أسطورة نرجس وأسطورة المتنبي ... أية علاقة؟

 أسطورة نرجس  وأسطورة المتنبي ... أية علاقة؟

‮«‬كان‭ ‬اليونانيون‭ ‬الأقدمون‭ ‬يطلقون‭ ‬اسم‭ ‬نرجس‭ ‬على‭ ‬فتى‭ ‬من‭ ‬فتيان‭ ‬الأساطير‭  ‬بارع‭ ‬الحسن‭ ‬ساحر‭  ‬الشمائل،‭ ‬يفتن‭ ‬من‭ ‬يراه‭ ‬ويشقي‭ ‬بجماله‭ ‬وتيهه‭ ‬قلوب‭ ‬العَذَارَى‭ ‬الْخَفِرَاتِ‭...‬‮»‬‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬المتنبي‭ ‬جميلا‭ ‬بارع‭ ‬الحسن،‭ ‬يفتن‭ ‬بحسنه‭ ‬قلوب‭ ‬العذارى‭ ‬لننعته‭ ‬بتضخم‭ ‬الأنا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬بالنرجسية؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬مفتونًا‭ ‬بجماله‭ ‬فمات‭ ‬غرقًا،‭ ‬وهو‭ ‬يناظره‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬مياه‭ ‬البحيرة؟‭ ‬هل‭ ‬نبتت‭ ‬مكان‭ ‬جثمانه‭ ‬نرجسة‭ ‬تشبهه؟‭ ‬

 

الجواب‭: ‬لا‭! ‬هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نستشف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجواب‭ ‬أن‭ ‬المتنبي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نرجسيا؟‭ ‬الجواب‭: ‬لا‭! ‬ليس‭ ‬في‭ ‬أسئلتنا‭ ‬وأجوبتنا‭ ‬أي‭ ‬تناقض؛‭ ‬فالمتنبي‭ ‬كان‭ ‬نرجسيًا؛‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬بارع‭ ‬الجمال‭ ‬أيضًا‭! ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جماله‭ ‬ليس‭ ‬جمالًا‭ ‬حسيًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬جمال‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬غرقه‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬أيضًا‭. ‬

لقد‭ ‬شب‭ ‬المتنبي‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬ذاته،‭ ‬وعُرف‭ ‬بمدحه‭ ‬لها،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يمدح‭ ‬الملوك،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬

 

وَمَا‭ ‬الدّهْرُ‭ ‬إلاّ‭ ‬مِنْ‭ ‬رُواةِ‭ ‬قَصائِدي

إِذَا‭ ‬قُلْتُ‭ ‬شِعْرًا‭ ‬أَصْبَحَ‭ ‬الدَّهْرُ‭ ‬مُنْشِدا

أَجِـــزْنِي‭ ‬إِذَا‭ ‬أنْشِدْتَ‭ ‬مَدْحًا‭ ‬فَإِنَّمَا

بِشِعْرِي‭ ‬أَتـَـاكَ‭ ‬الْمَــادِحُونَ‭ ‬مُـرَدَّدا

وَدَعْ‭ ‬كُلَّ‭ ‬صَوْتٍ‭ ‬بَعْدَ‭ ‬صَوْتِي‭ ‬فَإِنَّنِي

أنَا‭ ‬الصَّائِحُ‭ ‬الْمَحْكِيُّ‭ ‬وَالْآخَرُ‭ ‬الصَّدَى

 

‭ ‬ثنائية‭ ‬الصوت‭ ‬والصدى‭ ‬مذكورة‭ ‬في‭ ‬تتمة‭ ‬قصة‭ ‬نرجس،‭ ‬تقول‭ ‬الأسطورة‭: ‬‮«‬ثم‭ ‬هامت‭ ‬عروس‭ ‬الصدى‭ ‬بنرجس‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬دأبه‭ ‬من‭ ‬الهيام‭ ‬بنفسه،‭ ‬وأبلاها‭ ‬الحب؛‭ ‬لأنها‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬مفاتحته‭ ‬بغرامها،‭ ‬وكادت‭ ‬تيأس‭ ‬لولا‭ ‬أنها‭ ‬ظفرت‭ ‬به‭ ‬يومًا‭ ‬ينادي‭ ‬أحد‭ ‬رفاقه،‭ ‬ويصيح‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬بعيد‭: ‬

ألا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان؟‭ ‬

فسنحت‭ ‬لها‭ ‬الفرصة‭ ‬وأجابته‭ ‬قائلة‭ ‬في‭ ‬شوق‭ ‬وحنين‭: ‬أحد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭.‬

قال‭: ‬هلم‭. ‬

قالت‭: ‬هلم‭. ‬

فأعرض‭ ‬مُحْنِقًا،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬لا،‭ ‬لا،‭ ‬لست‭ ‬أعني‭ ‬هذا،‭ ‬سأموت‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لكِ‭ ‬سلطان‭ ‬عليَّ‭.‬

فلما‭ ‬مضى‭ ‬في‭ ‬سبيله‭ ‬غير‭ ‬ملتفت‭ ‬إليها‭ ‬عافت‭ ‬نفسها،‭ ‬ولاذت‭ ‬بالكهوف‭ ‬والمَغَاوِر‭ ‬فلا‭ ‬يحسها‭ ‬السامع‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬كهف‭ ‬أو‭ ‬مغارة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬علاقة‭ ‬الصدى‭ ‬بمن‭ ‬يحب‭ ‬نفسه،‭ ‬ويروقه‭ ‬أن‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬كلامه‭ ‬معادا‭ ‬إليه‮»‬‭. 

لقد‭ ‬كان‭ ‬المتنبي‭ ‬يمثل‭ ‬الصوت،‭ ‬وكان‭ ‬خصومه‭ ‬يمثلون‭ ‬الصدى،‭ ‬إنهم‭ ‬صدى؛‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬معاد،‭ ‬وهو‭ ‬الصوت‭/ ‬الأصل‭. ‬ولأن‭ ‬الصدى‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الأسطورة‭ ‬اليونانية،‭ ‬كان‭ ‬فتاة‭ ‬ثرثارة‭ ‬حكمت‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬هيرا‮»‬‭ ‬زوجة‭ ‬‮«‬زيوس‮»‬‭ ‬‮«‬بأن‭ ‬تعيى‭ ‬بابتداء‭ ‬الكلام،‭ ‬فلا‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬النطق‭ ‬إلا‭ ‬ترديدا‭ ‬لما‭ ‬يلقى‭ ‬إليها‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬فرعا‭ ‬ناقصًا،‭ ‬والكمال‭ ‬للأصل‭ (‬الصوت‭). ‬إن‭ ‬تَرداد‭ ‬الصدى‭ ‬للصوت‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬التام،‭ ‬بل‭ ‬يشوبه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬المشوه‭ ‬لجمال‭ ‬الأصل،‭ ‬الجمال‭ ‬مقتصر‭ ‬على‭ ‬الأصل،‭ ‬على‭ ‬شعر‭ ‬المتنبي‭ ‬الذي‭ ‬إن‭ ‬سمعه‭ ‬الدهر‭ ‬أصبح‭ ‬منشدًا‭ ‬له،‭ ‬طَرِبًا‭ ‬به،‭ ‬وهنا‭ ‬تتضخم‭ ‬أنا‭ ‬المتنبي؛‭ ‬لإشراكه‭ ‬للمجردات‭ (‬الدهر‭) ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬شعره؛‭ ‬إنه‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬جمال‭ ‬شعره‭ ‬إلى‭ ‬آخره،‭ ‬مفتون‭ ‬بحبه،‭ ‬وسحر‭ ‬بيانه،‭ ‬فلا‭ ‬غرابة‭ ‬أن‭ ‬نجده‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬ميميته‭ ‬المشهورة‭: ‬

أَنَا‭ ‬الَّذِي‭ ‬نَظَرَ‭ ‬الْأَعْمَى‭ ‬إِلَى‭ ‬أَدَبِي‭ 

وَأَسْمَعَتْ‭ ‬كَلِمَاتِي‭ ‬مَنْ‭ ‬بِهِ‭ ‬صَمَمُ‭ ‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬للمتنبي‭ ‬مُحِبُّون‭ ‬كثر،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لنرجس،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬محبيه‭ ‬تجاوزوا‭ ‬محبي‭ ‬نرجس،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬لنرجسَ،‭ ‬طبعًا،‭ ‬محبون‭ ‬عمْيًا؛‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬للمتنبي،‭ ‬لذلك‭ ‬فالمتنبي‭ ‬يفوقه‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬‮«‬المعجبين»؛‭ ‬فمعجبوه‭ ‬لا‭ ‬يقتصرون‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬المتمتعين‭ ‬بكل‭ ‬ملكاتهم،‭ ‬بل‭ ‬فيهم‭ ‬الأعمى،‭ ‬وفيهم‭ ‬الأصم،‭ ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬السؤال‭ ‬حقاً‭ ‬مشروعاً،‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬اختيار‭ ‬المتنبي‭ ‬للصمم‭ ‬والعمى،‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يختر‭ ‬الخَرس،‭ ‬مثلا؟‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الخرس‭ ‬حاضر‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬السالف‭ ‬الذكر‭:‬

 

وَدَعْ‭ ‬كُلَّ‭ ‬صَوْتٍ‭ ‬غَيْرَ‭ ‬صَوْتِي‭ ‬فَإِنَّنِي

أَنَا‭ ‬الصَّائِحِ‭ ‬الْمَحْكِيُّ‭ ‬وَالْآخَرُ‭ ‬الصَّدَى

 

الصدى‭ ‬محكوم‭ ‬عليه‭ ‬بالخرس‭ ‬الأبدي،‭ ‬لا‭ ‬كلام‭ ‬للصدى‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الآخرون،‭ ‬إنه‭ ‬يقتات‭ ‬على‭ ‬كلام‭ ‬غيره،‭ ‬لذلك‭ ‬لاذ‭ ‬بالكهوف‭ ‬والمغاور‭ ‬فلا‭ ‬يحسه‭ ‬السامع‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬كهف‭ ‬أو‭ ‬مغارة‭. 

إن‭ ‬المتنبي‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬أشعاره‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬ملؤها‭ ‬الأنا‭ ‬والزهو،‭ ‬فيحس‭ ‬بمن‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬عصره‭ ‬وكأنهم‭ ‬ناقصون،‭ ‬خرس‭ ‬وعمي‭ ‬ومصابون‭ ‬بالصمم،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يسمعوا‭ ‬شعره،‭ ‬وأن‭ ‬يناظروا‭ ‬أدبه،‭ ‬ويرددوه‭ ‬كصدى،‭ ‬لأنه‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬عليهم‭ ‬بجماله‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬مجاراته؛‭ ‬لأنهم،‭ ‬أمامه،‭ ‬هامش،‭ ‬وهو‭ ‬المركز،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬الصدارة‭ ‬عند‭ ‬سيف‭ ‬الدولة،‭ ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬الكهوف‭ ‬والمغارات‭ (‬الهوامش‭).  ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬المتنبي‭ ‬يحب‭ ‬رجع‭ ‬صداه،‭ ‬ويتلذذ‭ ‬بسماعه؛‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الصدى‭ ‬كان‭ ‬يشعره‭ ‬بحقيقة‭ ‬لطالما‭ ‬‮«‬تكلم‭ ‬عنها‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الوجوديون‭ ‬عمومًا،‭ ‬وهيدجر‭ ‬خصوصًا،‭ ‬وأقصد‭ ‬بها‭ ‬حقيقة‭ ‬كون‭ ‬الإنسان‭ ‬موجودا‭ ‬ــ‭ ‬هناك‭ ‬Dasein‭ ‬ــ‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبين‭ ‬الآخرين،‭ ‬بحيث‭ ‬تقوم‭ ‬ماهيته‭ ‬في‭ ‬وجوده‭ ‬خارج‭ ‬نفسه،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬وجوده‭ ‬Existenz‭ ‬المتحقق‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فالإنسان‭ ‬حين‭ ‬يرى‭ ‬صورته‭ ‬منعكسة‭ ‬‮«‬هناك‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬مسافة‭ ‬منه،‭ ‬في‭ ‬المرآة،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬داخل‮»‬‭ ‬ذاته‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬سجين‭ ‬‮«‬جوانيته‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬يظهر‭ ‬لنفسه،‭ ‬وللآخرين،‭ ‬وكالآخرين،‭ ‬موضوعًا‭ ‬خارجيًا،‭ ‬أو‭ ‬متخارجًا‮»‬‭.‬

إن‭ ‬النرجسي‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬صورته‭ ‬في‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهذا‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬ينفخ‭ ‬هذه‭ ‬الأنا‭ ‬ويغذيها‭ ‬بغرور‭ ‬مضاعف،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬نرجس‭ ‬قد‭ ‬انعكست‭ ‬أنَاهُ‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬المياه،‭ ‬فإن‭ ‬أنا‭ ‬المتنبي‭ ‬قد‭ ‬انعكست‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬مرآة‭ ‬خاصة‭ ‬بسحر‭ ‬البيان‭ ‬وجماله؛‭ ‬إنها‭ ‬الشعر،‭  ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭: ‬

 

أَنَامُ‭ ‬مِلْءَ‭ ‬جُفُونِي‭ ‬عَنْ‭ ‬شَوَارِدِهَا

وَيَسْهَرُ‭ ‬الْقَوْمُ‭ ‬جَرَّاهَا‭ ‬وَيَخْتَصِمُ

 

إنه‭ ‬غير‭ ‬مبالٍ‭ ‬بمحبيه‭ ‬المفتونين‭ ‬بجمال‭ ‬بيانه،‭ ‬فهو‭ ‬يشبه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬نرجسَ‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعبأ‭ ‬بمعشوقاته‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬إليهن‭ ‬ولا‭ ‬يستجيب‭ ‬لضراعتهن،‭ ‬ولم‭ ‬يزل‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬ضجت‭ ‬السماء‭ ‬بدعاء‭ ‬عاشقاته‭ ‬وصلواتهن‭ ‬إلى‭ ‬الأرباب‭ ‬أن‭ ‬يصرفوهن‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬يصرفوه‭ ‬عنهن‮»‬‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬المتنبي‭ ‬نائما‭ ‬عن‭ ‬حبهم‭ ‬هذا،‭ ‬وعن‭ ‬تخاصمهم‭ ‬وسهرهم،‭ ‬ونستطيع‭ ‬بقليل‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬نلحظ‭ ‬اللامبالاة‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬أنام‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬جهتين‭: ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أنام‮»‬‭ ‬فعل‭ ‬مضارع‭ ‬يفيد‭ ‬الاستمرارية،‭ ‬والثانية‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬تتضمن‭ ‬صائتا‭ ‬هو‭ ‬ألف‭ ‬المد‭ ‬الذي‭ ‬يفيد‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاستمرارية،‭ ‬والذي‭ ‬يزيد‭ ‬المتنبي‭ ‬لامبالاة‭ ‬هو‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬ملء‭ ‬جفوني‮»‬؛‭ ‬إنه‭ ‬نائم‭ ‬على‭ ‬آخره‭ ‬لا‭ ‬مبالٍ‭ ‬بالآخر،‭ ‬بينما‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭/ ‬الصدى‭ ‬ساهر‭ ‬مفتون‭ ‬بجمال‭ ‬هذه‭ ‬الشوارد،‭ ‬يتخاصم‭ ‬في‭ ‬معانيها‭ .‬