بين الحكمتين العامة والشخصية

بين الحكمتين العامة والشخصية

   بعد أن كانت الحكمة من الموضوعات الفلسفية أو الدينية، شهدت السبعينيات الماضية اهتمامًا بإجراء بحوث تجريبية في الحكمة العامة في إطار  علم النفس، وتضمنت هذه البحوث تعريف الحكمة وطرق قياسها وتطورها وبحث إمكانية تطبيق المعرفة المتعلقة بها في سياقات الحياة المتباينة. وفي التسعينيات، ظهر مفهوم الحكمة الشخصية، على أثر محاولات سعت إلى دمج بحوث تنظيم الذات وتطويرها وبحوث تنمية الشخصية، وتلك التي تتناول الحكمة. أما أول من أشار إلى مفهوم الحكمة تحت مظلة علم النفس، فهو الأمريكي ستانلي هال، أحد رواد علم النفس، الذي دعا في عشرينيات القرن الفائت إلى ضرورة فهم عملية التقدم بالعمر وتقدير حكمة الكبار وانتقد تهميشهم. وربط تطور الحكمة لدى الإنسان بظهور الاتجاه التأملي الفلسفي والرغبة في استخلاص دروس أخلاقية مفيدة.

 

لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعريف‭ ‬واحد‭ ‬للحكمة،‭ ‬فهي‭ - ‬حسبما‭ ‬يرى‭ ‬بالتيس‭ ‬وزميله‭ ‬سميث‭ - ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أساسيات‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬كالتخطيط‭ ‬للحياة‭ ‬أو‭ ‬مراجعتها؛‭ ‬تتطلب‭ ‬معرفة‭ ‬غنية‭ ‬بالحقائق‭ ‬الخاصة‭ ‬بشؤون‭ ‬الحياة،‭ ‬ومعرفة‭ ‬ثرية‭ ‬بالمعرفة‭ ‬الإجرائية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمشكلات‭ ‬الحياة،‭ ‬ومعرفة‭ ‬حول‭ ‬مختلف‭ ‬سياقات‭ ‬الحياة،‭ ‬والقيم‭ ‬والأولويات؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬متصلة‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬ويعرفها‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬سترنبيرغ،‭ ‬بالأسلوب‭ ‬الإدراكي‭ ‬الماورائي‭ ‬والبصيرة‭ ‬التي‭ ‬يعرف‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويسعى،‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لمعرفة‭ ‬الحقيقة‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان‭. ‬أما‭ ‬ميكام‭ ‬فيعرفها‭ ‬بالوعي‭ ‬بقابلية‭ ‬خطأ‭ ‬المعرفة‭ ‬والكفاح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬المعرفة‭ ‬والشك؛‭ ‬ويؤكد‭ ‬ارتباط‭ ‬العمر‭ ‬بتغير‭ ‬مستوى‭ ‬ومظاهر‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬البساطة‭ ‬إلى‭ ‬العمق،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬احتمال‭ ‬لفقدان‭ ‬الحكمة‭ ‬مع‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العمر،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الخرف‭. ‬

ومن‭ ‬صفات‭ ‬الحكماء،‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬معرفتهم‭ ‬العميقة‭ ‬بالحياة،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬تعقيداتها‭ ‬وغموضها،‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬دروس‭ ‬متعلمة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬صادمة‭ ‬مروا‭ ‬بها‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬الحكيم‭ ‬بمقدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ذاته‭ ‬والتأمل‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬أحوالها،‭ ‬ومقدرة‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬انفعالاته‭ ‬ومشاعره،‭ ‬وتكون‭ ‬لديه‭ ‬اتجاهات‭ ‬وسلوكيات‭ ‬إنسانية‭ ‬كالتعاطف‭ ‬والدفء‭ ‬والإيثار‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬العدالة‭. ‬

 

‭ ‬بين‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة‭ ‬والشخصية‭ ‬

  ‬يرى‭ ‬المتخصصون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقًا‭ ‬بين‭ ‬الحكمة‭ ‬الشخصية‭ ‬والحكمة‭ ‬العامة‭ ‬كالفرق‭ ‬بين‭ ‬الشخص‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬البصيرة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بذاته‭ ‬وحياته‭ ‬وفقا‭ ‬لخبرته‭ ‬الشخصية؛‭ ‬والشخص‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬المراقب،‭ ‬وتكون‭ ‬بصيرته‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬عموما‭. ‬وهكذا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أشخاصًا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بحكمة‭ ‬شخصية،‭ ‬أي‭ ‬يفهمون‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ويجيدون‭ ‬إدارة‭ ‬حياتهم‭ ‬وحل‭ ‬مشكلاتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تقديم‭ ‬المشورة‭ ‬للآخرين‭. ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬يوجد‭ ‬حكماء‭ ‬يلجأ‭ ‬إليهم‭ ‬الناس‭ ‬للنصيحة‭ ‬نتيجة‭ ‬لعمق‭ ‬فهمهم‭ ‬للحياة‭ ‬وطرق‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬معطياتها،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬النصائح‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬الشخصية‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة‭ ‬لدى‭ ‬أشخاص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬والحكمة‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭. ‬وهناك‭ ‬فئة‭ ‬ثالثة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الحكمتين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

 

قياس‭ ‬الحكمتين

  ‬توجد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬مقاييس‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة‭ ‬والحكمة‭ ‬الشخصية،‭ ‬أهمها‭ ‬نموذج‭ ‬برلين‭ ‬للحكمة،‭ ‬ومقياس‭ ‬آخر‭ ‬تم‭ ‬تطويره‭ ‬من‭ ‬النموذج‭ ‬السابق‭ ‬لقياس‭ ‬الحكمة‭ ‬الشخصية،‭ ‬يعرف‭ ‬بنموذج‭ ‬بريمن‭ ‬للحكمة‭ ‬الشخصية‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬القياس‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬والتقرير‭ ‬الذاتي‭ ‬لتقييم‭ ‬الحكمة،‭ ‬سواء‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الشخصية،‭ ‬بمنح‭ ‬درجات‭ ‬لاستجابات‭ ‬المشاركين‭ ‬المراد‭ ‬قياس‭ ‬حكمتهم،‭ ‬حول‭ ‬المشكلات‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معايير‭ ‬معينة؛‭ ‬حيث‭ ‬تتضمن‭ ‬معايير‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة‭ ‬وجود‭ ‬معرفة‭ ‬نظرية‭ ‬غنية‭ ‬ببعض‭ ‬الحقائق‭ ‬المتصلة‭ ‬بموضوعات‭ ‬كالطبيعة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتطور‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬والتغيرات‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬النمو‭ ‬والمخرجات‭ ‬والعلاقات‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭ ‬والأعراف‭ ‬الاجتماعية؛‭ ‬ومعرفة‭ ‬عملية‭ ‬إجرائية‭ ‬ثرية‭ ‬تتضمن‭ ‬الإلمام‭ ‬باستراتيجيات‭ ‬ومقدرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬وإدارتها‭ ‬وإسداء‭ ‬النصيحة‭ ‬لحل‭ ‬المشكلات‭ ‬وسوى‭ ‬ذلك؛‭ ‬كما‭ ‬تتضمن‭ ‬معايير‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالفروق‭ ‬الفردية‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬والتسامح‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الفروق‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬المصلحة‭ ‬الفردية‭ ‬والمصلحة‭ ‬العامة؛‭ ‬وهذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬معيار‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقبل‭ ‬غموض‭ ‬الحياة‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬اللايقين‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬والتأقلم‭ ‬مع‭ ‬جدلية‭ ‬المعرفة‭ ‬والشك‭. ‬

‭ ‬ويستخدم‭ ‬مقياس‭ ‬الحكمة‭ ‬الشخصية‭ ‬المنهجية‭ ‬نفسها‭ ‬مع‭ ‬تعديل‭ ‬يعكس‭ ‬نمو‭ ‬الشخصية‭ ‬أو‭ ‬مستوى‭ ‬نضجها‭ ‬وافتراض‭ ‬أن‭ ‬التعرض‭ ‬للخبرات‭ ‬الجديدة‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحكمة‭. ‬ومن‭ ‬معايير‭ ‬الحكمة‭ ‬الشخصية‭ ‬معرفة‭ ‬الذات،‭ ‬والوعي‭ ‬بالقدرات‭ ‬وبطبيعة‭ ‬المشاعر،‭ ‬والأهداف،‭ ‬ووجود‭ ‬معنى‭ ‬للحياة؛‭ ‬ومعيار‭ ‬آخر‭ ‬يتضمن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬الذات‭ ‬ومعرفة‭ ‬كيفية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المشاعر‭ ‬والآراء‭ ‬وطرق‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬العميقة‭ ‬وتنميتها؛‭ ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬الفكاهة‭ ‬والروح‭ ‬المرحة‭ ‬ملمحًا‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬والتحديات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأمل‭ ‬وامتلاك‭ ‬البصيرة‭ ‬في‭ ‬الأسباب‭ ‬المحتملة‭ ‬وراء‭ ‬سلوك‭ ‬المرء‭ ‬ومشاعره،‭ ‬والوعي‭ ‬بالاستقلالية‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭. ‬ومعيار‭ ‬آخر‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بنسبية‭ ‬الذات،‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬الذات‭ ‬مقارنة‭ ‬بالآخرين،‭ ‬مع‭ ‬قبول‭ ‬الذات،‭ ‬وتقبل‭ ‬قيم‭ ‬الآخرين‭ ‬وأساليب‭ ‬عيشهم‭ ‬المختلفة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬لا‭ ‬تؤذي‭ ‬أحدًا‭. ‬وهذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬معيار‭ ‬التسامح‭ ‬مع‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬وإدارة‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الشخصية‭ ‬بصورة‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬بكون‭ ‬الحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالأحداث‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬التنبؤ‭ ‬بها،‭ ‬كالموت‭ ‬والمرض،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬استراتيجيات‭ ‬لإدارة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬التجارب‭ ‬الجديدة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬مبتكرة‭ ‬للمشكلات‭.‬

  ‬ولقياس‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة،‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬حياتية‭ ‬وجودية‭ ‬وحلولها‭ ‬الممكنة،‭ ‬بينما‭ ‬تقاس‭ ‬الحكمة‭ ‬الشخصية‭ ‬بطرح‭ ‬مشكلات‭ ‬ومواقف‭ ‬حياتية‭ ‬شخصية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التفكير‭ ‬بصوت‭ ‬مسموع،‭ ‬وتسجل‭ ‬الاستجابات‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وتكتب‭ ‬وتعرض‭ ‬على‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬المحكمين‭ ‬المدربين‭ ‬ليضعوا‭ ‬درجة‭ ‬على‭ ‬مدرج‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬سبع‭ ‬نقاط‭ ‬لكل‭ ‬معيار‭ ‬من‭ ‬المعايير،‭ ‬ثم‭ ‬تحسب‭ ‬النتيجة‭ ‬ويصدر‭ ‬حكم‭ ‬بشأن‭ ‬مقدار‭ ‬حكمة‭ ‬المرشح،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬الحكيم‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬أقرانه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السن‭ ‬ودرجة‭ ‬التعليم‭.‬

‭ ‬

تنمية‭ ‬الحكمة‭ ‬

  ‬لحسن‭ ‬الحظ،‭ ‬يمكن‭ ‬تنمية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬العامة‭ ‬والشخصية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬بعض‭ ‬العمليات‭ ‬الإدراكية‭ ‬كالتأمل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ومراجعتها‭ ‬ومحاولة‭ ‬إعادة‭ ‬بنائها‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬وتحليلها‭ ‬لاكتساب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاستبصار‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬العام‭ ‬والشخصي‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬استدعاء‭ ‬الأحداث‭ ‬وتبعاتها‭ ‬وتسلسلها‭ ‬وتحليلها‭ ‬وتقييمها‭ ‬بصورة‭ ‬شاملة‭ ‬بطرح‭ ‬أسئلة،‭ ‬مثل‭: ‬كيف‭ ‬جرى‭ ‬الحدث؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تجنب‭ ‬حدوثه‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟‭ ‬وكيف‭ ‬هو‭ ‬الوضع‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنوات؟‭ ‬وقد‭ ‬يقتضي‭ ‬الأمر‭ ‬أحيانًا‭ ‬عقد‭ ‬بعض‭ ‬المقارنات‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬نقاط‭ ‬مرجعية‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬وفقا‭ ‬لآراء‭ ‬معتبرة‭. ‬وقد‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬أحيانًا‭ ‬إلى‭ ‬تدخل‭ ‬تعليمي‭ ‬أو‭ ‬مساعدة‭ ‬نفسية‭ ‬لدعم‭ ‬عملية‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬والشخصية‭.‬

‭ ‬وتشير‭ ‬دراسات‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الذات‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬اكتساب‭ ‬الحكمة‭ ‬الشخصية‭ ‬مقارنة‭ ‬بالحكمة‭ ‬العامة،‭ ‬نتيجة‭ ‬لسهولة‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬مشكلات‭ ‬الحياة‭ ‬والأشخاص‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬وتحليلها،‭ ‬مقارنة‭ ‬بفهم‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للذات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تفضيل‭ ‬كبت‭ ‬وتجاهل‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬لنا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬أو‭ ‬تعديله‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬واعية‭ ‬حماية‭ ‬للذات‭. ‬وما‭ ‬تؤكده‭ ‬الدراسات‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬الحكمة‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالذكاء‭ ‬بالضرورة،‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬الأذكياء‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬الأنانية‭ ‬ويركزون‭ ‬على‭ ‬الإنجاز‭ ‬الشخصي‭ ‬ولا‭ ‬يهتمون‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالضرورة‭ ‬بتقدم‭ ‬العمر،‭ ‬والدليل‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬حكماء‭ ‬صغار‭ ‬وكبار‭ ‬بلا‭ ‬حكمة‭.‬

‭ ‬

بحوث‭ ‬الحكمة‭ ‬

وإيمانًا‭ ‬بأهمية‭ ‬دراسة‭ ‬الحكمة‭ ‬وتنميتها‭ ‬باعتبارها‭ ‬دراسة‭ ‬واعدة‭ ‬تفتح‭ ‬فرصًا‭ ‬وتسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬استبصارات‭ ‬جديدة‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬ازدهار‭ ‬الإنسان،‭ ‬يسعى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬المحترمين‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬بحوث‭ ‬متخصصة‭ ‬بها؛‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تمنح‭ ‬كلية‭ ‬الحكمة‭ ‬بجامعة‭ ‬أوبيكيوتي‭ ‬Ubiquity‭ ‬درجات‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬في‭ ‬الحكمة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1996‭. ‬ويوجد‭ ‬بجامعة‭ ‬شيكاغو‭ ‬الأمريكية‭ ‬مركز‭ ‬للحكمة‭ ‬العملية،‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬الفهم‭ ‬العلمي‭ ‬للحكمة‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬والاختيارات‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭. ‬ويحاول‭ ‬المركز‭ ‬ربط‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين‭ ‬والمعلمين‭ ‬والطلاب‭ ‬المهتمين‭ ‬بدراسة‭ ‬وفهم‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ويوفر‭ ‬لهم‭ ‬الإرشاد‭ ‬والدعم‭ ‬لتعلم‭ ‬وإجراء‭ ‬بحوث‭ ‬علم‭ ‬الحكمة،‭ ‬ثم‭ ‬نشر‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها،‭ ‬كما‭ ‬يشجع‭ ‬النقاش‭ ‬بين‭ ‬العلوم‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬المهنية‭ ‬والحياة‭ ‬العامة‭. ‬ومما‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ - ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬هاورد‭ ‬نوباوم‭ - ‬قام‭ ‬بمشروعات‭ ‬بحثية‭ ‬كبرى‭ ‬كمشروع‭ ‬تعريف‭ ‬الحكمة،‭ ‬ووضع‭ ‬علمًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بها،‭ ‬تشارك‭ ‬فيه‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات‭ ‬العلمية،‭ ‬حيث‭ ‬أطلقت‭ ‬الجامعة‭ ‬مبادرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬تعريف‭ ‬طلب‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التطبيق‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬2012‭ ‬بدأ‭ ‬مشروع‭ ‬آخر‭ ‬لدراسة‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الخبرة‭ ‬والحكمة؛‭ ‬ومحاولة‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬سؤال‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للخبرة‭ ‬أن‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الحكمة؟‭ ‬