بيت الكويت بالقاهرة قصة نجاح وطنية

بيت الكويت بالقاهرة قصة نجاح وطنية

 يبقى التاريخ حافلًا بالأسرار والمفاجآت، وتفتح الدفاتر القديمة لسحب خيط من خيوط الماضي يجرّ معها المغزل بأكمله، وعند غزلها مع خيوط أخرى تتكمل القطعة الفنية لتشكّل بساطًا أقامت عليه شعوب في الأزمنة الغابرة.
وها هو الكاتب الصحفي الأستاذ مظفر عبدالله راشد يشكّل لنا ملامح لحركة فكرية تطورت عبر الزمن بجهد ورؤية وطموح من عاش فيها، فجمع القطع المتناثرة، ووضعها في كتابه «بيت الكويت في القاهرة... قصة نجاح كويتية»، الصادر عن دار ذات السلاسل هذا العام.

 

‭ ‬تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بدايات‭ ‬تطوّر‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التعليمية‭ ‬بالذات،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لإدارة‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬استشفاف‭ ‬أهمية‭ ‬إيفاد‭ ‬الطلبة‭ ‬الكويتيين‭ ‬لاستكمال‭ ‬دراستهم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬الكويت‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال‭.‬

  ‬وينقسم‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬محتواه‭ ‬لـ‭ ‬10‭ ‬محاور،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المقدمة‭ ‬وكلمة‭ ‬المؤلف،‭ ‬إلى‭ ‬الخاتمة‭ ‬والمراجع،‭ ‬مدعمة‭ ‬أيضًا‭ ‬بالصور‭ ‬وبعض‭ ‬الوثائق‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬الرسمية‭ ‬المنشورة‭ ‬آنذاك‭.‬

‭ ‬جاءت‭ ‬البداية‭ ‬بفصل‭ ‬‮«‬الكويت‭... ‬البشر‭ ‬والواقع‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مرورًا‭ ‬زمنيًا‭ ‬سريعًا‭ ‬على‭ ‬جغرافية‭ ‬الكويت‭ ‬وولادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬المهاجر‭ ‬والترابط‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬تلقائيًا،‭ ‬نتيجة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البقعة‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬فاتضحت‭ ‬ملامح‭ ‬حركة‭ ‬تعليمية‭ ‬بدائية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكتاتيب‭ ‬والمساجد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الممارسات‭ ‬اليومية‭ ‬التجارية،‭ ‬فسادت‭ ‬علاقات‭ ‬مودّة‭ ‬واحترام‭ ‬وتواضع‭ ‬متبادل‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬بزمام‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬الحكمة‭ ‬والقضاة،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬إعجاب‭ ‬المقيم‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬آنذاك‭ ‬لحكم‭ ‬بدت‭ ‬تتّضح‭ ‬ملامحه‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬المهاجر‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬بقاع،‭ ‬جاء‭ ‬محملًا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الثقافات‭ ‬التواقة‭ ‬للاختلاط‭ ‬وللمعرفة‭ ‬والعلم‭ ‬والفكر‭ ‬والأدب‭... ‬فبرزت‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وبداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بواكير‭ ‬حركات‭ ‬سياسية‭ ‬أدبية‭ ‬وعلمية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شخصيات‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬الدولة‭ ‬المؤسسية‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬وصحة‭ ‬وفنون‭ ‬وغيرها‭.‬

 

من‭ ‬أعلى‭ ‬بقعة‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الخليج‭ ‬العربي

  ‬تدرّج‭ ‬الكاتب‭ ‬مظفر‭ ‬عبدالله‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬عرض‭ ‬بزوغ‭ ‬شمس‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬أعلى‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬المناخ‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬رصد‭ ‬ثلاثة‭ ‬مظاهر‭ ‬أساسية‭ ‬للاهتمام‭ ‬بالتعليم،‭ ‬وهي‭ ‬أولًا‭: ‬نسخ‭ ‬المخطوطات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1682‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬والكتب‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الأئمة‭ ‬والفقهاء‭ ‬آنذاك،‭ ‬وثانيًا‭: ‬التأليف‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تُطبع‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬مومباي‭ ‬1888،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الطباعة‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬وثالثًا‭: ‬الصحافة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بمجلة‭ ‬الكويت‭ ‬الشهرية‭ ‬عام‭ ‬1928‭ ‬وأصدرها‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الرشيد‭ ‬بمحتواها‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت،‭ ‬ثم‭ ‬توالى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجلات،‭ ‬وصولًا‭ ‬للمجلة‭ ‬التي‭ ‬استقى‭ ‬الكاتب‭ ‬أهم‭ ‬مصادره‭ ‬منها،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬البعثة‮»‬‭ ‬الثقافية‭ ‬الشهرية‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬بالقاهرة‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬1954‭ ‬وترأس‭ ‬تحريرها‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حسين،‭ ‬وخلفه‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬زكريا‭ ‬الأنصاري‭.‬

انتقل‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬وثبات‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬لإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬ظروف‭ ‬نشأة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬والصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأهالي‭ ‬تارة،‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬ترك‭ ‬الأبناء‭ ‬العمل‭ ‬والالتحاق‭ ‬بالتعليم،‭ ‬والمسؤولين‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬التقيّد‭ ‬بالإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬المتاحة،‭ ‬وموقف‭ ‬الجهات‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬المشروع‭.‬

إشعال‭ ‬جذوة‭ ‬التعليم‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النظامي

توسّع‭ ‬انتشار‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬مدرسة‭ ‬المباركية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1911‭ ‬والأحمدية‭ ‬عام‭ ‬1921،‭ ‬وقد‭ ‬قامتا‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬تبرعات‭ ‬المهتمين‭ ‬والمحسنين‭. ‬وبزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المتقدمين‭ ‬للدراسة‭ ‬وازدياد‭ ‬أعداد‭ ‬المدارس،‭ ‬أُسّست‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬والجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والنوادي‭ ‬الثقافية‭ ‬بصورة‭ ‬عشوائية‭ ‬كثيفة،‭ ‬فجاءت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬مجلس‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬1936،‭ ‬برغبة‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭.‬

وحفز‭ ‬حركة‭ ‬ابتعاث‭ ‬الطلبة‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علوي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1863‭ ‬تقريبًا،‭ ‬حين‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لدراسة‭ ‬الدّين‭ ‬والشريعة‭ ‬والطب‭ ‬لاحقًا،‭ ‬والتي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث،‭ ‬مارًّا‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭  ‬طلاب‭ ‬البعثات‭ ‬الأوائل‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1934‭ ‬حين‭ ‬أرسلت‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية‭ ‬أولى‭ ‬طلائع‭ ‬البعثات‭ ‬التي‭ ‬تكوّنت‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬طلاب‭ ‬شكّلوا‭ ‬البعثة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬سافرت‭ ‬لاستكمال‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬والثقافي‭ ‬وتنمية‭ ‬مهاراتهم‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تطوّر‭ ‬بلدهم‭ ‬الكويت،‭ ‬فالتحق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬المبتعثين‭ ‬للخارج‭ ‬لرفع‭ ‬مستوى‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي‭.‬

‭ ‬في‭ ‬المحور‭ ‬الرابع،‭ ‬طاف‭ ‬الكاتب‭ ‬ببداية‭ ‬التعليم‭ ‬شبه‭ ‬النظامي‭ ‬والظروف‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬السائدة‭ ‬بالكويت‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬النفط،‭ ‬وبداية‭ ‬خلق‭ ‬الفكر‭ ‬التنويري‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬خامسًا‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الكويت‭ ‬بالحقبة‭ ‬البترولية‭ ‬بتوقيع‭ ‬عقد‭ ‬امتياز‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬إنجليزية‭/ ‬أمريكية،‭ ‬فبرزت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إدارة‭ ‬التعليم‭ ‬بالكويت‭ ‬وتحويل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العوائد‭ ‬البترولية‭ ‬لتغطية‭ ‬متطلباته،‭ ‬فكان‭ ‬مجلس‭ ‬المعارف‭ ‬وثورة‭ ‬التعليم‭ ‬الصامتة‭ ‬التي‭ ‬أرست‭ ‬دعائمه‭ ‬بالكويت‭.‬

  ‬وحمل‭ ‬المحور‭ ‬السادس‭ ‬الموقف‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬بالكويت،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محفزًا‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ولكن‭ ‬لحاجة‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مهنيين‭ ‬وبعض‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحساب‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مستقبل‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬النفطي،‭ ‬تم‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬التعليم‭. ‬

 

ميلاد‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الكويت‮»‬‭ ‬بالقاهرة

يصف‭ ‬الكاتب‭ ‬مجمل‭ ‬الكتاب‭ ‬بأنها‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬وتطور‭ ‬واندماج‭ ‬الطلبة‭ ‬الكويتيين‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬المتعدد‭ ‬الأغراض‭.‬

    ‬فقد‭ ‬أوفد‭ ‬مجلس‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1939‭ ‬أربع‭ ‬طلاب‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف،‭ ‬فتزايدت‭ ‬أعداد‭ ‬الطلبة‭ ‬تباعًا،‭ ‬حتى‭ ‬ارتفع‭ ‬العدد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1945‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬طالبًا‭ ‬للدراسة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬ومعاهد‭ ‬القاهرة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬المجلس‭ ‬إلى‭ ‬تهيئة‭ ‬مقر‭ ‬لخدمة‭ ‬الطلبة،‭ ‬وتولى‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حسين،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الكويت‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقره‭ ‬الأول‭ ‬بحي‭ ‬الزمالك‭.‬

  ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسهب‭ ‬فيه‭ ‬الأستاذ‭ ‬مظفر‭ ‬في‭ ‬المحور‭ ‬السابع،‭ ‬وهو‭ ‬قلب‭ ‬الحدث،‭ ‬حيث‭ ‬نشأة‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الكويت‮»‬‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬بعدها‭ ‬تتابعت‭ ‬البعثات‭ ‬الكويتية‭ ‬للخارج،‭ ‬فكانت‭ ‬أكبر‭ ‬دافع‭ ‬لافتتاح‭ ‬البيت،‭ ‬وهو‭ ‬أشبه‭ ‬بالمكتب‭ ‬الثقافي‭ ‬وأكثر،‭ ‬لما‭ ‬يقدّمه‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬شاملة‭ ‬للطلاب‭ ‬الكويتيين‭ ‬المبتعثين‭ ‬منذ‭ ‬وصولهم‭ ‬حتى‭ ‬تخرّجهم‭ ‬وعودتهم‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم،‭ ‬فشملت‭ ‬الخدمات‭ ‬توفير‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬في‭ ‬السكن،‭ ‬وتوفير‭ ‬الطعام‭ ‬والمسكن‭ ‬والملبس‭ ‬في‭ ‬كسوتي‭ ‬الشتاء‭ ‬والصيف،‭ ‬وتقديم‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬ومتابعة‭ ‬تحصيلهم‭ ‬الدراسي‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬مستوياتهم‭ ‬التعليمية‭ ‬ومختلف‭ ‬تخصصاتهم‭. ‬

  ‬كما‭ ‬أعدت‭ ‬فيه‭ ‬برامج‭ ‬وأنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬وفنية‭ ‬موسيقية‭ ‬ومسرحية،‭ ‬لشغل‭ ‬أوقات‭ ‬فراغ‭ ‬الطلبة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬أقيمت‭ ‬الندوات‭ ‬شبه‭ ‬الشهرية‭ ‬والمحاضرات‭ ‬والمسابقات‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬والرياضة،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬بالكويت‭.‬

واستضاف‭ ‬البيت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬والمفكرين‭ ‬والفنانين‭ ‬وأصحاب‭ ‬الرأي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬بالمجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬الذين‭ ‬التقوا‭ ‬بهم‭ ‬وأشادوا‭ ‬بعملهم‭ ‬وتطلعاتهم‭ ‬وأحلامهم‭. ‬ونوقشت‭ ‬فيه‭ ‬القضايا‭ ‬التربوية‭ ‬والعلمية‭ ‬والتنموية‭.‬

وجاء‭ ‬التدشين‭ ‬الرسمي‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الدقي‭ ‬عام‭ ‬1958،‭ ‬بحضور‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬ورئيس‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح،‭ ‬والشيخ‭ ‬سعد‭ ‬العبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح،‭ ‬وعبدالعزيز‭ ‬حسين،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬الدولة،‭ ‬وكان‭ ‬افتتاح‭ ‬البيت‭ ‬مهيبًا‭ ‬ومميزًا‭ ‬يحمل‭ ‬تقديرًا‭ ‬للعلاقات‭ ‬الأخوية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الشقيقين،‭ ‬ليكون‭ ‬سكنًا‭ ‬للطلبة‭ ‬الكويتيين‭.‬

 

مجلة‭ ‬البعثة‭... ‬قوة‭ ‬ثقافية‭ ‬باهرة

أصدر‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬سنته‭ ‬الثانية‭ ‬مجلة‭ ‬شهرية‭ ‬بإشراف‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حسين،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬البعثة‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬الكاتب‭ ‬عليها‭ ‬بصورة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬البحث،‭ ‬فجمع‭ ‬مادة‭ ‬جيدة،‭ ‬وتقصّى‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬مجريات‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬البيت‭ ‬آنذاك،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قوّة‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬والطرح،‭ ‬كما‭ ‬حملت‭ ‬تفاصيل‭ ‬أنشطة‭ ‬يومية‭ ‬وحياتية‭ ‬بين‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬والقاهرة،‭ ‬فكان‭ ‬لها‭ ‬الانتشار‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬سكن‭ ‬الطلاب،‭ ‬فأصبحت‭ ‬المجلة‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬بالقاهرة‭ ‬أداة‭ ‬تعريفية‭ ‬فعّالة‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال‭. ‬وعرّفت‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬الكويت‭ ‬الجغرافي‭ ‬وشعبه‭ ‬واقتصاده‭ ‬وطموحاته،‭ ‬فكانت‭ ‬سجلًا‭ ‬للكويت‭ ‬والعرب‭ ‬وخير‭ ‬سفير‭ ‬للوطن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

  ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬موضوعات‭ ‬تربوية‭ ‬وتعليمية‭ ‬وأنشطة‭ ‬فكرية‭ ‬واجتماعية‭ ‬أقيمت‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الطلبة‭ ‬المبتعثين،‭ ‬ورصدت‭ ‬التحولات‭ ‬العربية‭ ‬والمحلية‭ ‬الشاملة‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والفنية‭ ‬والصحية،‭ ‬وأيضًا‭ ‬التاريخية،‭ ‬وقد‭ ‬هيأت‭ ‬جميعها‭ ‬أساسًا‭ ‬لتكوين‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭.‬

 

أعمدة‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الكويت‮»‬‭ ‬في‭ ‬القاهرة

جاء‭ ‬الجزء‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬بهذا‭ ‬العنوان‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬دور‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬النهضة‭ ‬التعليمية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬هذا‭ ‬البيت،‭ ‬فكان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬لاحق‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬بتوليهم‭ ‬مناصب‭ ‬حساسة‭ ‬قادت‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬تبوؤ‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي‭.‬

    ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬دور‭ ‬المؤسسين‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬دور‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التربوية،‭ ‬وهم‭: ‬

1 ‭- ‬الأستاذ‭/ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬حسين‭ (‬1920‭ - ‬1996‭)‬

2 ‭- ‬الشاعر‭/ ‬أحمد‭ ‬العدواني‭ (‬1023‭ - ‬1990‭)‬

3 ‭- ‬الأستاذ‭/ ‬حمد‭ ‬الرجيب‭ (‬1922‭ - ‬1998‭)‬

4 ‭- ‬الشاعر‭ ‬الأديب‭ ‬عبدالله‭ ‬زكريا‭ ‬الأنصاري‭ (‬1922‭ -  2006‭)‬

    ‬وهم‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الكويت‭ ‬تولوا‭ ‬إدارة‭ ‬بيت‭ ‬القاهرة‭ ‬ودورهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية،‭ ‬وأثرهم‭ ‬البالغ‭ ‬في‭ ‬النقلة‭ ‬العظيمة‭ ‬بالتعليم‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدولة‭. ‬وقيادة‭ ‬الدولة‭ ‬لنماء‭ ‬فكري‭ ‬وتعليمي‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬مشرقة‭ ‬للانطلاق‭ ‬بدولة‭ ‬مؤسسية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬تامة‭. ‬

  ‬وقدّم‭ ‬المحور‭ ‬العاشر‭ ‬شهادات‭ ‬بحق‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬ومجلة‭ ‬البعثة‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة،‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الكويتية‭ ‬د‭. ‬عبدالله‭ ‬يوسف‭ ‬الغنيم،‭ ‬وشهادة‭ ‬د‭. ‬سليمان‭ ‬الشطي،‭ ‬وهو‭ ‬أديب‭ ‬وقاص‭ ‬وأستاذ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬والسيدة‭ ‬فاطمة‭ ‬حسين،‭ ‬وهي‭ ‬كاتبة‭ ‬وإعلامية‭ ‬عاصرت‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة،‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬دفعات‭ ‬البنات‭ ‬التي‭ ‬سافرت‭ ‬لاستكمال‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭.‬

ويرى‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬الإيمان‭ ‬بأهمية‭ ‬العلم‭ ‬والفكر‭ ‬والمعرفة‭ ‬وتوثيقه‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬البعثة‭ ‬هو‭ ‬بمنزلة‭ ‬سجلّ‭ ‬وثائق‭ ‬يأوي‭ ‬مدونة‭ ‬للأحداث‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬والقاهرة‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وشمل‭ ‬جميع‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة‭ ‬ونشاطاتها‭.‬

 

الإيمان‭ ‬بأهمية‭ ‬التوثيق

استند‭ ‬مظفر‭ ‬راشد‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬كتابه‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مصادر،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬مجلة‭ ‬البعثة‭ ‬الشهرية‭ ‬التي‭ ‬أصدرها‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توقفت‭ ‬عام‭ ‬1954،‭ ‬حيث‭ ‬أرَخ‭ ‬الكتاب‭ ‬حقبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬إذ‭ ‬انطلق‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬كمركز‭ ‬ثقافي‭ ‬ناهض‭ ‬يقوده‭ ‬تباعًا‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬التنوير‭ ‬الثقافي،‭ ‬هم‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حسين‭ ‬والأنصاري‭ ‬والرجيب‭ ‬والعدواني،‭ ‬وقدّم‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭ ‬أثرت‭ ‬بجلاء‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭. ‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬إثراء‭ ‬الكتاب‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الهوامش‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬غنى‭ ‬الموضوعات،‭ ‬مرفقة‭ ‬بمصادرها‭ ‬الأساسية،‭ ‬كما‭ ‬أضاف‭ ‬كشوفًا‭ ‬لأوائل‭ ‬الطلبة‭ ‬والطالبات‭ ‬المبتعثين‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومصر،‭ ‬وعرض‭ ‬أيضًا‭ ‬ملخصًا‭ ‬مركزًا‭ ‬وغنيًا‭ ‬للباحثين‭ ‬عن‭ ‬بدايات‭ ‬الثقافية‭ ‬الكويتية،‭ ‬ودور‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بهذه‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬الانطلاق‭ ‬للعالم،‭ ‬متسلّحة‭ ‬بشباب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬الجد‭ ‬والعمل‭ ‬والدراسة‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنهم‭ ‬كلٌّ‭ ‬في‭ ‬مجاله‭.  ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬تعدّ‭ ‬هذه‭ ‬المطبوعة‭ ‬حجر‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬أركان‭ ‬الثقافة‭ ‬الكويتية‭