علامات الصراع على القصيدة في نصف قرن

علامات الصراع على القصيدة  في نصف قرن

على خلاف ما يُظن... ومن الأساس، كانت اللاقاعدة في الشعر العربي هي القاعدة الذهبية للتطور الإبداعي، وهي مسألة مرتبطة بالتكوين الحُر للشاعر القديم والحديث أيضًا، واعتقاده بأنه قادر  أكثر من سواه على التقاط مختلف ذبذبات الوجود والإحاطة بكل معانيه وأسراره، ما يمنحه الحق بأن يكون إمامًا يُؤتمّ به، حتى أن شاعرًا متوسط الحال من شعراء العصر  العباسي، هو أبوالعتاهية، حين سئل عن وزن غير مألوف كتب عليه إحدى قصائده، قال: «أنا أكبر من الأوزان»، وتعلل بأن ما يصله من أصوات، أمر يختص به وحده، ولا يعرفه سواه. 

 

في‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة،‭ ‬حق‭ ‬الشاعر‭ ‬بالتغيير‭ ‬مرتبط‭ ‬بحقه‭ ‬في‭ ‬المبادرة‭ ‬والكسر‭ ‬والخروج‭ ‬على‭ ‬النسق‭. ‬إن‭ ‬عصور‭ ‬الحداثة‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالضرورة‭ ‬بتطور‭ ‬حضاري‭ ‬عربي،‭ ‬لكنها‭ ‬أيضًا‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتطور‭ ‬كوكبي‭.‬

تقول‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬ديوانها‭ ‬‮«‬شظايا‭ ‬ورماد‮»‬‭ (‬1949‭) ‬إنها‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬القطار‮»‬‭ ‬متأثرة‭ ‬بإدغار‭ ‬ألان‭ ‬بو‭. ‬وسبقت‭ ‬نازك‭ - ‬في‭ ‬تصوري‭ - ‬في‭ ‬نظريتها‭ ‬المبكرة‭ ‬حول‭ ‬الشعر‭ ‬الحر،‭ ‬أقطاب‭ ‬مجلة‭ ‬شعر‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬دعوتهم‭ ‬التغييرية‭ ‬الواصلة‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬إطلاق‭ ‬الرصاص‭ ‬على‭ ‬البلاغة‭ ‬العربية‭ ‬السابقة‭ ‬والشعرية‭ ‬العربية‭ ‬بكاملها‭ ‬واللغة‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج‭ - ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ - ‬نقدًا‭ ‬لقصيدة‭ ‬مفترضة‭ ‬مصنّعة‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ ‬شعر‭ ‬لشاعر‭ ‬مفترض‭ ‬سمته‭ ‬المجلة‭ ‬المذكورة‭ ‬د‭. ‬إلياس‭ ‬عوض،‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬صيف‭ ‬خريف‭ ‬1964‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬الهذر‭ ‬التالي‭: ‬

‮«‬أتينا‭ ‬من‭ ‬حضرباز‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬الفراز،‭ ‬وما‭ ‬نحن‭ ‬فيما‭ ‬نحن‭ ‬إلا‭ ‬وذو‭ ‬فقل‭ ‬يشقع‭: ‬

أقذف‭ ‬الهم‭ ‬عن‭ ‬السرد‭ ‬وعلّمه‭ ‬ابتساما‭ ‬

ثم‭ ‬غطّ‭ ‬القدر‭ ‬في‭ ‬التبن‭ ‬ولا‭ ‬تنسَ‭ ‬الحِسانا

إلى‭ ‬ما‭ ‬هنالك‭ ‬من‭ ‬شقع‭ ‬وهذر‭ ‬يتخذ‭ ‬منه‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج‭ ‬مرمى‭ ‬للرصاص‭.. ‬وكأنه‭ ‬صنع‭ ‬رجلًا‭ ‬من‭ ‬قشّ‭ ‬ليشعل‭ ‬فيه‭ ‬النار،‭ ‬ويدّعي‭ ‬بأنه‭ ‬أشعل‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬البلاغة‭ ‬العربية‭ ‬واللغة‭ ‬برمتها‭ ‬بطريقة‭ ‬هوجاء‭. ‬يقول‭ ‬الحاج‭: ‬‮«‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬إلياس‭ ‬عوض‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يؤخذ‭ ‬كالتجديد‭ ‬وإنما‭ ‬كالحق‭. ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬غباوة‭ ‬اللغة‭. ‬كلام‭ ‬لا‭ ‬هو‭ ‬غناء‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬شخير‭ ‬ولا‭ ‬خطابة‭ ‬ولا‭ ‬كلام‭ ‬عادي،‭ ‬إنه‭ ‬بلاهة‭ ‬اللغة‮»‬‭. ‬

أسلوب‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬سيكون‭ ‬مقبولًا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أعمى،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬أيديولوجيا‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قتل‭ ‬سلطان‭ ‬التراث‭ ‬وتجويفه‭ ‬جاء‭ ‬بنص‭ ‬أبله‭ ‬ومصنّع‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬النار،‭ ‬وقال‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬بلاغة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭. ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬لن‮»‬‭ (‬خريف‭ ‬1960‭) ‬‮«‬لابد‭ ‬من‭ ‬بج‭ ‬سد‭ ‬الألف‭ ‬عام‭ ‬والهدم‭ ‬والهدم‭ ‬والهدم،‭ ‬وإثارة‭ ‬الفضيحة‭ ‬والغضب‭ ‬والحقد‮»‬‭. ‬

 

التسوية‭ ‬بين‭ ‬رقاب‭ ‬المتعارضات‭ ‬

بالطبع‭ ‬إن‭ ‬الزمن‭ ‬والتجربة‭ ‬الشعرية‭ ‬الحديثة‭ ‬الخصبة‭ ‬والمتنوعة‭ ‬‮«‬سوّت‭ ‬بين‭ ‬رقاب‭ ‬المتعارضات‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬عبدالقاهر‭ ‬الجرجاني‭ ‬في‭ ‬تعريفه‭ ‬للشعر‭. ‬ولعل‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج‭ ‬وجد‭ ‬ضالته‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬التي‭ ‬رأى‭ ‬فيها‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬دفعة‭ ‬فوضوية‭ ‬هدامة‭ ‬وقوة‭ ‬تنظيم‭ ‬هندسي‭. ‬فيها‭ ‬التخريب‭ ‬الواجب‭. ‬لأن‭ ‬التخريب‭ ‬حيوي‭ ‬ومقدس‭. ‬فيزيقية‭ ‬وميتافيزيقية‭ ‬معًا‭. ‬ذات‭ ‬قانون‭ ‬حر‭. ‬عمل‭ ‬شاعر‭ ‬ملعون‭. ‬بنت‭ ‬عائلة‭ ‬من‭ ‬المرضى‭. ‬خليقة‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭. ‬حليفته‭ ‬ومصيره‮»‬‭. (‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬الجارف‭ ‬لأنسي‭ ‬الحاج،‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬47‭ ‬خريفًا‭ ‬عليه‭. ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬نوفمبر‭ ‬2013،‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬2143‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ ‬الأخبار،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خواتم‭ ‬3،‭ ‬مقالة‭ ‬حول‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬النازلون‭ ‬على‭ ‬الريح‮»‬‭ (‬محمد‭ ‬علي‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭) ‬يقول‭ ‬فيه،‭ ‬متحملًا‭ ‬شجاعة‭ ‬الاعتراف‭ ‬والنقد‭ ‬الذاتي‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬الاعتذار‭ ‬عما‭ ‬اقترفته‭ ‬من‭ ‬تنظيرات‭ ‬اعتباطية‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬إلا‭ ‬التواضع‭. ‬وما‭ ‬جاء‭ ‬استنادنا‭ ‬أنا‭ ‬وأدونيس‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬سوزان‭ ‬برنار‭ ‬عن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬إلا‭ ‬إغراقًا‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬أخطاء،‭ ‬ومهما‭ ‬أقسمت‭ ‬ألا‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬ذرّ‭ ‬نظريات‭ ‬داومت‭ ‬على‭ ‬ذرّها‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬مرتكبًا‭ ‬أخطاءً‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التبرير‭... ‬ونحن‭ ‬معشر‭ ‬ديوك‭ ‬الحداثة‭ ‬أجهز‭ ‬أولادنا‭ ‬على‭ ‬البقية،‭ ‬بعدما‭ ‬فتحنا‭ ‬صندوق‭ ‬‮«‬باندورا‮»‬،‭ ‬واندلقت‭ ‬منه‭ ‬أفاعي‭ ‬الكاوتشوك‭ ‬وعقارب‭ ‬القش‭. ‬أعرنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬لنكون‭ ‬جنود‭ ‬الهدم‭ ‬وبيادق‭ ‬القدر‭. ‬أطعنا‭ ‬إشارات‭ ‬المرور‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ممنوعًا،‭ ‬وانتزعنا‭ ‬السدود‭ ‬وانتشينا‭ ‬بما‭ ‬تراءى‭ ‬لنا‭ ‬انتصارًا‮»‬‭. ‬

والحقيقة‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬وقع‭ ‬عليها‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج،‭ ‬وكتبها‭ ‬قبل‭ ‬رحيله‭ ‬بأشهر،‭ ‬هي‭ ‬التالية‭: ‬‮«‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬أصواته‭ ‬وجميع‭ ‬ما‭ ‬يرتئي،‭ ‬وما‭ ‬الرداء‭ ‬سوى‭ ‬حيلة‮»‬‭. ‬

 

مَنْ‭ ‬نحن؟‭ ‬سؤال‭ ‬الهوية‭ ‬

دائمًا‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬الخاص‭ ‬للشاعر‭. ‬أكبر‭ ‬مجال‭ ‬لصراع‭ ‬الهوية‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭. ‬إن‭ ‬جماعة‭ ‬مجلة‭ ‬شعر‭ ‬كانوا‭ ‬مسبوقين‭ ‬بنازك‭ ‬الملائكة‭. ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬باكرًا‭ ‬الجملة‭ ‬التالية،‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬ديوانها‭ ‬‮«‬شظايا‭ ‬ورماد‮»‬‭: ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬القديمة‭ ‬شيء،‭ ‬فالأوزان‭ ‬والقوافي‭ ‬والأساليب‭ ‬والمذاهب‭ ‬ستتزعزع‭ ‬قواعدها‭ ‬جميعًا،‭ ‬‮«‬ولكنها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أطلقت‭ ‬حصانها‭ ‬الجامح،‭ ‬جلست‭ ‬بعيدًا‭ ‬خائفة‭ ‬ونادمة،‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تسترده،‭ ‬لكنه‭ ‬مضى‭ ‬في‭ ‬جموحه‮»‬‭.‬

فقد‭ ‬ظهر،‭ ‬بعد‭ ‬نازك‭ ‬وجماعة‭ ‬مجلة‭ ‬شعر‭ ‬وكوكبة‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬مجلة‭ ‬الآداب،‭ ‬الصراع‭ ‬الأسلوبي‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬سائرًا‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬متنافرة،‭ ‬ولكنه‭ ‬يميل‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬المصالحات‭ ‬وقبول‭ ‬التنوع،‭ ‬إن‭ ‬جماعة‭ ‬شعر‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬يريدون‭ ‬السلطة‭ ‬بهدوء،‭ ‬بل‭ ‬بفتنة‭ ‬وشغب‭ ‬وضربات‭ ‬دونكيشوتية‭.‬

إن‭ ‬القصيدة‭ ‬تحاور‭ ‬ذاتها‭ ‬وتحاور‭ ‬غيرها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الزمان،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬مفتوح‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬وحق‭ ‬التجريب‭ ‬والتوليد‭ ‬والرفض‭ ‬والقبول‭. ‬ومن‭ ‬أسباب‭ ‬انفجار‭ ‬أي‭ ‬بنية‭ ‬إيقاعية‭ ‬الملل‭ ‬والـرتابة،‭ ‬وما‭ ‬يحصل‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الشعر‭ ‬الحر‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬الإيقاعية‭ ‬السابقة‭ ‬وعلى‭ ‬الانتظام‭ ‬العام‭ ‬للشعر،‭ ‬فإننا‭ ‬نقول‭: ‬لمَ‭ ‬لا؟‭ ‬

وُصمت‭ ‬القصيدة‭ ‬الجديدة‭ ‬بالمارقة‭ ‬والملعونة‭ ‬والفضيحة،‭ ‬وأنها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الفتنة‭ ‬ومحض‭ ‬تخريب‭. ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالمعطي‭ ‬حجازي‭ ‬مقالات‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬الشعرية‭ ‬بعنوان‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬أو‭ ‬القصيدة‭ ‬الخرساء‭ (‬كتاب‭ ‬مجلة‭ ‬دبي‭ ‬الثقافية‭ - ‬نوفمبر‭ ‬2008‭)‬،‭ ‬وفيه‭ ‬ينتهي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬كتابة‭ ‬خرساء‭ ‬مجهولة‭ ‬فجّة‭ ‬متلعثمة‭ ‬تتغذى‭ ‬من‭ ‬ضرعين‭ ‬مسمومين؛‭ ‬انهيار‭ ‬اللغة‭ ‬وتراجع‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء،‭ ‬ويشبهها‭ ‬بالأميبا‭ ‬الشعرية‭ ‬نص‭ ‬من‭ ‬خلية‭ ‬واحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنها‭ ‬بلا‭ ‬إيقاع،‭ ‬فكأنها‭ ‬لعبة‭ ‬تنس‭ ‬بلا‭ ‬شبكة،‭ ‬بتعبير‭ ‬الشاعر‭ ‬الأمريكي‭ ‬روبرت‭ ‬فروست‭. ‬صحيح،‭ ‬هي‭ ‬خروج‭ ‬على‭ ‬القانون‭. ‬لكن‭ ‬الخارجين‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬ليسوا‭ ‬دائمًا‭ ‬نوارًا‭... ‬ربما‭ ‬كانوا‭ ‬قطّاع‭ ‬طرق‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬أيديولوجيًا‭ ‬على‭ ‬القصيدة،‭ ‬بين‭ ‬تطرّفين‭ (‬الحاج‭ ‬وحجازي‭) ‬يقف‭ ‬د‭. ‬إحسان‭ ‬عباس‭ ‬ليقول‭: ‬‮«‬قد‭ ‬يأتيك‭ ‬ملل‭ ‬من‭ ‬الإيقاع‭ ‬المنتظم،‭ ‬والملل‭ ‬عامل‭ ‬مهم‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬المدارس‭ ‬الأدبية‮»‬‭ (‬. ‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬عكس‭ ‬التيار،‭ ‬نسبه‭ ‬عباس‭ ‬بيضون‭ ‬إلى‭ ‬وضاح‭ ‬شرارة‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الآن‭... ‬مسائل‭ ‬وملاحظات‮»‬‭ (‬منشور‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أعداد‭ ‬‮«‬فنون‮»‬‭ ‬الكويتية‭) ‬يقول‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬القصيدة‭ ‬الحديثة‭ ‬كلها‭ ‬أكذوبة‮»‬،‭ ‬فهل‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬الالتباس‭ ‬واللايقين‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد؟‭ ‬

الانتباه‭ ‬للنصوص‭ ‬الحديثة

من‭ ‬دون‭ ‬مصادرة‭ ‬التاريخ‭ ‬بالأيديولوجيا‭ ‬والنص‭ ‬بالنظرية،‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬النظر‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الإشكالية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقصيدة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬بكل‭ ‬أساليبها،‭ ‬وأن‭ ‬ننتبه‭ ‬كل‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية‭ ‬ذاتها‭. ‬باعتبار‭ ‬النظرية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالنص‭ ‬الإبداعي‭ ‬ارتباطًا‭ ‬رحميًّا‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬طموح‭ ‬رؤيوي‭ ‬ومستقبلي‭. ‬فمن‭ ‬المفروغ‭ ‬منه،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬أفلاطون‭ ‬في‭ ‬الجمهورية،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬كلما‭ ‬تتغير‭ ‬المدينة‭ ‬تتغير‭ ‬الموسيقى‮»‬،‭ ‬نضيف‭ ‬إليه‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬مهندس‭ ‬الحداثة‭ ‬المعمارية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬لوكور‭ ‬بوسييه‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬l،urbanime‭ ‬‮«‬كلما‭ ‬تغيرت‭ ‬الحداثة‭ ‬تغيرت‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات‮»‬‭. 

وإذا‭ ‬كان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الإيقاع‭ ‬أساسيًّا‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬فإن‭ ‬المبالغة‭ ‬فيه‭ ‬قد‭ ‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الهجاء‭ ‬الساخر‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬الجاحظ‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الحيوان،‭ ‬حول‭ ‬علم‭ ‬العروض‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬علم‭ ‬مولّد‭ ‬وأدب‭ ‬مستبرد‭ ‬يستكد‭ ‬العقل‭ ‬بمستفعل‭ ‬ومفعول،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬فائدة‭ ‬ولا‭ ‬محصول‮»‬‭ ‬