السلام ... من أقصى يمين الأرض إلى قلبها

السلام ... من أقصى يمين الأرض إلى قلبها

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬وعما‭ ‬قيل‭ ‬ويقال،‭ ‬فإن‭ ‬شد‭ ‬الرحال‭ ‬إلى‭ ‬يمين‭ ‬الأرض‭ ‬والخوض‭ ‬في‭ ‬الغابات‭ ‬والأدغال،‭ ‬مغامرة‭ ‬لا‭ ‬محال‭. ‬تكمن‭ ‬إثارتها‭ ‬وأنت‭ ‬ترى‭ ‬الإسلام‭ ‬كدين‭ ‬وعقيدة‭ ‬في‭ ‬الخَلق‭ ‬والخُلُق،‭ ‬وتحظى‭ ‬بالسلام‭ ‬مع‭ ‬نفسك‭ ‬وآخرين‭ ‬غرباء‭ ‬وعوام،‭ ‬مستمتعًا‭ ‬بكل‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭  ‬وآمنًا‭ ‬مطمئنًا‭ ‬بخطواتك‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬الظلام،‭ ‬فكن‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬السلام‭. ‬

ولا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬يحتفي‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬بيمينه،‭ ‬ويعلن‭ ‬مدينة‭ ‬بندر‭ ‬سيري‭ ‬بيكاوان‭ ‬عاصمة‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عن‭ ‬القارة‭ ‬الآسيوية‭ ‬لعام‭ ‬2019‭. ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬تحتفل‭ ‬بها‭ ‬االعربيب‭ ‬برفقة‭ ‬قرائها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أهم‭ ‬معالم‭ ‬عاصمة‭ ‬السلام‭ ‬والإسلام‭ ‬من‭ ‬مساجد،‭ ‬ومتاحف،‭ ‬وأسواق‭. 

‮«‬السلام‭ ‬عليكم،‭ ‬مرحبًا‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬دار‭ ‬السلام،‭ ‬من‭ ‬فضلك،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الفيزا‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬20‭ ‬دولارًا‭ ‬بروناويًا،‭ ‬ثم‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬شباك‭ ‬رقم‭ ‬5‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬موظفة‭ ‬الجوازات،‭ ‬ولم‭ ‬يستغرق‭ ‬إنجازه‭ ‬بضع‭ ‬دقائق،‭ ‬كنا‭ ‬بعدها‭ ‬أمام‭ ‬الشريط‭ ‬المتحرك‭ ‬لتسلّم‭ ‬الحقائب،‭ ‬وكان‭ ‬فريدًا‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬نظيفًا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومرتّبًا،‭ ‬نعم،‭ ‬فالحقائب‭ ‬غير‭ ‬مكدسة،‭ ‬يبدو‭ ‬لأن‭ ‬حركة‭ ‬الطيران‭ ‬هادئة‭ ‬ولا‭ ‬رحلات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬ظننا‭. 

المطارات‭ ‬مدن،‭ ‬فالمسافر‭ ‬يستشف‭ ‬حال‭ ‬المدينة‭ ‬وأهلها،‭ ‬من‭ ‬المطار،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬المتبع‭ ‬للعمل‭ ‬فيه،‭ ‬وكذلك‭ ‬هيئته‭. ‬ورغم‭ ‬صغر‭ ‬مساحة‭ ‬مطار‭ ‬بروناي،‭ ‬وبساطة‭ ‬تصميمه‭ ‬الهندسي،‭ ‬وتواضع‭ ‬حركة‭ ‬المسافرين‭ ‬فيه،‭ ‬فإنه‭ ‬مثال‭ ‬جيد‭ ‬للعاصمة‭ ‬بندر‭ ‬سيري‭ ‬بيكاوان،‭ ‬فهو‭ ‬منظم‭ ‬وهادئ،‭ ‬حيث‭ ‬يؤدي‭ ‬الموظفون‭ ‬مهامهم‭ ‬بتراتبية‭ ‬وصمت،‭ ‬والمسافرون‭ ‬يبدأون‭ ‬إجراءات‭ ‬الدخول‭ ‬بسهولة‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تطلب‭ ‬خدمة‭ ‬أو‭ ‬مساعدة‭. ‬

في‭ ‬منتصف‭ ‬قاعة‭ ‬الوصول‭ ‬مكتب‭ ‬استعلامات‭ ‬دائري‭ ‬الشكل،‭ ‬يجلس‭ ‬عليه‭ ‬موظف‭ ‬وموظفة،‭ ‬استفسرنا‭ ‬من‭ ‬أحدهما‭ ‬عن‭ ‬تكلفة‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬إلى‭ ‬الفندق،‭ ‬ومنه‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الوجهات‭ ‬التي‭ ‬نود‭ ‬زيارتها،‭ ‬فابتسم‭ ‬لنا‭ ‬بودٍ،‭ ‬وأخبرنا‭ ‬بندرة‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬كلها،‭ ‬لاعتماد‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬نقل‭ ‬خاصة‭ ‬بهم،‭ ‬وعرض‭ ‬علينا‭ ‬سيارة‭ ‬ترافقنا‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬واستدرك‭ ‬ذاكرًا‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬سكننا،‭ ‬ويمكن‭ ‬السير‭ ‬إليها‭. ‬وعندما‭ ‬طلبنا‭ ‬منه‭ ‬سيارة‭ ‬تقلنا‭ ‬إلى‭ ‬الفندق،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬طاولة‭ ‬صغيرة،‭ ‬لكونه‭ ‬المختص‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المسألة‭. ‬

على‭ ‬يمين‭ ‬المطار‭ ‬مباشرة‭ ‬يقبع‭ ‬مسجد‭ ‬أبيض‭ ‬له‭ ‬قبة‭ ‬زرقاء‭ ‬ذات‭ ‬نقوش‭ ‬دائرية‭ ‬ملونة‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأصفر،‭ ‬مدخله‭ ‬بنفس‭ ‬اتجاه‭ ‬باب‭ ‬المطار،‭ ‬ويسمى‭ ‬مسجد‭ ‬مطار‭ ‬بروناي‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تكوّنت‭ ‬لدي‭ ‬معلومات‭ ‬تلقائية‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مرشد‭ ‬سياحي‭ ‬ولا‭ ‬كتيب‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬الدولة،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬ستستمر؟‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬رافقتنا‭ ‬زخات‭ ‬من‭ ‬المطر‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬أسمنتية‭ ‬صلبة‭ ‬ملتوية،‭ ‬لانت‭ ‬بالمناظر‭ ‬الطبيعة‭ ‬النضرة،‭ ‬وانسيابية‭ ‬الحركة‭ ‬المرورية‭. ‬فإذ‭ ‬بالعاصمة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬الخاصة،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الذروة‭ ‬اليومية‭ ‬الذي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬2‭ ‬و5‭ ‬مساءً،‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬المعتادة‭ ‬وأبواق‭ ‬السيارات‭ ‬المزعجة،‭ ‬بل‭ ‬وأكد‭ ‬لنا‭ ‬السائق‭ ‬أن‭ ‬ازدحام‭ ‬السيارات‭ ‬واكتظاظها‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬أمر‭ ‬نادر‭ ‬حدوثه‭ ‬في‭ ‬العاصمة،‭ ‬بل‭ ‬ويعطى‭ ‬المتسبب‭ ‬بها‭ ‬مخالفة‭ ‬مرور،‭ ‬وكذلك‭ ‬لمستخدم‭ ‬البوق،‭ ‬فذلك‭ ‬تلوّث‭ ‬سمعي‭ ‬لا‭ ‬ترضى‭ ‬به‭ ‬الحكومة‭. ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬بدا‭ ‬أمرًا‭ ‬غريبًا،‭ ‬ولإثباته‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معايشته،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬الأيام‭ ‬مهما‭ ‬كثر،‭ ‬يظل‭ ‬قليلًا‭ ‬بحق‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تطأها‭ ‬القدم‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وتكاد‭ ‬تكون‭ ‬قصيرة‭ ‬وإن‭ ‬طالت،‭ ‬وغامضة‭ ‬وإن‭ ‬حطت‭ ‬بها‭ ‬الرحال‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬زمنية‭ ‬مغايرة‭. ‬

ولأن‭ ‬أحوال‭ ‬الدول‭ ‬تتغير،‭ ‬فإن‭ ‬عودة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬يمين‭ ‬الأرض،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عامًا‭ ‬أمر‭ ‬شائق‭ ‬جدًّا‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬بروناي‭ ‬دار‭ ‬السلام،‭ ‬وطّنت‭ ‬السلام‭ ‬حتى‭ ‬غدا‭ ‬سكانها‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬السلام،‭ ‬معتنقين‭ ‬الإسلام‭ ‬عقيدةً‭ ‬وفكرًا،‭ ‬ومتحلّين‭ ‬بتعاليمه‭ ‬فعلاً‭ ‬وقولاً،‭ ‬لا‭ ‬فرقة‭ ‬تذكر‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬حيث‭ ‬كست‭ ‬السماحة‭ ‬وجوه‭ ‬الجميع،‭ ‬ومورست‭ ‬العبادات‭ ‬داخل‭ ‬أماكنها‭ ‬المقدسة،‭ ‬حتى‭ ‬حظي‭ ‬الزائر‭ ‬لدار‭ ‬السلام‭ ‬بأمن‭ ‬وسلام‭ ‬داخليين‭ ‬لا‭ ‬نظير‭ ‬لهما‭. ‬

 

أسواق‭ ‬الليل‭... ‬تجارة‭ ‬لا‭ ‬تكسد

انسيابية‭ ‬الزمن،‭ ‬باعدت‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتطلع‭ ‬إليها‭ ‬لاستطلاع‭ ‬العاصمة،‭ ‬فالليل‭ ‬وظلمته‭ ‬رافقانا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬يومين،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬استغلاله،‭ ‬وكيف‭ ‬لا،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬السلام‭ ‬والأمن؟‭ ‬

أسواق‭ ‬الليل،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بالحركة،‭ ‬وتوفر‭ ‬كل‭ ‬احتياجات‭ ‬الإنسان‭ ‬غالبًا،‭ ‬من‭ ‬مأكل‭ ‬ومشرب‭ ‬وملبس،‭ ‬ومن‭ ‬أسواق‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬سوق‭ ‬غودنج‭ ‬ماركت،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مساحة‭ ‬شاسعة‭ ‬مقسمة‭ ‬بالتساوي،‭ ‬يضع‭ ‬فيها‭ ‬البائعون‭ ‬سلعهم،‭ ‬مغطّى‭ ‬بسقف‭ ‬أسمنتي‭ ‬من‭ ‬أعلاه،‭ ‬تفاديًا‭ ‬لقطرات‭ ‬المطر،‭ ‬ومكشوف‭ ‬من‭ ‬جوانــــبه‭ ‬الأربعة‭. ‬

تدافعنا‭ ‬للدخول‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬السوق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخذنا‭ ‬نصيبًا‭ ‬وافيًا‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار،‭ ‬وكانت‭ ‬ألوان‭ ‬الفاكهة‭ ‬المشعة‭ ‬وأصنافها‭ ‬الغريبة‭ - ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ - ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬التقطته‭ ‬أعيننا،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬احتضنها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬كفوف‭ ‬المتسوقين،‭ ‬إنها‭ ‬الدوريان،‭ ‬وهي‭ ‬دائرية‭ ‬خضراء‭ ‬بحجم‭ ‬الشمام‭ ‬تقريبًا،‭ ‬خشنة‭ ‬الملمس‭ ‬الخارجي،‭ ‬تقطع‭ ‬من‭ ‬المنتصف‭ ‬إلى‭ ‬جزأين،‭ ‬داخلها‭ ‬أصفر‭ ‬يقطع‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة،‭ ‬شكلها‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الأفوكادو،‭ ‬وكذلك‭ ‬مذاقها‭ ‬الدسم‭. ‬

ولما‭ ‬طال‭ ‬وقوفنا‭ ‬أمام‭ ‬سيدة‭ ‬وزوجهــا‭ ‬يبيعانها،‭ ‬دعوانا‭ ‬لتذوقها،‭ ‬وقالا‭: ‬إنها‭ ‬مشبعة‭ ‬ولذيذة،‭ ‬نسيجها‭ ‬كريمي‭. ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬رائحة‭ ‬نفاذة‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭. ‬يمتلئ‭ ‬السوق‭ ‬بالفاكهة‭ ‬الآسيوية‭ ‬الاستوائية،‭ ‬مثل‭ ‬المانقــــيس،‭ ‬كمبايو،‭ ‬ورامبوتان‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬يلفت‭ ‬انتباهك‭ ‬أيضًا‭ ‬العمل‭ ‬الأسري،‭ ‬فلا‭ ‬بائع‭ ‬يقف‭ ‬وحده،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭ ‬فإن‭ ‬البائع‭ ‬هو‭ ‬أسرة،‭ ‬زوج‭ ‬وزوجة،‭ ‬أم‭ ‬وابنها،‭ ‬أو‭ ‬أخت‭ ‬وأختها،‭ ‬يعملون‭ ‬بنظام‭ ‬ونظافة‭ ‬وهدوء،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬الهرج‭ ‬والمرج‭ ‬سمة‭ ‬أسواق‭ ‬الليل‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬فذلك‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬بروناي‭.‬

 

لوحة‭ ‬رسمها‭ ‬المطر

سيطر‭ ‬المناخ‭ ‬الاستوائي‭ ‬على‭ ‬جولتنا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الليل،‭ ‬وعرّفنا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة،‭ ‬فقبل‭ ‬خروجنا‭ ‬انهمر‭ ‬المطر‭ ‬كلوحة‭ ‬فنيّة‭ ‬مرسومة‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة،‭ ‬ووسط‭ ‬دهشتنا‭ ‬بدا‭ ‬الوضع‭ ‬عند‭ ‬الآخرين‭ ‬أمرًا‭ ‬اعتياديًّا‭ ‬وطبيعيًّا،‭ ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬ومعدل‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬300‭ ‬و330‭ ‬ملم‭ ‬في‭ ‬السنة؟‭ ‬فالمطر‭ ‬لم‭ ‬يتلف‭ ‬البضائع‭ ‬ولم‭ ‬يمنع‭ ‬رواد‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إليه‭. ‬تصميم‭ ‬السوق‭ ‬يراعي‭ ‬مناخ‭ ‬العاصمة‭ ‬ونظافتها،‭ ‬بحيث‭ ‬وزعت‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬أرضه‭ ‬فتحات‭ ‬حديدية‭ ‬صغيرة‭ ‬تسمح‭ ‬بجريان‭ ‬المياه‭ ‬بسهولة‭ ‬ويُسر‭. ‬ولأننا‭ ‬فوجئنا‭ ‬بغزارة‭ ‬المطر،‭ ‬فقد‭ ‬عرض‭ ‬علينا‭ ‬زوج‭ ‬بائعة‭ ‬الفاكهة‭ ‬الاحتماء‭ ‬بمظلته‭ ‬لنصل‭ ‬بسلامة‭ ‬إلى‭ ‬الفندق،‭ ‬وأرشدنا‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬الطرق‭ ‬للعودة‭. ‬

سوق‭ ‬كيانغيه‭ ‬ماركت،‭ ‬زرناه‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬نصيحة‭ ‬أحدهم،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬مكتظًا‭ ‬بالبائعين‭ ‬والمشترين‭ ‬وبالبضائع‭ ‬المتنوعة‭ ‬أيضًا‭. ‬يمتلئ‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬فجر‭ ‬الجمعة‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬النهار،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬قبيل‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬يبدأ‭ ‬جمهوره‭ ‬بالانحسار‭. ‬وتشبه‭ ‬بضائعه‭ ‬‮«‬غودنج‭ ‬ماركــــت‮»‬،‭ ‬وفــــيه‭ ‬أقســـام‭ ‬لبيع‭ ‬الطيور‭ ‬والأسماك‭ ‬الحية‭ ‬والمعدّة‭ ‬للأكل‭. ‬

ما‭ ‬يميز‭ ‬سوق‭ ‬كيانغيه‭ ‬تحديدًا‭ ‬موقعه‭ ‬الجغرافي،‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬بروناي،‭ ‬فهو‭ ‬سوق‭ ‬حيوي‭ ‬لسكان‭ ‬قرية‭ ‬الماء‭ ‬وسكان‭ ‬اليابسة،‭ ‬يوفر‭ ‬لهما‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬للأسرة‭ ‬من‭ ‬أطعمة‭ ‬تشمل‭ ‬الفواكه‭ ‬واللحوم‭ ‬الطازجة‭ ‬والمجففة‭ ‬والمياه‭ ‬والعصائر‭ ‬والبهارات‭ ‬والتوابل،‭ ‬وبعض‭ ‬قطع‭ ‬الأثاث‭ ‬البسيطة،‭ ‬والإكسسوار‭ ‬المصنّع‭ ‬من‭ ‬قماش‭ ‬وبلاستيك‭ ‬وسعف‭ ‬النخيل،‭ ‬الذي‭ ‬يلقى‭ ‬رواجًا‭ ‬وإقبالًا‭ ‬كبيرين،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬السائحين‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬فيها‭ ‬هدايا‭ ‬تذكارية‭ ‬رائعة‭.‬

 

التفاف‭ ‬اجتماعي‭ ‬نادر

في‭ ‬أسواق‭ ‬الليل‭ ‬الشعبية‭ ‬قلّما‭ ‬تجد‭ ‬شخصًا‭ ‬يبيع‭ ‬أو‭ ‬يشتري‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يأكل‭ ‬بمفرده،‭ ‬هناك‭ ‬التفاف‭ ‬اجتماعي‭ ‬تندر‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأسواق‭ ‬أيضًا‭ ‬تجد‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬إناثًا‭ ‬وذكورًا،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يعمل،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يكتفي‭ ‬بالجلوس‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬زوج‭ ‬ومناظرة‭ ‬حركة‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬أو‭ ‬الحديث‭ ‬الجانبي‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬هناك‭ ‬الأسواق‭ ‬الحديثة‭ ‬والمجمعات‭ ‬التجارية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬عواصم‭ ‬العالم،‭ ‬بهيئتها‭ ‬المعمارية‭ ‬المميزة،‭ ‬كجزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬معالم‭ ‬المدن‭ ‬التجارية‭ ‬والترفيهية‭. ‬ففي‭ ‬العاصمة‭ ‬وبالقرب‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬الليل‭ ‬‮«‬غودنج‭ ‬ماركت‮»‬‭ ‬يستقر‭ ‬المجمع‭ ‬التجاري‭ ‬The‭ ‬Mall،‭ ‬وهو‭ ‬أفخم‭ ‬وأكبر‭ ‬مجمع‭ ‬في‭ ‬العاصمة،‭ ‬وفيه‭ ‬تشكيلة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الماركات‭ ‬العالمية‭ ‬للملابس‭ ‬والأحذية‭ ‬وأدوات‭ ‬الزينة‭ ‬والتجميل،‭ ‬والأثاث،‭ ‬والمطاعم،‭ ‬حيث‭ ‬تقبع‭ ‬مطاعم‭ ‬المأكولات‭ ‬الأمريكية‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬المطاعم،‭ ‬ويقبل‭ ‬عليها‭ ‬كثيرون،‭ ‬خاصة‭ ‬الشباب‭ ‬والسائحين‭ ‬الأوربيين‭ ‬والأمريكيين،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬مطاعم‭ ‬المأكولات‭ ‬المحلية‭ ‬الآسيوية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬محبوها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجنسيات،‭ ‬وتوجد‭ ‬كذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬محال‭ ‬تعرض‭ ‬الصناعات‭ ‬المحلية،‭ ‬خاصة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالملابس‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬بروناي‭. ‬وهناك‭ ‬مجمع‭ ‬آخر‭ ‬يسمى‭ ‬ياياس‭ ‬مول،‭ ‬وهو‭ - ‬نسبيًا‭ - ‬أصغر‭ ‬حجمًا‭ ‬من‭ ‬سابقه،‭ ‬وفيه‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬الماركات‭ ‬التجارية‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية‭ ‬وردهة‭ ‬واسعة‭ ‬تقدم‭ ‬المأكولات‭ ‬الشعبية‭ ‬الآسيوية‭ ‬فقط‭. ‬

في‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية‭ ‬الضخمة،‭ ‬وعندما‭ ‬يحين‭ ‬موعد‭ ‬الأذان‭ ‬تصدح‭ ‬مكبّرات‭ ‬الصوت‭ ‬فيها‭ ‬بصوت‭ ‬شجي‭ ‬وجميل،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تغلق‭ ‬المحال،‭ ‬وتجد‭ ‬المصليات‭ ‬التي‭ ‬أعدت‭ ‬بطرق‭ ‬هندسية‭ ‬متكاملة،‭ ‬بحيث‭ ‬تجمع‭ ‬فيها‭ ‬المرافق‭ ‬الأخرى‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أماكن‭ ‬الوضوء،‭ ‬تعمّها‭ ‬النظافة‭ ‬والترتيب‭ ‬والنظام،‭ ‬وتجد‭ ‬أيضًا‭ ‬التزام‭ ‬مستخدمي‭ ‬تلك‭ ‬المرافق‭ ‬وحرصهم‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬عامة،‭ ‬ولا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬عامل‭ ‬تنظيف‭ ‬دائم‭ ‬الوجود‭ ‬فيها‭. ‬‭ ‬

 

متاحف‭ ‬بروناي‭... ‬تاريخ‭ ‬وحضارة

تهتم‭ ‬الحكومات‭ ‬بإنشاء‭ ‬المتاحف‭ ‬لكونها‭ ‬قبلة‭ ‬السياح،‭ ‬ووجهة‭ ‬الباحثين‭ ‬والمؤرخين،‭ ‬والبنك‭ ‬المعلوماتي‭ ‬لتاريخ‭ ‬وحضارة‭ ‬وجغرافيا‭ ‬الدول،‭ ‬وقد‭ ‬أدركت‭ ‬حكومة‭ ‬بروناي‭ ‬أهمية‭ ‬المتاحف‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها،‭ ‬فجعلت‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭ ‬مجانيًا‭ ‬للمواطنين‭ ‬والأجانب،‭ ‬مع‭ ‬تعليمات‭ ‬دقيقة‭ ‬وصارمة‭ ‬أحيانًا‭ ‬بضرورة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬مقتنياتها،‭ ‬نظراً‭ ‬لمكانتها‭ ‬المعنوية‭ ‬القيّمة‭ ‬لدى‭ ‬الأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬والشعب‭. ‬

متحف‭ ‬العائلة‭ ‬الملكية،‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬مدخل‭ ‬لنا‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬السلام‭. ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬Royal‭ ‬The‭ ‬Regalia‭ ‬Building،‭ ‬وافتتح‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬سبتمبر‭ ‬1992،‭ ‬وهو‭ ‬مَعلَم‭ ‬من‭ ‬معالم‭ ‬العاصمة،‭ ‬صمم‭ ‬بهدف‭ ‬تبيان‭ ‬قدرة‭ ‬الأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬السمات‭ ‬المميزة‭ ‬للإسلام‭ ‬كعقيدة،‭ ‬والملاوية‭ ‬كأصل‭ ‬وعرق،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬امتد‭ ‬لمئات‭ ‬السنين‭. ‬وفيه‭ ‬يُعرض‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الممتلكات‭ ‬الملكية‭ ‬كالملابس‭ ‬الرسمية،‭ ‬وأوسمة‭ ‬الشرف‭ ‬والشجاعة،‭ ‬والهدايا‭ ‬الثمينة،‭ ‬المتوارثة‭ ‬جيلًا‭ ‬بعد‭ ‬جيل،‭ ‬لاعتبارها‭ ‬كنزًا‭ ‬أثريًّا‭ ‬لأسرة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بروناي‭. ‬

 

عربة‭ ‬السلطان

في‭ ‬الخارج‭ ‬وقبيل‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬المعرض،‭ ‬وضعت‭ ‬أرفف‭ ‬خشبية،‭ ‬حيث‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬نزع‭ ‬أحذيتهم،‭ ‬إجلالاً‭ ‬واحترامًا‭ ‬لمقتنيات‭ ‬المتحف،‭ ‬والشخوص‭ ‬العائدة‭ ‬إليهم‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تدخل،‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬دائرية‭ ‬ضخمة‭ ‬ومهيبة،‭ ‬في‭ ‬منتصفها‭ ‬تستقر‭ ‬عربة‭ ‬مذهّبة‭ ‬برّاقة،‭ ‬سارت‭ ‬بسلطان‭ ‬بروناي‭ ‬حسن‭ ‬البلقية،‭ ‬في‭ ‬الموكب‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تقلّده‭ ‬مراسم‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬عام‭ ‬1968‭. ‬وتحيط‭ ‬بالعربة‭ ‬أدوات‭ ‬أخرى‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتفال،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬المظلات‭ ‬الشمسية‭ ‬الملونة‭ ‬الثابتة‭ ‬والمتقلبة‭ ‬التي‭ ‬زهت‭ ‬بها‭ ‬القاعة،‭ ‬وفاق‭ ‬عددها‭ ‬الـ‭ ‬80‭ ‬مظلة،‭ ‬ورمحان‭ ‬ضخمان‭ ‬شائكان،‭ ‬وبجانبهما‭ ‬40‭ ‬رمحًا‭ ‬و40‭ ‬درعًا‭ ‬تم‭ ‬تلوينها‭ ‬وتزيينها‭ ‬بنقوش‭ ‬باهرة‭. ‬صف‭ ‬وتنظيم‭ ‬المعروضات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القاعة‭ ‬كفيل‭ ‬بتصوير‭ ‬ما‭ ‬ستراه‭ ‬في‭ ‬القاعات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قيمة‭ ‬المحتوى‭ ‬وروعة‭ ‬التصميم‭. ‬

ومن‭ ‬سلّم‭ ‬جانبي‭ ‬معتدل‭ ‬الارتفاع،‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬الاستقبال،‭ ‬وفيه‭ ‬تودع‭ ‬هاتفك‭ ‬المحمول‭ ‬وكل‭ ‬وسائل‭ ‬التصوير،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬حفيظتنا،‭ ‬وعند‭ ‬الاستفسار‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬ذلك،‭ ‬أجاب‭ ‬موظف‭ ‬الاستقبال‭: 

‮«‬إنها‭ ‬أوامر‭ ‬ملكية‭ ‬تحظر‭ ‬تصوير‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬رسمية‭ ‬من‭ ‬الحاكم‭ ‬نفسه‮»‬‭! ‬

يتكون‭ ‬المعرض‭ ‬من‭ ‬طابقين‭ ‬و3‭ ‬قاعات‭ ‬ضخمة‭: ‬

  ‬ــ‭ ‬قاعة‭ ‬عرض‭ ‬صور‭ ‬سلطان‭ ‬بروناي‭: ‬تشمل‭ ‬صورًا‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬وحتى‭ ‬توليه‭ ‬الحكم،‭ ‬ومقتنياته‭ ‬الشخصية،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬نسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬للعرش،‭ ‬وتاج‭ ‬الملك،‭ ‬وكرسي،‭ ‬ووسادة‭ ‬كبيرة‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الاحتفالات،‭ ‬وأيضًا‭ ‬خنجر‭ ‬مذهّب،‭ ‬وصولجان‭ ‬الاحتفالات،‭ ‬وسيوف‭ ‬وبنادق،‭ ‬وأهمها‭ ‬دعاء‭ ‬يُقرأ‭ ‬في‭ ‬مراسم‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الملكية‭.‬

‭ - ‬قاعة‭ ‬عرض‭ ‬احتفالية‭ ‬اليوبيل‭ ‬الفضي‭ ‬لتسلّم‭ ‬السلطان‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم؛‭ ‬وفيها‭ ‬تُعرض‭ ‬صور،‭ ‬وعرض‭ ‬مرئي‭ ‬ومسموع‭ ‬للاحتفالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬أكتوبر‭ ‬1992،‭ ‬للحفل‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬القصر‭ ‬الرئاسي،‭ ‬والموكب‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬العاصمة،‭ ‬والأوسمة‭ ‬والهدايا‭ ‬التذكارية‭ ‬التي‭ ‬قُدمت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬العالمية‭.‬

‭ ‬ــ‭ ‬قاعة‭ ‬عرض‭ ‬التطور‭ ‬التاريخي‭ ‬للملكية‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬بروناي؛‭ ‬وفيها‭ ‬يُقدم‭ ‬عرض‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬لتطور‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1959،‭ ‬والفترة‭ ‬التي‭ ‬تلتها‭ ‬لاعتبارها‭ ‬سنة‭ ‬إقرار‭ ‬الدستور،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬سياسية‭ ‬مهمة‭.‬

 

مركز‭ ‬تاريخ‭ ‬بروناي

وفي‭ ‬أثناء‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬يتوقف‭ ‬الزائر‭ ‬كثيرًا‭ ‬أمام‭ ‬المعروضات‭ ‬التي‭ ‬زينت‭ ‬الجدران،‭ ‬وأضفت‭ ‬بعدًا‭ ‬دوليًا،‭ ‬حيث‭ ‬تضمنت‭ ‬هدايا‭ ‬وإهداءات‭ ‬وصورًا‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬واتفاقيات‭ ‬تعاونية‭ ‬لحكومة‭ ‬بروناي‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والدول‭ ‬العربية،‭ ‬والعالم‭ ‬بأسره،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬نهجها‭ ‬السياسي‭ ‬المسالم‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬وقي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬فإنها‭ ‬تفخر‭ ‬بإهداءات‭ ‬تضمنت‭ ‬نسخًا‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ونماذج‭ ‬هندسية‭ ‬دقيقة‭ ‬للحرمين‭ ‬المكّي‭ ‬والنبوي‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬السعودية‭. ‬

وبعد‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬العائلة‭ ‬الملكية،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬تاريخ‭ ‬بروناي،‭ ‬الذي‭ ‬يبعد‭ ‬بضعة‭ ‬مترات‭ ‬عن‭ ‬المعرض‭ ‬الملكي،‭ ‬وفيه‭ ‬كل‭ ‬المعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬الوثائق‭ ‬والخرائط‭ ‬القديمة‭ ‬للرحّالين‭ ‬والباحثين‭ ‬الصينيين‭ ‬والعرب‭ ‬والأوربيين‭ ‬عن‭ ‬بروناي‭ ‬كجغرافيا‭ ‬وشعب‭. ‬

يتــكون‭ ‬المركـــــز‭ ‬من‭ ‬طابقيـــــن؛‭ ‬الأرضــــي،‭ ‬فيه‭ ‬التـــاريخ‭ ‬القديــــم،‭ ‬ومقسّم‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬أقــــسام‭: ‬1‭ ‬‭- ‬الخرائط‭ ‬الأولية‭ ‬لبروناي‭ ‬2‭ ‬‭- ‬تاريخ‭ ‬بروناي‭ ‬القديمة‭ ‬3‭ ‬‭- ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لبروناي‭ ‬القديمة‭ ‬4‭ ‬‭- ‬بداية‭ ‬النشوء‭ ‬السياسي‭ ‬للحكم‭ ‬5‭- ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬لبروناي‭ ‬6‭ ‬‭- ‬نظام‭ ‬ملكية‭ ‬الأراضي،‭ ‬والجزء‭ ‬الماتع‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬المختص‭ ‬بعرض‭ ‬الجانب‭ ‬الثقافي‭ ‬لشعب‭ ‬الملايو‭ ‬خاصة،‭ ‬واعتمادهم‭ ‬شبه‭ ‬الكلّي‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬كمصدر‭ ‬للرزق،‭ ‬وأثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬نتاجهم‭ ‬البشري‭ ‬المادي،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬الزائر‭ ‬نماذج‭ ‬لمراكب‭ ‬الصيد،‭ ‬ونتاجهم‭ ‬المعنوي،‭ ‬حيث‭ ‬الأدب‭ ‬والعلم‭. ‬

أما‭ ‬الطابق‭ ‬الأول،‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬لعرض‭ ‬الوثائق‭ ‬الأصلية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬سلالة‭ ‬الأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬تاريخيًا‭ ‬بالنبي‭ ‬آدم‭ ‬‭. ‬واكتسى‭ ‬أحد‭ ‬الجدران‭ ‬بشجرة‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة،‭ ‬وما‭ ‬تفرَّع‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬أجيال‭ ‬وأنساب،‭ ‬وعلى‭ ‬جدار‭ ‬آخر‭ ‬عرضت‭ ‬خريطة‭ ‬ترجع‭ ‬أصول‭ ‬العائلة‭ ‬الملكية‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭. ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬القسم‭ ‬غنيًّا‭ ‬لمحبي‭ ‬تتبُّع‭ ‬الأنساب‭ ‬والأصول‭. ‬

 

متحف‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الملايو

من‭ ‬أمتع‭ ‬المتاحف‭ ‬وأكثرها‭ ‬ازدحامًا‭ ‬كان‭ ‬متحف‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الملايو،‭ ‬فهو‭ ‬وجهة‭ ‬محببة‭ ‬لدى‭ ‬طلبة‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات،‭ ‬والسياح‭ ‬أيضًا‭. ‬وقد‭ ‬يفاجأ‭ ‬الزائر‭ ‬بعدم‭ ‬تطابق‭ ‬محتواه‭ ‬بالمعنى‭ ‬الدقيق‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬اسمه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يستشف،‭ ‬بعد‭ ‬زيارته،‭ ‬الآليةَ‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬شعب‭ ‬الملايو‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬لتأسيس‭ ‬حضارة‭ ‬عريقة‭. ‬وينتمي‭ ‬شعب‭ ‬الملايو‭ ‬إلى‭ ‬عرق‭ ‬الملايو،‭ ‬ويشكلون‭ ‬ما‭ ‬تفوق‭ ‬نسبته‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬بروناي،‭ ‬ويعتبرون‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬لبروناي،‭ ‬ومؤسسي‭ ‬سلطنة‭ ‬ملقا‭ - ‬ماليزيا‭ - ‬عام‭ ‬1400،‭ ‬ومنتشرين‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬وسنغافورة‭ ‬وميانمار‭ ‬وتايلند‭. ‬

العاملون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المتحف‭ ‬يستقبلون‭ ‬الغرباء‭ ‬بلطف‭ ‬بالغ،‭ ‬رغم‭ ‬وصولنا‭ ‬إليه‭ ‬قبل‭ ‬انتهاء‭ ‬وقت‭ ‬العمل‭ ‬الرسمي‭ ‬فيه‭ ‬بساعة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬حرصوا‭ ‬على‭ ‬تعريفنا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه،‭ ‬ومرافقتنا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬القاعات،‭ ‬ولِمَ‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬متحف‭ ‬يعزز‭ ‬قيمة‭ ‬العمل‭ ‬وآلية‭ ‬التطوير‭ ‬عند‭ ‬شعب‭ ‬الملايو؟‭ ‬

في‭ ‬3‭ ‬قاعات‭ ‬توزع‭ ‬الإرث‭ ‬الحضاري‭ ‬لشعب‭ ‬الملايو،‭ ‬حيث‭ ‬صممت‭ ‬مجسمات‭ ‬جسدت‭ ‬المساكن‭ ‬القديمة‭ ‬وطرق‭ ‬بنائها،‭ ‬ووسائل‭ ‬العيش‭ ‬كالصيد‭ ‬والزراعة‭ ‬والصناعات‭ ‬التقليدية‭ ‬كنجارة‭ ‬الخشب،‭ ‬والحدادة،‭ ‬وصناعة‭ ‬القوارب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وسيلتهم‭ ‬للتنقل‭ ‬والترحال‭. ‬كما‭ ‬عرضت‭ ‬المجسمات‭ ‬الزي‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬للمرأة‭ ‬والرجل‭ ‬والطفل،‭ ‬وعكست‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجسمات‭ ‬لطرق‭ ‬بناء‭ ‬الأكواخ‭ ‬التي‭ ‬تستقبل‭ ‬الأزواج‭ ‬الجدد،‭ ‬والأثاث‭ ‬البسيط‭ ‬المصنّع‭ ‬يدويًا‭ ‬بمواد‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬كالخيزران‭ ‬والبامبو‭ ‬وسعف‭ ‬النخيل‭.‬

وجاءت‭ ‬المعروضات‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬مطابقة‭ ‬للواقع،‭ ‬حيث‭ ‬صفّت‭ ‬المزروعات‭ ‬الاصطناعية‭ ‬على‭ ‬خلفيات‭ ‬أظهرت‭ ‬تدرجات‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق،‭ ‬لتوحي‭ ‬للزائر‭ ‬الغابات‭ ‬المطيرة‭ ‬التي‭ ‬استوطنها‭ ‬شعب‭ ‬الملايو‭ ‬وعمّرها‭. ‬

في‭ ‬بروناي‭ ‬تجد‭ ‬الشعب‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المتاحف‭ ‬محطة‭ ‬الزائر‭ ‬الأولى‭ ‬لبلاده،‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬نلتقي‭ ‬بهم‭ ‬يعرضون‭ ‬لنا‭ ‬قائمة‭ ‬طويلة‭ ‬لمتاحف‭ ‬العاصمة‭ ‬والمدن‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اهتمام‭ ‬الحكومة‭ ‬بالمعارض‭ ‬والمتاحف‭ ‬والمراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬عمومًا،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬ودورها‭ ‬لدى‭ ‬الشعب،‭ ‬ينميان‭ ‬شعور‭ ‬الفخر‭ ‬والانتماء،‭ ‬ويمنحان‭ ‬سمة‭ ‬الخصوصية‭ ‬والتميّز‭ ‬لسكان‭ ‬بروناي،‭ ‬والملايو‭ ‬تحديدًا،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬ينظر‭ ‬لهم‭ ‬العوام‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬متشابهون‭ ‬وسيّان،‭ ‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬المتاحف‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬يتلمسون‭ ‬أوجه‭ ‬الشبه‭ ‬والاختلاف،‭ ‬ويبحثون‭ ‬في‭ ‬الروابط‭ ‬والانتماءات‭.‬

 

مركز‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الاستكشافي

من‭ ‬المتاحف‭ ‬المميزة‭ ‬أيضًا‭ ‬مركز‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الاستكشافي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مغلقًا‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬زيارتنا،‭ ‬ويعدّ‭ ‬قبلة‭ ‬الباحثين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالنفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وكذلك‭ ‬وجهة‭ ‬محببة‭ ‬لدى‭ ‬الصغار‭ ‬والكبار،‭ ‬لكونه‭ ‬يستعرض‭ ‬تاريخ‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬وطرق‭ ‬استخراجه،‭ ‬وبه‭ ‬ورش‭ ‬علمية‭ ‬وتكنولوجية‭ ‬ترفيهية‭ ‬لطلبة‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعة‭. ‬

وأيضًا‭ ‬كان‭ ‬ممر‭ ‬الابتكار،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬سابقًا‭ ‬بحديقة‭ ‬بروناي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬الزراعية،‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬ضخم‭ ‬شرعت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تنفيذه‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬500‭ ‬هكتار،‭ ‬ضمن‭ ‬مخطط‭ ‬تصوري‭ ‬للدولة‭ ‬عام‭ ‬2035،‭ ‬يختص‭ ‬بتحسين‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬والحيواني‭ ‬العضوي،‭ ‬والصناعات‭ ‬الدوائية‭ ‬والصحية،‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬للدولة‭ ‬تطورها‭ ‬إلى‭ ‬مصافّ‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬لما‭ ‬يحققه‭ ‬للفرد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬وظيفية‭ ‬جمّة‭ ‬وارتفاع‭ ‬دخله‭ ‬السنوي‭. 

 

مسجد‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين

قبّة‭ ‬ذهبية‭ ‬شاهقة،‭ ‬ذات‭ ‬لمعان‭ ‬لا‭ ‬يطفئه‭ ‬شعاع‭ ‬شمس‭ ‬ولا‭ ‬إنارة‭ ‬مصباح،‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬انعكاس‭ ‬ضوء،‭ ‬فهي‭ ‬مصباح‭ ‬بعتمة‭ ‬الليل،‭ ‬وشمس‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬النهار،‭ ‬قبة‭ ‬بازغة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مبانٍ‭ ‬متواضعة‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬العاصمة،‭ ‬تخطف‭ ‬أبصار‭ ‬النظار‭ ‬حتى‭ ‬تجذبهم‭ ‬إليها‭ ‬وإلى‭ ‬فضائها،‭ ‬إنها‭ ‬قبّة‭ ‬مسجد‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين‭. ‬

في‭ ‬صباح‭ ‬باكر،‭ ‬سيرًا‭ ‬على‭ ‬الأقدام،‭ ‬كنا‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬تحفة‭ ‬عمرانية‭ ‬بهيئة‭ ‬مسجد،‭ ‬كلما‭ ‬اقتربنا‭ ‬منه‭ ‬تضخّم‭ ‬حجمه‭ ‬وازداد‭ ‬جماله‭. ‬عند‭ ‬البوابة‭ ‬الرئيسة‭ ‬وُجدت‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬السياح‭ ‬الأجانب‭ ‬الآسيويين‭ ‬والأوربيين،‭ ‬تناقلت‭ ‬أيديهم‭ ‬كاميرات‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬والاحترافية،‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يحاول‭ ‬التقاط‭ ‬أفضل‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬أنسب‭ ‬زاوية‭. ‬كان‭ ‬صفاء‭ ‬الجو‭ ‬وسطوع‭ ‬شمس‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬مميزين،‭ ‬بحيث‭ ‬تلتقط‭ ‬صور‭ ‬حاضنة‭ ‬لعناصر‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬الماء،‭ ‬النهر‭ ‬المطل‭ ‬عليه،‭ ‬والتراب،‭ ‬اليابسة‭ ‬والحدائق‭ ‬الغنّاء‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬به،‭ ‬والنار‭ ‬تشكلت‭ ‬باللون‭ ‬الذهبي‭ ‬الفاقع‭ ‬الذي‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬تعامد‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬البراقة‭. ‬

حظينا‭ - ‬كزائرين‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الكويتية‭ - ‬بترحيب‭ ‬حار‭ ‬من‭ ‬المشرفين‭ ‬على‭ ‬المسجد،‭ ‬الذين‭ ‬اصطفوا‭ ‬عند‭ ‬المدخل‭ ‬الرئيسي،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬أحدهم‭ ‬حتى‭ ‬يستدعي‭ ‬آخر،‭ ‬فهذا‭ ‬يجيد‭ ‬العربية،‭ ‬وهذا‭ ‬إمام،‭ ‬وهذا‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وهذا‭... ‬محاولين‭ ‬خلق‭ ‬جسور‭ ‬للتآلف‭ ‬الإنساني‭. ‬

تشجعنا‭ ‬على‭ ‬الدخول،‭ ‬وتساءلنا‭ ‬عن‭ ‬مصلى‭ ‬للسيدات‭ ‬لصلاة‭ ‬تحية‭ ‬المسجد،‭ ‬قبيل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬المسجد‭ ‬وتصميمه،‭ ‬فقال‭ ‬لنا‭ ‬أحد‭ ‬الواقفين‭: ‬

‭- ‬ادخلوا‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الكبير‭ ‬وفي‭ ‬جانبه‭ ‬على‭ ‬اليسار‭ ‬مساحة‭ ‬مقتطعة‭ ‬تصلي‭ ‬بها‭ ‬النساء‭.‬

 

الإمام‭ ‬الشاب‭ ‬حسنال

كان‭ ‬دخولًا‭ ‬باهرًا،‭ ‬المسجد‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬واسع‭ ‬جدًا،‭ ‬وتصميمه‭ ‬مهيب،‭ ‬فقد‭ ‬تدلّت‭ ‬من‭ ‬سقفه‭ ‬الأبيض‭ ‬والمحدد‭ ‬بالذهبي،‭ ‬ثريّات‭ ‬كريستالية‭ ‬إنجليزية‭ ‬الصنع،‭ ‬عكس‭ ‬رونقها‭ ‬إضاءات‭ ‬ملونة‭ ‬ساحرة،‭ ‬وافترش‭ ‬أرضيته‭ ‬سجاد‭ ‬سميك‭ ‬كالمرمر،‭ ‬قيل‭ ‬لنا‭ ‬إنه‭ ‬نسج‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬هالنا‭ ‬الهدوء‭ ‬والسكينة‭ ‬اللذان‭ ‬التزم‭ ‬بهما‭ ‬العاملون‭ ‬بالمسجد،‭ ‬وكذلك‭ ‬الزوار،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬صلينا‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المخصص‭ ‬للنساء،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الترتيب‭ ‬والنظافة،‭ ‬رغم‭ ‬مساحته‭ ‬الصغيرة‭ ‬نسبيًّا،‭ ‬مقارنة‭ ‬بمساحة‭ ‬المسجد،‭ ‬أتى‭ ‬شاب‭ ‬يرتدي‭ ‬زيًّا‭ ‬إسلاميًّا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ثوب‭ ‬طويل‭ ‬أبيض،‭ ‬فوقه‭ ‬معطف‭ ‬داكن‭ ‬اللون،‭ ‬ويلفّ‭ ‬عمامة‭ ‬بيضاء‭ ‬على‭ ‬رأسه،‭ ‬حدثنا‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬فصيحة‭ ‬وعرّفنا‭ ‬بنفسه،‭ ‬قائلاً‭: ‬

‭- ‬أنا‭ ‬الإمام‭ ‬حسنال‭ ‬محمد،‭ ‬عيّنت‭ ‬أخيرًا‭ ‬إمامًا‭ ‬للمسجد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حفظت‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وأنهيت‭ ‬دراساتي‭ ‬الدينية‭. ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السائحين‭ ‬يأتون‭ ‬للمسجد‭ ‬تشدهم‭ ‬القبة‭ ‬البراقة،‭ ‬إنها‭ ‬القبة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للمسجد،‭ ‬مكسوّة‭ ‬بأوراق‭ ‬الذهب‭ ‬الخالص،‭ ‬ترتفع‭ ‬52‭ ‬مترًا‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬ويمكن‭ ‬رؤيتها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭.  

طلاقة‭ ‬حسنال،‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتمكّنه‭ ‬من‭ ‬قواعدها،‭ ‬وانتقاؤه‭ ‬لمفرداته‭ ‬بدقة‭ ‬بالغة،‭ ‬دفعتنا‭ ‬لسؤاله‭:‬

لغتكم‭ ‬العربية‭ ‬سليمة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنكم‭ ‬تعلمتم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والعربية‭ ‬بأحد‭ ‬المراكز‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فهل‭ ‬درستم‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬أم‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية؟‭  

‭- ‬لا،‭ ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬تعلمت‭ ‬ودرست‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والفقه،‭ ‬واللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وعلوم‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬بروناي،‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬تحفيظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬للسلطان‭ ‬الحاج‭ ‬حسن‭ ‬البلقية‭ ‬بالعاصمة‭ ‬بندر‭ ‬سيري‭ ‬بيكاوان‭ ‬في‭ ‬بروناي‭.‬

بدا‭ ‬فخورًا‭ ‬بردّه،‭ ‬وأشاد‭ ‬بالمعهد‭ ‬الذي‭ ‬يخرّج‭ ‬أئمة‭ ‬ومعلمين،‭ ‬كما‭ ‬تخرّج‭ ‬هو‭ ‬فيه‭. ‬الإمام‭ ‬حسنال‭ ‬صغير‭ ‬السن‭ ‬ليكون‭ ‬إمامًا‭ ‬على‭ ‬مسجد‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬صورة‭ ‬أئمة‭ ‬المساجد‭ ‬المطبوعة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬كثير‭ ‬منا،‭ ‬هو‭ ‬رجل‭ ‬كبير‭ ‬تجاوز‭ ‬الخمسين‭ ‬سنة،‭ ‬لاعتبار‭ ‬أنه‭ ‬أكثر‭ ‬خبرة‭ ‬وعلمًا‭ ‬ودراية،‭ ‬وذلك‭ ‬دفعنا‭ ‬لسؤال‭ ‬حسنال‭ ‬وآخرين‭ ‬اصطفوا‭ ‬بجانبيه‭: ‬

‭- ‬كونك‭ ‬إمامًا‭ ‬لمسجد‭ ‬كهذا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنك‭ ‬متميز،‭ ‬وعلى‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬بالدين‭ ‬والتقوى‭. ‬

خفض‭ ‬رأسه،‭ ‬ولم‭ ‬يجب،‭ ‬ووسط‭ ‬تساؤل‭ ‬الآخرين‭ ‬عمّا‭ ‬قلنا‭ ‬ترجم‭ ‬لهم،‭ ‬فانطلقت‭ ‬تعليقاتهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جهة،‭ ‬طلبنا‭ ‬منه‭ ‬توضيح‭ ‬ما‭ ‬يقولون،‭ ‬فأجاب‭ ‬باسمًا‭: ‬

‭- ‬هم‭ ‬فخورون‭ ‬بي،‭ ‬لاختيار‭ ‬السلطان‭ ‬لي‭ ‬لأكون‭ ‬إمامًا‭ ‬للمسجد،‭ ‬وهذا‭ ‬تشريف‭ ‬وتكليف‭ ‬لي،‭ ‬إنه‭ ‬عامي‭ ‬الأول‭ ‬فيه،‭ ‬وأنا‭ ‬ومن‭ ‬عمل‭ ‬قبلي‭ ‬نعمل‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬المسجد،‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الأذان‭ ‬للصلوات‭ ‬الخمس‭ ‬وإقامة‭ ‬الصلاة،‭ ‬وكذلك‭ ‬إقامة‭ ‬الدروس‭ ‬الدينية‭ ‬بين‭ ‬الصلوات،‭ ‬والتفقّه‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭.‬

 

لمحة‭ ‬تاريخية

بينما‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ ‬الإمام‭ ‬الشاب‭ ‬حسنال،‭ ‬راح‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬جلسة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المسجد،‭ ‬تضمنت‭ ‬وضع‭ ‬كتيبات‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬خشبية‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬دائري،‭ ‬مطبوعة‭ ‬بلغة‭ ‬الملايو‭ ‬واللغة‭ ‬العربية،‭ ‬امتدت‭ ‬لها‭ ‬أيدينا‭ ‬وتصفحناها،‭ ‬فكانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أهازيج‭ ‬وأناشيد‭ ‬دينية،‭ ‬فتساءلنا‭ ‬عنها‭: ‬

‭- ‬إنها‭ ‬فرصة‭ ‬مواتية‭ ‬لكم،‭ ‬حيث‭ ‬إننا‭ ‬نقيم‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ (‬الثلاثاء‭ ‬13‭ ‬نوفمبر‭ ‬2018‭ ‬الموافق‭ ‬5‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭) ‬مجلس‭ ‬ذكر‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع،‭ ‬احتفالاً‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬وفيه‭ ‬ننشد‭ ‬الأناشيد‭ ‬ونردد‭ ‬الأذكار‭ ‬والصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬على‭ ‬نبينا‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلوات،‭ ‬لمدة‭ ‬تتجاوز‭ ‬أحيانًا‭ ‬الساعة،‭ ‬وبعدها‭ ‬نوزع‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬الحضور‭. ‬نأمل‭ ‬منكم‭ ‬مشاركتنا،‭ ‬فنحن‭ ‬نحتفل‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭.‬

باعد‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬أذان‭ ‬صلاة‭ ‬الظهر‭ ‬نحو‭ ‬ساعة،‭ ‬فطلبنا‭ ‬من‭ ‬الإمام‭ ‬الشاب‭ ‬معلومات‭ ‬حول‭ ‬تصميم‭ ‬المسجد،‭ ‬فبيّن‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬مداخل‭ ‬عدة؛‭ ‬مدخل‭ ‬رئيس‭ ‬يقابل‭ ‬البوابة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للمسجد،‭ ‬وآخر‭ ‬جانبي‭ ‬للنساء‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الوضوء‭ ‬الخاص‭ ‬بهن،‭ ‬وثالث‭ ‬يقابل‭ ‬المنبر‭ ‬يسهّل‭ ‬دخول‭ ‬الإمام‭ ‬منه،‭ ‬وآخر‭ ‬ينتصف‭ ‬جهة‭ ‬اليمين‭ ‬مطلّ‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬صناعية‭ ‬أحاطت‭ ‬بالمسجد‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬جهات،‭ ‬حفرت‭ ‬وصممت‭ ‬خصيصًا‭ ‬للمسجد‭. ‬

طلبنا‭ ‬منه‭ ‬لمحة‭ ‬تاريخية‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬المسجد،‭ ‬فأوضح‭ ‬قائلًا‭:‬

‭- ‬شرع‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬سلطان‭ ‬بروناي‭ ‬الـ‭ ‬28‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين،‭ ‬وعليه‭ ‬وضعت‭ ‬28‭ ‬مئذنة‭ ‬محيطة‭ ‬بالمسجد‭. ‬ويرمز‭ ‬للعقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬يعتنقها‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب،‭ ‬حيث‭ ‬أداء‭ ‬الصلوات‭ ‬مع‭ ‬الجماعة‭. ‬صممه‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬والنحات‭ ‬الإيطالي‭ ‬كافالير‭ ‬رودولفو‭ ‬نولي،‭ ‬ونفّذ‭ ‬فيه‭ ‬جماليات‭ ‬العمارة‭ ‬المغولية‭ ‬والطراز‭ ‬الملاوي،‭ ‬حيث‭ ‬القباب‭ ‬الذهبية،‭ ‬البصلية‭ ‬الشكل‭ ‬والأقل‭ ‬استدارة‭ ‬عن‭ ‬مثيلاتها،‭ ‬والمآذن‭ ‬النحيلة‭ ‬في‭ ‬الزوايا،‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الرخام،‭ ‬والأبواب‭ ‬العالية،‭ ‬والقاعات‭ ‬الواسعة‭ ‬الضخمة،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يخلُ‭ ‬تصميمه‭ ‬من‭ ‬الزخارف‭ ‬الدقيقة‭ ‬والنوافذ‭ ‬الواسعة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬العمارة‭ ‬الإيطالية،‭ ‬وافتتح‭ ‬عام‭ ‬1958،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬عمره‭ ‬اليوم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬60‭ ‬سنة،‭ ‬ويمكنكم‭ ‬التجول‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬حيث‭ ‬البحيرة‭. ‬

خرجنا‭ ‬برفقة‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬بالمسجد،‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأبواب‭ ‬الجانبية‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الغربية‭ ‬له،‭ ‬والمطل‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬اصطناعية‭ ‬بنيت‭ ‬وفق‭ ‬تعليمات‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين،‭ ‬لخدمة‭ ‬سكان‭ ‬قرية‭ ‬الماء‭ ‬الموجودة‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين،‭ ‬وتسهّل‭ ‬لهم‭ ‬أداء‭ ‬عباداتهم‭ ‬في‭ ‬المسجد‭. ‬ويصل‭ ‬المسجد‭ ‬بالقرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جسر‭ ‬مُدّ‭ ‬من‭ ‬البحيرة‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬نهر‭ ‬بروناي،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬جسر‭ ‬رخامي‭ ‬آخر‭ ‬يصل‭ ‬بمجسم‭ ‬حجري‭ ‬ضخم‭ ‬صمم‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬قارب‭ ‬فخم‭ ‬مطابق‭ ‬لبارجة‭ ‬ملكية‭ ‬اشتهرت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬16م‭. ‬وعابر‭ ‬الجسر‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أسماكًا‭ ‬مختلفة‭ ‬الأشكال‭ ‬والأحجام‭ ‬والألوان‭ ‬متعايشة‭ ‬في‭ ‬بيئتها‭ ‬بسلاسة‭.‬

الإبداع‭ ‬في‭ ‬التصميم،‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬غالبية‭ ‬المباني‭ ‬في‭ ‬العاصمة،‭ ‬حتى‭ ‬المعابد،‭ ‬ففي‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬لسوق‭ ‬كيانغيه‭ ‬يقبع‭ ‬مبنى‭ ‬أحمر‭ ‬ساطع،‭ ‬له‭ ‬بوابة‭ ‬ذهبية‭ ‬اللون،‭ ‬تجبر‭ ‬الناظر‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه،‭ (‬إنه‭ ‬معبد‭ ‬تيانغ‭ ‬ين،‭ ‬أو‭ ‬معبد‭ ‬الغيوم‭ ‬الطائرة‭ ‬للمتعبدين‭ ‬البوذيين‭)‬،‭ ‬كذلك‭ ‬وصفه‭ ‬أحد‭ ‬البائعين‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬بني‭ ‬على‭ ‬طراز‭ ‬المعابد‭ ‬الصينية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬معتنقي‭ ‬الديانة‭ ‬البوذية‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬وهناك‭ ‬فئة‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬الهند‭. ‬لقينا‭ ‬الترحيب‭ ‬حين‭ ‬طلبنا‭ ‬الدخول،‭ ‬كما‭ ‬سمح‭ ‬لنا‭ ‬بالتصوير،‭ ‬سواء‭ ‬وسط‭ ‬حراس‭ ‬المعبد‭ ‬أو‭ ‬المتعبدين،‭ ‬الذين‭ ‬مارسوا‭ ‬شعائرهم‭ ‬بحريّة‭ ‬تامة،‭ ‬وافتخر‭ ‬حراس‭ ‬المعبد‭ ‬بالأريحية‭ ‬التي‭ ‬ينعم‭ ‬بها‭ ‬البوذيون‭ ‬في‭ ‬بروناي‭. ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬التي‭ ‬توسطت‭ ‬العاصمة‭ ‬أيضًا،‭ ‬وتستقبل‭ ‬المصلين‭ ‬المسيحيين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأوقات‭ ‬والمناسبات‭.    

 

بين‭ ‬القصر‭ ‬والجامع‭ ‬

هل‭ ‬ذهبتم‭ ‬إلى‭ ‬جامع‭ ‬الإمام‭ ‬حسن‭ ‬البلقية؟‭ ‬هل‭ ‬شاهدتم‭ ‬التصميم‭ ‬الهندسي‭ ‬لهذا‭ ‬الجامع؟‭ ‬أينما‭ ‬ذهبنا‭ ‬كانت‭ ‬الآراء‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬ذلك‭ ‬الجامع،‭ ‬وفي‭ ‬طريقنا‭ ‬للجامع،‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬مرافقنا‭: ‬

‭- ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التوقف‭ ‬بالأستانا،‭ ‬آملُ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مفتوحًا،‭ ‬إنه‭ ‬قصر‭ ‬نور‭ ‬الإيمان،‭ ‬إنه‭ ‬قصر‭ ‬السلطان‭ ‬حسن‭ ‬البلقية،‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭ ‬والأسرة‭ ‬الملكية،‭ ‬إنه‭ ‬أكبر‭ ‬قصر‭ ‬سكني‭ ‬في‭ ‬العالم‭.         

كان‭ ‬يتكلم‭ ‬بفخر‭ ‬واعتزاز‭ ‬عن‭ ‬القصر،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬اعتبره‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الوجهات‭ ‬السياحية،‭ ‬والدخول‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬رمضان‭ ‬والأعياد‭ ‬الدينية،‭ ‬ومصافحة‭ ‬السلطان‭ ‬وتحية‭ ‬عائلته،‭ ‬شرف‭ ‬عظيم،‭ ‬ومن‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬يحرص‭ ‬عليها‭ ‬الزائرون‭. ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬قائلًا‭: ‬

‭- ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬توزع‭ ‬الأطعمة‭ ‬والمشروبات،‭ ‬كما‭ ‬تعطى‭ ‬العيدية‭ (‬مبلغ‭ ‬من‭ ‬المال‭) ‬في‭ ‬خرق‭ ‬خضراء،‭ ‬للصغار‭ ‬والكبار‭. ‬

وحين‭ ‬مررنا‭ ‬بالقصر،‭ ‬كان‭ ‬مغلقًا،‭ ‬ورحّب‭ ‬بنا‭ ‬الحرس‭ ‬وسمح‭ ‬لنا‭ ‬بالتقاط‭ ‬صور‭ ‬للبوابة‭ ‬العملاقة‭. ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬الجامع‭ ‬أكمل‭ ‬المرافق‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬قصر‭ ‬نور‭ ‬الإيمان‭: ‬

‭- ‬صممه‭ ‬مهندس‭ ‬فلبيني‭ ‬يدعى‭ ‬لياندرو‭ ‬لوكسين،‭ ‬إنه‭ ‬كبير‭ ‬للغاية‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحته‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع،‭ ‬وفيه‭ ‬1788‭ ‬غرفة،‭ ‬وإحداها‭ ‬غرفة‭ ‬لمآدب‭ ‬الطعام‭ ‬وتسَع‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬شخص،‭ ‬وفيه‭ ‬مسجد‭ ‬وإسطبل،‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬له‭ ‬منظر‭ ‬خلاب،‭ ‬حيث‭ ‬يضيء‭ ‬عتمته‭ ‬51‭ ‬ألف‭ ‬مصباح‭. ‬

بدأ‭ ‬المطر‭ ‬يتساقط،‭ ‬وانهمرت‭ ‬مياهه‭ ‬فور‭ ‬توقّف‭ ‬سيارة‭ ‬الأجرة‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬المسجد،‭ ‬منهمر‭ ‬بسرعة‭ ‬ثابتة،‭ ‬بينما‭ ‬استمر‭ ‬زائروه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الملل‭ ‬بالتقاط‭ ‬الصور‭ ‬مع‭ ‬الحدائق‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬بنوافير‭ ‬ماء‭ ‬صبّت‭ ‬مياهها‭ ‬كشلالات‭ ‬عصيّة‭ ‬على‭ ‬التوقف،‭ ‬فكان‭ ‬خرير‭ ‬الماء‭ ‬سيمفونية‭ ‬موسيقية‭ ‬عزفت‭ ‬جمال‭ ‬المعمار‭ ‬والطبيعة‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬الإمام‭ ‬حسن‭ ‬البلقية‭. ‬

على‭ ‬مساحة‭ ‬20‭ ‬فدانًا‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬حسن‭ ‬البلقية‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬واختير‭ ‬للجامع‭ ‬موقع‭ ‬يتوسط‭ ‬المناطق‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬بروناي،‭ ‬كما‭ ‬صمم‭ ‬بشكل‭ ‬معماري‭ ‬قد‭ ‬يقارب‭ ‬مسجد‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬فيه‭ ‬تمازجًا‭ ‬هندسيًّا‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬الطرز‭ ‬المعمارية،‭ ‬وأبرزها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الفسيفساء‭ ‬الملونة‭ ‬والنجوم‭ ‬المثمّنة‭. ‬ومن‭ ‬الخارج‭ ‬وعلى‭ ‬مساحة‭ ‬1000‭ ‬متر‭ ‬مربع‭ ‬تقريبًا‭ ‬تحاط‭ ‬بالجامع‭ ‬حدائق‭ ‬منسقة‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية،‭ ‬حيث‭ ‬اتخذت‭ ‬أشكالاً‭ ‬وتصاميم‭ ‬جميلة،‭ ‬كما‭ ‬بنيت‭ ‬نوافير‭ ‬وشلالات‭ ‬أطلقت‭ ‬هديرًا‭ ‬لا‭ ‬يتوقف،‭ ‬وتناغمت‭ ‬أصواتها‭ ‬مع‭ ‬تغريد‭ ‬عصافير‭ ‬سكنت‭ ‬في‭ ‬أشجار‭ ‬الحدائق‭. ‬

 

اهتمام‭ ‬بالغ

كان‭ ‬الهدف‭ ‬أن‭ ‬يفتتح‭ ‬الجامع‭ ‬مع‭ ‬الذكرى‭ ‬الـ25‭ ‬لتقلد‭ ‬السلطان‭ ‬حسن‭ ‬البلقية‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الانتهاء‭ ‬منه‭ ‬بشكله‭ ‬النهائي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬وعليه‭ ‬تم‭ ‬افتتاحه‭ ‬رسميًا‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬الموافق‭ ‬يوم‭ ‬مولد‭ ‬السلطان‭ ‬الـ‭ ‬48‭. ‬بحضوره‭ ‬الذي‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬صلاتي‭ ‬المغرب‭ ‬والعشاء‭ ‬مع‭ ‬المصلين،‭ ‬وقد‭ ‬جرت‭ ‬العادة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬السلطان‭ ‬مواطنيه‭ ‬والمصلين‭ ‬بعد‭ ‬أداء‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭. ‬

ولكونه‭ ‬جامعًا‭ ‬فهو‭ ‬أيضًا‭ ‬يجمع‭ ‬الجموع‭ ‬كما‭ ‬الجُمَع،‭ ‬ففيه‭ ‬قاعة‭ ‬للمؤتمرات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬وتنظيم‭ ‬الدروس،‭ ‬كما‭ ‬أنشئت‭ ‬فيه‭ ‬مكتبة‭ ‬للكتب‭ ‬الإسلامية‭ ‬ضمت‭ ‬نسخًا‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬القيّمة‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬والعقيدة‭ ‬باللغات‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬والملاوية،‭ ‬كما‭ ‬شاهدنا‭ ‬نسخة‭ ‬نادرة‭ ‬وقديمة‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭. ‬

واحتلت‭ ‬تلك‭ ‬القاعات‭ ‬الدور‭ ‬الأرضي،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬المسجد‭ ‬بالدور‭ ‬الأول،‭ ‬ويسع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬مصلٍّ‭ ‬ومصلية‭. ‬ومن‭ ‬البوابة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للمسجد‭ ‬يستقبل‭ ‬المصلين‭ ‬الرجال‭ ‬سلّم‭ ‬كهربائي‭ ‬متحرك‭ ‬وآخر‭ ‬تقليدي‭ ‬يوصلهم‭ ‬إليه،‭ ‬بينما‭ ‬مسجد‭ ‬النساء‭ ‬له‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬ذاته‭. ‬ويلاحظ‭ ‬الشكل‭ ‬شبه‭ ‬الدائري‭ ‬في‭ ‬المسجد،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬زوايا‭ ‬فيه،‭ ‬بل‭ ‬أنصاف‭ ‬دوائر،‭ ‬وكأنه‭ ‬اتخذ‭ ‬شكل‭ ‬الزهرة‭. ‬

يولي‭ ‬أهل‭ ‬بروناي‭ ‬مساجدهم‭ ‬وأماكن‭ ‬الصلاة‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بالغًا،‭ ‬فكيف‭ ‬بجامع‭ ‬الإمام‭ ‬حسن‭ ‬البلقية،‭ ‬فلا‭ ‬يسمح‭ ‬لأي‭ ‬زائر‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ‬بأن‭ ‬يدخل‭ ‬بملابس‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بالمسجد،‭ ‬فقد‭ ‬خصصت‭ ‬عباءات‭ ‬سوداء‭ ‬مختلفة‭ ‬الأطوال‭ ‬والقياسات،‭ ‬وعلّقت‭ ‬عند‭ ‬مدخل‭ ‬الزوار،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬أماكن‭ ‬الوضوء‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأماكن‭ ‬نظافة،‭ ‬ووضعت‭ ‬لافتات‭ ‬إرشادية‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬الاستخدام‭ ‬ونبذ‭ ‬الإسراف،‭ ‬وقد‭ ‬حرص‭ ‬القائمون‭ ‬عليه‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬قيام‭ ‬المصلين‭ ‬بعباداتهم‭ ‬وفي‭ ‬المكتبة‭. ‬وهو‭ ‬يفتح‭ ‬أبوابه‭ ‬للزوار‭ ‬المسلمين‭ ‬وغير‭ ‬المسلمين‭.‬

 

بروناي‭ ‬تحتضن‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬روسيا

في‭ ‬بروناي‭ ‬دار‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬الإسلام‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬محفل‭ ‬من‭ ‬محافلها،‭ ‬إنه‭ ‬متجسد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأروقة‭ ‬والأزمنة،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬مسالمًا‭ ‬لأبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬فإن‭ ‬العاصمة‭ ‬بندر‭ ‬سيري‭ ‬بيكاوان‭ ‬حاضنة‭ ‬جيدة‭ ‬لكل‭ ‬معلَم‭ ‬إسلامي،‭ ‬ففي‭ ‬إحدى‭ ‬صالات‭ ‬العرض‭ ‬الفني‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬بروناي‭ ‬والقرية‭ ‬المائية،‭ ‬وضع‭ ‬إعلان‭ ‬كبير‭ ‬عن‭ ‬افتتاح‭ ‬معرض‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬بتنظيم‭ ‬من‭ ‬الملحق‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬وحضور‭ ‬لافت‭ ‬لمسؤولين‭ ‬وشخصيات‭ ‬مهمة‭ ‬لدى‭ ‬البلدين‭. ‬وعرضت‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬صورة‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الروسية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬مليون‭ ‬مسلم‭ ‬يعيشون‭ ‬فيها‭. ‬وقسم‭ ‬المعرض‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬أقسام‭ ‬جغرافية‭ (‬شمال‭ ‬القوقاز،‭ ‬الفولغا،‭ ‬سيبيريا،‭ ‬المنطقة‭ ‬الفدرالية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬منطقة‭ ‬الأورال،‭ ‬المنطقة‭ ‬الفدرالية‭ ‬الشرقية،‭ ‬المنطقة‭ ‬الفدرالية‭ ‬الشمالية،‭ ‬والمركزية‭). ‬

مسجد‭ ‬موسكو‭ ‬الجامع،‭ ‬ومدينة‭ ‬قازان‭ ‬عاصمة‭ ‬تتارستان‭ ‬ذات‭ ‬الأغلبية‭ ‬المسلمة،‭ ‬ومسجد‭ ‬قول‭ ‬شريف‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬مساجد‭ ‬روسيا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للمسلمين‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬الدينية‭. ‬

كان‭ ‬المنظمون‭ ‬يستعدون‭ ‬لافتتاح‭ ‬قاعة‭ ‬أخرى‭ ‬تبعد‭ ‬عشرات‭ ‬الأمتار،‭ ‬تضم‭ ‬معرضًا‭ ‬فوتوغرافيًّا‭ ‬يحكي‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬والسائر‭ ‬بين‭ ‬القاعتين‭ ‬يلمح‭ ‬مجسمًا‭ ‬ذهبيًا‭ ‬انتصب‭ ‬وسط‭ ‬ساحة‭ ‬مطلة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬ومقابلة‭ ‬للقرية‭ ‬المائية،‭ ‬يفسره‭ ‬الرائي‭ ‬له‭ ‬بأنه‭ ‬العدد‭ ‬60‭ ‬بسهولة،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬بجانبه،‭ ‬أنه‭ ‬هدية‭ ‬الشعب‭ ‬للسلطان‭ ‬حسن‭ ‬البلقية‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬أقيمت‭ ‬بمناسبة‭ ‬يوم‭ ‬ميلاده‭ ‬الستين،‭ ‬وأحيط‭ ‬به‭ ‬5‭ ‬أعمدة‭ ‬ذهبية‭ ‬قصيرة‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬الماء،‭ ‬لتصب‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الـ‭ ‬60‭. ‬وتشير‭ ‬الأعمدة‭ ‬الـ‭ ‬5‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬الصلوات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬دعاء‭ ‬يطلقه‭ ‬الشعب‭ ‬لحفظ‭ ‬السلطان‭ ‬وتسديد‭ ‬خطاه،‭ ‬وماؤها‭ ‬الذي‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬المنتصف‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الوئام‭ ‬والتجانس‭ ‬والإخاء‭. ‬

 

مسجد‭ ‬يصدح‭ ‬حبَّا‭ ‬

عند‭ ‬زيارتنا‭ ‬الأولى‭ ‬لمسجد‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين،‭ ‬طلب‭ ‬منا‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬حسنال،‭ ‬مشاركتهم‭ ‬بعد‭ ‬أداء‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬يعد‭ ‬خصيصًا‭ ‬للمولد‭ ‬النبوي،‭ ‬حيث‭ ‬تقام‭ ‬جلسات‭ ‬ذكر‭ ‬للرسول‭ ‬محمد‭ [ ‬وآل‭ ‬بيته،‭ ‬وذلك‭ ‬قبيل‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مولده‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬غابت‭ ‬شمس‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬حتى‭ ‬صدحت‭ ‬مكبرات‭ ‬المسجد‭ ‬وسط‭ ‬هدوء‭ ‬مساء‭ ‬العاصمة‭ ‬وسطوع‭ ‬قمرها‭ ‬المكتمل،‭ ‬وسماء‭ ‬مزيّنة‭ ‬بغيوم‭ ‬بيضاء‭ ‬رشيقة‭. 

 

يا‭ ‬نبي‭ ‬سلام‭ ‬عليك‭... ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬سلام‭ ‬عليك‭ ‬

يا‭ ‬حبيب‭ ‬سلام‭ ‬عليك‭... ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬عليك‭ ‬

أشرق‭ ‬البدر‭ ‬علينا‭... ‬مرحبًا‭ ‬مرحبًا‭ ‬يا‭ ‬مرحبًا‭ ‬

 

أهازيج‭ ‬المديح

كان‭ ‬ذلك‭ ‬نداء‭ ‬كافيًا‭ ‬لتلبيتنا‭ ‬الدعوة،‭ ‬حيث‭ ‬دخلنا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬جانبي‭ ‬للمسجد‭ ‬كُتب‭ ‬عليه‭ ‬مدخل‭ ‬النساء،‭ ‬وفيه‭ ‬مكان‭ ‬لصلاتهن،‭ ‬ومنه‭ ‬مدخل‭ ‬لهنّ‭ ‬للمسجد‭ ‬الكبير،‭ ‬حيث‭ ‬يصلي‭ ‬الرجال‭. ‬اصطفت‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬الصغيرات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬أفقية‭ ‬مرتبة‭ ‬وهنّ‭ ‬يحملن‭ ‬كتيبات،‭ ‬ويجلسن‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬أمتار‭ ‬تقريبًا،‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬جلسوا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المسجد‭ ‬وعلى‭ ‬يمين‭ ‬المنبر،‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حرف‭ ‬U‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬وقد‭ ‬اصطف‭ ‬الإمام‭ ‬حسنال‭ ‬مع‭ ‬أئمة‭ ‬وشيوخ‭ ‬دين،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬اليمين‭ ‬صفوف‭ ‬متتالية‭ ‬بلغت‭ ‬تقريبًا‭ ‬3‭ ‬صفوف،‭ ‬شملت‭ ‬رجالًا‭ ‬وصبية‭ ‬من‭ ‬الجالية‭ ‬الهندية‭ ‬المسلمة‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬بروناي،‭ ‬وارتدوا‭ ‬الزي‭ ‬الهندي‭ ‬التقليدي‭ ‬للرجال،‭ ‬وقابله‭ ‬على‭ ‬الجهة‭ ‬اليسرى‭ ‬رجال‭ ‬وصبية‭ ‬من‭ ‬بروناي،‭ ‬وارتدوا‭ ‬كذلك‭ ‬زيهم‭ ‬التقليدي،‭ ‬وانطلقوا‭ ‬بأهازيج‭ ‬المديح‭ ‬والثناء‭ ‬على‭ ‬الرسول‭ ‬محمد‭ [‬،‭ ‬وآل‭ ‬بيته،‭ ‬بادئين‭ ‬جملهم‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬السلام‭ ‬عليك،‭ ‬زين‭ ‬الأنبياء،‭ ‬أتقى‭ ‬الأتقياء،‭ ‬أصفى‭ ‬الأصفياء،‭ ‬أزكى‭ ‬الأزكياء،‭ ‬السلام‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬السماء،‭ ‬دائمًا‭ ‬بلا‭ ‬انقضاء‭.‬

السلام‭ ‬عليك‭ ‬أحمد‭ ‬يا‭ ‬حبيبي،‭ ‬طه‭ ‬يا‭ ‬طبيبي،‭ ‬يا‭ ‬مسكًا‭ ‬بطيب،‭ ‬يا‭ ‬ماحي‭ ‬الذنوب،‭ ‬يا‭ ‬عون‭ ‬الغريب‮»‬‭.‬

وبعد‭ ‬ذكر‭ ‬طويل‭ ‬لسماته‭ [‬،‭ ‬يأتي‭ ‬ذكر‭ ‬صحابته‭ ‬وأهل‭ ‬بيته‭ ‬الطاهرين‭: ‬

‮«‬السلام‭ ‬على‭ ‬الخليفة‭ ‬منك‭ ‬فينا‭... ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬مبيد‭ ‬الجاحدينا،‭ ‬وكذا‭ ‬عمر‭ ‬وليّ‭ ‬الصالحينا،‭ ‬وذي‭ ‬النورين‭ ‬رأس‭ ‬الناسكينا،‭ ‬وكذاك‭ ‬علي‭ ‬السامي‭ ‬يقينا‭.. ‬السلام‭ ‬على‭ ‬أصحابك‭ ‬أجمعينا،‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم،‭ ‬وكذا‭ ‬الحسنين‭ ‬خير‭ ‬العالمين‭.. ‬رضي‭ ‬عنهما‭ ‬وآلك‭ ‬كلهم‭ ‬والتابعينا‭.. ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬وتابعيهم‭ ‬وتابعي‭ ‬التابعينا‮»‬‭. ‬

امتدت‭ ‬جلسة‭ ‬الذكر‭ ‬إلى‭ ‬الساعتين‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وكانت‭ ‬روح‭ ‬الإنشاد‭ ‬لا‭ ‬تخبو‭ ‬ولا‭ ‬تهفو،‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬اللاتي‭ ‬حرصن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نبرة‭ ‬ذكرهنّ‭ ‬أخفض‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬وبين‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار‭ ‬الذين‭ ‬برفقة‭ ‬الوالدين‭ ‬والجيران،‭ ‬كما‭ ‬التزم‭ ‬الجميع‭ ‬بالإنصات‭ ‬لبعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬والتراتبية‭ ‬بالقول‭ ‬والكلمة،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الكتيبات‭ ‬التي‭ ‬يحملونها‭. ‬بعد‭ ‬الانتهاء،‭ ‬وزعت‭ ‬أكياس‭ ‬وضعت‭ ‬بها‭ ‬علبتان‭ ‬إحداها‭ ‬أرز‭ ‬أبيض،‭ ‬والأخرى‭ ‬صلصة،‭ ‬وتعد‭ ‬كوجبة‭ ‬عشاء‭ ‬لمن‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬الذكر،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬الحاصلين‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الاستمتاع‭ ‬ببوفيه‭ ‬أعد‭ ‬بألذ‭ ‬المأكولات‭ ‬التقليدية‭ ‬خارج‭ ‬المسجد،‭ ‬وفي‭ ‬الساحة‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحيرة‭. ‬

 

السيدة‭ ‬عزيزة‭ ‬في‭ ‬بروناي

عزيزة،‭ ‬سيدة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العمر،‭ ‬بيّنت‭ ‬لنا‭ ‬حرص‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬والاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوي‭ ‬في‭ ‬المسجد،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬وابنها‭ ‬الشاب،‭ ‬وفتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬ابنة‭ ‬جيرانها،‭ ‬الذين‭ ‬منعهم‭ ‬ظرف‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭. ‬وددنا‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬عزيزة‭ ‬أن‭ ‬تطلعنا‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬بروناي،‭ ‬فقالت‭: ‬

‭- ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬أسرنا‭ ‬ممتدة،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬نسكن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد،‭ ‬فنحن‭ ‬قريبون‭ ‬من‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬ويحظى‭ ‬الأجداد‭ ‬باحترام‭ ‬كبير،‭ ‬وتقدير‭ ‬بالغ‭. ‬ونحرص‭ ‬على‭ ‬مخالطة‭ ‬أبنائنا‭ ‬لأجدادهم‭ ‬لاكتساب‭ ‬الحكمة‭ ‬والمعرفة‭ ‬الحياتية‭. ‬كما‭ ‬نهتم‭ ‬بالتعليم‭ ‬وحصول‭ ‬أبنائنا‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬المراتب‭ ‬العلمية‭. ‬ابني‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العشرينيات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهى‭ ‬تعليمه‭ ‬الإلزامي‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬للتخصص‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مجالات‭ ‬الهندسة‭. ‬

وعند‭ ‬سؤالنا‭ ‬عن‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬قالت‭:‬

‭- ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬محور‭ ‬حياتنا،‭ ‬نتمسك‭ ‬قدر‭ ‬استطاعتنا‭ ‬بتعاليمه‭ ‬السمحة،‭ ‬نحن‭ ‬نتعايش‭ ‬بسلام‭ ‬مع‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬العقائد‭ ‬الأخرى،‭ ‬فأماكن‭ ‬العبادة‭ ‬متوافرة‭ ‬لهم،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬متوافرة‭ ‬لنا‭. ‬وقد‭ ‬أطلقت‭ ‬حكومتنا‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2009‭ ‬حملة‭ ‬‮«‬بروناي‭ ‬حلال‮»‬،‭ ‬لدعم‭ ‬الأغذية‭ ‬المصنّعة‭ ‬وفقًا‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬علامة‭ ‬تجارية‭ ‬عالمية‭ ‬تقتحم‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬وتوفر‭ ‬الأغذية‭ ‬للمسلمين،‭ ‬كما‭ ‬بدأنا‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2014‭ ‬بتطبيق‭ ‬أحكام‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭.‬

وعن‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬اكتفت‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬ربّة‭ ‬أسرة،‭ ‬ولم‭ ‬أعمل‭ ‬قط،‭ ‬لكن‭ ‬فرص‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬للمرأة‭ ‬لدينا‭ ‬متساوية‭ ‬مع‭ ‬الرجل،‭ ‬فالمرأة‭ ‬تخدم‭ ‬بالجيش‭ ‬والشرطة‭ ‬وتشكّل‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭ ‬الوطنية‭. ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬التقاليد‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬والتي‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬كالحجاب،‭ ‬وعدم‭ ‬مصافحة‭ ‬الرجال،‭ ‬والحديث‭ ‬بصوت‭ ‬منخفض‭ ‬نسبيًا‭. ‬

 

نزهات‭ ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬وملاهٍ‭ ‬ومتنزهات‭ ‬

تعد‭ ‬أماكن‭ ‬الترفيه‭ ‬والترويح‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬لكل‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬ضرورة‭ ‬ماسّة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول،‭ ‬وقد‭ ‬أجادت‭ ‬حكومة‭ ‬بروناي‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬حدائق‭ ‬وملاهٍ‭ ‬ومنتجعات‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬حيث‭ ‬غلبت‭ ‬عليها‭ ‬الخضرة‭ ‬وتنسيق‭ ‬المزروعات‭ ‬بشكل‭ ‬هندسي،‭ ‬ونظافة‭ ‬المكان‭ ‬وتكامل‭ ‬كل‭ ‬خدماته‭ ‬للزوار،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬روعة‭ ‬التصميم‭ ‬والمعمار‭. ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بأبهى‭ ‬صوره،‭ ‬ومنها‭:‬

‭- ‬حديقة‭ ‬داموان‭ ‬الترفيهية،‭ ‬التي‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬4‭.‬5‭ ‬كيلومترات،‭ ‬لها‭ ‬شكل‭ ‬طولي،‭ ‬ومطلة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬بروناي،‭ ‬ومجاورة‭ ‬للقصر‭ ‬الرئاسي،‭ ‬ومما‭ ‬يجعل‭ ‬الحديقة‭ ‬تستحق‭ ‬الزيارة‭ ‬ساحة‭ ‬آسيان‭ ‬وما‭ ‬تحتويه‭ ‬من‭ ‬مجسمات‭ ‬خلابة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬نحاتون‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المؤسسة‭ ‬للرابطة‭ ‬وهي‭ ‬ماليزيا،‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬وسنغافورة،‭ ‬وتايلند،‭ ‬والفلبين،‭ ‬وبروناي‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬إليها‭ ‬عام‭ ‬1984،‭ ‬قدمت‭ ‬الأعمال‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬الانسجام‭ ‬في‭ ‬التنوع،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬ترمز‭ ‬إليه‭ ‬الرابطة‭ ‬عن‭ ‬دولها‭ ‬وهي‭ ‬مستقلة،‭ ‬وسلمية،‭ ‬ودينامية،‭ ‬ومتحدة،‭ ‬وعاكسة‭ ‬تطلعاتها‭ ‬المستقبلية‭ ‬وهي‭ ‬الحب،‭ ‬والسلام،‭ ‬والحرية،‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬

تم‭ ‬إنجاز‭ ‬المنحوتات‭ ‬خلال‭ ‬سمبوزيوم‭ ‬النحت‭ ‬لدول‭ ‬آسيان‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬يناير‭ ‬إلى‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬1986،‭ ‬وتم‭ ‬عرضها‭ ‬للجمهور‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬رسمي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ديسمبر‭ ‬1987‭. ‬

يتراوح‭ ‬علو‭ ‬المنحوتات‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬إلى‭ ‬6‭.‬5‭ ‬أمتار‭. ‬في‭ ‬الحديقة‭ ‬مرفقات‭ ‬أخرى،‭ ‬كملاعب‭ ‬الأطفال،‭ ‬ومسارات‭ ‬للمشي،‭ ‬ومطعم،‭ ‬ويتمتع‭ ‬زوارها‭ ‬أحيانًا‭ ‬بمشاهدة‭ ‬تماسيح‭ ‬النهر‭ ‬مختلفة‭ ‬الأحجام‭. ‬

‭- ‬ملاهي‭ ‬جيرودونغ،‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬ترفيهية‭ ‬ضخمة،‭ ‬تناسب‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة،‭ ‬صنفت‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أكبر‭ ‬ملاهٍ‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬كلفت‭ ‬حكومة‭ ‬بروناي‭ ‬حوالي‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬وافتتحت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬وكان‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭ ‬مجانيًا،‭ ‬وشهدت‭ ‬استضافة‭ ‬مغنين‭ ‬عالميين‭ ‬لإحياء‭ ‬الحفلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬فيها،‭ ‬واستمر‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬حيث‭ ‬أقرت‭ ‬إدارتها‭ ‬مبالغ‭ ‬متفاوتة‭ ‬للدخول،‭ ‬مراعية‭ ‬عُمر‭ ‬الزائر،‭ ‬والألعاب‭ ‬التي‭ ‬سيلعبها،‭ ‬كما‭ ‬وضع‭ ‬سعر‭ ‬مميّز‭ ‬للمجاميع‭ ‬المدرسية‭ ‬والسياحية،‭ ‬وقد‭ ‬تصنف‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬أغلى‭ ‬المدن‭ ‬الترفيهية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تستحق‭ ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬تقدمه‭ ‬لزوارها‭ ‬من‭ ‬متعة،‭ ‬ورعاية،‭ ‬حيث‭ ‬مرفق‭ ‬للإسعاف،‭ ‬وخدمات‭ ‬أخرى‭ ‬تشمل‭ ‬المصليّات‭ ‬والاستراحات،‭ ‬والتي‭ ‬تكفل‭ ‬استمتاع‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬طوال‭ ‬اليوم‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭.‬

صممت‭ ‬على‭ ‬جزأين،‭ ‬بحيث‭ ‬يربط‭ ‬بينهما‭ ‬جسر‭ ‬معلّق،‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬تنتشر‭ ‬النوافير‭ ‬الموسيقية،‭ ‬والألعاب‭ ‬التقليدية،‭ ‬وملعب‭ ‬مصغر‭ ‬للجولف،‭ ‬وقرية‭ ‬الألعاب‭ ‬المائية‭.‬

 

حديقة‭ ‬الشلال

أما‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬لألعاب‭ ‬السرعة،‭ ‬وسباق‭ ‬السيارات‭ ‬الرياضية،‭ ‬وركوب‭ ‬الخيل،‭ ‬والعروض‭ ‬السينمائية‭ ‬الباهرة،‭ ‬والعروض‭ ‬المسرحية،‭ ‬وفيه‭ ‬أيضًا‭ ‬ردهة‭ ‬واسعة‭ ‬للمطاعم‭ ‬التقليدية‭ ‬والعالمية‭. ‬ولإضفاء‭ ‬أجواء‭ ‬عائلية‭ ‬خصصت‭ ‬بها‭ ‬صالة‭ ‬مجهزة‭ ‬لإقامة‭ ‬الأفراح‭ ‬والاحتفالات،‭ ‬كما‭ ‬تحرص‭ ‬إدارة‭ ‬الملاهي‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬عروض‭ ‬جاذبة‭ ‬كالسيرك،‭ ‬وعروض‭ ‬الطيور‭ ‬والزواحف‭ ‬التي‭ ‬تصادف‭ ‬مرورها‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬وجودنا،‭ ‬واللافت‭ ‬للنظر‭ ‬كان‭ ‬حرص‭ ‬القائمين‭ ‬عليه‭ ‬على‭ ‬تعقيم‭ ‬يدي‭ ‬الزائر‭ ‬لهم‭ ‬بمحلول‭ ‬مطهر،‭ ‬وتنظيف‭ ‬حذائه‭ ‬من‭ ‬الشوائب‭ ‬بمروره‭ ‬بآنية‭ ‬ماء‭ ‬وضعت‭ ‬عند‭ ‬مدخل‭ ‬الخيمة‭ ‬التي‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬الببغاوات،‭ ‬والبوم،‭ ‬والأفاعي‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭. ‬

‭- ‬متنزه‭ ‬تاسك‭ ‬لاما،‭ ‬أو‭ ‬حديقة‭ ‬الشلال،‭ ‬هي‭ ‬بمنزلة‭ ‬محمية‭ ‬طبيعية‭ ‬تعطي‭ ‬للزائر‭ ‬انطباعًا‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬جغرافيا‭ ‬بروناي‭ ‬الأولى،‭ ‬حيث‭ ‬الأشجار‭ ‬البازغة‭ ‬والأزهار‭ ‬المتناثرة،‭ ‬والثمار‭ ‬المتدلية،‭ ‬إنها‭ ‬كغابة‭ ‬من‭ ‬الغابات‭ ‬الاستوائية‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مكوناتها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬حتى‭ ‬الحيوانات،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬قرود‭ ‬الغابون‭ ‬تتقافز‭ ‬بين‭ ‬فروع‭ ‬الشجر،‭ ‬والسناجب‭ ‬والزواحف،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬مشرفي‭ ‬المتنزه‭ ‬يحذرون‭ ‬الزائرين‭ ‬الجدد‭ ‬من‭ ‬اختطاف‭ ‬أمتعتهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القرود‭ ‬اللصوص‭. ‬

 

فينيسيا‭ ‬الشرق

هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشلال‭ ‬الذي‭ ‬يسري‭ ‬هديره‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المتنزه،‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬تغذية‭ ‬المدينة‭ ‬بالمياه‭. ‬وفيه‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تعتاد‭ ‬رؤية‭ ‬محبي‭ ‬رياضة‭ ‬المشي‭ ‬وممارسي‭ ‬اليوغا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬مكان‭ ‬مناسب‭ ‬للتدريب‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضية،‭ ‬كالتنس‭ ‬والأيروبيك‭. ‬الارتفاعات‭ ‬المتفاوتة‭ ‬لسطح‭ ‬المتنزه‭ ‬أوجدت‭ ‬فيه‭ ‬قمة‭ ‬تمكّن‭ ‬الواصل‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بمنظر‭ ‬العاصمة‭. ‬

‭- ‬القرية‭ ‬المائية،‭ ‬هي‭ ‬فينيسيا‭ ‬الشرق،‭ ‬كما‭ ‬لقبها‭ ‬الرحالة‭ ‬الإيطالي‭ ‬أنطونيو‭ ‬بيغافتا،‭ ‬هي‭ ‬مزار‭ ‬ووجهة‭ ‬كل‭ ‬زائر‭ ‬للعاصمة،‭ ‬وتعرف‭ ‬بأنها‭ ‬قرية‭ ‬قديمة‭ ‬بنيت‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬بروناي،‭ ‬تتمثّل‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬المساكن‭ ‬الخشبية‭ ‬المعلقة،‭ ‬رفعت‭ ‬عن‭ ‬النهر‭ ‬بأعمدة‭ ‬خشبية،‭ ‬ويقال‭ ‬إنها‭ ‬تعود‭ ‬لسكان‭ ‬بروناي‭ ‬الأوائل،‭ ‬وهم‭ ‬شعب‭ ‬الملايو‭. ‬ولأنها‭ ‬اليوم‭ ‬تستقطب‭ ‬السياح،‭ ‬فقد‭ ‬عنيت‭ ‬الحكومة‭ ‬بها،‭ ‬وأجرت‭ ‬أعمال‭ ‬ترميم‭ ‬وإصلاح‭ ‬للمساكن‭ ‬القديمة‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬كما‭ ‬بنت‭ ‬قرية‭ ‬جديدة‭ ‬بجانبها،‭ ‬محتفظة‭ ‬بالشكل‭ ‬الخارجي‭ ‬لها،‭ ‬ومواكبة‭ ‬لاحتياجات‭ ‬سكانها‭. ‬تأخذكم‭ ‬القوارب‭ ‬الخشبية‭ ‬الموزعة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬مقابل‭ ‬نصف‭ ‬دولار‭ ‬للشخص‭. ‬وفيها‭ ‬يمكن‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬مقتنيات‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬لسكان‭ ‬القرية،‭ ‬محتفظ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬صغير،‭ ‬حيث‭ ‬الألعاب‭ ‬التقليدية‭ ‬البسيطة،‭ ‬والملابس‭ ‬التراثية،‭ ‬وأدوات‭ ‬الزينة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصور‭ ‬لأهم‭ ‬المناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وزوار‭ ‬القرية‭ ‬أيضًا،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬مطعم‭ ‬صغير‭ ‬يقدم‭ ‬المأكولات‭ ‬التقليدية،‭ ‬ومركز‭ ‬للشرطة‭. ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬إن‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬ظاهره‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬الإخبار،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬باطنه‭ ‬نظر‭ ‬وتحقيق‭. ‬لقد‭ ‬انقضت‭ ‬مدة‭ ‬بقائنا‭ ‬في‭ ‬بروناي‭ ‬سريعًا،‭ ‬وتوالدت‭ ‬لدينا‭ ‬رغبات‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬مدنها‭ ‬كافة،‭ ‬نظرًا‭ ‬وتحقيقًا‭ ‬وإخبارًا،‭ ‬فإن‭ ‬صح‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مدنًا‭ ‬لا‭ ‬تنام،‭ ‬فبكل‭ ‬ثقة‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مدنًا‭ ‬صحيّة‭ ‬تحظى‭ ‬بنوم‭ ‬هانئ‭ ‬ليلاً‭ ‬ونشاط‭ ‬فائق‭ ‬صباحًا،‭ ‬إنها‭ ‬بندر‭ ‬سيري‭ ‬بيكاوان،‭ ‬عاصمة‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لعام‭ ‬2019،‭ ‬العاصمة‭ ‬المسلمة‭ ‬للتطور‭ ‬والعمل‭ ‬المتقن،‭ ‬والنهج‭ ‬المعتدل،‭ ‬إنها‭ ‬العاصمة‭ ‬الطامحة‭ ‬لسياحة‭ ‬عائلية‭ ‬مبهجة‭ ‬وماتعة‭.

 

فاكهة‭ ‬الدوريان‭ ‬الآسيوية‭ ‬تملأ‭ ‬سوق‭ ‬الليل‭ (‬غودنج‭ ‬ماركت‭) ‬وتعج‭ ‬المكان‭ ‬برائحتها‭ ‬النفّاذة

سوق‭ ‬الجمعة‭ (‬كيانغيه‭ ‬ماركت‭) ‬يزخر‭ ‬بالمنتجات‭ ‬والصناعات‭ ‬المحلية،‭ ‬وتوظيف‭ ‬واستغلال‭ ‬جيد‭ ‬لكبار‭ ‬السن‭ ‬لممارسة‭ ‬وتعليم‭ ‬الحرف‭ ‬اليدوية‭ ‬القديمة،‭ ‬تحسبّا‭ ‬من‭ ‬اندثارها

البوابة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لمسجد‭ ‬عمر‭ ‬علي‭ ‬سيف‭ ‬الدين

البارجة‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬ينتهي‭ ‬بها‭ ‬الجسر‭ ‬الرخامي‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬البوابة‭ ‬الخلفية‭ ‬للمسجد،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالبحيرة‭ ‬الاصطناعية

متحف‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الملايو‭ ‬يستعرض‭ ‬الحياة‭ ‬القديمة‭ ‬لشعب‭ ‬بروناي

النساء‭ ‬يشاركن‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬المولد‭ ‬النبوي‭ ‬حيث‭ ‬يصحبهن‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬إنشاد‭ ‬المديح‭ ‬والصلوات‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام