حكمة التقشّف

حكمة التقشّف

على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬عبّر‭ ‬المفكرون‭ ‬والفلاسفة‭ ‬والحكماء‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬التقشف،‭ ‬كما‭ ‬عاش‭ ‬أغلبيتهم‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬البساطة‭ ‬والزهد‭. ‬ولطالما‭ ‬أكدوا‭ ‬أن‭ ‬التقشف‭ ‬هو‭ ‬الدواء‭ ‬الشافي‭ ‬للعقول‭ ‬والأجساد‭ ‬المضطربة‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬العصيبة،‭ ‬علمًا‭ ‬بأنه‭ ‬على‭ ‬العموم،‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬بدت‭ ‬جميع‭ ‬الأوقات‭ ‬عصيبة‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬عايشوها‭. ‬فكان‭ ‬سقراط‭ ‬يربط‭ ‬البساطة‭ ‬والتقشف‭ ‬بالسعادة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تجنّب‭ ‬الثروة‭ ‬المادية‭ ‬لمصلحة‭ ‬حياة‭ ‬الفضيلة،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬أبيقور‭ ‬بعد‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭.‬

كان‭ ‬أفلاطون‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التواضع‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬والملبس‭ ‬والغذاء،‭ ‬مجادلًا‭ ‬بأن‭ ‬البساطة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬النقاء‭ ‬الأخلاقي‭. ‬أما‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الإغريقي‭ ‬ديوجين‭ ‬فقد‭ ‬ذهب‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬التقشف‭ ‬التي‭ ‬عاشها،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬جرّة‭ ‬خزفية‭ ‬كبيرة‭ ‬كمأوى‭ ‬له،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬عباءته‭ ‬المطوية‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬يتبع‭ ‬نظامًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬يتجاوز‭ ‬حتى‭ ‬التطرف‭ ‬الشبيه‭ ‬بالرهبنة،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬يُحكى‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬مشاهدته‭ ‬طفلًا‭ ‬يستخدم‭ ‬يديه‭ ‬ليشرب‭ ‬الماء،‭ ‬رمى‭ ‬كأسه‭ ‬الوحيدة،‭ ‬لأنه‭ ‬شعر‭ ‬بالخجل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬تجاوزه‭ ‬بالبساطة‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الأكثر‭ ‬حداثة‭ ‬تمكننا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬فريدريك‭ ‬نيتشه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيش،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬وصفه،‭ ‬فوق‭ ‬جبل‭ ‬مثل‭ ‬راهب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دير،‭ ‬وإلى‭ ‬المفكر‭ ‬والفيلسوف‭ ‬الأميركي‭ ‬هنري‭ ‬ثورو‭ ‬الذي‭ ‬حاول،‭ ‬عند‭ ‬انتقاله‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬جديد‭ ‬أمام‭ ‬بحيرة‭ ‬كبيرة،‭ ‬تأمين‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تامة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬روبسون‭ ‬كروز‭ ‬بطل‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬مغامرات‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬دانيال‭ ‬ديفو،‭ ‬وتروي‭ ‬قصة‭ ‬الشاب‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬على‭ ‬جزيرة‭ ‬وحيدًا،‭ ‬وقضى‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقابل‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬ثورو‭ ‬كان‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬التبريرات‭ ‬العقلية‭ ‬للعيش‭ ‬ببساطة‭ ‬عديدة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الطبيعة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬الطبيعة‭ ‬أمر‭ ‬ضروري‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬المرء،‭ ‬كما‭ ‬يلاحظ‭ ‬ثورو،‭ ‬‮«‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬عميقًا‭... ‬ويمتص‭ ‬كل‭ ‬نخاع‭ ‬الحياة‮»‬‭.‬

 

المعيار‭ ‬الأساسي‭ ‬

لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يبرز‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬دعوة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والحكماء‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فلِمَ‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬التقشف‭ ‬هو‭ ‬المعيار‭ ‬العالمي‭ ‬الأساسي‭ ‬المتبع؟‭ ‬هناك‭ ‬نقطة‭ ‬واحدة‭ ‬يتفق‭ ‬عليها‭ ‬معظم‭ ‬الحكماء‭ ‬مناصري‭ ‬التقشف،‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحقيق‭ ‬البساطة‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬فبعد‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ضروريات‭ ‬الحياة‭ ‬قليلة،‭ ‬ويمكننا‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬بسهولة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬الضروريان‭ ‬للبقاء‭ ‬والحماية‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الملابس‭ ‬الأساسية‭ ‬والمأوى‭.‬

لكن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مشكلاتنا‭ ‬الحديثة‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬قائمتنا‭ ‬الطويلة،‭ ‬بشكل‭ ‬مطّرد،‭ ‬من‭ ‬‮«‬الضروريات‮»‬،‭ ‬مثل‭ ‬الكهرباء‭ ‬وتكييف‭ ‬الهواء‭ ‬والسيارات‭ ‬والمواقد‭ ‬والثلاجات‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬وأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والـ‭ ‬‮«‬واي‭ ‬فاي‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحديث‭ ‬أخذ‭ ‬يبني‭ ‬على‭ ‬قدراتنا‭ ‬على‭ ‬الإنتاج،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وأسرع‭. ‬يقول‭ ‬أمريس‭ ‬ويستكوت‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬حكمة‭ ‬التقشف‭... ‬لماذا‭ ‬الأقل‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ - ‬تقريبًا‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬وقت‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬إصلاح‭ ‬الأشياء‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬استبدالها،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يتجرأون‭ ‬على‭ ‬ارتداء‭ ‬الجوارب‭ ‬المرتّقة،‭ ‬ويستخدمون‭ ‬الأغطية‭ ‬المرقّعة،‭ ‬ويأخذون‭ ‬الراديو‭ ‬الخاص‭ ‬بهم‭ ‬أو‭ ‬ساعتهم‭ ‬المعطلة‭ ‬للتصليح‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬قد‭ ‬نجد‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصلّحين‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬بالمدن‭ ‬والقرى‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬فإن‭ ‬إصلاح‭ ‬الأشياء‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متوافقًا‭ ‬مع‭ ‬مفاهيم‭ ‬الحياة‭ ‬الحديثة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬اقتصادية،‭ ‬عندما‭ ‬أصبحت‭ ‬نصف‭ ‬دزينة‭ ‬من‭ ‬الجوارب‭ ‬بتكلفة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للأجور‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬وعندما‭ ‬تكون‭ ‬تكلفة‭ ‬إصلاح‭ ‬أي‭ ‬جهاز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سعر‭ ‬شرائه‭ ‬وهو‭ ‬جديد‭. ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬أخرى،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬وفقًا‭ ‬لمبدأ‭ ‬الجشع‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬لائحة‭ ‬لا‭ ‬متناهية‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬وتجديدها‭ ‬باستمرار،‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬مشكلة‭ ‬عويصة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬إن‭: ‬‮«‬الأرض‭ ‬توفّر‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬كل‭ ‬إنسان،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬جشع‭ ‬كل‭ ‬رجل‮»‬‭.‬

 

مهمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدو‭ ‬أهمية‭ ‬التقشف‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أو‭ ‬التوفير‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬الطعام،‭ ‬فقط،‭ ‬لكنه،‭ ‬كما‭ ‬يوضح‭ ‬ترينت‭ ‬هام‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الدولار‭ ‬البسيط‮»‬،‭ ‬متعلق‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬فهو‭ ‬يرتبط‭ ‬بمجموعة‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬والقيم‭ ‬الحياتية‭ ‬وتقدير‭ ‬الملذات‭ ‬البسيطة‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬التنافس‭ ‬والمادية‭.‬

ويفرض‭ ‬اتباع‭ ‬التقشـــف‭ ‬ضرورة‭ ‬طرح‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬المهمة‭ ‬عند‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬حقًا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المنزل‭ ‬الكبير؟‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أصغر‭ ‬حجم‭ ‬منزل‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه؟‭ ‬كم‭ ‬ستكون‭ ‬تكاليفه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الصيانة‭ ‬والتدفئة‭ ‬والتنظيف‭ ‬والتأثيث‭ ‬وخلافه؟‭ ‬أو،‭ ‬هل‭ ‬حقًّا‭ ‬أنت‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سيارة‭ ‬جديدة؟‭ ‬هل‭ ‬حتى‭ ‬أنك‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬سيارة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق؟‭ ‬أو،‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬حقًّا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬خاتم‭ ‬الخطوبة‭ ‬الماسي‭ ‬الباهظ‭ ‬الثمن،‭ ‬أو‭ ‬إقامة‭ ‬ذلك‭ ‬العرس‭ ‬الكبير‭ ‬الفاخر؟‭ ‬

وهل‭ ‬هناك‭ ‬فعلاً‭ ‬رابط‭ ‬بين‭ ‬الحب‭ ‬والإنفاق؟‭ ‬أو،‭ ‬هل‭ ‬تحتاج‭ ‬فعلاً‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬أجهزتك‭ ‬الإلكترونية؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬استخدام‭ ‬هاتف‭ ‬أو‭ ‬كمبيوتر‭ ‬محمول‭ ‬قديم‭ ‬الطراز‭ ‬لبضع‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬يوفر‭ ‬عليك‭ ‬1000‭ ‬دولار‭ ‬أو‭ ‬أكثر؟

وهل‭ ‬أن‭ ‬الرغبة‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬ذلك‭ ‬الجهاز‭ ‬الجديد‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الآخرين‭ ‬والتباهي‭ ‬أمامهم،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حاجتك‭ ‬إلى‭ ‬خدمات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لجهازك‭ ‬القديم‭ ‬تقديمها‭ ‬لك؟

فالتقشف‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬شراء‭ ‬أقل،‭ ‬والشراء‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الطائش،‭ ‬وحول‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬التسوق‭ ‬مهمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬محسوبة‭ ‬بدقة،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬هواية‭ ‬للتسلية‭ ‬وإرضاء‭ ‬الذات‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬الشخص،‭ ‬فإن‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬المقتصدة‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مكان‭ ‬مناسب‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭. ‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬وضع‭ ‬الشخص‭ ‬المالي‭ ‬جيدًا،‭ ‬فقد‭ ‬يساعده‭ ‬التقشف‭ ‬على‭ ‬الاستعداد‭ ‬للتقاعد،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬بالكاد‭ ‬يغطي‭ ‬نفقاته‭ ‬ويستدين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬للتقشف‭ ‬أن‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬سداد‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ديونه،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬يكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بمجرد‭ ‬الضروريات،‭ ‬فإن‭ ‬التقشف‭ ‬يعد‭ ‬ضوءًا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬النفق‭. ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬ترينيت‭ ‬هام،‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الدولار‭ ‬البسيط‮»‬‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الاستراتيجية‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬دائمًا،‭ ‬لكن‭ ‬الفائدة‭ ‬تستخدم‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‮»‬‭.‬

 

ثقافة‭ ‬العصر‭ ‬الحديث

وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬حولنا‭ ‬فسنجد‭ ‬أن‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬بدأ‭ ‬يكتشف‭ ‬فوائد‭ ‬التقشف‭ ‬وأهمية‭ ‬اتباعه‭ ‬كمبدأ‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬المعاصرة،‭ ‬فقد‭ ‬كثرت‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬المدونات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬المدخرات‭ ‬المالية،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬معلومات‭ ‬متنوعة‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬اتباع‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬تقشفًا‭ ‬وانتظامًا،‭ ‬وأخرى‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الميزانية‭ ‬المنزلية‭ ‬ورسم‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الفعالة‭ ‬لسداد‭ ‬الديون،‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬وصفات‭ ‬طعام‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬غذائية‭ ‬عالية‭ ‬بتكلفة‭ ‬أقل،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تطلعنا‭ ‬على‭ ‬‮«‬أين‭ ‬يمكننا‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬الخصومات»؟

كما‭ ‬تتميز‭ ‬شبكة‭ ‬Pinterest‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتطبيق‭ ‬‮«‬You‭ ‬Tube‮»‬‭ ‬أيضًا‭ ‬بوجود‭ ‬هؤلاء‭ ‬المدونين‭ ‬الذين‭ ‬ينادون‭ ‬بالتقشف‭. ‬

وهناك‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلــة‭ ‬من‭ ‬الكتــــب‭ ‬مثـــل،‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تنفـــق‭ ‬أقل‭ ‬وتعيش‭ ‬أكثــــر؟‮»‬‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬ميشــــيل‭ ‬ماكغاه،‭ ‬أو‭ ‬كــــتاب‭ ‬‮«‬لن‭ ‬أشتريها‭... ‬عامي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تسوق‮»‬‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬جــــوديث‭ ‬ليفيــــن،‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭ ‬إلى‭ ‬التقشف‭.‬

هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيونية‭ ‬عدة‭ ‬تخبرنا‭ ‬كيف‭ ‬ننفق‭ ‬أقل‭ ‬على‭ ‬الطعام،‭ ‬وكيف‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬وكيف‭ ‬نصنع‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدًا‭ ‬من‭ ‬أشياء‭ ‬قديمة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬رميها‭ ‬في‭ ‬مكبّ‭ ‬النفايات‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وجود‭ ‬قوائم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المشاريع‭ ‬الحرة‭ ‬الذين‭ ‬يكسبون‭ ‬رزقهم‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬الأشياء‭ ‬المستعملة‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬eBay‭ ‬ومواقع‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭.‬

 

العرق‭ ‬الذهبي

قد‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬ذلـــك‭ ‬بدايـــــة‭ ‬استــجــــابة‭ ‬لدعــــوات‭ ‬الحكماء،‭ ‬مــــاضـــيًا‭ ‬وحاضــــرًا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصلحة‭ ‬الأفراد‭ ‬الشخصية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬البيــــئية‭ ‬المحـــدودة‭ ‬وتحسين‭ ‬البصمة‭ ‬الكربونـــية‭ ‬لمساعــــدة‭ ‬كوكــب‭ ‬الأرض،‭ ‬وقــــد‭ ‬يكـــــون‭ ‬أيضًا‭ ‬توق‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬بساطة‭ ‬عاشتها‭ ‬الأجيال‭ ‬من‭ ‬قبلنا،‭ ‬توق‭ ‬لطالمــــا‭ ‬لازم‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬سبقه،‭ ‬إذ‭ ‬منذ‭ ‬ألفين‭ ‬وخمسمئة‭ ‬عام،‭ ‬كتب‭ ‬الشاعر‭ ‬اليوناني‭ ‬هســــــيودوس‭ ‬بشوق‭ ‬عن‭ ‬حقبة‭ ‬البشر‭ ‬الأوائل،‭ ‬الذين‭ ‬سماهم‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬العرق‭ ‬الذهبي‭ ‬للبشر‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬‮«‬متحررين‭ ‬من‭ ‬الكدح‭ ‬والحزن‮»‬،‭ ‬وعبّر‭ ‬لوكيوس‭ ‬سينيكا،‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والمفكر‭ ‬الروماني،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بـ‭ ‬500‭ ‬عام،‭ ‬عن‭ ‬حنين‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬المعماريين‭ ‬والبنّائين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬البشر‭ ‬أن‭ ‬سعادتهم‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الكماليات‭ ‬مثل‭ ‬قطعة‭ ‬خشب‭ ‬البناء‮»‬‭. ‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬أيضًا‭ ‬الإدراك‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬البسيطة‭ ‬هي‭ ‬أضمن‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬ترسل‭ ‬رسائل‭ ‬مربكة‭ ‬حول‭ ‬السعي‭ ‬المتواصل‭ ‬إلى‭ ‬المركز‭ ‬والثروة‭.‬