭ ‬عمّه،‭ ‬وذلك‭ ‬هروبًا‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬للقبض‭ ‬عليه،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬المسجد،‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬منها‭ ‬مكانته،‭ ‬وأيضًا‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬المكانة،‭ ‬فإن‭ ‬الشرطة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬اقتحامه،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬حقيقي،‭ ‬ويتمكّن‭ ‬شيخ‭ ‬المسجد،‭ ‬صديق‭ ‬سلطان،‭ ‬من‭ ‬إقناعه‭ ‬بأن‭ ‬يقدّم‭ ‬نفسه‭ ‬للعدالة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬المساجد‭ ‬كانت‭ ‬دومًا‭ ‬هي‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬يترك‭ ‬البعض‮ ‬عند‭ ‬أبوابها‭ ‬الأبناء‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين،‭ ‬ربما‭ ‬يعثُر‭ ‬عليهم‭ ‬أولاد‭ ‬الحلال،‭ ‬ويقومون‭ ‬بتربيتهم،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬منها‭: ‬‮«‬دهب‮»‬‭ ‬و‮«‬ياسمين‮»‬‭ ‬و«نرجس‮»‬‭ ‬و«ليلة‭ ‬غرام‮»‬‭ ‬وغيرها‭.‬

 

المكانة‭ ‬الأولى

الموضوع‭ ‬بالغ‭ ‬الاتساع،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التناول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬وليلة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عامنا‭ ‬الحالي‭ ‬2020‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬السيدة‭ ‬زينب،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬حي‭ ‬المسجد‭ ‬الكبير،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬الناس،‭ ‬والجامع‭ ‬له‭ ‬المكانة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سلوكهم‭.‬

ولعلّ‭ ‬الصورة‭ ‬الأجمل‭ ‬والأقوى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مكانة‭ ‬الجامع‭ ‬في‭ ‬الأفلام،‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الحدق‮ ‬يفهم‮»‬‭ ‬إخراج‭ ‬أحمد‭ ‬فؤاد‭ (‬1986‭)‬،‭ ‬بطولة‭ ‬محمود‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬والفيلم‭ ‬مأخوذ‭ ‬عن‭ ‬فيلم‭ ‬مغامرات‭ ‬أمريكي‭ ‬أخرجه‭ ‬الفرنسي‭ ‬هنري‭ ‬فرنوي‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬تمثيل‭ ‬أنتوني‭ ‬كوين‭.‬

يدور‭ ‬الفيلم‭ ‬حول‭ ‬رجل‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬البراري،‭ ‬ويضطر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسرق‭ ‬ملابس‭ ‬القس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬القرى‭ ‬الجبلية‭ ‬كي‭ ‬يتسلّم‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وفي‭ ‬الفيلم‭ ‬المصري،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬المطاريد،‭ ‬يدعى‭ ‬جابر،‭ ‬يعترض‭ ‬سبيل‭ ‬إمام‭ ‬مسجد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬القرى‭ ‬لطلب‭ ‬المعونة‭ ‬العاجلة‭ ‬لقريته‭ ‬المنكوبة،‭ ‬فاعترضه‭ ‬قاطع‭ ‬طريق‭ ‬وسرق‭ ‬ملابسه،‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬القرية،‭ ‬وتصرّف‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬إمام‭ ‬المسجد،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬اهتمام‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يستشيرونه،‭ ‬ويدعونه‭ ‬إلى‭ ‬مناسباتهم،‭ ‬وبسبب‭ ‬سلوكه‭ ‬معهم،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الغازية‮»‬‭ ‬تتوب‭ ‬على‭ ‬يديه،‭ ‬ويقرر‭ ‬أخوها‭ ‬اللص‭ ‬الكفّ‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬أمورها،‮ ‬ويلعب‭ ‬جابر‭ ‬دورًا في‭ ‬حماية‭ ‬القرية،‭ ‬ويتمكّن‭ ‬من‭ ‬انتزاع‭ ‬الرصاصة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬‮«‬الغازية‮»‬‭ ‬بمهارة‭ ‬تثير‭ ‬دهشة‭ ‬الطبيب،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬اضطرته‭ ‬وظيفته‭ ‬التي‭ ‬انتحلها‭ ‬إلى‭ ‬صعود‭ ‬المنبر‭ ‬لإلقاء‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة،‭ ‬ووسط‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك،‭ ‬وتبعًا‭ ‬لجلال‭ ‬الموقف،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬النظرات‭ ‬الطيبة‭ ‬لمن‭ ‬يستمعون‭ ‬إليه،‭ ‬فإن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التطهر‭ ‬والإجهاش‭ ‬تصيبه،‭ ‬ويتحدّث‭ ‬عن‭ ‬المعنى‭ ‬الصادق‭ ‬لتجربته‭ ‬مع التوبة‭ ‬النصوح‭.‬

‮ ‬وكما‭ ‬أشرنا‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فإنّ‭ ‬هذا‭ ‬موضوع‭ ‬بالغ‭ ‬الاتساع،‭ ‬ولدينا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬السينما،‭ ‬وكما‭ ‬رأينا،‭ ‬فإن‭ ‬قصص‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬الجوامع‭ ‬الكبرى،‭ ‬أو‭ ‬أضرحة‭ ‬الأولياء‭ ‬وموالدهم،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأماكن‭ ‬قدر‭ ‬وجود‭ ‬المساجد‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والنجوع‭ ‬والكفور‭ ‬