رحلات مجلة «العربي» إلى العالم
شكلت الاستطلاعات التي نشرتها مجلة «العربي»، منذ تأسيسها، فضاء خصبا لبعض الكتاب، لجمع رحلاتهم واستطلاعاتهم - أو بعضها - بين ثنايا كتب، تشكل اليوم مراجع أدبية وتوثيقية مهمة.
نشير، في هذا الباب، إلى كتاب لواحد من أقدم الكتاب والصحفيين العرب بمجلة «العربي»، هو الكاتب سليم زبال، الصادر بعنوان «كنت شاهدا»، وفيه يروي كاتبه عن زياراته ومشاهداته لمختلف «الإمارات» التي تنقل إليها، منذ ولادة دولة الإمارات إلى ما بعد الطفرة النفطية. وتلك استطلاعات سبق لمجلة «العربي» أن نشرتها عن دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1960، في ذلك الركن الشهير «اعرف وطنك أيها العربي»، وأعاد الكاتب صياغتها والإضافة إليها، بأسلوب حكائي نادر، يؤرخ لجوانب من الحياة الحضارية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتجارية لدولة الإمارات، ولغيرها من أوجه نهضتها وتطورها، بشكل غدا معه كتاب سليم زبال مرجعا مهما عن الإمارات المتصالحة والناهضة.
كذلك، صدر كتاب مهم بعنوان دال هو «كنا هناك... صراع مضى وإرث بقى» لكاتب وصحفي عربي، يشهد له، هو أيضا، بتجربته الكبيرة مع الرحلات وإنجاز الاستطلاعات لفائدة مجلة «العربي»، بحكم ارتباطه بالمجلة وانتمائه إلى مدرستها الرائدة؛ يتعلق الأمر بالكاتب والإعلامي الكويتي ومدير تحرير مجلة العربي، الأستاذ إبراهيم المليفي. في هذا الكتاب، يستكشف المؤلف على خطى الفاتحين الأوائل، ومن خلال ستة استطلاعات سبق أن نشرها بمجلة «العربي» بين عامي 2005 و2011، بقايا الوجود العربي الإسلامي في أوربا، في جزر ومناطق استوطنها المسلمون لفترات زمنية، قبل أن ينهار الحكم العربي الإسلامي فيها، ليهجروا أو يطردوا منها، فتم طمس عديد آثارهم المعمارية، ما عدا بلد وحيد زاره الكاتب، ما زال يشكل المسلمون غالبية سكانه، هو البوسنة والهرسك.
وإذا كان هذا الكتاب يندرج، هو أيضا، في إطار جنس الرحلة، فهو يتجاوز منطق الحكي الرحلي، لينخرط في صلب عملية التأريخ والتحليل لصراع مضى ولإرث بقى، في ضوء ما تضمره تلك الرحلات من رسائل ودروس وعبر مضيئة للأجيال الحالية والقادمة، بمثل ما ينخرط ضمن هذا الأفق الكوني الذي راهنت عليه استطلاعات مجلة «العربي»، بالنظر لما تقدمه لنا من معرفة بحضارات الأمم وتاريخها وثقافاتها وناسها وجغرافياتها ومدنها وأريافها وطرق عيشها وإبداعاتها وفنونها وعاداتها وتقاليدها.
لقد عودتنا مجلة «العربي» على الانفتاح على الأفق الإنساني والكوني فيها، في تجلياته الحضارية والنهضوية والفكرية والتربوية والروحية والجغرافية والإبداعية وغيرها، إذ سعت، على مدى ما يناهز ستين سنة، إلى تقريب قرائها من معرفة العالم وإدراك أسرار شعوبه ونمط عيشها، من خلال رحلات طاقمها، التحريري والفني، إلى بلدان المعمورة، بغاية إنجاز استطلاعات غير مسبوقة عنها، فكانت مجلة «العربي» ولا تزال، نافذة أساسية للإطلالة على العالم، حتى في زمن الفورة التكنولوجية والمعلوماتية الهائلة ■