القرن العشرون قرن المرأة محمود قاسم

القرن العشرون قرن المرأة

المؤلف: فلورانس مونترينو
إنه قرن المرأة.. القرن العشرون.

هذا هو أول ما يتبادر إلى الذهن عند تصفح هذا الكتاب الضخم، ويرجع ذلك ليس فقط إلى عنوانه المثير "قرن المرأة العشرون" ولكن أيضا لما يتضمنه هذا الكتاب من أدلة وتأكيدات تدل على أن المرأة بالفعل هي مخلوق القرن العشرين. خاصة بعد أن خرجت إلى مختلف مجالات الحياة، في كل بقاع الأرض.

اشترك في إعداد هذا الكتاب فريق كامل من النساء تحت رئاسة فلورانس مونترينوFlorance Montreynaud، لهذا فهو يعتبر بلا جدال أهم كتاب من نوعه عن المرأة. فقد تحمست مؤلفته لتقديم صورة جميلة للمرأة في كل أنحاء العالم في مواجهة بعض الصور الأخرى التي حاولت فيها بعض النساء تلطيخ الثوب النسوي الرائع. وبشكل عام فالكتاب بمثابة صفحة بيضاء مشرقة اعدته كاتبة ذات مواقف نضالية مشرفة في سبيل حركة تطوير المجتمعات من خلال دور المرأة.

وفلورانس مونترينو من مواليد عام 1948. وقد تخصصت في دراسة العلاقات الدولية من منظور أدبي. ونشرت مجموعة رسائل إميل زولا. واشتركت في تحرير أغلب المجلات التي تهتم بشئون وثقافة المرأة. وقد اختارت المؤلفة كاتبة وباحثة اجتماعية مشهورة هي إليزابيث برادينته Elisadeth Bradinter لتكتب مقدمة قالت فيها إن المرء يمكن أن يجد في مثل هذا الكتاب كل ما يخص المرأة في هذا القرن. وذلك من منظور تحليلي ممزوج بالرصد في جميع المجالات، من الرياضة إلى الثقافة والسياسة، والعلم، وأشياء أخرى. ولا شك أن كتابا بمثل هذه الفخامة يجب أن يكون لكاتبته منهج خاص. فهو يقع في أكثر من 730 صفحة من القطع الكبير. ولأن أسهل المناهج دائما هو المنهج التاريخي، فقد قسمت الكاتبة نساءها حسب العقود التي عشن فيها، وتحدثت في داخل كل عقد عن السنوات المختلفة. وذلك باعتبار أن سنة ما كانت هي الأكثر ازدهارا وشهرة وعطاء للمرأة التي حققت شهرة ما في مجالها.. أو عن ظاهرة ما ارتبطت بالمرأة في هذه السنة بالذات.

نوبل.. مرتين لامرأة واحدة

ولأنه ليس من السهل متابعة مثل هذا الكتاب بالمنهج نفسه الذي اتبعته الكاتبة، فقد اخترنا أن نقرأه من منظور مختلف هو أن نقرأ حصاده، وأن نتحدث، بشكل عام، عن السمات العامة التي تجمع نساء القرن العشرين في سائر الميادين.. وسنحاول من خلال هذه السمات التركيز على أغلب ما جاء في الكتاب من خلال مثل هذه السمة.

دخلت المرأة جميع ميادين المشاركة في وقائع القرن العشرين مع الرجل. واستحقت بذلك أن يلقب القرن باسمها، ليس ذلك لأن الرجل قد لعب دورا أقل من دورها. لا، ولكن لأن كل المجالات التي دخلتها كانت بمثابة استكشاف وتجريب. وقد حاولت دوما أن تكسر الاصطلاح الشائع بأن الحضارات وتوابعها "صناعة رجل"، ولم تتوقف المرأة عن التجربة. فيما قبل لم يعرف العالم امرأة تدخل المعامل وتعرض نفسها للخطر، وتدخل في دائرة المخترعين مثلما حدث مع ماري كوري، التي تفوقت في مجالها على الكثير من الرجال، بل تكاد. تكون المخلوق الآدمي الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل في العلوم الطبيعية مرتين.

ورغم أن المرأة قد حصلت على جائزة نوبل كمبدعة مرات قليلة للغاية، إلا أن الأديبات اللاتي لم ينلن جائزة نوبل كثيرات، وكن يستأهلن الجائزة ومنهن على سبيل المثال: فرجينيا وولف ومرجريت بورسنار ومرجريت دوراس وكاترين مانسفيلد وأخريات.

ومثلما دخلت المرأة مجالات الفنون والأدب والعلوم، ركبت مع الرجل مركبات الفضاء ودارت في صحبته حول الأرض، كما عملت في مجال قيادة الطائرات وفي الحروب قادت الدبابات، وأطلقت الصواريخ وحكمت العالم في بعض مناطقه.

وراء كل محارب.. امرأة

القرن العشرون هو قرن الحروب العالمية الدامية الطويلة. وهي حروب قاسية، بالغة الدموية والعنف، ليس فقط في طولها بل أيضا لأن آثارها قد امتدت لبقع عريضة من سطح الأرض، من اليابان شرقا، حتى الولايات المتحدة غربا. ولم يعرف أن هناك امرأة شاركت في صنع هذه الحروب سوى مرجريت تاتشر، التي أصدرت أوامرها للجنود البريطانيين بالهجوم على جزر الفوكلاند في شرق الأرجنتين، ثم شاركت بقوات مع بلادها في جيوش التحالف لتحرير الكويت. أما بقية المساهمين في قرارات الحروب العالمية والمحلية فقد كانوا من الرجال منهم أدولف هتلر، وستالين، وتشرشل، وموسوليني وغيرهم. وقد حاول بعض المؤرخين إثبات أن المرأة لم تكن بعيدة عن هؤلاء الزعماء المحاربين. فهناك إيفا براون في حياة هتلر، وهناك كلاريتا في حياة موسوليني، وأيضا بعض الزوجات في حياة بقية الزعماء.

والوجه الغالب للمرأة في القرن العشرين، هو وجه مشرق، وصانع للبهجة. وتبدو هذه السمة في أن الوجه الجميل في القرن العشرين كان وجه المرأة، وأيضا التكوين الجسماني الجميل. وقد ساعدت فنون العرض الجماهيرية والذائعة الانتشار، فضلا عن فنون الطباعة المتطورة، على أن تكون المرأة أكثر قربا من الناس. فوجه ممثلة مثل آفاجاردنر وجريتا جاربو، أو أودري هيبورن يمكن أن نراه على الشاشة مكبرا مئات المرات من أجل رؤية تفاصيله وملامحه عن قرب شديد. وتكوين جسماني لممثلة مثل مارلين مونرو أو جين مانسفيلد، يمكن للعين أن ترى ملامحه أيضا بالطريقة نفسها على الشاشة.

لذا، فإن الوجه الجميل والمشرق للمرأة قد بدا واضحا في الفنون وفي السينما والتليفزيون، ثم المسرح بعد ذلك. ومع بداية القرن العشرين كانت شهرة سارة برنار تجوب الآفاق. وفي عام 1900 بالتحديد كانت في قمة إبداعها عندما مثلت مسرحيتها المعروفة "النسر الصغير". أما في عام 1910، مع بداية العقد الثاني من القرن، فإن الراقصة إيزادورا دنكان قد بهرت العالم برقصاتها الإيقاعية الإعجازية، وقد اتسمت كل من سارة وايزادورا بأنهما كانتا على ثقافة واسعة، وليستا مجرد فنانتين. وقد بدا ذلك في المذكرات التي كتبتها الراقصة البريطانية تحت عنوان "حياتي".

هنا.. محطة أم كلثوم

الغريب أن القرن العشرين لم يشهد مثل هاتين المرأتين، ولكن بدا كأنه تم تفكيك كل منهما إلى عشرات النساء اللاتي يمتلكن الموهبة والثقافة نفسها، مثل ممثلة المسرح الفرنسية مادلين رينودو، ومارلين مونرو. وفي الطرب إديث بياف، وأم كلثوم التي تم الاحتفاء بها في أكثر من مكان من هذا الكتاب الضخم، مرة في وقائع عام 1922، السنة التي جاءت فيها إلى القاهرة كي تصبح كوكب الشرق، ومرة أخرى في عام رحيلها 1975.

رغم أن المبدعين قد تميزوا عددا، ونوعية على النساء في القرن العشرين، وذلك في مجال الرواية والمسرح والشعر، وفنون النثر الأخرى. إلا إن نسبة النساء المبدعات في القرن العشرين قد زادت بشكل ملحوظ عنه في القرن الماضي الذي لمعت فيه أسماء مثل ماري شيللي والشقيقتين برونتي وجورج إليوت.

وفي القرن العشرين برزت أسماء كاتبات في أنحاء متفرقة من العالم، وفي بعض فنون الكتابة كانت المرأة أكثر تأثيرا من الرجل، مثلما حدث في الروايات البوليسية حيث برعت أجاثا كريستي وباتريشا هايسميث وب. د. جيمس. وقد برعت النساء في جميع مجالات الإبداع الأدبي إلا قليلا. ففي الرواية النفسية كانت هناك فرجينيا وولف، وفي القصة القصيرة كاترين مانسفيلد، وفي الرواية العاطفية كوليت، وفي الرواية الجديدة هناك مرجريت دوراس، والإيطالية السامورنته، وفي الشعر إخماتوفا، وجابريلا ماسترال، التي فازت بجائزة نوبل عام 1945.

والكاتبة الفرنسية كوليت هي أبرز النساء في القرن العشرين في عالم الإبداع، ولذا خصص عنها الكتاب أكثر من ثماني صفحات.

ويمكن قراءة تطور فنون وآداب وعلوم القرن العشرين على صفحات أزياء المرأة، ليس فقط ما يتعلق بالتقليعات التي تجددت مع كل عام، وكل موسم، بل أيضا من خلال ارتباط هذه الأزياء والملابس بأشكال الفنون المختلفة كالأغنيات والفن التشكيلي.

فأغلب ملابس المرأة في أوائل القرن اتسمت بالاحتشام، وخاصة فيما يتعلق بالرقبة، والطول.

أما الألوان المفضلة فكانت الأبيض، وفي الشرق جاءت الدعوة لكشف الوجه، كي يتناسب ذلك مع المهام العملية التي ستتحملها المرأة حين تخرج إلى العمل العام. وفي عام 1912 شهدت أوربا ما يسمى بـ "حرب المشدات". باعتبار أن هذه المشدات هي العامل الأكيد لإبراز الرشاقة.

وفي عام 1926 برزت جابرييل شانيل كأول مصممة أزياء متخصصة تفهم عقلية ونفسية المرأة، وتعرف جيدا ماذا تريد. وقد جاءت أهمية شانيل من أنها سعت إلى تبسيط ملابس المرأة، فأضفت بذلك على العصور التي عاشت فيها بساطة واضحة، خلت من أي تعقيد. وقد كان من سمات القرن العشرين أن طال العمر بهذه المرأة، كي يزداد تأثيرها. أما نهاية الخمسينيات فقد - شهدت ثورة جديدة تعرف باسم "سنوات النايلون" حيث راحت خيوط النايلون الصناعية تحل محل كل ما هو طبيعي، لكن سرعان ما اختفت هذه الظاهرة. وفي منتصف الستينيات عرف العالم بأسره ظاهرة التنورة القصيرة، وما لبثت أن انحسرت كي تعود مرة أخرى.

ليس صحيحا أن امرأة القرن العشرين ظلت مصدر المتعة للرجل، وأنها لم تكن سوى سلعة حسية يرغب في الفرجة عليها، وخاصة في الأفلام الفاضحة، أو العروض الليلية. فهناك نساء قد ارتبطن بالنضال السياسي والعسكري في أنحاء متعددة من العالم. وإذا كانت هيلين كيلر قد برزت كنموذج للبطولة في عالم المعوقات، فرغم أنها كانت عمياء وبكماء وصماء، إلا أنها تفوقت على زملائها في عام 1904 حين حصلت على درجة الامتياز في الجامعة.

وفي مجال التفوق والنضال، هناك الألمانية روزا لوكسمبورج. والفلسطينية ليلى خالد، ثم الألمانية ميلينا يانسنكا التي كانت وراء إبداع كافكا. وقد انتقلت هذه المرأة المناضلة من مقعد المعارضة والكفاح، بأشكاله، إلى مقعد السياسة والحكم، مثلما فعلت أنديرا غاندي في الهند ولا تزال تفعل بناظير بوتو في باكستان، ثم مرجريت تاتشر في بريطانيا، وسيمون فيل التي كانت أول من رأس البرلمان الأوربي لسنوات.

وكما سبقت الإشارة فإن ماري كوري كانت الوحيدة التي نالت جائزة نوبل مرتين. الأولى في عام 1903 ثم في عام 1911. وفي مجال العلوم برعت سيدات عديدات منهن الألمانية إيمي نويثر التي ابتكرت علم الجبر الحديث في عام 1915، ثم الأمريكية بربارا ماكلنتول الحائزة على جائزة نوبل عام 1983 نتيجة لما حققته من اكتشافات في علوم الوراثة والجينات.

لم تكن المرأة في القرن العشرين مجرد شخص، بل هي أيضا مرتبطة بمجموعة من الظواهر الإنسانية والعالمية التي صبغت باسم المرأة. منها على سبيل المثال، حصول المرأة على حق التصويت في الانتخابات إلى جانب الرجل، باعتبارها كائنا حقيقيا في المجتمع، وليست شيئا في عيون الرجل. فنتائج الانتخابات في المقام الأول تقع على المرأة والرجل معا. وقد تفاوت حصول المرأة على هذا الحق في بلدان عديدة.

ومثلما حصلت المرأة على هذا الحق بالتدريج، فإنها أصبحت وزيرة في الاتحاد السوفييتي لأول مرة عام 1917، حيث قام لينين بتعيين الكسندرا كولنتاي. وظهرت هذه التجربة في بريطانيا، وكندا، والولايات المتحدة، ثم مصر، وسوريا. وكانت أول رئيس وزراء امرأة هي باندرانيكا في سيلان عام 1960.

ولدينا؟. جميلة بوحريد

تلك كانت السمات المشتركة التي جمعت "نساء القرن العشرين" كما جاء في الكتاب الضخم الذي أعدته فلورانس مونترينو، والتي حاولنا أن نستقيها من خلال رؤية لما جاء في هذا العمل الذي حشدت فيه مادة معرفية لأكثر من عشرين ألف امرأة، فضلا عن الظواهر التي ارتبطت بالمرأة، ولا يمكن مطالعة هذا الكتاب عربيا، دون أن نبحث عن دور المرأة العربية في صناعة القرن العشرين.

فكما هو واضح، فلأن الكتاب فرنسي اللغة، فإن التركيز في المقام الأول على دور المرأة الفرنسية ثم يجيء دور المرأة الأوربية والأمريكية. وفي الذيل هناك امرأة في العالم الثالث لها دورها، ولها إسهاماتها المتعددة. ففي أي شيء أسهمت هذه المرأة في عالمنا من خلال منظور مؤلفة هذا الكتاب؟.

قبل أن نرصد هذا، يجب أن نكرر من جديد أن الكاتبة قد ركزت على الظواهر النسائية المشرقة في القرن العشرين، باعتبار أنه قرن المرأة. ولذا فإن الوجوه التي اختارتها المؤلفة قد أثرت الشرق والعالم. ولعل أم كلثوم كفنانة هي أول الأسماء العربية التي تم رصدها في هذا الكتاب.

ورغم القلة النسبية لذكر المرأة العربية في هذا الكتاب، فإن الوجوه التي تم ذكرها تعتبر مشرفة في مجالات الفن والنضال السياسي والأدبي. فإلى جانب أم كلثوم كشخصية، هناك أيضا جميلة بوحريد. فهي كما جاء ذكرها في الكتاب وجه مشرف لفتاة الستينيات.

وهناك الكاتبة اللبنانية المصرية اندريه شديد التي حصلت على العديد من الجوائز الأدبية عن رواياتها وأشعارها وقصصها القصيرة، فقد سبقت الرجال العرب في الحصول على جائزة جونكور الأدبية عام 1979 عن مجموعة قصص قصيرة.

أما الحركات النسائية الأدبية التي أشارت إليها الكاتبة، فهناك قضية حجاب المرأة المسلمة داخل وخارج بيتها، ثم حقوق المرأة في العالم العربي.

لا.. المرأة ليست سلعة

تلك كانت قراءة في هذا العالم الرحب الواسع من نساء القرن العشرين. وكما سبقت الإشارة فإن الكتاب قد تعامل مع وجوه النساء المشرقة، ووضع على هوامش الشهيرات النساء اللائي مارسن أعمالا مشبوهة كالجاسوسية، أو القاتلات، أو أصحاب بيوت الهوى. وبذلك حاولت الكاتبة أن تعطي للمرأة كيانا جادا، واهتماما بعقلها. فحين قامت النساء بتصميم الأزياء، كما رأينا في حالة مدام شانيل، كان الاهتمام الأكبر في التعامل مع العقل، والبساطة، وقد بدا هذا واضحا في المجلات النسائية التي تولت النساء رئاسة تحريرها مثل مجلة F.magazine وغيرها. مثل هذه المجلات تعاملت مع المرأة كعقل، أما الرجال من رؤساء التحرير، وأصحاب المؤسسات المرتبطة بالصناعات النسائية فقد تعاملوا معها كسلعة تجارية وحسية. وهنا يبدو الفارق.. ما يبدو الفارق أيضا في أن مثل هذا الكتاب كان سيختلف كثيرا لو قام رجل بإعداده وتأليفه.

 

محمود قاسم







غلاف الكتاب





مرجريت بورسنار.. أول امرأة في الأكاديمية الفرنسية





العلوم أيضا.. أمرأة





المؤلفة فلورانس مونترينو تحمل كتابها الضخم





صباح الخير.. يا فرانسواز ساجان





وفي التنس بطولات نسائية





اندريه شديد





آجاثا كريستي





كوليت.. أشهر أديبة في القرن العشرين