تعقيب حول مقال: مثقف أخوك لا بطل حواس محمود

تعقيب حول مقال: مثقف أخوك لا بطل

أثار لدي المقال المنشور في مجلة "العربي" عدد 413 أبريل 1993 بقلم الدكتور علي شلش بعنوان (مثقف أخوك لا بطل) بعض الملاحظات النقدية تتعلق بمسألة المثقف، ودوره في التنوير ومسئوليته تجاه المجتمع، وعلاقته بالسلطة السياسية.

يفتتح الكاتب مقاله بالعبارة التالية: "نحن نظلم المثقفين ظلما لا نظير له في التاريخ، فمن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن الحملة عليهم اشتدت وأن بعضنا تمادى في اتهامهم بالتقصير إلى حد الخيانة، لأن بعضهم ناصر صدام حسين ولم يحتج على ذلك الغزو العبثي للكويت الذي انتهى بكارثة للعرب أجمعين". ص 56، ولكنه في دخوله للموضوع يبتعد عن فكرة عبارته السابقة وكذلك عن معنى العنوان الرئيسي الذي وضعه للمقال، ويأتي بأمثلة من التاريخ العالمي والعربي حول علاقة المثقف بالسلطة والتداخلات التي تحصل في هذه العلاقة بين إرهاب السلطة للمثقف (جاليلي) وترغيبها له (توفيق الحكيم). إن مقدمة الكاتب لا تتناسب لا من قريب ولا من بعيد مع مضمون المقال والأمثلة التي استشهد بها، وكذلك فإن عنوان المقال أيضا لا يتوافق مع ما ورد فيه من أفكار، إن المقال لا يعالج مسألة المثقف كإنسان أو كبطل، وإنما يمر عليها مرورا سريعا، ويتحول عن هذه الفكرة منذ بداية المقال وحتى نهايته ويتطرق إلى علاقة المثقف بالسلطة في مراحل تاريخية متعددة. لقد كان من المفروض أن يعالج الكاتب مواقف المثقفين حول القضايا العربية الراهنة وخاصة ما يتعلق بالغزو العراقي للكويت، وأن يحلل اتجاهات المثقفين المناصرين للغزو والمناهضين له، وكان بذلك قد دخل في موضوع يمكن مناقشته، يمكن أن يتفرع إلى نقاط عديدة: مسألة المثقف، دوره في عملية التغيير الاجتماعي، المثقف العضوي علاقة المثقف بالسلطات الحالية، أثر النزاعات القطرية، القطرية العربية في إبعاد دور المثقف عن عملية التغيير والتنوير والتوجيه، ورسم الاستراتيجيات السياسية والثقافية والحضارية المستقبلية العربية نحن لا نتفق مع الكاتب في تبرئة المثقف من دوره المطلوب ومسئوليته في عمليات النهوض والتغيير في المجتمع العربي وفي أي مجتمع كان، لأن المثقف هو الطليعة الواعية للشعب ومشعل هداية وتنوير لدروبه الشائكة عبر التاريخ، ومن المستغرب والعجيب حقا أن كاتبا مثل الدكتور علي شلش يجعل من المثقفين وكأنهم بشر عاديون يتعرضون للخطأ والصواب، نحن نقول معه قد يتعرض المثقف للخطأ والصواب من خلال اختلاف وجهات النظر الفكرية في مسائل حساسة ودقيقة تفتح مجالا للاختلاف وليست كمسألة الغزو العبثي للجيش العراقي على الكويت واستباحة أراضيه وحرماته والقيام بأبشع عمليات الإبادة والنهب والاغتصاب بحق الأبرياء من الشعب الكويتي الشقيق، وهل هذه المسألة هي مسألة ثقافية معقدة وصعبة لا يمكن اتخاذ وجهة نظر موضوعية تجاهها؟! إن من يفقه ألف باء الثقافة - وليس كلها - يستطيع أن يبدي موقفا صحيحا وعادلا تجاه هذا الغزو!!، ولكن المسألة هي انتهازية بعض المثقفين ولا موضوعيتهم في اتخاذ الموقف السليم من هذا الغزو، إذ إن هؤلاء المثقفين مازالوا يؤمنون بالوحدة العربية ليس عبر الطريق الديموقراطي وإنما عن طريق الإمبراطوريات العسكرية والاجتياحات العدوانية على غرار (إمبراطورية صدام حسين الموهومة) والتي لم تتحقق، والقضية تتطلب نقاشا أكبر مما حاول الكاتب اختزالها إلى عنوان لتبرئة المثقف من أخطائه والابتعاد عن جذر القضية وتفرعاتها.

 

حواس محمود