«رحلتي على شفا الهاوية النووية»

«رحلتي على شفا الهاوية النووية»

صدر في يناير 2019 عن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، كتاب مترجم بعنوان «رحلتي على شفا الهاوية النووية» لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق وليم بيري، وهو وزير الدفاع التاسع عشر للولايات المتحدة في الفترة بين فبراير 1994 ويناير1997م، إبان عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. وقد ترجم الكتاب المترجم السوري مالك عساف.

 

يتناول هذا الكتاب الجهود التي بذلها وليام بيري - كما يزعم - لإبقاء العالم في مأمن من الكارثة النووية، فهو يسرد قصة ترعرعه ونضجه في العصر النووي، والدور الذي اضطلع به في محاولة منه للتأثير في ذلك العصر واحتوائه، والطريقة التي تغير بها تفكيره تجاه التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية، وما تشكله من مخاطر على الحضارة البشرية.
وخلال مسيرة عمله الحافلة تعامل بيري بشكل مباشر مع التهديد النووي المتغير؛ فهو يتمتع بخبرة طويلة في التعامل مع هذا الملف، تمتد لعدة لعقود، حيث بدأت علاقته مع قضية الأمن النووي في منتصف الأربعينيات، خلال الحرب العالمية الثانية، إذ كان جنديًا ضمن جيش الاحتلال الأمريكي في اليابان، فشهد بأمّ عينيه ذلك الدمار الهائل الذي تسببت فيه هذه الحرب الكونية، وما خلّفه السلاح النووي الأمريكي الذي ضرب مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين من خراب. وكانت المرة الأولى التي يستخدم فيها مثل هذا السلاح الفتاك على مستوى العالم.
وبعد خدمته في اليابان أصبح بيري مستشارًا رفيع المستوى في الأمن القومي للحكومة الأمريكية، كما شارك في تطوير تكنولوجيا الاستطلاع القادرة على الكشف عن التهديدات النووية خلال فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي.

محاولة للتوعية
يحتوي هذا الكتاب على 25 فصلًا، استعرض فيها المؤلف عملية التفكير لديه خلال مسيرته؛ بدءًا من أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962، مرورًا بصياغته استراتيجية دفاعية في عهد كارتر للتعويض عن التفوق العددي السوفييتي في مجال القوات التقليدية، وإشرافه على تفكيك أكثر من 8 آلاف سلاح نووي في عهد كلينتون، وصولًا إلى تعاونه مع جورج شولتز، وسام نان، وهنري كيسنجر في عام 2007م لإنشاء مشروع الأمن النووي الذي يعبّرون من خلاله عن رؤيتهم لعالم خالٍ من الأسلحة النووية.
يقول المؤلف في مقدمته للكتاب: «إن هذا الكتاب مجرد محاولة لتوعية الناس بالمخاطر الجسيمة التي نواجهها، وللتشجيع على اتخاذ الإجراءات التي من شأنها التقليل كثيرًا من تلك المخاطر.
 كما أسرد فيه قصة تحول حياتي إلى حياة ذات هدف مُلح يستأثر بكل تفاصيلها، وهو ضمان عدم استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى. وقد أبقتني تجربتي الخاصة في حالة من الوعي التام بالأخطار النووية، كما أتاحت لي تأمُّل العواقب التي يصعب تصورها للحرب النووية.
وحظيت خلال حياتي بفرصة خوض التجربة بشكل مباشر وبإمكانية خاصة للوصول إلى معلومات سرية للغاية حول الخيارات النووية الاستراتيجية، وهو ما مكنني من رؤية الأمور من زاوية مخيفة وفريدة من نوعها، حيث توصلت من خلالها إلى أن الأسلحة النووية لم تعد توفر لنا الأمن، بل هي التي تعرّضه للخطر حاليًا».
يرى بيري أن أزمة الصواريخ الكوبية كانت المحرك الأساسي له من أجل العمل على البرامج التعاونية الدولية للحد من الأسلحة النووية، من خلال تشريع القوانين والعمل الدبلوماسي العالمي لاحتواء الأزمات النووية.

خطأ فادح
تطرق المؤلف إلى اهتمامه البالغ بدبلوماسية «المسار الثاني»، وهي دبلوماسية دولية غير حكومية تكمل دبلوماسية المسار الأول التي يمارسها المسؤولون الحكوميون، وتضمنت تحركات دبلوماسية في الاتحاد السوفييتي والصين ودول حلف ناتو. وقد اعتبرها بيري من الحوارات المفيدة والهادفة في ظل حالة الشك وعدم الثقة أثناء فترة الحرب الباردة.
ويكشف بيري في هذا الكتاب السبب الرئيسي الذي دفعه لإدراك حجم التهديد الذي يمثّله السلاح النووي، حيث يقول: «الأمر الذي جعلني أتنبه لواقع التهديد الإرهابي النووي هو تجربة خضتها في عام 1996م، خلال السنة الأخيرة لي وزيرًا للدفاع. فقد فجّرت شاحنة مفخخة بالقرب من أحد مهاجع طيارينا (في أبراج الخُبر) بالمملكة العربية السعودية، وقتل تسعة عشر رجلًا في ذلك الانفجار، بيد أن المئات كانوا سيُقتلون لو أن المهاجم تمكّن من الاقتراب بشاحنته أكثر نحو المهجع (على غرار ما حدث في الهجوم الذي وقع عام 1983م في لبنان، والذي قتل فيه 220 من مشاة البحرية).
 لم تعرف الولايات المتحدة مَن ارتكب هذا الهجوم، لكننا فهمنا أن الغرض منه هو إجبارنا على إخراج قواتنا من البلاد، كما فعلت الولايات المتحدة سابقًا في أعقاب تفجير لبنان. اعتقدت أن مهمتنا في السعودية مهمة، وأن الانسحاب تحت هذا النوع من الضغوط سيكون خطأً فادحًا. 
لذلك، وبفضل التعاون والدعم الذي تلقيناه من قبل العاهل السعودي وقتها، الملك فهد بن عبدالعزيز، نقلنا القاعدة الجوية الأمريكية إلى مكان بعيد، وتمكنّا من تحقيق مهمتنا وضمان سلامة قواتنا في آن معًا. وقد أصدرت بيانًا عامًا أعلنت فيه هذه الخطوة، مبينًا أن قاعدتنا الجديدة ستكون شديدة التحصين، وأنه ما من جماعة إرهابية ستحول بيننا وبين إنجاز مهمتنا في المملكة».

مغامرة حمقاء
 وقد دان المؤلف الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003م، مفندًا المزاعم والأكاذيـــب التي ساقتها إدارة جورج بوش الابن لتبرير احتلالها للعراق. وفي هذا الشأن قال بيري: «الواقع أنه منذ رحيل القوات الأمريكيـــة، أصبح العراق ممزقًا بصورة متزايـــدة بسبب الصراعات الدموية الدائرة بين الفصائل المختلفة، والتي انضمت إليها بصورة انتهازية جماعات عدوانية أخرى، وهي صراعات يبدو أن حلها شبه مستحيل، على الأقل في المدی القريب، والأمر الأكيد هو أن المغامرة الحمقاء التي قامت بها أمريكا في العراق أفضت إلــى كارثـــة كبـــری، وحتى الآن لم يتكشف بعد حجم تلك الكارثة في هذا العالم الذي يجب أن نمنع فيـــه انتقال الأسلحة النووية إلى الجماعات الإرهابية وغيرها من الجهات العدوانية، يبرز العراق مثالًا رئيسًا حول كيفية عدم النجاح في تحقيق هذا الهدف الحساس».
وفي الفصل الأخير من الكتاب يأمل المؤلف أن تلقى قصة رحلته على شفا الهاوية النووية صدى لدى الشباب والشابات في كل مكان بالعالم، حيث يقول: «وحتى في هذه الأوقات هناك إقبال من البعض لمواجهة التحدي الرهيب نفسه الذي تعرّفت عليه أول مرة عندما كنت جنديًا شابًا في عام 1946م وسط الأنقاض التي خلّفتها الحرب في اليابان، التي شهدت ذلك الدمار غير المسبوق للحرب الحديثة». 
ويضيف: «يُذكر أن شبح تلك الكوارث عاد ليؤرقني فيما بعد على خلفية حدوث حريق جديد مفاجئ في السماء، ذلك الحريق الذي أصبح الآن أقوى مليون مرة من قبل. فأسلحة الحرب العالمية الثانية دمرت المدن، أما أسلحة اليوم فإنها قد تدمّر الحضارة ذاتها».
وفي الختام، يحلم بيري برؤية عالم خالٍ من الأسلحة النووي، كما يشدد على أهمية عمل كل يلزم لضمان عدم استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى على الإطلاق ■