«بنات الصين» حيرة التجنيس وذوبان الماضي في المستقبل

«بنات الصين» حيرة التجنيس وذوبان الماضي في المستقبل

تبدو حيرة الناشر في تجنيس كتاب «بنات الصين» للأديبة الصينية يي مِاي، مبرّرة ومشروعة، فعلى الغلاف الخارجي نجد وصف «قصص قصيرة مترجمة»، وعلى الغلاف الداخلي وصف «رواية من الصين»، وما بين التعريفين يمكن أن نعثر على التجنيس الأقرب لروح العمل على مستويي الشكل والموضوع وهو «المتوالية القصصية». فالكتاب يتضمّن خمس قصص طويلة، كلٌ منها مكتملة بذاتها من حيث فكرتها وموضوعها وشخوصها، إلخ، لكنّ ترتيب القصص في الكتاب يقدّم معنى عامًا عند ربط القصص ببعضها البعض.

 

 

 

‮«‬بنات‭ ‬الصين‮»‬‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬العربي‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬بترجمة‭ ‬ياسمين‭ ‬مصطفى،‭ ‬أما‭ ‬الأديبة‭ ‬يي‭ ‬مِاي،‭ ‬فهي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬قومية‭ ‬‮«‬تو‭ ‬جيا‮»‬‭ ‬إحدى‭ ‬الأقليات‭ ‬الصينية،‭ ‬وهي‭ ‬عضوة‭ ‬باللجنة‭ ‬العليا‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتّاب‭ ‬بالصين،‭ ‬ونائبة‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬النثر‭ ‬الصينية،‭ ‬كتبت‭ ‬القصة‭ ‬والسيناريو‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المسلسلات‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬مجموعاتها‭ ‬القصصية‭: ‬‮«‬نهر‭ ‬قوارب‭ ‬التنين‭ ‬الكئيب‮»‬‭ ‬و«تسعة‭ ‬أصوات‮»‬‭ ‬و«الحب‭ ‬الأول‮»‬‭.‬

يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬‮«‬بنات‭ ‬الصين‮»‬‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬الأقليات،‭ ‬حيث‭ ‬تبرز‭ ‬الكاتبة‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها،‭ ‬وإيجابياتها،‭ ‬وطرق‭ ‬تفكيرها،‭ ‬وعاداتها،‭ ‬ثم‭ ‬توضح‭ ‬كيف‭ ‬حصل‭ ‬التصادم‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الحداثة،‭ ‬وما‭ ‬لكلٍ‭ ‬منهما‭ ‬وما‭ ‬عليه‭.‬

وتعد‭ ‬شخصية‭ ‬الكاهن‭ ‬تشين‭ ‬لاو‭ ‬آر‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬المتوالية،‭ ‬فهو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬قصص‭ ‬المجموعة،‭ ‬لكن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الأولى‭ ‬يظهر‭ ‬بصفته‭ ‬كاهن‭ ‬القبيلة،‭ ‬وممثل‭ ‬التراث،‭ ‬وحامل‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬والحافظ‭ ‬لها،‭ ‬صاحب‭ ‬القدرات‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬الأمراض،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأرواح،‭ ‬لكنّ‭ ‬القصة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تحكي‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬شبابه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الكهانة‭ ‬ليصبح‭ ‬‮«‬تي‭ ‬ماي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أنّبه‭ ‬ضميره‭ ‬لأنه‭ ‬نام‭ ‬مع‭ ‬زوجة‭ ‬أخيه،‭ ‬وحملت‭ ‬منه،‭ ‬فاعتزل‭ ‬العالَم‭ ‬ليكفّر‭ ‬عن‭ ‬خطيئته،‭ ‬وهذا‭ ‬الترتيب‭ ‬مهم‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬قراءتنا‭ ‬هذه،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الكاتبة‭ ‬قدّمت‭ ‬التراث‭ ‬الخاص‭ ‬بقوميّتها‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬شبه‭ ‬المكتملة‭ ‬بالقصة‭ ‬الأولى،‭ ‬لكنّها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬بقية‭ ‬القصص‭ ‬تفكّك‭ ‬هذا‭ ‬التراث،‭ ‬وتعيد‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الحداثة،‭ ‬لكنّها‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تراثها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬القصة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتكشف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬مقدّس،‭ ‬وكأنها‭ ‬تقدّم‭ ‬تبريرًا‭ ‬أو‭ ‬تحليلًا‭ ‬لضرورة‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬مسايرة‭ ‬الجديد،‭ ‬وإلا‭ ‬كُتب‭ ‬الفناءُ‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يعاند‭.‬

شخصيات‭ ‬وأسر‭ ‬عديدة‭ ‬نجدها‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قصة،‭ ‬مثل‭ ‬جيوي‭ ‬تسي،‭ ‬وهو‭ ‬شي‭ ‬هوي،‭ ‬وأسرتي‭ ‬تيان‭ ‬وتيانج‭ ‬وغيرهم،‭ ‬حيث‭ ‬تحكي‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬جانبًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودًا‭ ‬في‭ ‬سابقتها،‭ ‬لكنّه‭ ‬يكمل‭ ‬لنا‭ ‬صورة‭ ‬الشخصية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬صورة‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عنها‭ ‬كل‭ ‬القصص؛‭ ‬قومية‭ ‬‮«‬تو‭ ‬جيا‮»‬‭.‬

 

شيخ‭ ‬القبيلة

تحرص‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬أولى‭ ‬قصص‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقدّم‭ ‬وصفًا‭ ‬للعادات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬قومية‭ ‬تو‭ ‬جيا،‭ ‬وطقوس‭ ‬إرضاء‭ ‬الآلهة،‭ ‬وعناصر‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بهم،‭ ‬بل‭ ‬وتستخدم‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬في‭ ‬الوصف‭ ‬بشكل‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬قيمًا‭ ‬جمالية‭ ‬سردية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنّها‭ ‬وصف‭ ‬لمسرح‭ ‬الأحداث‭ ‬القصصية،‭ ‬‮«‬دارت‭ ‬حوله‭ ‬مثل‭ ‬الفراشة،‭ ‬وابتسمت‭ ‬له‭ ‬مثل‭ ‬الزهرة‮»‬‭ (‬ص‭ ‬16‭)‬،‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬دفع‭ ‬الخشب‭ ‬انحنى‭ ‬مثل‭ ‬تنّين‭ ‬سابح،‭ ‬وعندما‭ ‬يسحبه‭ ‬يسترده‭ ‬مثل‭ ‬ثعبان‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مخبئه‮»‬‭ (‬ص‭ ‬22‭)‬،‭ ‬‮«‬كانا‭ ‬طائرين‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬مختلفة،‭ ‬أو‭ ‬مياهًا‭ ‬من‭ ‬نهرين‭ ‬مختلفين‮»‬‭ (‬ص‭ ‬63‭).‬

وتروى‭ ‬القصة‭ ‬بشكل‭ ‬تقليدي‭ ‬وتعاقُب‭ ‬زمني‭ ‬اعتيادي‭ ‬لتناسب‭ ‬أجواء‭ ‬الحكاية‭ ‬التقليدية‭ ‬ذاتها‭.‬

تقدّم‭ ‬القصة‭ ‬أول‭ ‬احتكاك‭ ‬عنيف‭ ‬مع‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬قومية‭ ‬تو‭ ‬جيا،‭ ‬فالغريب‭ ‬لي‭ ‬آن‭ ‬يسرق‭ ‬دجاجة،‭ ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬عليه،‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬تشين‭ ‬ياو‭ ‬بأن‭ ‬يبقى‭ ‬بينهم،‭ ‬ويتزوج‭ ‬الجميلة‭ ‬وو‭ ‬نيانغ،‭ ‬لأنه‭ ‬لاحظ‭ ‬أنها‭ ‬أحبت‭ ‬الغريب‭.‬

كان‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬يحبها،‭ ‬لكنّه‭ ‬كتم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬صدره،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬الليلة‭ ‬الأولى‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستخدمه‭ ‬قط؛‭ ‬بصفته‭ ‬ربّ‭ ‬القبيلة،‭ ‬لكنّه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬وو‭ ‬نيانغ،‭ ‬ثم‭ ‬صُدم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرض‭ ‬عليها‭ ‬الزواج‭ ‬‮«‬وقفت‭ ‬بعيدًا،‭ ‬ثم‭ ‬انحنت‭ ‬أمامه،‭ ‬ووضعت‭ ‬كفّيها‭ ‬أمام‭ ‬جبهتها‭. ‬صدم‭ ‬الأمر‭ ‬تشين‭ ‬ياو،‭ ‬وأدرك‭ ‬أنها‭ ‬تؤدي‭ ‬رقصة‭ ‬الإله‭ ‬شه‭ ‬با‭. ‬كانت‭ ‬تتعبد‭ ‬للإله‭. ‬أدرك‭ ‬الأمر‭ ‬الآن‭. ‬كانت‭ ‬وو‭ ‬نيانغ‭ ‬تراه‭ ‬إلهًا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬مشاعر‭ ‬إنسانية‮»‬‭ (‬ص‭ ‬35‭) (‬الصواب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬‮«‬تُكِّنّ‮»‬‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬تكون‮»‬‭).‬

يبدو‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬نبيلًا‭ ‬متسامحًا‭ ‬طوال‭ ‬القصة،‭ ‬والجميلة‭ ‬خاضعة‭ ‬لحبّها،‭ ‬والغريب‭ ‬نذلًا‭ ‬يضربها‭ ‬ويهينها‭ ‬ويكيد‭ ‬لشيخ‭ ‬القبيلة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬يتأكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وضعته‭ ‬زوجته‭ ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة،‭ ‬كما‭ ‬سيظهر‭ ‬لاحقًا،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬تشين‭ ‬ياو‭ ‬ينقذ‭ ‬الغريب‭ ‬مرّات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬القتل‭.‬

‮«‬لقد‭ ‬أنقذت‭ ‬حياتي،‭ ‬لكنني‭ ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيجلب‭ ‬عليك‭ ‬المشكلات‭.‬

ابتسم‭ ‬تشين‭ ‬ياو‭ ‬بهدوء‭:‬

فعلت‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وو‭ ‬نيانغ،‭ ‬وحبها‭ ‬العميق‭ ‬لك،‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أرملة‭ ‬تعيسة‭.‬

قال‭ ‬لي‭ ‬آن‭:‬

أليس‭ ‬هذا‭ ‬أفضل‭ ‬لك؟‭!‬

أندم‭ ‬على‭ ‬تزويجك‭ ‬وو‭ ‬نيانغ،‭ ‬فأنت‭ ‬بالكاد‭ ‬تفهمها‮»‬‭ (‬ص‭ ‬41‭).‬

يكبر‭ ‬الحقد‭ ‬بقلب‭ ‬الغريب،‭ ‬يحاول‭ ‬قتل‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة،‭ ‬ويحرق‭ ‬بيته‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬الحكم‭ ‬العريق،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعدمه‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة،‭ ‬ولا‭ ‬يسلّمه‭ ‬لقائد‭ ‬الكتيبة‭ ‬التي‭ ‬هرب‭ ‬منها‭ ‬لجُبنه،‭ ‬وتصل‭ ‬النذالة‭ ‬بالغريب‭ ‬أن‭ ‬يهدد‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬بالطفل،‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬لسانه‭ ‬مقابل‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬ولده،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكدت‭ ‬الطقوس‭ ‬انتسابه‭ ‬إلى‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة،‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬وقف‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬تحت‭ ‬الشجرة،‭ ‬أخرج‭ ‬الكاهن‭ ‬إبرة‭ ‬من‭ ‬الفضة‭ ‬أمام‭ ‬الجميع،‭ ‬ووخز‭ ‬إصبع‭ ‬تشين‭ ‬ياو،‭ ‬وإصبع‭ ‬الرضيع‭. ‬سقطت‭ ‬قطرتا‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬الوعاء،‭ ‬ثم‭ ‬بالتدريج‭ ‬سبحتا‭ ‬معًا‭ ‬مثل‭ ‬الضفادع‭ ‬الصغيرة،‭ ‬ثم‭ ‬اندمجتا‭ ‬معًا‭ ‬سريعًا،‭ ‬فوجئ‭ ‬الحاضرون‭. ‬ثم‭ ‬قطع‭ ‬الكاهن‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬تشين‭ ‬ياو‭ ‬ومن‭ ‬رأس‭ ‬الرضيع‭. ‬وأحرق‭ ‬كل‭ ‬حزمة‭ ‬وحدها‭ ‬على‭ ‬طاولة‭. ‬ارتفع‭ ‬الدخان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حزمة‭ ‬ثم‭ ‬التقيا‭ ‬وامتزجا،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحا‭ ‬خطًا‭ ‬واحدًا‮»‬‭ (‬ص‭ ‬67‭).‬

تهرب‭ ‬وو‭ ‬نيانغ‭ ‬بطفلها،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يأخذه‭ ‬أحد‭ ‬منها،‭ ‬يطارد‭ ‬الكاهن‭ ‬وبعض‭ ‬أبناء‭ ‬القبيلة‭ ‬الغريب،‭ ‬يكتشفون‭ ‬موت‭ ‬وو‭ ‬نيانغ،‭ ‬لكنّ‭ ‬الطفل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حيًا،‭ ‬وشيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتكلم،‭ ‬وكأنه‭ ‬رمز‭ ‬لبداية‭ ‬انهيار‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة،‭ ‬ممثلًا‭ ‬في‭ ‬كبيرها‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬الماضي،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قُطع‭ ‬لسانه‭.‬

 

كهف‭ ‬في‭ ‬الجبال

تروي‭ ‬القصة‭ ‬بتعاقُب‭ ‬سردي‭ ‬ممتع‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬الماضي‭ ‬الممثل‭ ‬في‭ ‬تيان‭ ‬ابن‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬الذي‭ ‬يحب‭ ‬لابراكوت،‭ ‬ابنة‭ ‬المدينة،‭ ‬والصراع‭ ‬للوصول‭ ‬إليها،‭ ‬وانتحار‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة،‭ ‬وتغيير‭ ‬نظام‭ ‬الشيوخ‭ ‬المستقلين،‭ ‬وكأن‭ ‬نبوءة‭ ‬القصة‭ ‬الأولى‭ ‬تحققت‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬الثانية،‭ ‬ويكون‭ ‬الحاضر‭ ‬السردي‭ ‬ممثلًا‭ ‬في‭ ‬تيان‭ ‬الحفيد‭ ‬وجدّه‭ ‬الذي‭ ‬أُطْلِقَ‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬الجيش‭ ‬الأحمر‮»‬،‭ ‬لقيامه‭ ‬بأعمال‭ ‬بطولية‭ ‬لخدمة‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭.‬

القصة‭ ‬تقدّم‭ ‬فكرة‭ ‬الثروة‭ ‬والصراع‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬كنز‭ ‬قديم‭ ‬مدفون‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الكهوف،‭ ‬لكنّ‭ ‬تيان‭ ‬الحفيد‭ ‬يكتشف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬الكنوز‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬المهمة،‭ ‬وليست‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬القيمة،‭ ‬بل‭ ‬الحياة‭ ‬نفسها‭ ‬قيمة،‭ ‬والحب‭ ‬قيمة،‭ ‬ومن‭ ‬يشعر‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬إنسان‭ ‬له‭ ‬قيمة‭ ‬حقًا‭ ‬‮«‬هكذا‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬التسلق‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬المجرى،‭ ‬ووقف‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الحفرة‭. ‬أراد‭ ‬الرقص‭ ‬والغناء،‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬كونه‭ ‬حيًا‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬الأشياء‭ ‬إبهارًا‭. ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬أخذ‭ ‬قرارًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نهر‭ ‬المياه‭ ‬العذبة،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬بيتش،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يحيا‭ ‬حياة‭ ‬ذات‭ ‬معنى‮»‬‭ (‬ص‭ ‬135‭).‬

 

شجرة‭ ‬الأزهار‭ ‬

يتطور‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أفكار‭ ‬أبطالها،‭ ‬وعلاقات‭ ‬الحب‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بينهم،‭ ‬كما‭ ‬تتميز‭ ‬بنَفَسٍ‭ ‬شعري‭ ‬في‭ ‬السرد،‭ ‬وفي‭ ‬كثرة‭ ‬استخدام‭ ‬الأغاني‭ ‬الشعبية‭ ‬والأشعار‭ ‬مضفّرة‭ ‬بأحداث‭ ‬الحكاية،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬إله‭ ‬كشيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬وجميلة‭ ‬مثل‭ ‬وو‭ ‬نيانغ،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكراهية،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬المصلحة،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬المرأة‭ ‬خاضعة‭ ‬لنداء‭ ‬قلبها،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الرفض،‭ ‬والانتقام،‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬الابتعاد‭ ‬عندما‭ ‬تريد،‭ ‬فالجدة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬ذكرى‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬تُفاجأ‭ ‬به‭ ‬يعود‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬ومعه‭ ‬زوجة‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنّ‭ ‬الجدة‭ ‬ترفض‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وتظل‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬أنّه‭ ‬ميت‭. ‬

والحفيدتان؛‭ ‬تعيش‭ ‬إحداهما‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬سريّة‭ ‬مع‭ ‬تاجر‭ ‬غني‭ ‬وعجوز‭ ‬هو‭ ‬والد‭ ‬صديقتها،‭ ‬وعندما‭ ‬تحمل‭ ‬منه،‭ ‬وتكتشف‭ ‬نذالته،‭ ‬تحرق‭ ‬نفسها‭ ‬ودكانه،‭ ‬ليخسر‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وأختها‭ ‬المدرّسة‭ ‬العانس‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬قائد‭ ‬المنطقة،‭ ‬ثم‭ ‬تكتشف‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بالعظمة‭ ‬التي‭ ‬تظنّها،‭ ‬وأنه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مجرد‭ ‬موظف‭ ‬مستعد‭ ‬لفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ليحافظ‭ ‬على‭ ‬وظيفته‭ ‬ويترقّى،‭ ‬فترفض‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعيينها‭ ‬معلمة‭ ‬بالواسطة،‭ ‬وتقرر‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬لكنّها‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬جذورها‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬قومها‭ ‬في‭ ‬الجبل‭.‬

 

‮«‬حلقت‭ ‬الطائرة‭ ‬الورقية‭ ‬في‭ ‬السماء

خيطًا‭ ‬يربطها‭ ‬بالأرض

ألا‭ ‬ترى‭ ‬الأزهار‭ ‬تتفتح

جذورها‭ ‬في‭ ‬الجبل»؟

 

عته‭ ‬شهر‭ ‬مايو

كان‭ ‬موقف‭ ‬البنات‭ ‬في‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬الأزهار‮»‬‭ ‬بداية‭ ‬للتمرد‭ ‬الذي‭ ‬يكتمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة،‭ ‬حيث‭ ‬تأخذ‭ ‬البنات‭ ‬قرارها‭ ‬بمفردها،‭ ‬بل‭ ‬وتكتب‭ ‬الشّعر‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬تطلعاتها‭ ‬بجرأة،‭ ‬فالفتاة‭ ‬آر‭ ‬مي‭ ‬تكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬لنوعية‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬لرجل‭ ‬معيّن،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الرجل‭ ‬الفرد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يرتبط‭ ‬بأحلامها،‭ ‬بقدر‭ ‬شكل‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تحياها‭:‬

 

‮«‬أنت‭ ‬نار

وأنا‭ ‬أريد‭ ‬إلقاء‭ ‬نفسي‭ ‬بين‭ ‬ذراعيك

أتطلع‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬ككرة‭ ‬لهب

أحمل‭ ‬الشجاعة‭ ‬والتخيل

حتى‭ ‬إن‭ ‬احترقت‭ ‬وأصبحت‭ ‬رمادًا‮»‬‭ (‬238‭)‬

تغادر‭ ‬بلدتها‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬للعثور‭ ‬على‭ ‬حبيبها،‭ ‬رغم‭ ‬علمها‭ ‬بأنه‭ ‬خطب‭ ‬غيرها،‭ ‬وهناك‭ ‬تصطدم‭ ‬بتفسُّخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فخالتها‭ ‬تجعل‭ ‬منها‭ ‬خادمة‭ ‬بالأجر،‭ ‬وتتعمّد‭ ‬إذلالها،‭ ‬فتترك‭ ‬لها‭ ‬البيت،‭ ‬وتعمل‭ ‬في‭ ‬صالون‭ ‬تجميل‭ ‬وحلاقة،‭ ‬وتصدم‭ ‬أيضًا‭ ‬بعلاقات‭ ‬العمل‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬الخاصة‭ ‬والتنافسية‭ ‬الشديدة،‭ ‬فتترك‭ ‬العمل،‭ ‬وتذهب‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬حبيبها‭ ‬بين‭ ‬عمّال‭ ‬المناجم،‭ ‬وهناك‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬رقم‭ ‬تليفون‭ ‬قد‭ ‬يوصلّها‭ ‬إليه،‭ ‬وتبرع‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬بتركها‭ ‬مفتوحة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الحبيب‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬رمز‭ ‬للمستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬رجل‭ ‬معروف،‭ ‬اسمه‭ ‬هو‭ ‬شي‭ ‬هوي،‭ ‬والمستقبل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬غامضًا،‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬آر‭ ‬مي‭ ‬طوال‭ ‬القصة،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الأكيد‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬مستقبلًا‭ ‬سعيدًا‭ ‬وطيبًا‭:‬

‮«‬كان‭ ‬عليها‭ ‬إجراء‭ ‬مكالمة‭ ‬في‭ ‬التليفون‭ ‬العام،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تثق‭ ‬بأن‭ ‬أحدًا‭ ‬سيجيب‭. ‬وإن‭ ‬أجاب‭ ‬أحدهم‭ ‬فربّما‭ ‬لا‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬هو‭ ‬شي‭ ‬هوي‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬وإن‭ ‬وجدته‭ ‬فمن‭ ‬يعرف‭ ‬أيّ‭ ‬تغيير‭ ‬أصاب‭ ‬هذا‭ ‬القرد‭. ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاحتمالات‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬الحياة،‭ ‬تعيش‭ ‬الآن‭ ‬آر‭ ‬مي‭ ‬التي‭ ‬أتت‭ ‬من‭ ‬المنحدر‭ ‬الحجري‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬وتنتظر‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‮»‬‭ (‬ص‭ ‬293‭).‬

 

نهر‭ ‬يملأه‭ ‬الحزن

تعتبر‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬أفضل‭ ‬قصص‭ ‬المتوالية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬البناء‭ ‬السردي‭ ‬المتميز،‭ ‬تليها‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬كهف‭ ‬في‭ ‬الجبال‮»‬،‭ ‬فالزمن‭ ‬القصصي‭ ‬هو‭ ‬وقت‭ ‬جنازة‭ ‬تشين‭ ‬لاو‭ ‬دا،‭ ‬حيث‭ ‬تستعيد‭ ‬زوجته‭ ‬باتشا‭ ‬حياته‭ ‬كلّها‭ ‬في‭ ‬ذاكرتها،‭ ‬وتكمل‭ ‬روحه‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬تراقب‭ ‬الأحداث،‭ ‬تذكَّر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬باتشا‭: ‬شباب‭ ‬تشين‭ ‬لاو‭ ‬دا‭ ‬واغتصابه‭ ‬لفتاة‭ ‬من‭ ‬قومية‭ ‬الهاكا،‭ ‬نوم‭ ‬تشين‭ ‬لاو‭ ‬آر‭ ‬مع‭ ‬باتشا،‭ ‬ثم‭ ‬قراره‭ ‬بأن‭ ‬يصبح‭ ‬كاهنًا‭ (‬تي‭ ‬ما‭)‬،‭ ‬موت‭ ‬جنين‭ ‬باتشا‭ ‬وأخذها‭ ‬جنين‭ ‬فتاة‭ ‬الهاكا‭ ‬وتربيته‭ ‬حتى‭ ‬يكبر‭ ‬ويتزوج،‭ ‬ويصبح‭ ‬له‭ ‬حفيد‭ ‬يحضر‭ ‬الجنازة،‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬جده،‭ ‬وهو‭ ‬قارب‭ ‬البازلاء‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬قوارب‭ ‬التنين،‭ ‬فيصنع‭ ‬عدة‭ ‬قوارب‭ ‬تكون‭ ‬للسياحة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬الشاحنات‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬البضائع،‭ ‬وتستمر‭ ‬الحياة،‭ ‬فتعجب‭ ‬فتاة‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬بالحفيد،‭ ‬والتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬ترفع‭ ‬فتاة‭ ‬الهاكا‭ ‬لزواجها‭ ‬من‭ ‬المنسق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شنق‭ ‬أبوها‭ ‬نفسه‭ ‬لاكتشافه‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬عذراء،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تنفي‭ ‬زوجها‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬إلى‭ ‬الريف،‭ ‬ولا‭ ‬تعود‭ ‬هي‭ ‬معلمة،‭ ‬بل‭ ‬عاملة‭ ‬نظافة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬فالسياسة‭ ‬تغيّر‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬والتحديث‭ ‬لا‭ ‬يُبقي‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يتأقلم‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬يضيع‭.‬

إن‭ ‬التعريف‭ ‬بجوانب‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قصة،‭ ‬أعطى‭ ‬تماسكًا‭ ‬داخليًا‭ ‬لبناء‭ ‬المتوالية‭ ‬القصصية،‭ ‬وترابطًا‭ ‬بين‭ ‬قصصها‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬تطورًا‭ ‬في‭ ‬الفكرة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬القصص‭ ‬بمواصلة‭ ‬قراءة‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهي‭ ‬انتهاء‭ ‬ماضٍ‭ ‬وذوبانه‭ ‬في‭ ‬حاضر‭ ‬يتطلّع‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬شديد‭ ‬الاختلاف،‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬شخوص‭ ‬القصص‭ ‬المختلفة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر،‭ ‬سواء‭ ‬بمقاومته‭ ‬والتمسك‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬القديمة،‭ ‬أو‭ ‬بالانجراف‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استعداد‭ ‬حقيقي‭ ‬لمتطلباته‭ ‬المختلفة‭ ‬