الحدس الطبي
في عام 1987 ساهم كل من الدكتورة كارولين ميس- المعروفة بقدرتها على قراءة بيانات طاقة المرضى وتفسيرها - وجراح الأعصاب، المتدرب السابق في «هارفرد»، نورمان شيلي، بنشر مصطلح الحدس الطبي Medical intuition، وقاما بإعداد برنامج لمنح درجة الدكتوراه بجامعة هولوس الأمريكية لتأهيل باحثين في موضوعات ذات علاقة بطب الطاقة والطب البديل، إلى جانب تأليف عدد من الكتب وإجراء بحوث حول ممارسات التشخيص. ولمواجهة الممارسين غير المؤهلين، قرر شيلي وضع معايير لمنح مصداقية للمصطلح. وقام في عام 2000، بالتعاون مع ميس، بتأسيس المجلس الأمريكي للحدس الطبي العلمي ABSMI، الذي يعد الوحيد من نوعه في مجال الرعاية الصحية البديلة، ومن مهماته إجراء الامتحانات ومنح الشهادات لمن يريد امتهان هذا النوع من المهن. وترى ميس أن الاعتراف بالحدس الطبي الحدسي كعلم في إطار نموذج علاج الطاقة الجديد بات ضرورة، وإن كان الأمر يحتاج إلى سنوات إضافية من البحث الجاد لنضج هذا المجال وارتقائه ليقف في مصاف العلوم الأخرى.
تشير ميس - في عديد من كتبها الأكثر مبيعًا، ومحاضراتها المنشورة على اليوتيوب
إلى أن الحدس ليس موهبة باطنية قاصرة على أشخاص دون سواهم؛ ولا هو وسيلة لحماية الذات والسيطرة على الأحداث والعلاقات في المستقبل من أجل مكاسب مادية؛ ولكنه قدرة نمتلكها جميعًا. وتكمن الفروق بين الناس بهذا الجانب في كيفية الاستجابة لما يخبرنا به الحدس؛ فمن لا يثق بنفسه ولا يصدقها، من الوارد أن يتجاهل ما يمليه عليه حدسه، مثلًا، أو يعجز عن مساعدة الآخرين، رغم إحساسه بضرورة ذلك، لأنه يفتقد الشعور بالأمان ويرى الآخر منافساً له.
في الأحوال الطبيعية، يقرأ حدسنا بصور آلية معلومات طاقات من حولنا؛ وأثناء تواصلنا المستمر مع محيطنا، يرسل مجال طاقتنا المحيط بالجسد رسائل، ونستقبل بدورنا رسائل أخرى تكون بمنزلة الانطباعات التي نكونها حدسًا. ويستطيع الحدس التعرف على لغة الطاقة ويقوم بتفسيرها وترجمتها عبر مراكز طاقة تلعب دور محطة الاستقبال والإرسال التي تنبهنا بشعور أو غريزة باطنية إلى أن شيئا ما جيد أو ليس على ما يرام وبحاجة إلى فعل شيء حتى يعود التوازن من جديد.
ويرى المتخصصون في هذا الميدان أن مجال طاقتنا نتاج خبراتنا الباطنية والظاهرية الإيجابية منها والسلبية؛ وعلى هذا يتم تتبع مراكز الطاقة المعتلة، وتدرس علاقاتها بأعضاء الجسم وبقضايا مختلفة، على أمل تحقق الشفاء بحل القضايا العالقة.
وتتعلق مراكز الطاقة بسبع مراحل كلاسيكية للترقي على طريق التمكن من فهم أنفسنا بصورة أكبر وأعمق. ولكل ثقافة من الثقافات تقاليدها الخاصة المتعلقة بنضج البشر ومقدرتهم على إدارة قواهم الشخصية. ويعد كل منا بطلًا في حياته وفي مواجهة تحديات يمكن أن يتعلم منها دروسًا قيمة. ومن خلاصات هذه الدروس نتطور وتشتد سواعدنا وتكون المشكلات والضغوط فرصًا للتعلم والاستبصار. أما أول الدروس التي نتلقاها في حياتنا، فهي العيش في إطار الأسرة والعائلة والتوافق مع قوانينها؛ وفي وقت لاحق من البلوغ نتعلم العيش في المجتمع الأكبر، ثم يأتي وقت نختار فيه بين طريقين: إما التمرد على التقاليد، وإما الانسجام معها؛ ثم نتلقى دروس اكتساب مهارات وإتقان مهنة تمكننا من كسب الرزق، ثم نكون أسرًا جديدة، ومع تقدم العمر نتحمل مزيدًا من المسؤولية، ونتعلم التعاطف مع الآخرين، ونكتسب حكمة، ويتعمق فهمنا ووعينا.
خريطة مراكز الطاقة
يتبع قارئ بيانات الطاقة خريطة تتكون من آلاف المراكز الثانوية إلى جانب المراكز السبعة الأساسية التالية التي تبين رحلة التطور صعودًا من الأسفل إلى الأعلى، وتؤكد أن تعزيزنا لقوانا الباطنية بمنزلة التحرر من سطوة العالم المادي على أجسادنا وأرواحنا:
1 - مركز طاقة الجذر - القبيلة أو العشيرة - الموجود في قاعدة العمود الفقري ويمثل قضايا الانتماء والأمن وتمكن الطاقة في هذا الموقع من التواصل مع الأرض ومع الطبيعة والواقع المادي، ومن المشكلات الصحية المرتبطة بهذا المركز ما يتعلق بالعظام والمفاصل والدم وجهاز المناعة.
2 - مركز طاقة العلاقات في أسفل السرة ويمثل قضايا اللوم، والشعور بالذنب، والمال، والتناسل، والسيطرة، والإبداع، وغير ذلك. ومن مشكلاته الصحية آلام في أسفل الظهر والحوض والمثانة، ومشكلات في الخصوبة.
3 - مركز الطاقة الشخصية الموجودة عند السرة ويرتبط بقضايا كالخوف وتقدير الذات والثقة بالنفس، وتحمل المسؤولية. ومن متاعب هذا المركز ما يتصل بالهضم والوزن والكلى والإدمان.
4 - مركز الطاقة العاطفية في القلب الذي يتعلق بقضايا الحب، والكره، والشعور بالغضب، والتمركز حول الذات، والتسامح، والتعاطف، والأمل والثقة. ومن اعتلالات الصحة ما له علاقة بالقلب والصدر والرئة.
5 - مركز طاقة الإرادة الموجود في الحنجرة، والمرتبط بأمور كالتواصل، والاختيار، وقوة الإرادة، وتحقيق الأحلام، وإصدار الأحكام، والمعرفة. وبعض مشكلاته الصحية، اضطرابات الغدة الدرقية والرقبة والفك والفم والأسنان.
6 - مركز طاقة العقل، الواقع في الناصية (الجبهة) ويعرف بالعين الثالثة، ويتعلق بقضايا كالحق والقدرات الفكرية، والانفتاح على أفكار الآخرين، والقدرة على التعلم من الخبرات، والذكاء العاطفي. ومن مشكلاته الصحية اضطرابات الدماغ والأذن والعين، وسوى ذلك.
7 - مركز الطاقة الروحية الموجود في قمة الرأس، بموقع التاج، ويتصل بالقيم والأخلاق والشجاعة والإيثار، والقدرة على رؤية الصورة الكبرى والارتباط بالكون، وقضايا التقدم بالعمر، والإيمان والإلهام. ومن مشكلاته الاضطرابات الوراثية والأمراض المهددة للحياة.
ووفقًا لدراسة للطبيب دانيال بينور، يستطيع قارئ بيانات الطاقة استنباط انطباعات حول حالة الجسد، والعواطف، والعقل، والعلاقات. وتتراوح طرق التقييم بين تقارير قصصية تشرح المشكلات، يمكن أن تنفذ عن بعد، وطريقة إيجاد مراكز الطاقة الصحيحة للمعالجة. كما تناول بعض المعالجين المعرفة الباطنية ونظام الدليل الحدسي الذي يقود لوضع اليد بصورة آلية على موطن العلة، حيث يمكن الشعور بمجال الطاقة الحيوية وتتبعه بالإحساس أو من خلال لون معين يظهر في مجال الطاقة يراه المدربون بسهولة؛ وربما يشعر قارئ بيانات الطاقة وهو يمر بيديه على جسم المريض بنوع من الحرارة أو البرودة، أو اللزوجة، كما يمكن أن يتفاعل كل من مجال طاقة قارئ البيانات ومجال طاقة المريض، ويؤدي ذلك لتحسن الجسد العليل.
عقبات ومعوقات
من العقبات التي يواجهها هذا العلم الناشئ من وجهة نظر ميس، الفرق الكبير بين العالم المادي المنطقي للطب الشائع والجوهر الفلسفي والعالم الباطني غير المرئي لطب الطاقة؛ ففي الطب التقليدي ينتج البحث المتكرر بيانات يعتمد عليها وتشكل لبنات بناء العلم والمعلومات التي يمكن تطبيقها على مشكلة مشابهة تتطلب الحل. أما معلومات الطاقة، فتعد نوعًا مختلفًا تمامًا من البيانات؛ فهي بيانات لا تصمد مع الوقت، كأن يصاب شخص بالضيق في الـ«هنا» والآن»، بينما ليس بالأمس وربما ليس غدًا. وهذا لا يعني أن هذه البيانات غير مفيدة، لكنها غير صالحة إلا للـ«هنا» والآن من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يمكن قياسها. كما يصعب تفسير طاقة الإنسان المغلقة اليوم، والمتدفقة غدًا بمعلومات ملموسة. وإذا تحدث الناس عن تأثير الاتجاهات والمعتقدات، لا ندري أي اتجاه، وأي معتقد، على وجه التحديد هو المؤثر. وأي منها المتسبب في التوتر، وأي تفكير سلبي ذلك الذي تسبب في الأزمة.
وتوجد تحديات أخرى كقصور المصطلحات اللازمة لتطور هذا العلم، والتي يمكن أن تفسر تشريح الطاقة بما يعتريها من تعقيد وغموض، وتحدي وجود طريقة للقياس والربط بين قضايا مركز الطاقة الأول والمخاوف اليومية، على سبيل المثال؛ أو تأثير الخرافات على نضج الإنسان العاطفي لمعرفة أثرها في قدرة الإنسان على تكوين علاقات حميمية، وسوى ذلك مما لا يعرفه الطب التقليدي. فالطاقة تلعب دورًا في نوعية العلاقات، وتقدير الذات، والنفوذ الاجتماعي، والخوف من الرفض، والوضع المالي الشخصي، والحاجة للاعتراف، والخوف المزمن من الإذلال وقائمة بنود بلا نهاية؛ جميعها مرتبط على نحو ما بالصحة المرتبطة بالقوة؛ فقليل الحيلة، كمثال، ليس بإمكانه اتباع برنامج صحي؛ ولا يمكن قياس شعور المرء بالقوة في المختبر بالطبع، ولكن يمكن للممارس القدير للحدس الطبي أن يقيمها.
ومن العقبات أيضًا ما يتعلق بذاتية النتائج واعتمادها على مدى نضج الممارس واتجاهاته ومعتقداته الشخصية، ومستوى الانضباط الباطني التي تلعب جميعها دورًا حاسمًا في أدائه. كما يعد أمر توقع بعض المرضى حلاً لجميع المشكلات، وقراءة المستقبل، مشكلة أخرى. فالممارس للحدس الطبي ليس قارئا للحظ أو كاشفًا عن المستقبل، وليس مشخصًا للمرض ولا معالجًا، لكنه قادر على تفسير بيانات طاقة الحالة التي أمامه، ومعرفة علاقتها بالأمراض والأزمات الصحية. أي يمكن أن يعرف كيف، ولماذا يفقد الإنسان طاقته، ولهذا عادة ما يعمل ضمن فريق طبي متكامل .