جيران القمر عند نجمة القداح
سيتا هاكوبيان... اسم مميّز مبنًى ومعنى... شكلًا ومضمونًا... نجمة سطعت وتحرّكت من مكانها، كما يقول علماء الفلك، إلّا أن ضياءها الذي نراه ما هو إلّا أثرها الذي تتركه وتمضي.
مازال ضياء نجمة البوب العراقية سيتا هاكوبيان (أو كما يروق لي أن أُخَلجنَه صيته) ساطعًا، على الرغم من أفولها الاختياري عن عالَم الموسيقى، وأنا ما زلت ذلك الولد الذي صار يلزم
الشباك (*) ويدعو علّها تعود.
سيتا... تشعر أنّ هذا الاسم رمز أو مفتاح موسيقي أو مقام ربما تربطه صلة قرابة بمقام السيكا. صوت يأسرنا، يخطفنا لأعلى في صعوده كأنّنا على ظهر مارد طيّار ويرتد بنا فيخفضنا لأسفل، لأعماق أنفسنا حتى ننكمش انكماش جناح فراشة. أيّة أغنية لم تغنّها سيتا لم تكن خطفة من عالَم إلى عالَم! حتى الأغاني الفلكلورية كانت «تتستّت»، إن جاز لي أن أشتق فعلًا من اسم سيتا.
أحقًا انقضت هذه الرحلة العلوية التي يأخذني بها شوقي (**) كل مرّة لعالم سيتا؟ فأضيع بين الأضواء والألوان والأحلام وأدور دوران درويش صوفي على نفسه، وأنطوي انطواء العالم الأكبر في العالم الأصغر.
أي خسارة هذه للسلّم الموسيقي؟! نغمة فقدت - في غفلة من الزمن - من أوتار كمان مارة خلال ثقب أوزوني زمني لتختفي عن عالم الموسيقى وتدخل عالم الإخراج... التخلي عن عالم التجلي والنزول الاختياري عن التخت والوقوف خلف الكواليس وشاشات المونتاج.
ما زلت أبحث بين العقل و«السداير» السود (***) عن لون نيلي اختفى وتسرّب من بين أيدينا تمامًا كما يتسرّب الماء من بين أصابعنا وكما نحاول عبثًا أن نمسك نسمة الهواء.
ألا يعرف هؤلاء الفنانون - الذين نعرفهم ونألفهم بقدر ما نحن نكرات معرّفة بأل التعريف بالنسبة لهم (الجمهور) - أنهم يصبحون أصدقاء حميمين نشعر بفراغهم الذي يملأ أنفسنا حينما يختفون، فقد خلقنا ألوفين لو رجعنا إلى الصبا لفارقنا شيبنا موجعي القلب.
يعجبني اعتزازها بنفسها وغضبها حينما يشبّهها أحدهم بجارة القمر (فيروز)، ذلك أن الفنان الحقيقي يرفض أن يكون في ظل فنان آخر أو جلبابه مهما أحبه... ثم متى يكفُّ الإنسان عن عقد هذه المقارنات السمجة؟ أتستقيم المفاضلة بين الشمس والقمر أو بين الورد والياسمين والفل «الرازقي» والقداح؟
كان معلمو الرياضيات المصريون في المدارس الثانوية يلفظون الثاء في اسم رمز قيمة الزاوية اليوناني ثيتا «سيتا»، وكانت هذه إحالة كافية للانتقال من حصة الرياضيات إلى مكان آخر، فأرى المعادلات الرياضية قد أصبحت نوتات موسيقية وأطرب ■
(*) (**) (***) إشارات إلى أغنيتي «الولد... الولد»، و«شوقي خذاني».