الأخشاب في مصر القديمة .. صناعتها وعوامل تلفها

الأخشاب في مصر القديمة .. صناعتها وعوامل تلفها

برع‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬الأحجار‭ ‬الضخمة‭ ‬ونحتها،‭ ‬كما‭ ‬أبدع‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأخشاب‭ ‬لكونها‭ ‬أقل‭ ‬قسوة‭ ‬ووزنًا‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭ ‬قد‭ ‬جاد‭ ‬على‭ ‬سكانه‭ ‬بأفضل‭ ‬أنواع‭ ‬الأحجار‭ ‬وأجودها،‭ ‬فإنه‭ ‬أمسك‭ ‬عليهم‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬في‭ ‬توافر‭ ‬الخشب‭ ‬وارتفاع‭ ‬جودته،‭ ‬وهذا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬المناخية‭ ‬لتلك‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يندر‭ ‬فيها‭ ‬سقوط‭ ‬الأمطار‭ ‬وتوافر‭ ‬الغابات‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسي‭ ‬لجلب‭ ‬الأخشاب‭.‬

استغل‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬ثروة‭ ‬الأخشاب‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتاحة‭ ‬لديهم‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العهود‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬منشآتهم‭ ‬وتطور‭ ‬صناعاتهم،‭ ‬وكانوا‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الشعوب‭ ‬الذين‭ ‬أمسكوا‭ ‬بأدوات‭ ‬القطع‭ ‬والنقش‭ ‬على‭ ‬الخشب‭ - ‬مثلما‭ ‬فعلوا‭ ‬مع‭ ‬الحجر‭ - ‬فسقفوا‭ ‬به‭ ‬منازلهم‭ ‬ومقابرهم،‭ ‬واستخدموه‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬السفن‭ ‬وعمل‭ ‬التوابيت‭ ‬والصناديق‭ ‬والتماثيل‭ ‬والأثاث‭ ‬والعربات،‭ ‬كما‭ ‬صنعوا‭ ‬منه‭ ‬مقابض‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمعدات‭ ‬والأدوات‭ ‬المنزلية‭ ‬والجنائزية‭ ‬وحتى‭ ‬الألعاب‭.‬

 

تعريف‭ ‬الخشب

الخشب‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليها‭ ‬الحضارة‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬مهدها‭ ‬في‭ ‬أغراض‭ ‬البناء‭ ‬والصناعة‭ ‬والوقود،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬يمتاز‭ ‬من‭ ‬صلابة‭ ‬مادته‭ ‬وسهولة‭ ‬تشكيلها،‭ ‬وجمال‭ ‬أشكاله‭ ‬وتنوعها،‭ ‬وخفّة‭ ‬وزنه‭ ‬النسبية،‭ ‬وقابلية‭ ‬اشتعاله،‭ ‬بجانب‭ ‬سهولة‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الطبيعة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأحجار‭ ‬والمعادن‭.‬

ويُعرف‭ ‬الخشب‭ ‬لغويًّا‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬غلظ‭ ‬من‭ ‬العيدان،‭ ‬واصطلاحيًّا‭: ‬بكونه‭ ‬نسيجًا‭ ‬هيكليًّا‭ ‬مساميًّا‭ ‬من‭ ‬النواتج‭ ‬الأساسية‭ ‬للنمو‭ ‬في‭ ‬النباتات،‭ ‬وتركيبيًّا‭: ‬فهو‭ ‬يتكون‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس‭ ‬من‭ ‬السيليلوز‭ (‬كربوهيدرات‭ ‬معقّدة‭) ‬وزيوت‭ ‬ومواد‭ ‬صمغية‭ ‬وملونة،‭ ‬ووظيفيًّا‭: ‬في‭ ‬عالم‭ ‬النبات‭ ‬له‭ ‬مهمتان‭ ‬أساسيتان‭: ‬الأولى‭ ‬ميكانيكية؛‭ ‬هي‭ ‬تدعيم‭ ‬الجسم‭ ‬النباتي،‭ ‬والثانية‭ ‬فسيولوجية‭ ‬هي‭ ‬توصيل‭ ‬الماء‭ - ‬وما‭ ‬يحتويه‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ - ‬لسائر‭ ‬أجزاء‭ ‬النبات‭.‬

والخشب‭ ‬الطبيعي‭ ‬أنواعه‭ ‬متعددة‭ ‬بتعدّد‭ ‬مواطنه‭ ‬واختلاف‭ ‬أشكاله‭ ‬وصفاته،‭ ‬كالكثافة‭ ‬واللون‭ ‬ونمط‭ ‬الألياف‭ ‬وحجم‭ ‬المسام،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الصفة‭ ‬الظاهرية‭ ‬الأساسية‭ ‬والمطلوبة‭ ‬به‭ ‬صناعيًّا‭ ‬وتجاريًّا‭ ‬هي‭ ‬الصلابة،‭ ‬وعليها‭ ‬يصنف‭ ‬عادة‭ ‬لنوعين‭ ‬أساسيين‭: ‬خشب‭ ‬صلب‭ ‬وخشب‭ ‬ليّن،‭ ‬وتتنوع‭ ‬صلابة‭ ‬الأخشاب‭ ‬وتتفاوت‭ ‬بين‭ ‬النوعين‭ ‬ويطول‭ ‬مقياس‭ ‬تدرجها‭.‬

‭ ‬

أنواع‭ ‬الأخشاب‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة

استخدم‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬أنواعًا‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬الأخشاب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أغراضه،‭ ‬لما‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تنوع‭ ‬الخصائص‭ ‬والمصادر،‭ ‬وحوَت‭ ‬أرض‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأخشاب‭ ‬المحلية،‭ ‬مثل‭ ‬خشب‭ ‬السنط،‭ ‬وكان‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬القوارب‭ ‬الخاصة‭ ‬بالنقل،‭ ‬لصلابته‭ ‬المرتفعة،‭ ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬نقوش‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬أقوال‭ ‬المؤرخ‭ ‬هيرودوت،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬مكتشفات‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬وكان‭ ‬يُجلب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬حتنوب‭ ‬بمصر‭ ‬الوسطى‭ ‬والنوبة‭ ‬جنوبًا‭.‬

وخشب‭ ‬نخيل‭ ‬البلح،‭ ‬ويزرع‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أرجاء‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العهود،‭ ‬حيث‭ ‬عُثر‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الواحات‭ ‬الخارجة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭ ‬القديم،‭ ‬واستخدمت‭ ‬فلوق‭ ‬جذوعه‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬دعامات‭ ‬وعوارض‭ ‬لتسقيف‭ ‬الغرف‭ ‬بالمنازل‭ ‬والمعابد‭ ‬والمقابر،‭ ‬ولم‭ ‬يستخدم‭ ‬خشبه‭ ‬غالبًا‭ ‬في‭ ‬أغراض‭ ‬أخرى‭ ‬قديمًا‭ ‬لصعوبة‭ ‬تشكيله‭ ‬وتشغيله،‭ ‬بسبب‭ ‬نسيجه‭ ‬الليفي‭ ‬الخشن‭.‬

وخشب‭ ‬الجميز،‭ ‬وتزرع‭ ‬شجرته‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الأسرات،‭ ‬واعتبرها‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬المقدسة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬رسمها‭ ‬في‭ ‬النقوش‭ ‬والمعبودة‭ ‬‮«‬حتحور‮»‬‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬أغصانها،‭ ‬للاعتقاد‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬تقمصت‭ ‬هذه‭ ‬الشجرة‭ ‬لإطعام‭ ‬وسقيا‭ ‬المارة‭ ‬والموتى‭ ‬بالمقابر‭ ‬والعالم‭ ‬الآخر‭.‬

كما‭ ‬رُسمت‭ ‬شجرة‭ ‬الجميز‭ ‬في‭ ‬النقوش‭ ‬والقرابين‭ ‬تقدّم‭ ‬لها،‭ ‬واعتقد‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬بأن‭ ‬تابوت‭ ‬المعبود‭ ‬‮«‬أوزوريس‮»‬‭ ‬قد‭ ‬صُنع‭ ‬من‭ ‬خشبها،‭ ‬واستخدم‭ ‬هذا‭ ‬الخشب‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬التماثيل‭ ‬والأثاث‭ ‬والتوابيت‭ ‬لسهولة‭ ‬تشكيله‭ ‬وكبر‭ ‬حجم‭ ‬قطاعاته‭. ‬كما‭ ‬استُخدمت‭ ‬أنواع‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الأخشاب‭ ‬المحلية،‭ ‬مثل‭ ‬خشب‭ ‬اللبخ‭ ‬والصفصاف‭ ‬والأثل‭ ‬ونخيل‭ ‬الدوم‭.‬

 

ضرورة‭ ‬استيراد‭ ‬الأخشاب

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الأخشاب‭ ‬المحلية،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬عهودها‭ - ‬حتى‭ ‬الآن‭ - ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬جودة‭ ‬أعلى‭ ‬وكمية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الخشب،‭ ‬فقامت‭ ‬باستيراد‭ ‬الجيد‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬المجاورة،‭ ‬مثل‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين‭ (‬العراق‭) ‬والشام‭ (‬سورية‭ ‬ولبنان‭) ‬وبلاد‭ ‬بونت‭ (‬القرن‭ ‬الإفريقي‭).‬

ومن‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الأخشاب‭ ‬شيوعًا،‭ ‬والتي‭ ‬جلبتها‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬خشب‭ ‬الأرز،‭ ‬وذكره‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬نقوشه‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬عِش‮»‬،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬متون‭ ‬الأهرام‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة،‭ ‬واعتبر‭ ‬شجرته‭ ‬مقدسةً‭ ‬لارتباطها‭ ‬أيضًا‭ ‬بالمعبود‭ ‬أوزوريس،‭ ‬حيث‭ ‬تذكر‭ ‬الأساطير‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مختبئًا‭ ‬داخلها‭ ‬بجبال‭ ‬ببلوص‭ (‬جبيل‭) ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

وصنع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخشب‭ - ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بالمتانة‭ ‬ومقاومة‭ ‬عوامل‭ ‬التلف‭ - ‬الأبواب‭ ‬والسفن‭ ‬وأثاث‭ ‬المعابد‭ ‬والقصور،‭ ‬وصنع‭ ‬منه‭ ‬أيضًا‭ ‬المقاصير‭ ‬التي‭ ‬احتوت‭ ‬التماثيل‭ ‬والتوابيت‭ ‬لتوافره‭ ‬بأطوال‭ ‬وقطاعات‭ ‬ضخمة‭. ‬

كما‭ ‬جلب‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬أنواعًا‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬خشب‭ ‬البلوط‭ ‬والعرعر‭ ‬والسرو‭ ‬والصنوبر‭ ‬والسدر‭ ‬الجبلي‭ ‬والدردار‭.‬

أما‭ ‬خشب‭ ‬الأبنوس‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يُجلب‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬مصر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النوبة‭ ‬والممالك‭ ‬الجنوبية،‭ ‬لكن‭ ‬زراعته‭ ‬المرجحة‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أبعد‭ ‬ذات‭ ‬مناخ‭ ‬حار‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أو‭ ‬جنوب‭ ‬الهند‭. ‬

ويمتاز‭ ‬خشب‭ ‬الأبنوس‭ ‬بكثافة‭ ‬عالية،‭ ‬مما‭ ‬يعطيه‭ ‬صلابة‭ ‬مرتفعة‭ ‬بجانب‭ ‬الملمس‭ ‬الأسود‭ ‬الناعم‭ ‬عند‭ ‬الصقل،‭ ‬فحظي‭ ‬بالصناعات‭ ‬الخشبية‭ ‬الفخمة‭ ‬من‭ ‬التوابيت‭ ‬والصناديق‭ ‬والتماثيل‭ ‬والعصيّ،‭ ‬واستخدم‭ ‬كقشرة‭ ‬فاخرة‭ ‬لكسوة‭ ‬المنتجات‭ ‬الثمينة‭ ‬وترصيعها‭.‬

 

صناعة‭ ‬الأخشاب‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬

لم‭ ‬تتطور‭ ‬صناعة‭ ‬الأخشاب‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬تقدمها‭ ‬الملموس‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬اكتشاف‭ ‬النحاس،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬البرونز،‭ ‬اللذين‭ ‬صنعت‭ ‬منهما‭ ‬أدوات‭ ‬النجارة،‭ ‬ورسمها‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬مقابره‭ ‬ومعابده،‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬النماذج‭ ‬الحقيقية‭ ‬والمصغرة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬الدفنات،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬البلطة‭ ‬والإزميل‭ ‬والمنشار‭ ‬والمثقاب‭ ‬والمخراز‭ ‬والمطرقة‭.‬

ويتضح‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأخشاب‭ ‬بمصر‭ ‬القديمة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عهد‭ ‬الأسرات‭ ‬برؤية‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬أجزاء‭ ‬لوحة‭ ‬محفوظة‭ ‬بالمتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬الأبنوس‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬حور‭ ‬عحا‮»‬‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬الأولى‭ (‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬3100‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭)‬،‭ ‬ويظهر‭ ‬بها‭ ‬النقش‭ ‬الغائر‭ ‬بصورة‭ ‬بسيطة‭ ‬وخشنة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬نرى‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬النقش‭ ‬البارز‭ ‬على‭ ‬الأخشاب‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬بديعة‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬الأرز‭ ‬محفوظة‭ ‬بالمتحف‭ ‬المصري‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وجدت‭ ‬بمقبرة‭ ‬نبيل‭ ‬طبيب‭ ‬يدعى‭ ‬‮«‬حسي‭ ‬رع‮»‬‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬الثالثة‭ (‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬2650‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭).‬

ومن‭ ‬أجمل‭ ‬الكنوز‭ ‬الأثرية‭ ‬التي‭ ‬تُظهر‭ ‬إمكانات‭ ‬وهيئة‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬بنموذج‭ ‬ورشة‭ ‬النجارة‭ ‬المكتشف‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بمقبرة‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬مكت‭ ‬رع‮»‬،‭ ‬عند‭ ‬الدير‭ ‬البحري‭ ‬بمحافظة‭ ‬الأقصر‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬الوسطى‭ - ‬محفوظ‭ ‬بالمتحف‭ ‬المصري‭ ‬بالقاهرة‭ - ‬حيث‭ ‬نرى‭ ‬ردهة‭ ‬نصف‭ ‬مسقوفة،‭ ‬بها‭ ‬صندوق‭ ‬يضم‭ ‬نماذج‭ ‬صغيرة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬النجارة،‭ ‬ونرى‭ ‬نجارين‭ ‬يقطعون‭ ‬الأخشاب‭ ‬ويصقلونها‭ ‬بالحجارة،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬نجارًا‭ ‬يثقب‭ ‬لوحًا‭ ‬وآخر‭ ‬يربط‭ ‬قطعة‭ ‬خشبية‭ ‬بعمود‭ ‬لينشرها‭ ‬إلى‭ ‬ألواح‭.‬

وقد‭ ‬برع‭ ‬النجار‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬نحت‭ ‬وتعشيق‭ ‬الأخشاب‭ ‬وعمل‭ ‬الوصلات‭ ‬ذات‭ ‬الألسنة‭ ‬المثبتة‭ ‬بأوتاد‭ ‬تثبيت‭ (‬دسرات‭) ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة‭.‬

كما‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة‭ ‬وراقية‭ ‬في‭ ‬تلوين‭ ‬منتجاته‭ ‬الخشبية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تطعيمها‭ ‬وترصيعها‭ ‬بالمعادن‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة‭ ‬والزجاج‭ ‬الملون‭ ‬والعاج،‭ ‬وكذا‭ ‬تذهيبها‭ ‬وتصفيحها‭ ‬بالذهب‭ ‬والفضة‭. ‬وتعد‭ ‬تلك‭ ‬الفنون‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬مزدوجة‭ ‬الغرض؛‭ ‬عزل‭ ‬الخشب‭ ‬لحفظه‭ ‬ومقاومته‭ ‬عوامل‭ ‬البلى،‭ ‬ورفع‭ ‬قيمته‭ ‬وتحويل‭ ‬منتجاته‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬متواضعة‭ ‬إلى‭ ‬مقتنيات‭ ‬نفيسة‭. ‬

 

أسباب‭ ‬تلف‭ ‬المنتجات‭ ‬الخشبية

تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الخشبية‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬بأيدي‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬ومحفوظة‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬القرون‭ ‬وهشاشة‭ ‬المادة‭ ‬الخشبية،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬عوامل‭ ‬التلف‭ ‬الفيزيوكيميائية‭ (‬مثل‭ ‬الحرارة‭ ‬والرطوبة‭ ‬والتعرض‭ ‬للضوء،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأملاح‭ ‬والحمضيات‭ ‬والقلويات‭) ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬فساد‭ ‬الخشب‭ ‬أو‭ ‬اندثاره‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الزمني‭ ‬الطويل،‭ ‬بجانب‭ ‬عوامل‭ ‬التلف‭ ‬البشرية‭ ‬أو‭ ‬البيولوجية‭ (‬كالحشرات‭ ‬والبكتيريا‭ ‬والفطريات‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬التشوه‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الخشبية‭ ‬ظهور‭ ‬الشقوق‭ ‬والتقوسات،‭ ‬أو‭ ‬انفصال‭ ‬القشرة‭ ‬والوصلات‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬الانكماش‭ ‬وتشقق‭ ‬الدهانات‭ ‬والتكسيات‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬بحفظ‭ ‬وعزل‭ ‬الأعمال‭ ‬الخشبية‭ ‬بقدر‭ ‬إمكاناته‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬تحسبًا‭ ‬لأي‭ ‬عوامل‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التلف،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الأزمنة،‭ ‬تعرضت‭ ‬تلك‭ ‬الكنوز‭ ‬لظروف‭ ‬قاسية‭ ‬من‭ ‬تغيّر‭ ‬معدلات‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬ونسب‭ ‬الرطوبة‭ ‬والتلوث،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬دفنها‭ ‬الأصلية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬اكتشافها‭ ‬واستخراجها،‭ ‬خاصة‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬علمية،‭ ‬أو‭ ‬عرضها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬غير‭ ‬مدروسة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عوامل‭ ‬الحفظ‭ ‬المثالية،‭ ‬فحدثت‭ ‬التشوهات‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬المكتشفات‭ ‬الخشبية‭ ‬الثمينة‭.‬

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬التلفيات‭ ‬كانت‭ ‬تحدث‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬تلك‭ ‬المنتجات،‭ ‬خاصة‭ ‬التماثيل،‭ ‬ولاحظها‭ ‬المصري‭ ‬القديم،‭ ‬فاستبدل‭ ‬بها‭ ‬التماثيل‭ ‬الحجرية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتأثر‭ ‬بعوامل‭ ‬الزمن،‭ ‬بجانب‭ ‬إمكان‭ ‬صنعها‭ ‬بأحجام‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬كتلة‭ ‬واحدة‭ ‬دون‭ ‬وصلات،‭ ‬عكس‭ ‬الخشبي‭ ‬منها،‭ ‬والتي‭ ‬تظهر‭ ‬بها‭ ‬سريعًا‭ ‬آثار‭ ‬التلف‭ ‬وعيوب‭ ‬الخشب‭ ‬الأخرى؛‭ ‬مثل‭ ‬صغر‭ ‬الحجم‭ ‬وتعدد‭ ‬الأجزاء‭ ‬وسهولة‭ ‬التحطم،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬العقيدة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬كانت‭ ‬تفرض‭ ‬ضمان‭ ‬بعث‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬موميائه‭ ‬ودقة‭ ‬تفاصيل‭ ‬تماثيله‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬القبر‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الأثاث‭ ‬وإنشاء‭ ‬القوارب‭ ‬والسفن‭ ‬خاصة،‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات‭ ‬الخشبية‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬عصوره،‭ ‬فنرى‭ ‬أعماله‭ ‬المتبقية‭ ‬والمكتشفة‭ ‬غالبًا‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬هيئة،‭ ‬والأخطاء‭ ‬والتشوهات‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬نادرة،‭ ‬مثل‭ ‬الأثاث‭ ‬الجنائزي‭ ‬للملكة‭ ‬حتب‭ ‬حرس‭ ‬والدة‭ ‬الملك‭ ‬خوفو‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة‭ (‬المتحف‭ ‬المصري‭ ‬بالقاهرة‭)‬،‭ ‬والمركب‭ ‬الجنائزي‭ ‬الضخم‭ ‬للملك‭ ‬خوفو‭ (‬محفوظ‭ ‬بمتحف‭ ‬مستقل‭ ‬بجوار‭ ‬الهرم‭ ‬الأكبر‭ ‬بالجيزة‭)‬،‭ ‬والنماذج‭ ‬الخشبية‭ ‬النادرة‭ ‬بمقبرة‭ ‬‮«‬مكت‭ ‬رع‮»‬‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الوسطى‭ (‬مقسمة‭ ‬بين‭ ‬المتحف‭ ‬المصري‭ ‬بالقاهرة‭ ‬ومتحف‭ ‬متروبوليتان‭ ‬الأمريكي‭)‬،‭ ‬والأعمال‭ ‬الخشبية‭ ‬المتنوعة‭ ‬الفريدة‭ ‬والمكتشفة‭ ‬بمقبرة‭ ‬الملك‭ ‬توت‭ ‬عنخ‭ ‬آمون‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ (‬المتحف‭ ‬المصري‭ ‬بالقاهرة‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬الخشبية‭ ‬العتيقة‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬متاحف‭ ‬العالم‭.‬

 

لماذا‭ ‬تتلف‭ ‬التماثيل‭ ‬الخشبية‭ ‬دون‭ ‬غيرها؟

بملاحظة‭ ‬أسلوب‭ ‬صناعة‭ ‬التماثيل‭ ‬الخشبية‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المكتشفات‭ ‬تُصنع‭ ‬من‭ ‬قطعة‭ ‬خشبية‭ ‬واحدة‭ ‬يتم‭ ‬نحتها،‭ ‬تتضمن‭ ‬الجذع‭ ‬والرأس‭ ‬بصورة‭ ‬أساسية‭ ‬والأرجل‭ ‬إن‭ ‬أمكن‭ - ‬حسب‭ ‬مهارة‭ ‬الصانع‭ ‬وحجم‭ ‬القطعة‭ ‬المتاحة‭ - ‬أما‭ ‬الأذرع‭ ‬فيتم‭ ‬تثبيتها‭ ‬غالبًا‭ ‬بصورة‭ ‬منفصلة‭ ‬لعمل‭ ‬الفراغ‭ ‬المطلوب‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬جذع‭ ‬التمثال،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المميزات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬التماثيل‭ ‬الحجرية‭.‬

ومع‭ ‬وجود‭ ‬كتلة‭ ‬خشبية‭ ‬كبيرة‭ ‬صماء‭ ‬ذات‭ ‬سُمك‭ ‬دون‭ ‬تجاويف‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬وتأثرًا‭ ‬بعوامل‭ ‬التلف‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وأكثرها‭ ‬شيوعًا‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التمدد‭ ‬والانكماش‭ ‬بسبب‭ ‬امتصاص‭ ‬الرطوبة‭ ‬أو‭ ‬الجفاف‭ ‬على‭ ‬الترتيب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تظهر‭ ‬الشقوق‭ ‬وتتفكك‭ ‬الوصلات،‭ ‬ونراها‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬التماثيل‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تلوينها،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬طبقة‭ ‬الألوان‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬النفاذية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بمرور‭ ‬مسببات‭ ‬التلف‭ ‬للكتلة‭ ‬الخشبية‭ ‬بقلب‭ ‬التمثال،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تفتت‭ ‬طبقة‭ ‬الجص‭ ‬العازلة‭ ‬أسفلها،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬للتماثيل‭ ‬والمنتجات‭ ‬الخشبية‭ ‬المذهّبة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الذهب‭ ‬مادة‭ ‬عزل‭ ‬مثالية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتآكل‭ ‬والنفاذية‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬عوامل‭ ‬التلف‭ ‬الطبيعية‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬المصنوعات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تجميع‭ ‬أجزائها‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬عدة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الأثاث‭ ‬والقوارب،‭ ‬فتكون‭ ‬الكتل‭ ‬أقل‭ ‬ومسطحات‭ ‬المعالجة‭ ‬والعزل‭ ‬أكبر،‭ ‬مما‭ ‬يخفض‭ ‬من‭ ‬نسب‭ ‬التلف‭ ‬ومعدلات‭ ‬ظهوره‭. ‬

 

تماثيل‭ ‬خشبية‭ ‬شهيرة‭ ‬طالتها‭ ‬عوامل‭ ‬التلف

بالمتحف‭ ‬المصري‭ ‬بالقاهرة‭ ‬يقبع‭ ‬تمثال‭ ‬شهير‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة‭ (‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬2500‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭) ‬ويعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬شيخ‭ ‬البلد‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬كا‭ ‬عبر‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬تمثال‭ ‬خشبي‭ ‬لكاهن‭ ‬ارتفاعه‭ ‬112‭ ‬سم،‭ ‬وتم‭ ‬اكتشافه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سقارة‭ ‬عام‭ ‬1860،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬تماثيل‭ ‬الأفراد‭ ‬التي‭ ‬أبدعها‭ ‬المصري‭ ‬القديم،‭ ‬والتي‭ ‬نرى‭ ‬بها‭ ‬فن‭ ‬التعشيق‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬الأذرع‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬عملها‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬كتلة‭ ‬الجسم،‭ ‬وأعمال‭ ‬تطعيم‭ ‬العينين‭ ‬بالحجر‭ ‬والنحاس،‭ ‬فظهرت‭ ‬كأنها‭ ‬طبيعية‭.‬

وتم‭ ‬صنع‭ ‬التمثال‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬الجميز،‭ ‬وحيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الأخشاب‭ ‬متوسطة‭ ‬الصلابة‭ ‬التي‭ ‬ترتفع‭ ‬بها‭ ‬نسبة‭ ‬الرطوبة،‭ ‬مما‭ ‬عرّضه‭ ‬لبعض‭ ‬عوامل‭ ‬التلف‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬مظاهرها‭ ‬انتشار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التشققات،‭ ‬بعضها‭ ‬غائر‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الجبهة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬طبقة‭ ‬الجص‭ ‬والطلاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تكسوه،‭ ‬وظهور‭ ‬الفواصل‭ ‬والدسرات‭ ‬الخاصة‭ ‬بتثبيت‭ ‬الذراعين‭ ‬عند‭ ‬كتفي‭ ‬التمثال‭.‬

وقد‭ ‬تمت‭ ‬عملية‭ ‬ترميم‭ ‬شاملة‭ ‬لتمثال‭ ‬الكاهن‭ ‬واستُحدثت‭ ‬أجزاء‭ ‬وجدت‭ ‬محطمة‭ ‬أو‭ ‬مفقودة،‭ ‬مثل‭ ‬الأقدام‭ ‬والساعد‭ ‬الأيسر‭ ‬واليد‭ ‬بالعصا‭ ‬الممسكة‭ ‬بها‭.‬

كما‭ ‬يقبع‭ ‬بالمتحف‭ ‬ذاته‭ ‬تمثال‭ ‬خشبي‭ ‬بديع‭ ‬ارتفاعه‭ ‬30‭ ‬سم‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬كنوز‭ ‬توت‭ ‬عنخ‭ ‬آمون،‭ ‬يمثّل‭ ‬رأس‭ ‬الملك‭ ‬وكأنه‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬زهرة‭ ‬لوتس،‭ ‬ويلاحظ‭ ‬به‭ ‬شق‭ ‬طولي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الجبهة‭ ‬مرورًا‭ ‬بالحاجب‭ ‬والعين‭ ‬اليسرى‭ ‬وحتى‭ ‬أسفل‭ ‬ذقنه،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬به‭ ‬تشققًا‭ ‬وتساقط‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬طبقة‭ ‬الملاط‭ ‬الملون‭ ‬وظهور‭ ‬السطح‭ ‬الخشبي‭ ‬أسفله،‭ ‬مثله‭ ‬كمثل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التماثيل‭ ‬الخشبية‭ ‬الملونة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بها‭ ‬تشوهات‭ ‬وعيوب،‭ ‬بسبب‭ ‬تأثر‭ ‬مادة‭ ‬الخشب‭ ‬بعوامل‭ ‬التلف‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬زمني‭ ‬طويل‭.‬