مشكلاتها وآفاقها المستقبلية هجرة النُّخب العربية المتزايدة

مشكلاتها وآفاقها المستقبلية  هجرة النُّخب العربية المتزايدة

تشير بعض الإحصائيات الرصينة إلى وجود عدد كبير من النخب الثقافية والعلمية والمهنية العربية المنتشرة في كثير من دول العالم. وبفضل الكفاءة العالية التي تتمتع بها تلك النخب تم احتضانها في مؤسسات علمية وجامعات ذات شهرة عالمية، فبرز منهم علماء كبار لديهم حضور فاعل في مراكز عملهم، ومنهم من شارك في الحياة السياسية ووصل إلى مراكز متقدمة في السلطة. 

 

وذلك‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬حول‭ ‬الأسباب‭ ‬العميقة‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المتنامية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬نزيفًا‭ ‬حادًا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬وتهدد‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬بفقدان‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬والصمود‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الشرسة‭ ‬للعولمة‭ ‬التسلطية،‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬فالدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬متطورة‭ ‬جدًا،‭ ‬وبخاصة‭ ‬العسكرية‭ ‬منها،‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬الإفقار‭ ‬المالي‭ ‬والثقافي‭ ‬في‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬التي‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬النخب‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الطاقات‭ ‬البشرية‭ ‬والموارد‭ ‬المادية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬ثقافة‭ ‬العولمة‭ ‬الاستهلاكية‭. ‬

ليس‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬هدر‭ ‬الإمكانات‭ ‬البشرية‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬العربية‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬أزمة‭ ‬الهجرة‭ ‬العربية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬باتجاه‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬فقد‭ ‬فشلت‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬علمية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬للمعضلات‭ ‬الاقتصادية‭  ‬والاجتماعية‭ ‬العربية‭. ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬عرضة‭ ‬للتفجير‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬عبر‭ ‬عصبيات‭ ‬طائفية‭ ‬وقبلية‭ ‬وقوى‭ ‬عسكرية‭ ‬تقلص‭ ‬دور‭ ‬التنمية‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬الدنيا،‭ ‬فأرهق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العربي‭ ‬بالقروض‭ ‬الخارجية‭ ‬المستدامة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬دولية‭ ‬بفوائد‭ ‬فاحشة،‭ ‬وانفتح‭ ‬طريق‭ ‬الهجرة‭ ‬أمام‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬على‭ ‬مصراعيه،‭ ‬وباتت‭ ‬الطاقات‭ ‬العربية‭ ‬الشابة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬المتميزة‭ ‬منها،‭ ‬تعاني‭ ‬النزوح‭ ‬الكثيف‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬مع‭ ‬رغبة‭ ‬أكيدة‭ ‬بعدم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬تشكل‭ ‬سياستها‭ ‬عنصر‭ ‬طرد‭ ‬مبرمج‭ ‬لما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬طاقات‭ ‬بشرية‭ ‬إبداعية،‭ ‬وموارد‭ ‬طبيعية‭ ‬غنية‭ ‬جدًا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬التوظيف‭ ‬المالي‭ ‬الكافي‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وعدم‭ ‬توطين‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بهدف‭ ‬الإبداع‭ ‬فيها‭ ‬أبقى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬أزماتها‭ ‬المستعصية،‭ ‬فحرمت‭ ‬إدارتها‭ ‬من‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬العرب‭ ‬الشباب‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬العصرية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬وأجبرتهم‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬طريق‭ ‬الهجرة‭ ‬للاستقرار‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭. ‬

من‭ ‬نافل‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التوظيف‭ ‬الجيد‭ ‬والمقرون‭ ‬بالإدارة‭ ‬العصرية‭ ‬ذات‭ ‬الكفاءة‭ ‬العلمية‭ ‬الممتازة‭ ‬هما‭ ‬المدخل‭ ‬الأفضل‭ ‬لبناء‭ ‬مشروع‭ ‬نهضوي‭ ‬عربي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬وتقديم‭ ‬حلول‭ ‬عملية‭ ‬لها‭. ‬وقد‭ ‬دعا‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المتنورين‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬رسم‭ ‬استراتيجية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬لإيجاد‭ ‬مصادر‭ ‬تمويل‭ ‬دائم‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وحل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬المستعصية‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬واسعًا‭ ‬لهجرة‭ ‬آلاف‭ ‬الباحثين‭ ‬سنويًا،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الأدمغة‭ ‬العربية‭.  ‬وتبدو‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬اليوم‭ ‬عاجزة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬مرحلة‭ ‬الحداثة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬المجتمعات‭ ‬الصناعية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة،‭ ‬وهي‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬النخب‭ ‬العربية،‭ ‬واستعادة‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وإنشاء‭ ‬مراكز‭ ‬متطورة‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وتوطين‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتشجيع‭ ‬متواصل‭ ‬للعلوم‭ ‬العصرية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. 

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هاجس‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬شكل‭ ‬عنصر‭ ‬جذب‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب،‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬مناخ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السياسية‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬التحديث‭ ‬والأعمال‭ ‬الإصلاحية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬جذبت‭ ‬إليها‭ ‬نخبًا‭ ‬ثقافية‭ ‬متميزة‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الكفاءة‭ ‬العلمية‭ ‬العالية،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يتقن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬حية‭. ‬وتدل‭ ‬بعض‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الموثوقة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬منهم‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬والمهن‭ ‬الحرة،‭ ‬والصحافة،‭ ‬والطباعة،‭ ‬والمختبرات‭ ‬العلمية‭. ‬والترجمة،‭ ‬والأدب،‭ ‬والموسيقى،‭ ‬والمسرح،‭ ‬والفنون،‭ ‬وغيرها‭. ‬وأقاموا‭ ‬صلات‭ ‬وثيقة‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬هاجروا‭ ‬إليها،‭ ‬ونالوا‭ ‬جوائز‭ ‬عالمية‭ ‬متميزة‭.‬

استمرت‭ ‬هجرة‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬واتسعت‭ ‬دائرتها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬وأصبحت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الهجرات‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭. ‬ولعل‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬العوامل‭ ‬الدافعة‭ ‬للشباب‭ ‬العربي‭ ‬المثقف‭ ‬للهجرة‭ ‬نحو‭ ‬الخارج‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬انعدام‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الداخل‭  ‬بسبب‭ ‬الحجم‭ ‬المرتفع‭ ‬جدا‭ ‬للدين‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬رافقه‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬البطالة،‭ ‬والكساد‭ ‬التجاري،‭ ‬والفساد‭ ‬السياسي‭ ‬والإداري،‭ ‬والصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬والقبلية،‭ ‬والأفق‭ ‬المسدود‭ ‬للصراع‭ ‬العربي‭ ‬ــ‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬ازداد‭ ‬عنفًا‭  ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

 

هجرة‭ ‬طوعية

تراجع‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬والمعاهد‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬العولمة‭ ‬والتطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬العاصف‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الأجنبية‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والتي‭ ‬مازال‭ ‬خريجوها‭ ‬يجدون‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬بأجور‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وخارجها‭. ‬

يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ليست‭ ‬قلقة‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهجرة‭ ‬الثقافية،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تشجعها‭ ‬بشكل‭ ‬ضمني،‭ ‬فهي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬إعالة‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تتلقى‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬المهاجرة‭ ‬أموالًا‭ ‬سنوية‭ ‬تقدر‭ ‬بمليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتساعدها‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الشباب‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬ولم‭ ‬تنفذ‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تدابير‭ ‬ملموسة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬الأدمغة‭ ‬والنخب‭ ‬الثقافية‭ ‬والمهنية‭ ‬المتميزة،‭ ‬وليست‭ ‬لديها‭ ‬سياسة‭ ‬ثقافية‭ ‬واضحة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬المهاجرة‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬استقروا‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬تخطط‭ ‬لتشكيل‭ ‬مراكز‭ ‬قوى‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاغتراب‭. ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تهتم‭ ‬كثيرًا‭ ‬بهذه‭ ‬المسألة‭ ‬أو‭ ‬تضعها‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬أولوياتها‭. ‬لذا‭ ‬باتت‭ ‬هجرة‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬كغيرهم‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬منها‭ ‬طوعية‭ ‬وليست‭ ‬قسرية،‭ ‬وهي‭ ‬تطول‭ ‬الآن‭ ‬الشرائح‭ ‬الأكثر‭ ‬ثقافة‭ ‬وخبرة‭ ‬إدارية‭ ‬ومالية‭ ‬وتقنية‭. ‬

من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬ظاهرة‭ ‬هجرة‭ ‬الكفاءات،‭ ‬والأدمغة،‭ ‬ومن‭ ‬فئة‭ ‬العمال‭ ‬العرب‭ ‬المتخصصين،‭ ‬وتتجه‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬مراكز‭ ‬الجذب‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تقتصر‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغنية‭ ‬التي‭ ‬لاتزال‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬لنسبة‭ ‬معينة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الكفاءة‭ ‬العلمية،‭ ‬والخبرات‭ ‬المهنية‭. ‬ولعل‭ ‬أخطر‭ ‬النتائج‭ ‬السلبية‭ ‬لظاهرة‭ ‬هجرة‭ ‬الشباب‭ ‬والعمال‭ ‬المهرة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬اتساعها‭ ‬أصبح‭ ‬مقرونًا‭ ‬بظهور‭ ‬فتور‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي‭ ‬لدى‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الصراع‭ ‬الحاد‭ ‬والتنافس‭ ‬العلمي‭ ‬والتجاري‭ ‬بين‭ ‬الوحدات‭ ‬الجغراسية‭ ‬العملاقة‭ ‬كالاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬والوحدة‭ ‬الآسيوية،‭ ‬والوحدة‭ ‬الإفريقية‭ ‬وغيرها‭. ‬وبات‭ ‬الشاب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬دولته‭ ‬مهمشة‭ ‬جدًا،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬عرضة‭ ‬للإلحاق‭ ‬القسري‭ ‬بالنظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يعاد‭ ‬تشكيله‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الكوني‭.‬

 

أسباب‭ ‬سياسية

تعتبر‭ ‬السلطات‭ ‬السياسية‭ ‬غير‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬عامل‭ ‬دفع‭ ‬لهجرة‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬وأصحاب‭ ‬المهن‭ ‬الحرة‭ ‬من‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬مواقف‭ ‬مضيئة‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬تصدوا‭ ‬بجرأة‭ ‬لسياسة‭ ‬قمع‭ ‬الحريات‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭. ‬

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬الحر‭ ‬ثمنًا‭ ‬غاليًا‭ ‬في‭ ‬تصديه‭ ‬لقوى‭ ‬القمع‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬ولدينا‭ ‬اليوم‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬وسكنوا‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إنتاجهم‭ ‬الثقافي‭ ‬بقي‭ ‬فاعلًا‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬تثقيف‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬الجامعيين‭ ‬العرب‭. ‬ومازالت‭ ‬أبحاثهم‭ ‬تصنف‭ ‬بين‭ ‬قلة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬أرقى‭ ‬الأبحاث‭ ‬الغربية،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المثقف‭ ‬الرمز‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬قضايا‭ ‬وطنه‭ ‬في‭ ‬المهجر،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المثقف‭ ‬المقيم‭ ‬الذي‭ ‬يعلم‭ ‬أجيالاً‭ ‬متعاقبة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬وفق‭ ‬المناهج‭ ‬التربوية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬العربية،‭ ‬الرسمية‭ ‬منها‭ ‬والخاصة،‭ ‬تبدو‭ ‬اليوم‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تعليم‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الشباب‭ ‬وتزويدهم‭ ‬بالكفاءة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬لهم‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬داخل‭ ‬أوطانهم،‭ ‬وتحد‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أنشئت‭ ‬مئات‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يدرج‭ ‬اسم‭ ‬أي‭ ‬منها‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬الخمسمائة‭ ‬الأولى‭ ‬المصنفة‭ ‬عالميًا‭ ‬استمر‭ ‬بعضها‭ ‬يعمل‭ ‬الآن‭ ‬بصعوبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬أغلقت‭ ‬أبوابها‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الإغلاق‭ ‬لنقص‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬أو‭ ‬لأسباب‭ ‬علمية‭. ‬وقد‭ ‬أفضى‭ ‬غياب‭ ‬دور‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬ترعى‭ ‬شؤون‭ ‬أبناء‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬إلى‭ ‬مشكلات‭ ‬حادة‭ ‬لدى‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬المهجر‭. ‬وإلى‭ ‬غياب‭ ‬حضور‭ ‬العرب‭ ‬الثقافي‭ ‬والإبداعي‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الاغتراب‭. ‬

 

دور‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية

وهنا‭ ‬بالضبط‭ ‬يكمن‭ ‬الدور‭ ‬المميز‭ ‬للنخب‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬بصفتها‭ ‬صلة‭ ‬وصل‭ ‬للتفاعل‭ ‬الثقافي‭ ‬الحر‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومساعدة‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الاغتراب‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬التعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬الجديدة‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬القضايا‭ ‬العربية‭ ‬العادلة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬بات‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والوطني‭ ‬والثقافي‭ ‬هاجس‭ ‬أوربا‭ ‬الموحدة،‭ ‬فالوحدة‭ ‬الداخلية‭ ‬هي‭ ‬الركيزة‭ ‬الصلبة‭ ‬التي‭ ‬يبنى‭ ‬عليها‭ ‬مستقبل‭ ‬الشعوب‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتحاد‭ ‬مركزي،‭ ‬لكن‭ ‬التضامن‭ ‬الداخلي‭ ‬اليوم‭ ‬يتآكل‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬ويقف‭ ‬حاجزا‭ ‬أمام‭ ‬قيام‭ ‬وحدة‭ ‬أوربية‭ ‬كبرى‭ ‬جامعة‭ ‬للأوربيين‭ ‬سياسيًا‭ ‬وعسكريًا‭ ‬واقتصاديًا‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬غرقت‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬صدامات‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬متوقعة‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يصاب‭ ‬بموجة‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬الحادة‭ ‬بسبب‭ ‬قربها‭ ‬من‭ ‬أوربا،‭ ‬والتداخل‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬المشكلات‭ ‬الأوربية‭ ‬والعربية،‭ ‬ووجود‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭. ‬ويتحمل‭ ‬قادة‭ ‬الغرب،‭ ‬بجناحيه‭ ‬الأوربي‭ ‬والأمريكي،‭ ‬مسؤولية‭ ‬مباشرة‭ ‬للاختلال‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭.‬

‭ ‬فقد‭ ‬شارك‭ ‬بعض‭ ‬قادته‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ووقف‭ ‬بعضهم‭ ‬موقف‭ ‬المتفرج‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬التيارات‭ ‬العنصرية‭ ‬والدينية،‭ ‬واندفع‭ ‬آخرون‭ ‬بحماس‭ ‬كبير‭ ‬لمساعدة‭ ‬تلك‭ ‬التيارات‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬القاتل‭. ‬وفي‭ ‬الغالب،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬البصيرة‭ ‬النيرة‭ ‬التي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬القاتل‭ ‬ينتقل‭ ‬إليهم‭ ‬بسرعة‭ ‬قياسية،‭ ‬ولا‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬غنية‭ ‬وأخرى‭ ‬فقيرة،‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬عسكرية‭ ‬قوية‭ ‬وأخرى‭ ‬مكشوفة‭ ‬أمام‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية‭. ‬

يتميز‭ ‬التاريخ‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬بزوال‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬القوميات‭ ‬والثقافات‭. ‬وهناك‭ ‬اليوم‭ ‬اختلال‭ ‬كبير‭ ‬يسود‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬وليس‭ ‬شعوب‭ ‬أوربا‭ ‬فقط،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬استقروا‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬ومنهم‭ ‬أبناء‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬القلقين‭ ‬على‭ ‬مصيرهم،‭ ‬فهم‭ ‬يعانون‭ ‬اليوم‭ ‬مأزق‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬هويات‭ ‬آبائهم‭ ‬الأصلية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬عنها‭ ‬الكثير،‭ ‬ومأزق‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬هويات‭ ‬جديدة‭ ‬حملوا‭ ‬جنسياتها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعاملوا‭ ‬كمواطنين‭ ‬غير‭ ‬مشكوك‭ ‬بوطنيتهم‭. ‬

إن‭ ‬معالجة‭ ‬مشكلات‭ ‬الهجرة‭ ‬العربية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬كالاستقرار‭ ‬والاندماج،‭ ‬يتطلب‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬مقولات‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬والتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬فقد‭ ‬شجعت‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬غير‭ ‬المجدي،‭ ‬وأهملت‭ ‬تنمية‭ ‬الطاقات‭ ‬البشرية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الشابة‭ ‬منها‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬طريق‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬الأوربية‭ ‬للاستقرار‭ ‬فيها،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬فلسفة‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬تولي‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬لبناء‭ ‬الإنسان‭ ‬المبدع،‭ ‬لأنه‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الأكبر،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬التنمية‭ ‬وغايتها،‭ ‬لكن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬سيل‭ ‬الهجرة‭ ‬رهن‭ ‬بتلبية‭ ‬حاجات‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬رأس‭ ‬المال‭  ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬النهضة‭ ‬العربية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬المقولات‭ ‬التالية‭: ‬

1‭ - ‬إطلاق‭ ‬حرية‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬ودعم‭ ‬طاقاته‭ ‬الإبداعية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬حقول‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والإبداع‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي‭.‬

2‭ -  ‬تنظيم‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬العدالة،‭ ‬والمساواة،‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬والتوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية‭.‬

3‭ - ‬ضمان‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬للأجيال‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬نظيفة‭.‬

4‭ - ‬عدم‭ ‬التفريط‭ ‬بمصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬والمواد‭ ‬الخام،‭ ‬واعتماد‭ ‬نظام‭ ‬المساءلة‭ ‬والشفافية‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الهدر‭.‬

5‭ - ‬تحسين‭ ‬نوعية‭ ‬الأداء‭ ‬السياسي‭ ‬للقوى‭ ‬المسيطرة‭ ‬ووضع‭ ‬ضوابط‭ ‬دستورية‭ ‬لمنع‭ ‬التسلط،‭ ‬واستغلال‭ ‬النفوذ،‭ ‬والتفرد‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية‭.‬

6‭ - ‬تطوير‭ ‬الإدارة‭  ‬العربية‭ ‬ومدها‭ ‬بأفضل‭ ‬القوى‭ ‬البشرية‭ ‬ذات‭ ‬الكفاءة‭ ‬العلمية‭ ‬العالية،‭ ‬لأن‭ ‬الإدارة‭ ‬مرآة‭ ‬الشعوب‭ ‬والحاضن‭ ‬الأمين‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭.‬

7‭ - ‬حل‭ ‬مأزق‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة،‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بهجرة‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬الشابة‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬مريع‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬العلمي‭ ‬والإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وقد‭ ‬انعكس‭ ‬مأزق‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والتربوية‭ ‬وغيرها‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬الإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني،‭ ‬وعلى‭ ‬الطاقات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬العربية‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬العصرية‭.‬

ختامًا،‭ ‬شهد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬هجرة‭ ‬أدمغة‭ ‬كثيفة‭ ‬طالت‭ ‬آلاف‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مشكلة‭ ‬مستعصية‭ ‬الحل‭ ‬بسبب‭ ‬فساد‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬وصعوبة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬والتربوي،‭ ‬فهناك‭ ‬اليوم‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الكفاءة‭ ‬العلمية‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ترعى‭ ‬شؤون‭ ‬الثقافة‭ ‬والإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬لأصحاب‭ ‬الكفاءة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الرسمية‭. ‬ويبدي‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والمبدعين‭ ‬العرب‭ ‬تحفظًا‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمسة‭ ‬تشترط‭ ‬الانتماء‭ ‬السياسي‭ ‬للزعيم‭ ‬الطائفي‭ ‬أو‭ ‬القبلي‭ ‬وفق‭ ‬النظام‭ ‬المعتمد‭ ‬في‭ ‬تقاسم‭ ‬الوظائف‭ ‬الإدارية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وتشير‭ ‬إحصائيات‭ ‬علمية‭ ‬جادة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬المبدعين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬تفضل‭ ‬إقامة‭ ‬أوثق‭ ‬الصلات‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬ثقافية‭ ‬غير‭ ‬حكومية،‭ ‬وذات‭ ‬سمعة‭ ‬علمية‭ ‬جيدة‭ ‬وتقدم‭ ‬رواتب‭ ‬مجزية‭.‬

 

مؤسسات‭ ‬ثقافية

والنخب‭ ‬العربية‭ ‬اليوم،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬ثقافة‭ ‬عصرية‭ ‬وعقلانية،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬ثقافية‭ ‬تتمتع‭ ‬بالمواصفات‭ ‬عينها،‭ ‬ولديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬وإقامة‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬ومع‭ ‬مثقفي‭ ‬العالم‭. ‬وتتحمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬مسؤولية‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬أمثالهم‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬ونظرًا‭ ‬للثقة‭ ‬المفقودة‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الكفاءة‭ ‬والخبرة‭ ‬الإدارية‭ ‬والموازنة‭ ‬الكافية،‭ ‬فإن‭ ‬سيل‭ ‬الهجرة‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬مرشح‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التأزم‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭. ‬فالنخب‭ ‬العربية‭ ‬الشابة‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬بالدعم‭ ‬الذي‭ ‬تستحق،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تدور‭ ‬الندوات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬مفرغة‭ ‬من‭ ‬النقاش‭. ‬وذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬القيام‭ ‬بخطوات‭ ‬عملية‭ ‬لتأسيس‭ ‬منظمات‭ ‬شبابية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الاغتراب،‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬والخاصة‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬برامج‭ ‬سنوية‭ ‬قابلة‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬بحيث‭ ‬تتم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬الإبداعية‭ ‬العربية‭ ‬الموجودة‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وخارجه،‭ ‬وإقامة‭ ‬حوار‭ ‬إيجابي‭ ‬معها،‭ ‬ومن‭ ‬المفيد‭ ‬كذلك‭ ‬تشكيل‭ ‬مكاتب‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬بلدان‭ ‬الاغتراب‭ ‬لرصد‭ ‬تلك‭ ‬الطاقات‭ ‬واقتراح‭ ‬الحلول‭ ‬العملية‭ ‬لمشكلاتها،‭ ‬وتنظيم‭ ‬ندوات‭ ‬دورية‭ ‬لتطوير‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيحابي‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬الإبداعية‭ ‬العربية‭ ‬‭.‬