الاقتصاد الأزرق

الاقتصاد الأزرق

 يُعد اقتصاد التجديد في التنمية جانبًا من جوانب مفهوم الاقتصاد الأزرق، الذي يتضمن اقتصاد مواكبة ندرة المياه عالميًا، واقتصاد الصناعات البحرية. 
ويعتبر البلجيكي غونتر باولي أحد الرواد في هذا المجال ومؤسس شبكة زيري العالمية التي تُعنى بالمبادرات والبحوث المستدامة، وتطرح تجديدًا يغيّر نماذج الأعمال ليصبح الأفضل هو الأقل سعرًا والضروري للحياة مجانيًا؛ وذلك من خلال آلاف العقول المبدعة الباحثة عن حلول لمشكلات العالم وتحدياته. 
واستطاعت هذه الشبكة، وفقًا لجامعة بنسلفانيا الأمريكية، الحصول على مرتبة متقدمة على مستوى العالم من حيث جودة المقترحات والأفكار وجدّتها.

 

في عام 1992 كان باولي مديرًا تنفيذيًا لشركة إيكوفير الصديقة للبيئة في بلجيكا، ونجح تحت مظلتها في بناء مصنع خشبي للمنظفات من دون انبعاثات كربونية، سطحه مزروع بالعشب، ومخلفات المياه فيه تعالج ويُعاد تدويرها، ويلبس العمال لباسًا خاصًا لخفض درجة الحرارة.
ومن أرباح المصنع تم تمويل دراسة أجريت على الحيتان، كما استخدم مرفق المصنع كقاعة مسرح. لكن عندما أدرك باولي أن مصنعه يعتمد على زيت النخيل، ويساهم في تدمير الغابات المطيرة، وتبين أنه «أخضر» صديق للبيئة، لكنه غير مستدام، ولا يحافظ على الموارد الطبيعية كما ينبغي، قرر بيع المصنع، وكان هذا الإجراء نقطة تحوّل في حياته، قادته لإطلاق مبادرة في عام 1994 لتصميم إطار عمل ونموذج أعمال اقتصادي أزرق يستخدم الموارد المتاحة محليًا، ويهدف إلى خلق قيمة مضافة وتحقيق تنافسية تزيد من حجم الأصول؛ وذلك بدعم من الحكومة اليابانية وجامعة الأمم المتحدة.

تقرير نادي روما
في عام 2004 أطلق باولي مشروعًا بحثيًا كشف عن التجديد الذي يمكن أن ينقل الأعمال إلى مستويات أعلى من التنافسية والاستدامة، ويوفر الملايين من فرص العمل عبر خلق منصة لريادة الأعمال.
 وفي 2009 قدّم تقريرًا بعنوان «الاقتصاد الأزرق... 100 تجديد - 10 سنوات - 100 مليون وظيفة» إلى نادي روما في جمعيته العمومية في أمستردام بهولندا، عرف فيه مفهوم الاقتصاد الأزرق كنموذج أعمال مستدام عبر العيش في تناغم مع الطبيعة.
ونشر التقرير في عام 2010، وترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة. وقاد باولي في العام نفسه مبادرة استمرت عامين، قدّم فيها مئة نموذج - بمعدل واحد كل أسبوع - ليلهم روّاد الأعمال ويشجعهم على ترجمة الفرص إلى مبادرات أعمال في مختلف أنحاء العالم.
   وفي عام 2015 نشر تحديث لتقرير نادي روما في نيودلهي، بالتعاون مع منظمة بدائل التنمية في الهند، تحت عنوان «الاقتصاد الأزرق 2، + 200 مشروع منفذ - 4 مليارات مستثمرة - 3 ملايين فرصة عمل» شرح فيه كيفية المضي لأبعد من مفهوم الاخضرار، وتوليد تدفقات نقدية متعددة، والتقليل من المخاطر، وتقدير الاختراقات التي تنقل نموذج العمل إلى إطار عمل تنافسي، حيث يستجيب رواد الأعمال إلى الحاجات المحلية.

مبادرة تربوية
قاد باولي أيضًا مبادرة تربوية - عبر شبكة زيري - تقوم على مفهوم طرح الأسئلة الذي يعد أهم من تقديم الإجابات؛ وعلى حقيقة أن الأطفال يتمتعون بميل فطري للتجريب والتعلم.
وشجع على تهيئة بيئة داعمة للبحث لتعزيز قدرة الطلاب على التفكير والتصميم والإبداع والحلم وتنمية الأفكار. ونبّه إلى خمسة مداخل - ذكاءات - للمعرفة والتعبير... المدخل العاطفي، ومدخل المعرفة الأكاديمية، والمدخل الفني، ومدخل المعرفة البيئية
- تفكير النظم؛ ومدخل التنفيذ، حيث تلتقي المداخل الأربعة السابقة. ويوفر موقع المبادرة  http://www.zerilearning.org/-  مواد تعلمية وترفيهية لكل من الأطفال والمعلمين.
وألّف باولي عددًا من الكتب للكبار، مثل «خارج الصندوق»، و«اختراقات... ما يمكن أن تقدمه الأعمال للمجتمع»، و«ذكاء الطبيعة»، وأخرى للصغار، مثل «العب معي من فضلك»، و«شعر أخضر وأربع عيون»، و«أين البيت؟» تدعو جميعها إلى التعلم من حكمة النظم الأيكولوجية، التي تمد الناس والكائنات الحية بالطاقة والغذاء، وموارد أخرى، وتقوم بتدوير المخلفات، وتلبي حاجات كل كائن وتعيد الانتاج بصورة مستمرة.
 
تجارب ناجحة
طالب باولي بتطبيق حلول ذكية - وفقًا لكل حالة - بتصميم دوائر إنتاج تشبه ما يحدث في الطبيعة، حيث لا توجد مخلفات، وكل شيء يعاد تدويره في عملية منسجمة؛ فالإنسان، كمثال، لا يتناول من نبات القهوة سوى 0.2 في المئة، ويستخدم البقية في زراعة عش الغراب (المشروم)، وما يتبقى يقدّم للحيوانات التي تنتج بدورها سمادًا من مخلفاتها، وبفعل البكتيريا يمكن أن تتحول المخلفات إلى وقود حيوي، وهكذا يتوافر غذاء وطاقة وفرص عمل.
ومن التجارب الناجحة ما جرى في جزيرة الهيرو بالكناري، حيث اعتقد السكان أنه لن يعيش أحد في المكان في إطار عقدين أو ثلاثة عقود قادمة. ولمواجهة ذلك احتشد السكان لمواجهة تحدي البقاء، بل إنهم دعوا أولادهم المهاجرين إلى العودة، بعد أن دشّنوا أنشطة زراعية وأنشطة صيد وتربية ماشية ومعالجة مخلفات، لتصبح الجزيرة فيما بعد مثالًا يحتذى للأنشطة المحلية القادرة على توفير سيولة مستمرة.
وهناك مثال آخر في جزيرة إيستر، الواقعة في جنوب شرق المحيط الهادي، التي استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، حيث تلعب المحيطات دورًا في توفير الماء والغذاء والطاقة. فمن الطحالب، كمثال، يمكن توليد غاز حيوي.

أفكار ذكية لمشروعات مستدامة  
يمكن أن يجد الباحث عن مشروع مستدام ضالته وسط قائمة طويلة من الأفكار الذكية القائمة على حوارات مع أشخاص منفتحين وحريصين على المشاركة، ودراسات علمية مبدعة، على موقع الاقتصاد الأزرق -  https://www.theblueeconomy.org/ -  بعضها طبّق بالفعل وأثبت نجاحًا، وبعضها الآخر ينتظر من يساهم في تغيير قواعد اللعبة، وجعل الأحلام واقعًا يحول الفقر إلى تنمية، والندرة إلى وفرة... هذا مع حقوق ملكية مفتوحة.

بعض نماذج الأعمال المقترحة
•  تنظيف بلا صابون: نموذج أعمال يقوم على نتائج دراسات - مستلهمة من نباتات وكائنات حية كزهرة اللوتس والحلزونات - لطرق تنظيف ذاتية، وأسطح لا تحتاج إلى تنظيف، ودهانات تقلل من الحاجة إلى الصيانة، ومنظفات حيوية بلا أضرار على البيئة وعلى الأسطح، وذلك في تحالف بين علوم الكيمياء الحيوية والفيزياء والتكنولوجيا.
•  الماء من الهواء: يعتمد نموذج الأعمال هذا على تكثيف المياه في الأجواء الرطبة، باستخدام تكنولوجيا الثلاجات، وسمحت هذه الطريقة بتوفير مياه شرب بصورة دائمة لمئات القرى في الهند، بينما يبقى التحدي في خفض كلفة توفير الكهرباء لتشغيل الأجهزة.
• البناء بالبامبو: لتوفير إسكان اجتماعي بأسعار مخفضة على اعتبار البامبو مادة بناء قوية يمكن أن تصمد لمئات السنين، إلى جانب كونه مادة طبيعية جميلة، وتعمل على معادلة انبعاثات الكربون.
•  علامات تجارية للمخلفات: بعد أن يتم جمع المخلفات لإعادة تدويرها، يعرف مستهلك المنتج الجديد من خلال علامة تجارية مصدر المادة الخام المعاد تدويرها، مما يعني قيمة مضافة للمنتج النهائي.
•  أشجار في الصحراء: يمكن زراعتها باستخدام طريقة الدلو المعروف بـ «ووتربوكس»، حيث يوضع فوق البذور لحمايتها من الرياح، كما يساعد على جمع مياه الأمطار واستخدامها لري البذور حتى تنبت وتتعمق جذورها، وإذا اشتدت ينزع الدلو ليعاد استخدامه لزراعة شجرة أخرى. وإلى جانب المنفعة الاقتصادية يمكن تعظيم رأس المال الاجتماعي بتخضير الصحراء وتكوين مجتمعات جديدة.
•  بيض للعناية الشخصية: باستخدام تكنولوجيا فورتير، يمكن تحويل قشر البيض إلى مادة كربونات الكالسيوم المستخدمة في مستحضرات العناية الشخصية، إلى جانب استخدامات أخرى عديدة تمثّل صناعة متنامية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
•  مجوهرات من الأرز: يحتوي قش الأرز على مادة أكسيد السيلكون التي يمكن تحويلها إلى كربيد السيلكون (مركّب من الكربون والسيلكون) يمكن تشكيله على هيئة كريستال وإزالة الشوائب منه، ليتحول إلى حجر شفاف يمكن استخدامه في صناعة الحليّ ■