المحَرَّق خطى الأجداد على مسار اللؤلؤ

المحَرَّق خطى الأجداد على مسار اللؤلؤ

المدن الجميلة هويات أبنائها، تُخرج الفكرة من جمودها إلى واقعيتها، متخذة شكلاً من النضوج والتكامل والامتداد لجوهرها السحري، المُخبأ تحت أنقاض الذاكرة والمكان، لنتلمّس البيوت الطينية بجمال نقوشها الإسلامية والسكك الضيقة التي تحتضن الجيران والأحبة، مزدانة بالحدائق والنخيل الباسق، ونرى زمانًا عاد بضحكاته وموسيقاه وطربه، بهدير أمواجه حين عودة سفنه من جمع اللآلئ، وحناجر ملاحيه وهي ترنّم آخر ترانيم الشوق لتستقر على ضفاف شواطئ المحرق.

 

وُلد‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬نفسه،‭ ‬ليعيد‭ ‬إحياء‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬جزر‭ ‬المملكة،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬عاصمة‭ ‬للبحرين‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1810‭ - ‬1932م،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬تأسيسها‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ (‬1796م‭) ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الفاتح‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬فهذه‭ ‬المدينة‭ ‬الأثيرة‭ ‬لها‭ ‬امتداد‭ ‬تاريخي‭ ‬عريق،‭ ‬قامت‭ ‬اليوم‭ ‬بفرش‭ ‬ثوب‭ ‬عرسها‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العمران‭ ‬الجميل‭ ‬للبيوت‭ ‬الستة‭ ‬والعشرين‭ ‬المكونة‭ ‬لمسار‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الأجداد‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬غوصهم‭ ‬ذهابًا‭ ‬وإيابًا،‭ ‬حاملين‭ ‬على‭ ‬عواتقهم‭ ‬إنعاش‭ ‬اقتصاد‭ ‬مدينة‭ ‬وكسب‭ ‬رزق‭ ‬وتعايُش‭ ‬سلمي،‭ ‬بإنشاء‭ ‬ثقافة‭ ‬وتنوير‭ ‬يسلكان‭ ‬بهما‭ ‬طرائق‭ ‬الحياة‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬يربطها‭ ‬والمنامة‭ ‬ثلاثة‭ ‬جسور،‭ ‬والرابع‭ ‬قيد‭ ‬الانتهاء،‭ ‬وقد‭ ‬نظم‭ ‬شاعر‭ ‬البحرين‭ ‬حسن‭ ‬كمال‭ ‬قصيدة‭ ‬تقول‭:‬

البحر‭ ‬حولك‭ ‬بالمنى‭ ‬يتدفّق

وعلى‭ ‬ضفافك‭ ‬كل‭ ‬خير‭ ‬يغدق

وبك‭ ‬اللآلي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بريقها

والطيب‭ ‬من‭ ‬أردان‭ ‬مجدك‭ ‬يعبق

أنت‭ ‬المحرّق،‭ ‬درةٌ‭ ‬من‭ ‬أرضنا

وبك‭ ‬البلاد‭ ‬عراقة‭ ‬تتألق

تعانقت‭ ‬الثقافة‭ ‬والجمال‭ ‬متخذةً‭ ‬الموسيقى‭ ‬والمسرح‭ ‬والضوء‭ ‬دائرة‭ ‬لاحتفاء‭ ‬حميم‭ ‬بالقادة‭ ‬والسفراء‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬والشخصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬الذين‭ ‬شهدوا‭ ‬تدشين‭ ‬ملك‭ ‬البحرين،‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬مشروع‭ (‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ - ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬جزيرة‭) ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬والذي‭ ‬يحتضن‭ ‬18‭ ‬بيتًا،‭ ‬مسجلاً‭ ‬كثاني‭ ‬معالم‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬أدرجت‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬وضع‭ ‬قلعة‭ ‬البحرين‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬القائمة‭ ‬عام‭ ‬2005‭.‬

‭ ‬يمتد‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬لمسافة‭ ‬ثلاثة‭ ‬كيلومترات‭ ‬ونصف‭ ‬الكيلومتر،‭ ‬ويبدأ‭ ‬من‭ ‬قلعة‭ ‬بو‭ ‬ماهر‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1840،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬سيادي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المحرق،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬متحف‭ ‬للؤلؤ،‭ ‬وفيه‭ ‬توثيق‭ ‬لمسار‭ ‬تاريخ‭ ‬استخراج‭ ‬وصناعة‭ ‬وتجارة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬عبر‭ ‬مراحلها،‭ ‬وكيف‭ ‬شكّلت‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬عصب‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وانعكاسها‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬سكان‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة‭ ‬في‭ ‬عاداتهم‭ ‬وتقاليدهم‭ ‬وفنونهم‭.‬

بدأت‭ ‬رحلتي‭ ‬الاستطلاعية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬متحف‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬رئيسة‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والتراث‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬التي‭ ‬أوضحت‭ ‬سبب‭ ‬إطلاق‭ ‬جلالة‭ ‬ملك‭ ‬البحرين‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬أم‭ ‬المدن‮»‬‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬المحرق،‭ ‬وهي‭ ‬نموذج‭ ‬رائع‭ ‬لنشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش،‭ ‬فالدخول‭ ‬إلى‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬يكون‭ ‬عبر‭ ‬المطار‭ ‬الدولي‭ ‬للبحرين،‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬وعندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬الأهلي،‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬بدأ‭ ‬فيها‭ ‬أيضًا،‭ ‬صحيح‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مدرسة‭ ‬الإرسالية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1899‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬المنامة،‭ ‬لكن‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنية‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬المحرق،‭ ‬وكانت‭ ‬مبادرة‭ ‬رعاها‭ ‬حاكم‭ ‬البحرين‭ ‬آنذاك،‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬الذي‭ ‬قدّم‭ ‬الدعم‭ ‬والأرض،‭ ‬وكان‭ ‬اكتتاب‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬لمسيرة‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي،‭ ‬وجميل‭ ‬أن‭ ‬نطّلع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي،‭ ‬لنجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وعيًا‭ ‬بأهمية‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الحديثة‭ ‬لا‭ ‬التقليدية‭. ‬

وهناك‭ ‬إحدى‭ ‬الرسائل‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المديرين‭ ‬لا‭ ‬يجارون‭ ‬الأسلوب‭ ‬الحديث‭ ‬وروح‭ ‬العصر‭ ‬فيما‭ ‬يقدمون‭ ‬للتلاميذ،‭ ‬وكانت‭ ‬مدرسة‭ ‬الهداية‭ ‬الخليفية‭ ‬1919‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬مدرسة‭ ‬نظامية‭ ‬للبنين،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬مدرسة‭ ‬خديجة‭ ‬الكبرى‭ ‬أول‭ ‬مدرسة‭ ‬نظامية‭ ‬للبنات‭ ‬عام‭ ‬1928،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نهضة‭ ‬علمية‭ ‬ونواديٍ‭ ‬أدبية‭ ‬ومشاريع‭ ‬أهلية،‭ ‬مثل‭ ‬بيت‭ ‬لشاعر‭ ‬المحرق‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬والأديب‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الزايد،‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬أول‭ ‬صحيفة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وبيت‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬فارس،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬غنّى‭ ‬الصوت،‭ ‬وتؤدي‭ ‬فرقة‭ ‬موسيقية‭ ‬تحمل‭ ‬اسمه،‭ ‬فنّها‭ ‬للجمهور‭ ‬مجانًا‭ ‬كل‭ ‬خميس‭ ‬في‭ ‬منزله‮»‬‭.‬

وتضيف‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭: ‬‮«‬وبما‭ ‬أننا‭ ‬نتحاور‭ ‬مع‭ ‬الكويت‭ ‬ممثلة‭ ‬بمجلة‭ ‬العربي،‭ ‬نقول‭ ‬إننا‭ ‬كبلدان‭ ‬خليجية‭ ‬نتواصل‭ ‬باستمرار،‭ ‬والدعم‭ ‬موجود،‭ ‬فبيت‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬فارس‭ ‬بدأ‭ ‬بشراء‭ ‬من‭ ‬المشرفة‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬دار‭ ‬الآثار‭ ‬الإسلامية‭ ‬الشيخة‭ ‬حصة‭ ‬صباح‭ ‬السالم‭ ‬الصباح،‭ ‬وهي‭ ‬صديقة‭ ‬عزيزة،‭ ‬ولها‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬المحرق‭. ‬ومن‭ ‬أجمل‭ ‬المشاريع‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬افتتحت‭ ‬مركز‭ ‬‮«‬ابحث‮»‬،‭ ‬بدعم‭ ‬كريم‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشيخ‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح،‭ ‬فانتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭ ‬بشراكتنا‭ ‬بالمحرق‭ ‬والبحرين‭ ‬مع‭ ‬المركز‭ ‬السويسري‭ (‬سيرن‭) ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الفيزياء‭ ‬والفضاء،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬مختبر‭ ‬علوم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تفعيل‭ ‬دوره‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والبحثي‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬عالمية‮»‬‭.‬

 

الهيرات‭... ‬مكامن‭ ‬المحار‭ ‬ومغاصات‭ ‬اللؤلؤ

على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬طويلة‭... ‬مُدحت‭ ‬الهيرات‭ ‬الواقعة‭ ‬قبالة‭ ‬الشواطئ‭ ‬الشمالية‭ ‬للبحرين،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬جودة‭ ‬وحجم‭ ‬لآلئها‭ ‬وكثافة‭ ‬محارها،‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬وجود‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬الفيلسوف‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬مؤلفه‭ ‬حول‭ ‬التاريخ‭ ‬الطبيعي‭ ‬‮«‬الجزيرة‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬آنذاك‭ ‬‮«‬تايلوس‮»‬،‭ ‬بأنها‭ ‬مشهورة‭ ‬للغاية‭ ‬بلآلئها‭ ‬العديدة،‭ ‬فهي‭ ‬أغنى‭ ‬هيرات‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬قوارب‭ ‬الصيد‭ ‬الشراعية‭ ‬تتوافد‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬والكويت‭ ‬والساحل‭ ‬الجنوبي‭ ‬للخليج،‭ ‬لتنضم‭ ‬إلى‭ ‬أساطيل‭ ‬المحرق‭ ‬وجزيرة‭ ‬البحرين،‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬كنوزها‭ ‬الطبيعية‭ ‬الثمينة،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬ملكًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬لجميع‭ ‬سكانها‭ ‬الساحليين‭. ‬

أما‭ ‬الهيرات‭ ‬البحرينية‭ ‬الحالية‭ ‬فتعتبر‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬تراث‭ ‬إنساني‭ ‬عالمي،‭ ‬وهي‭ ‬هير‭ ‬‮«‬شتيَة‮»‬،‭ ‬وهير‭ ‬‮«‬بوعمامة‮»‬،‭ ‬وهير‭ ‬‮«‬بولثامة‮»‬‭. ‬وتغطي‭ ‬نحو‭ ‬35‭ ‬مليون‭ ‬هكتار،‭ ‬ويعيش‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬محارة،‭ ‬وهي‭ ‬موطن‭ ‬لأنواع‭ ‬بحرية‭ ‬متنوعة،‭ ‬مثل‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬وشقائق‭ ‬النعمان‭ ‬ونجوم‭ ‬البحر‭ ‬والأسماك‭.‬

 

اقتصاد‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬

شكّلت‭ ‬مهنة‭ ‬صيد‭ ‬وتجارة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها‭ ‬اقتصادًا‭ ‬وثقافة‭ ‬لمجتمع‭ ‬البحرين‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬بوصفها‭ ‬مركزًا‭ ‬زاخرًا‭ ‬لصيد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬يتوافد‭ ‬عليه‭ ‬غواصو‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وتجاره،‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬على‭ ‬سفن‭ ‬الغوص‭ ‬الشراعية‭ ‬المتعددة،‭ ‬فتشكلت‭ ‬حرفهم‭ ‬من‭ ‬صانعي‭ ‬القوارب‭ ‬والنواخذة‭ (‬القباطين‭) ‬والغواصين‭ ‬والحرفيين‭ ‬والبائعين‭ ‬وصانعي‭ ‬السلال‭ ‬والشباك‭ ‬والمستوردين‭ ‬للأخشاب‭ ‬والحبال‭ ‬من‭ ‬الهند،‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬دؤوبة‭ ‬عبر‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تجميع‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وتصديره‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬والهند،‭ ‬إذ‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬المعالجة‭ ‬والصقل،‭ ‬ثم‭ ‬يباع‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬أكبر‭ ‬وأوسع‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬صناعة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬تلاشت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬نتيجة‭ ‬للتغير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬بظهور‭ ‬النفط‭ ‬بالبحرين‭ ‬وتصديره‭ ‬عام‭ ‬1932،‭ ‬فإن‭ ‬معالمه‭ ‬وممارساته‭ ‬مازالت‭ ‬باقية‭ ‬وتمثّل‭ ‬عنصرًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬البحرينية‭. ‬

 

مسار‭ ‬اللؤلؤ‭... ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬جزيرة

ذكرت‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬تبنته‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬البحرينية،‭ ‬حيث‭ ‬نبعت‭ ‬الفكرة‭ ‬من‭ ‬حميمية‭ ‬التجول‭ ‬بين‭ ‬البيوت‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬بيت‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم،‭ ‬وأردفت‭: ‬‮«‬كنا‭ ‬نطمح‭ ‬لإيجاد‭ ‬موقع‭ ‬تراث‭ ‬إنساني‭ ‬عالمي،‭ ‬فحيكت‭ ‬رواية‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬هيرات‭ (‬مغاصات‭)‬‭ ‬وصيد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬البحر،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬قلعة‭ ‬أبي‭ ‬ماهر،‭ ‬فبيوت‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬مارسوا‭ ‬هذه‭ ‬المهنة،‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬الغواص‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الصياد،‭ ‬فبيوت‭ ‬صانعي‭ ‬السفن‭ ‬من‭ ‬البنّائين‭ ‬وبيت‭ ‬النواخذة‭ ‬إلى‭ ‬بيوت‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والأخشاب‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬يحكيها‭ ‬متحف‭ ‬مفتوح‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬3‭.‬5‭ ‬كيلومترات،‭ ‬يربط‭ ‬جميع‭ ‬بيوت‭ ‬المحرق‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬فهو‭ ‬طريق‭ ‬حضاري‭ ‬ممزوج‭ ‬بعبق‭ ‬الماضي‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬متحف‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭ ‬عبر‭ ‬قوارب‭ ‬بحرية‭ ‬لمدة‭ ‬خمس‭ ‬دقائق،‭ ‬لترسو‭ ‬أمام‭ ‬ساحل‭ ‬بو‭ ‬ماهر‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الجزء‭ ‬الجنوبي‭ ‬لجزيرة‭ ‬المحرق،‭ ‬وهو‭ ‬الساحل‭ ‬الأصلي‭ ‬المتبقي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تقام‭ ‬فيه‭ ‬قديمًا‭ ‬احتفالات‭ ‬موسم‭ ‬الغوص‭ ‬الكبير‭.‬

‭ ‬

بداية‭ ‬العبور

قلعة‭ ‬بو‭ ‬ماهر‭ ‬هي‭ ‬بمنزلة‭ ‬مدخل‭ ‬بحري‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بواسطة‭ ‬القوارب‭ ‬التي‭ ‬تغادر‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬من‭ ‬متحف‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭. ‬وهي‭ ‬القلعة‭ ‬الحصينة‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬بنائها‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1840‭ ‬ميلادية،‭ ‬وتتكون‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أبراج‭ ‬ذات‭ ‬جدران‭ ‬حماية‭ ‬منيعة‭ ‬وضخمة،‭ ‬شكلت‭ ‬جبهة‭ ‬دفاعية‭ ‬تحمي‭ ‬القناة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬المحرق‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬رسو‭ ‬السفن‭ ‬غرب‭ ‬الجزيرة‭ ‬وحتى‭ ‬المنامة،‭ ‬كما‭ ‬تشمل‭ ‬القلعة‭ ‬بحمايتها‭ ‬مصدر‭ ‬المياه‭ ‬الرئيس‭ ‬لمدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬وهو‭ ‬ينبوع‭ ‬مياه‭ ‬عذبة‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدكها‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬عام‭ ‬1868‭ ‬وتدمّر‭ ‬أجزاء‭ ‬منها،‭ ‬ولم‭ ‬تخلّف‭ ‬إلا‭ ‬البرج‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وقد‭ ‬تولت‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬عملية‭ ‬حفظ‭ ‬الآثار‭ ‬المتبقية‭ ‬وترميمها‭ ‬وفتحها‭ ‬للزوار‭. ‬

وتقول‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬لنواصل‭ ‬الاستكشافات،‭ ‬إذ‭ ‬تناولت‭ ‬الكشوفات‭ ‬الأثرية‭ ‬5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬ومعالمها،‭ ‬وهذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الاستكشافات‭ ‬الأثرية‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬تاريخي‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وعلى‭ ‬الحضارات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة،‭ ‬وموقع‭ ‬قلعة‭ ‬البحرين‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬موقع‭ ‬يدرج‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬العالمي،‭ ‬ويعتبر‭ ‬سجلًّا‭ ‬لكل‭ ‬الحقب‭ ‬الأثرية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬المنطقة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬إلى‭ ‬فترات‭ ‬تمتد‭ ‬لعصرنا‭ ‬الحالي‭.‬

 

جواز‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬البيوت

نكمل‭ ‬مسارنا‭ ‬ليقابلنا‭ ‬مركز‭ ‬للمعلومات‭ ‬الذي‭ ‬يمدنا‭ ‬بكتيّب‭ ‬أزرق‭ ‬صغير‭ ‬أشبه‭ ‬بجواز‭ ‬السفر،‭ ‬يعرفنا‭ ‬على‭ ‬18‭ ‬محطة‭ ‬ثقافية‭ ‬وتاريخية‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬بيوت‭ ‬أعيد‭ ‬تأهيلها‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬ثقافية‭. ‬

وبدأت‭ ‬المسير‭ ‬عبر‭ ‬الأزقة‭ ‬البيضاء‭ ‬والمنقوشة‭ ‬بنقوشات‭ ‬مختلفة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬التراثي‭ ‬والفن‭ ‬الحديث،‭ ‬وكان‭ ‬أمامي‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬لعائلة‭ ‬الجلاهمة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬معرضًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بدور‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬اقتصاد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وبعد‭ ‬بضع‭ ‬خطوات‭ ‬بدا‭ ‬لنا‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬بدر‭ ‬غلوم‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬بمزاولة‭ ‬مهنته‭ ‬كحلّاق‭ ‬ومعالج‭ ‬بالطب‭ ‬الشعبي‭ ‬سنة‭ ‬1912،‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬تدريجيًا‭ ‬يتخذ‭ ‬فكرة‭ ‬المستوصف‭ ‬الطبي،‭ ‬ومازال‭ ‬قائمًا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬لأغراض‭ ‬العلاج‭ ‬الطبي،‭ ‬أما‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬عائلة‭ ‬فخرو‮»‬‭ ‬الراقي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مكان‭ ‬إقامة‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬فخرو‭ ‬تاجر‭ ‬الخشب‭ ‬ومواد‭ ‬البناء‭ ‬وصانع‭ ‬السفن‭ ‬المشهور‭ ‬ومالك‭ ‬لأسطول‭ ‬يضم‭ ‬نحو‭ ‬50‭ ‬سفينة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬معرض‭ ‬خاص‭ ‬بتاريخ‭ ‬العائلة‭ ‬ومعرض‭ ‬للفن‭ ‬المعاصر‭.‬

في‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يبرز‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬جاسم‭ ‬مراد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬هاجر‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ويعد‭ ‬بيت‭ ‬مراد‭ ‬النموذجي‭ ‬أفضل‭ ‬مثال‭ ‬لبيوت‭ ‬الطواويش‭ (‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭)‬،‭ ‬ويضم‭ ‬ثماني‭ ‬غرف‭ ‬بحماماتها‭ ‬الخاصة‭ ‬حول‭ ‬فناء‭ ‬مركزي‭ ‬كبير‭ ‬ومفتوحة،‭ ‬مع‭ ‬غرفة‭ ‬رئيسة‭ ‬مخصصة‭ ‬لكبير‭ ‬العائلة،‭ ‬وفي‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭ ‬توجد‭ ‬غرفة‭ ‬جلوس‭ ‬مظللة‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬البحر‭ ‬وحركة‭ ‬السفن،‭ ‬ويعتبر‭ ‬معمارًا‭ ‬فخمًا‭ ‬واسعًا،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬خصائصه‭ ‬وعناصره‭ ‬المعمارية‭ ‬التي‭ ‬توثّق‭ ‬ثروة‭ ‬ومكانة‭ ‬الطواش‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بالمحرق‭. ‬

وهذا‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬محمود‭ ‬العلوي‮»‬‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬طابقين،‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬ملقف‭ ‬هواء‭ (‬بادكير‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الملقفين‭ ‬الوحيدين‭ ‬اللذين‭ ‬لا‭ ‬يزالان‭ ‬موجودين‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬اليوم‭. ‬ويقع‭ ‬البيت‭ ‬بين‭ ‬جزيرتي‭ ‬المحرق‭ ‬والحالة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬كأمثاله‭ ‬ممن‭ ‬يسكنون‭ ‬بجوار‭ ‬الشاطئ‭ ‬يزودون‭ ‬تجار‭ ‬وسفن‭ ‬الغوص‭ ‬بالتموين‭ ‬والمواد‭ ‬الأساسية‭ ‬خلال‭ ‬موسم‭ ‬الغوص‭.‬

وهنا‭ ‬نستذكر‭ ‬تشييد‭ (‬النوخذة‭ ‬جاسم‭ ‬عجاج‭) ‬مجلسه‭ ‬لاستقبال‭ ‬الغواصين‭ ‬والوافدين‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬واستضافتهم‭ ‬خلال‭ ‬موسم‭ ‬الغوص‭ ‬الرئيس‭ ‬وإقامته‭ ‬تجمّعًا‭ ‬لطاقم‭ ‬القارب‭ ‬لموسم‭ ‬الصيد‭ ‬المقبل،‭ ‬وفيه‭ ‬الغرف‭ ‬العلوية‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بجوها‭ ‬اللطيف‭ ‬خلال‭ ‬الصيف،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬البادكير‭ ‬في‭ ‬جهتي‭ ‬الشمال‭ ‬والغرب،‭ ‬الذي‭ ‬يوفر‭ ‬هواء‭ ‬نقيًا‭ ‬منعشًا‭.‬

هذا‭ ‬الطرق‭ ‬الملتوي‭ ‬عبر‭ ‬الأزقة‭ ‬البيضاء‭ ‬الضيقة‭ ‬للمحرق‭ ‬تم‭ ‬تصميم‭ ‬عناصره‭ ‬الضوئية‭ ‬الخاصة‭ ‬وأرضيات‭ ‬خرسانية‭ ‬ممزوجة‭ ‬بأشجار‭ ‬توفر‭ ‬الظل‭ ‬والمتنفس‭ ‬عبر‭ ‬17‭ ‬ساحة‭ ‬عامة،‭ ‬لتكون‭ ‬أماكن‭ ‬لتجمّع‭ ‬الأهالي‭ ‬والزوار‭ ‬وتخلق‭ ‬جوًّا‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬والتفاعل‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭.‬

 

جاك‭ ‬كارتييه‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬سيادي

بيت‭ ‬‮«‬عائلة‭ ‬سيادي‮»‬‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭ ‬السيادي،‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬وأكبر‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وهو‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مجمع‭ ‬يضم‭ ‬ثلاثة‭ ‬مبانٍ‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬يزخر‭ ‬بالخصائص‭ ‬المعمارية‭ ‬التقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬المحاريب‭ ‬المقوسة‭ ‬والحواجز‭ ‬الخشبية‭ ‬والشرفات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

والجزء‭ ‬الثاني‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬مسجد‭ ‬عيسى‭ ‬وجاسم‭ ‬سيادي‭ ‬الأكثر‭ ‬أصالة‭ ‬في‭ ‬المحرق،‭ ‬والذي‭ ‬تبرّعا‭ ‬به‭ ‬عام‭ ‬1865،‭ ‬حيث‭ ‬استند‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬مجزية‭ ‬من‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ويتجلى‭ ‬هنا‭ ‬دمج‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بهذه‭ ‬التجارة‭. ‬

ومجلس‭ ‬سيادي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستقبل‭ ‬تجارًا‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬بعيدة‭ ‬كالهند‭ ‬وأوربا‭ ‬بغرض‭ ‬عرض‭ ‬اللآلئ‭ ‬المميزة‭ ‬والتفاوض‭ ‬حولها،‭ ‬يحوي‭ ‬حاليًا‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الحلي‭ ‬والمجوهرات‭ ‬المشغولة‭ ‬من‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬أشهر‭ ‬وأندر‭ ‬قطع‭ ‬المجوهرات‭ ‬من‭ ‬محفوظات‭ ‬العلامة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الراقية‭ ‬للمجوهرات‭ (‬كارتييه‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬فيها‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬البحريني‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬اقتناه‭ ‬جاك‭ ‬كارتييه‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬للبحرين‭ ‬عام‭ ‬1912‭.‬

وها‭ ‬هو‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬جمشير‮»‬‭ ‬لايزال‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬يحتفظ‭ ‬بمكوناته‭ ‬وهندسته‭ ‬ومواد‭ ‬بنائه‭ ‬القديمة‭ ‬الممثلة‭ ‬للبيت‭ ‬البحريني‭ ‬التقليدي،‭ ‬وتستثمره‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬ليكون‭ ‬مقرًّا‭ ‬للعاملين‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭.‬

كما‭ ‬يشتمل‭ ‬الموقع‭ ‬على‭ ‬بيوت‭ ‬أخرى‭ ‬حملت‭ ‬صفات‭ ‬العاملين‭ ‬بالمهنة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الغوص‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الجنوب‭ ‬بجزيرة‭ ‬الحالة،‭ ‬وكان‭ ‬مطلًّا‭ ‬على‭ ‬القناة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬البحارة‭ ‬سكنًا‭ ‬وعبورًا‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬قلعة‭ ‬بو‭ ‬ماهر‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬الجزر‭.‬

 

المحطات‭ ‬الثقافية‭ ‬التاريخية‭ ‬

توقفت‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬ومراكز‭ ‬متميزة‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬الفني‭ ‬الغني‭ ‬بالإرث‭ ‬الثقافي،‭ ‬فأنا‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬مشروع‭ ‬مساند،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬دار‭ ‬المحرق‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬امتداد‭ ‬لمبنى‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الجناع‮»‬‭ ‬الحالي،‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬تهيئته‭ ‬ليعمل‭ ‬مركزًا‭ ‬للتدريب‭ ‬والبحوث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الموسيقى‭ ‬الشعبية‭ ‬التقليدية‭ ‬وإقامة‭ ‬الفعاليات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬فن‭ ‬الفجري،‭ ‬وهو‭ ‬فن‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬والرقص‭ ‬التقليديين‭ ‬اللذين‭ ‬مازالا‭ ‬نشيطين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭.‬

وهناك‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬القيصرية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أقدم‭ ‬مناطق‭ ‬سوق‭ ‬المحرق،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ميناء‭ ‬شهد‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬صفقات‭ ‬لشراء‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وكان‭ ‬مكانًا‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬تسلّم‭ ‬وتخزين‭ ‬الأخشاب‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أساطيل‭ ‬قوارب‭ ‬الصيد‭.‬

كما‭ ‬يضم‭ ‬حاليًّا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المتاجر‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬مختلف‭ ‬المنتوجات‭ ‬والبضائع‭ ‬والسلع،‭ ‬من‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وحتى‭ ‬التوابل‭ ‬والشاي‭.‬

أُسس‭ ‬بيت‭ ‬الكورار‭ ‬في‭ ‬2007‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حرفة‭ ‬حياكة‭ ‬خيوط‭ ‬الذهب‭ (‬الكورار‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬ويوفر‭ ‬البيت‭ ‬المكان‭ ‬المناسب‭ ‬للعاملات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تشجيع‭ ‬إعادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتدريب‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬منهن‭.‬

وفي‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الفن‮»‬‭ ‬التي‭ ‬افتتحت‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬تقدّم‭ ‬للزائر‭ ‬فنون‭ ‬بصرية‭ ‬وأعمال‭ ‬لفنانين‭ ‬بحرينيين،‭ ‬وتتضمن‭ ‬الدار‭ ‬جدارية‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬التي‭ ‬أنتجها‭ ‬المركز‭ ‬بأحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬السمعية‭ ‬والبصرية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬الدار‭ ‬حق‭ ‬الصوت‭ ‬خارج‭ ‬متحفه‭ ‬الخاص‭.‬

ويضم‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬التراث‭ ‬المعماري‮»‬‭ ‬مجموعة‭ ‬مخططات‭ ‬ورسومات‭ ‬وصور‭ ‬عن‭ ‬المحرق‭ ‬التي‭ ‬جمعها‭ ‬ورسمها‭ ‬المهندس‭ ‬جون‭ ‬ياروود‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬عمله‭ ‬رئيسًا‭ ‬لإدارة‭ ‬التجديد‭ ‬الحضري،‭ ‬وهي‭ ‬أوسع‭ ‬وأشمل‭ ‬بحث‭ ‬أنجز‭ ‬عن‭ ‬العمارة‭ ‬التقليدية‭ ‬للمحرق‭.‬

تطل‭ ‬هنا‭ ‬‮«‬منامة‭ ‬القصيبي‮»‬‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬فريج‭ ‬الفاضل‭ ‬بعمرانه‭ ‬الثقافي‭ ‬ذي‭ ‬الملامح‭ ‬التراثية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬وتم‭ ‬ترميمه‭ ‬ليكون‭ ‬مكانًا‭ ‬لنتاجات‭ ‬الشاعر‭ ‬السعودي‭ ‬الراحل‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬وملامح‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية،‭ ‬وإبداعاته‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والرواية‭ ‬والفكر‭ ‬والأدب‭. ‬

أما‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬الهداية‭ ‬الخليفية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬عام‭ ‬1919‭ ‬كأول‭ ‬مدرسة‭ ‬حديثة‭ ‬لتعليم‭ ‬البنين‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬ترميمها‭ ‬أيضًا‭ ‬لتستضيف‭ ‬معرضًا‭ ‬دائمًا‭ ‬يوثّق‭ ‬تاريخ‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنشطتها‭ ‬المتتالية‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬والكتابة‭ ‬المسرحية‭ ‬والسينمائية‭ ‬وورشات‭ ‬عمل‭ ‬لتقنيات‭ ‬الكتابة‭ ‬للأطفال‭ ‬وأخرى‭ ‬للتحرير‭ ‬الأدبي‭.‬

‭ ‬مساءً،‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬المكتبة‭ ‬الخليفية‮»‬‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المحرّق‭ ‬القديمة‭ ‬لاتزال‭ ‬تقدّم‭ ‬الفعاليات‭ ‬التدريبية‭ ‬لمرتاديها،‭ ‬وتعد‭ ‬إحدى‭ ‬أقدم‭ ‬المكتبات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬إذ‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬قاعة‭ ‬للقراءة‭ ‬ومراكز‭ ‬أبحاث‭ ‬ومختبر‭ ‬آلي،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المكاتب،‭ ‬كما‭ ‬توفر‭ ‬للجمهور‭ ‬برامج‭ ‬وأنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬عامة‭.‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬جناح‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭ (‬آثار‭ ‬خضراء‭) ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬‮«‬إكسبو‭ ‬ميلانو‮»‬‭ (‬إيطاليا‭ ‬2015‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬ليكون‭ ‬مساحة‭ ‬مفتوحة‭ ‬للزوار،‭ ‬وهو‭ ‬مصمم‭ ‬بطريقة‭ ‬تسمح‭ ‬بتفكيكه‭ ‬وإعادة‭ ‬تركيبه‭ ‬مجددًا،‭ ‬بعدما‭ ‬حصد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬العالمية،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الجائزة‭ ‬الفضية‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬الجوائز‭ ‬المخصصة‭ ‬للهندسة‭ ‬والعمارة‭.‬

والمعرض‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تأويل‭ ‬شاعري‭ ‬للتراث‭ ‬الزراعي‭ ‬والثقافي‭ ‬للمملكة،‭ ‬المستمد‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون‭ ‬القديمة،‭ ‬ويتألف‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬حدائق‭ ‬فاكهة‭ ‬أصيلة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قطع‭ ‬أثرية‭ ‬تجسّد‭ ‬الأساطير‭ ‬العديدة‭ ‬عن‭ ‬البحرين‭ ‬بوصفها‭ ‬موقع‭ ‬جنة‭ ‬عدن‭. ‬

ويقع‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬المطار‭ ‬‮«‬متحف‭ ‬راشد‭ ‬العريفي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬ليضم‭ ‬محتويات‭ ‬فنية‭ ‬من‭ ‬لوحات‭ ‬وتماثيل‭ ‬ومنحوتات‭ ‬وصور‭ ‬شخصية‭ ‬استمدها‭ ‬الفنان‭ ‬راشد‭ ‬العريفي‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬البصرية‭ ‬للحضارة‭ ‬الدلمونية‭.‬

كما‭ ‬تجثم‭ ‬‮«‬قلعة‭ ‬عراد‮»‬‭ ‬كحصن‭ ‬منيع‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المعارك‭ ‬والحروب‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬زمنية‭ ‬مختلفة،‭ ‬بسبب‭ ‬موقعها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬ممر‭ ‬البحر،‭ ‬مما‭ ‬مكّنها‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭. ‬وهي‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ ‬الحصون‭ ‬الإسلامية‭ ‬المميزة،‭ ‬ويغلب‭ ‬على‭ ‬طابعها‭ ‬المعماري‭ ‬اللون‭ ‬الحربي‭ ‬كهوية‭ ‬بصرية،‭ ‬وهو‭ ‬اللون‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرنين‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬والسادس‭ ‬عشر‭.‬

 

مركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم

‮«‬ذاكرة‭ ‬البيت‮»‬‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حوى‭ ‬مجلس‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬ملتقى‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬بمدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬وفيه‭ ‬مكتبته‭ ‬ولقاءاته‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬سوى‭ ‬ذاكرة‭ ‬واحدة‭ ‬وفيّة‭ ‬لكل‭ ‬إيماءاته‭ ‬وتفاصيله،‭ ‬وهي‭ ‬ذاكرة‭ ‬البيت‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المركز‭ ‬يمكن‭ ‬للزوار‭ ‬التسلل‭ ‬إلى‭ ‬حياته‭ ‬عبر‭ ‬غرفته،‭ ‬حيث‭ ‬تفاصيل‭ ‬عمرانها‭ ‬الرائعة،‭ ‬ونقوشها‭ ‬الدقيقة،‭ ‬الحكايات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬عبر‭ ‬الصوت‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭.‬

وتحدثنا‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عن‭ ‬مثال‭ ‬جليّ‭ ‬للمشاركة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ممثلاً‭ ‬بمركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم،‭ ‬وهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬غير‭ ‬ربحية‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬كفكرة‭ ‬لإحياء‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬أداه‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يؤدي‭ ‬دور‭ ‬المكتبة‭ ‬والمدرسة‭ ‬والتجمع‭ ‬الثقافي‭ ‬المعروف‭ ‬آنذاك،‭ ‬بمحبة‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالثقافة،‭ ‬فتوسع‭ ‬وامتد،‭ ‬وأصبح‭ ‬له‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفروع‭ ‬تجاوز‭ ‬25‭ ‬بيتًا،‭ ‬وتضيف‭: ‬‮«‬حاليًا‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نشاطًا‭ ‬وحراكًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬جديدًا‭ ‬يمثّل‭ ‬نخبة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬المتميز‭ ‬والمختلف،‭ ‬ونحن‭ ‬نعمل‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الشريحة‭ ‬الأكبر‭ ‬بالمجتمع‭ ‬المحلي،‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬الحضور‭ ‬الثقافي‭ ‬بالمضمون‭ ‬أكثر،‭ ‬فمضمون‭ ‬الثقافة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يروج‭ ‬لسياحة‭ ‬ثقافية‭ ‬تمتاز‭ ‬بها‭ ‬الأوطان‮»‬‭.‬

من‭ ‬جهتها،‭ ‬تقول‭ ‬أزميرالدا‭ (‬مديرة‭ ‬مركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭): ‬‮«‬إن‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬بقي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬ولم‭ ‬يرمّم،‭ ‬وجميع‭ ‬ضيوفه‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين،‭ ‬ويصدر‭ ‬سنويًا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬10‭ ‬و15‭ ‬كتابًا‭ ‬لكتّاب‭ ‬بحرينيين،‭ ‬كما‭ ‬يحتوي‭ ‬المركز‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬إلكتروني‭ ‬ضخم‭ ‬يحكي‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬باللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬جلجامش‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬ويضم‭ ‬المركز‭ ‬قاعة‭ ‬‮«‬أودوتوريوم‮»‬‭ ‬لعرض‭ ‬الأفلام‭ ‬والملفات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬خلال‭ ‬أنشطته‭ ‬وفعالياته‮»‬‭.‬

ويقوم‭ ‬المركز‭ ‬بأهم‭ ‬برنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬يمتد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬مايو،‭ ‬ويستضيف‭ ‬محاضرين‭ ‬من‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬كافة،‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬كتّاب‭ ‬وروائيين‭ ‬وسياسيين‭ ‬واقتصاديين‭ ‬ومفكرين،‭ ‬ولهم‭ ‬صور‭ ‬في‭ ‬المركز،‭ ‬وهم‭ ‬ليسوا‭ ‬شعراء‭ ‬ولا‭ ‬إعلاميين،‭ ‬حيث‭ ‬يذهب‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الشعر،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬إبراهيم‭ ‬العريَض‮»‬،‭ ‬وللإعلاميين‭ ‬بيت‭ ‬الصحافة،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬عبدالله‭ ‬الزايد‮»‬،‭ ‬مؤسس‭ ‬أول‭ ‬صحيفة‭ ‬أسبوعية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬عام‭ ‬1939‭. ‬

وقد‭ ‬وجدنا‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬إلى‭ ‬عبدالله‭ ‬الزايد،‭ ‬موجهًا‭ ‬له‭ ‬خطابًا‭ ‬أشبه‭ ‬بما‭ ‬يكون‭ ‬لكل‭ ‬العصور،‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭:‬

‮«‬السلام‭ ‬عليكم‭ ‬والشوق‭ ‬والسؤال‭ ‬عنكم‭ ‬وإليكم،‭ ‬ثم‭ ‬أيها‭ ‬الولد‭ ‬النجيب،‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬إليكم،‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬ولكن‭ ‬الحق‭ ‬أحق‭ ‬أن‭ ‬يقال،‭ ‬إن‭ ‬وطنك‭ ‬وقومك‭ ‬في‭ ‬مِحَن‭ ‬متوالية‭ ‬عليهم،‭ ‬تعبث‭ ‬بها‭ ‬يد‭ ‬الأجنبي‭ ‬عبث‭ ‬الطفل‭ ‬بلعبته،‭ ‬ويتوسل‭ ‬ببعضهم‭ ‬إلى‭ ‬إرهاق‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬وأكثرهم‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬عما‭ ‬يراد‭ ‬بهم‭ ‬والأقل‭ ‬في‭ ‬حيرة،‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬النجاة‭ ‬العامة،‭ ‬وغاية‭ ‬الرجاء‭ ‬السلامة‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬علمك‭ ‬بقومك‭ ‬ووطنك،‭ ‬وسأبقى‭ ‬أزودك‭ ‬علمًا‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬زيادة‭ ‬المِحَن‭).‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رسائل‭ ‬عدة‭ ‬بخط‭ ‬اليد‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬إلى‭ ‬أمين‭ ‬الريحاني‭ ‬يشكره‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬منه‭. ‬وقصيدة‭ ‬من‭ ‬شاعر‭ ‬العراق‭ ‬صالح‭ ‬بحر‭ ‬العلوم،‭ ‬ينعى‭ ‬فيها‭ ‬حاكم‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الوقت‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭. ‬ونوادر‭ ‬أخرى‭ ‬يمتلئ‭ ‬بها‭ ‬المركز‭.‬

 

الهندسة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تغزو‭ ‬بيت‭ ‬

‮«‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‮»‬

يعد‭ ‬بيت‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬نماذج‭ ‬العمارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬خامس‭ ‬أب‭ ‬لملك‭ ‬البحرين‭ ‬الحالي‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬ويعود‭ ‬تاريخ‭ ‬بنائه‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1800م‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أقسام،‭ ‬جناح‭ ‬العائلة،‭ ‬وجناح‭ ‬الشيخ‭ ‬وجناح‭ ‬الخدم‭ ‬وجناح‭ ‬الضيوف‭.‬

ويتكون‭ ‬من‭ ‬طابقين،‭ ‬وعادة‭ ‬البيوت‭ ‬التراثية‭ ‬تستخدم‭ ‬الطابق‭ ‬الأرضي‭ ‬لفترة‭ ‬الشتاء،‭ ‬والطابق‭ ‬الأول‭ ‬يستخدم‭ ‬لفترة‭ ‬الصيف،‭ ‬وملاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الشبابيك‭ ‬الصغيرة‭ ‬المستخدمة‭ ‬للإنارة‭ ‬والتهوية،‭ ‬والغرف‭ ‬العلوية‭ ‬عادة‭ ‬تكون‭ ‬مفتوحة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭. ‬

وهناك‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬الأبراج‭ ‬الهوائية‭ ‬المسماة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬البادكير‮»‬‭ ‬لحركة‭ ‬الهواء،‭ ‬وتوجد‭ ‬عمارته‭ ‬في‭ ‬مباني‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬التراثية،‭ ‬وتقوم‭ ‬فكرته‭ ‬على‭ ‬خشب‭ ‬الصاج،‭ ‬وهو‭ ‬ممنوع‭ ‬بيعًا‭ ‬وشراءً،‭ ‬لأنه‭ ‬نادر‭ ‬حاليًا،‭ ‬وهو‭ ‬بناء‭ ‬مستطيل‭ ‬فيه‭ ‬عمودان‭ ‬أفقيان‭ ‬متقاطعان‭ ‬في‭ ‬المنتصف،‭ ‬ونوافذ‭ ‬في‭ ‬الجدران‭ ‬تجر‭ ‬التيارات‭ ‬الهوائية‭ ‬لترتطم‭ ‬بالعامودين‭ ‬المتعاكسين‭ ‬وتنزل‭ ‬الهواء‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭ ‬صيفًا،‭ ‬ويمكن‭ ‬إغلاقه‭ ‬شتاءً‭ ‬ببوابة‭ ‬خشبية‭ ‬تدفع‭ ‬للأعلى‭.‬

ويتميز‭ ‬البيت‭ ‬بكثافة‭ ‬النقوشات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والنباتية‭ ‬والهندسية،‭ ‬ويفد‭ ‬عليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعات‭ ‬والمهندسين‭ ‬لدراسة‭ ‬الفن‭ ‬الزخرفي‭ ‬الإسلامي‭ ‬وهندسة‭ ‬البيت‭ ‬المعمارية‭.‬

وكان‭ ‬مقر‭ ‬إقامة‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬ومقر‭ ‬حكومته‭. ‬وهو‭ ‬يوفر‭ ‬حاليًا‭ ‬فرصة‭ ‬فريدة‭ ‬للاطلاع‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

 

بيت‭ ‬القرآن

أرسل‭ ‬النبي‭ ‬‭[‬‭ ‬أبا‭ ‬العلاء‭ ‬الحضرمي‭ ‬لفتح‭ ‬البحرين‭ ‬عام‭ ‬630م‭ (‬العام‭ ‬الثامن‭ - ‬التاسع‭ ‬الهجري‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وبعدها‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستيطان‭ ‬المؤقت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬تجمعات‭ ‬تجارية‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬التجار‭ ‬والرحالة‭ ‬الذين‭ ‬يفدون‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬الحرير،‭ ‬إلى‭ ‬الاستيطان‭ ‬الدائم،‭ ‬وسُميّت‭ ‬بالبحرين‭. ‬

وقد‭ ‬أحدث‭ ‬الانتشار‭ ‬الإسلامي‭ ‬استقرارًا‭ ‬للبلاد،‭ ‬حيث‭ ‬استمرت‭ ‬هجرات‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬المحرق‭ ‬وإليها،‭ ‬وتعاقبت‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬دول‭ ‬إسلامية‭ ‬عدة،‭ ‬وبدأت‭ ‬العمارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تفرش‭ ‬خطوطها‭ ‬وأقواسها‭ ‬المشهورة‭ ‬على‭ ‬البيوت‭ ‬والجوامع‭ ‬والمصليات‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬التي‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مبادئ‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬المحرق‭ ‬اليوم‭ ‬تزدان‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬مسجدًا‭ ‬وجامعًا‭.‬

ومن‭ ‬أجمل‭ ‬المعالم‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ (‬بيت‭ ‬القرآن‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬إسلامية‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬المدارس‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ملحقة‭ ‬بالمساجد‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وتنشر‭ ‬حاليًا‭ ‬تعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬وتدريس‭ ‬القرآن‭ ‬ومختلف‭ ‬فروع‭ ‬المعرفة‭ ‬لطلاب‭ ‬العلم،‭ ‬فهو‭ ‬جامع‭ ‬للدين‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلم‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬واحدة‭.‬

وقد‭ ‬انطلقت‭ ‬نواة‭ ‬فكرة‭ ‬بيت‭ ‬القرآن‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬أهداها‭ ‬مؤسس‭ ‬بيت‭ ‬القرآن‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬للمركز‭ ‬د‭. ‬عبداللطيف‭ ‬جاسم‭ ‬كانو،‭ ‬الذي‭ ‬قدّم‭ ‬أندر‭ ‬وأقيم‭ ‬المخطوطات‭ ‬القرآنية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬جامعًا‭ ‬للنسخ‭ ‬النادرة‭ ‬ومشغوفًا‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬الإسلامي‭.‬

وتم‭ ‬تصميم‭ ‬المبنى‭ ‬بمئذنة‭ ‬انسيابية‭ ‬شاهقة‭ ‬وواجهة‭ ‬معمارية‭ ‬خُطت‭ ‬على‭ ‬أسطحها‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬الكريمة‭ ‬المحفورة‭ ‬وفق‭ ‬الطراز‭ ‬القديم‭ ‬للقرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭. ‬وفي‭ ‬ساحة‭ ‬مغطاة‭ ‬رحبة‭ ‬تتوسط‭ ‬نافورة‭ ‬مياه‭ ‬تضفي‭ ‬جمالاً‭ ‬استثنائيًا‭ ‬للمدخل،‭ ‬يعززه‭ ‬ضوء‭ ‬النهار‭ ‬المتسرب‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬عبر‭ ‬20‭ ‬فتحة‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬المعشق‭ ‬والجدران‭ ‬الخشبية‭ ‬الأرابيسكية‭ ‬الراقية‭ ‬في‭ ‬تحفة‭ ‬إسلامية‭ ‬فريدة‭.‬

وخلال‭ ‬تجوالي‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬القرآن،‭ ‬مررت‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬عناصر‭ ‬مختلفة‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬تصميمها‭ ‬الفريد‭ ‬ونوادرها‭ ‬النفيسة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬جاسم‭ ‬كانو‭ ‬الذي‭ ‬يتسع‭ ‬لـ‭ ‬150‭ ‬مصليًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قاعة‭ ‬المسجد‭ ‬الرئيسة‭ ‬مغطاة‭ ‬بقبة‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬المعشق‭ ‬وبمحراب‭ ‬صنع‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬خصيصًا‭ ‬لبيت‭ ‬القرآن‭ ‬ومزيّن‭ ‬بالسيراميك‭ ‬الأزرق،‭ ‬وكتبت‭ ‬عليه‭ ‬آية‭ ‬الكرسي،‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬الفرقان‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬مجلد‭ ‬باللغات‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬وهي‭ ‬مفتوحة‭ ‬للجمهور‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬العمل،‭ ‬ومرورًا‭ ‬بمتحف‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬قاعات‭ ‬على‭ ‬طابقين‭ ‬متصلين‭ ‬عبر‭ ‬ممرات‭ ‬تتيح‭ ‬للزائر‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬بسهولة‭ ‬ويسر،‭ ‬وهو‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬نوادر‭ ‬المخطوطات‭ ‬والكتب‭ ‬القرآنية‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخ‭ ‬أقدمها‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬الهجري‭.‬

وتضم‭ ‬مدرسة‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬كانو‭ ‬لعلوم‭ ‬القرآن‭ ‬سبع‭ ‬قاعات‭ ‬مزودة‭ ‬بأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬ووسائل‭ ‬تعليمية‭ ‬حديثة‭ ‬تلقى‭ ‬فيها‭ ‬دروس‭ ‬عن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لمجموعات‭ ‬خاصة‭. ‬

كما‭ ‬تحتوي‭ ‬قاعة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬للمؤتمرات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬التجهيزات‭ ‬السمعية‭ ‬والبصرية‭ ‬لإقامة‭ ‬الفعاليات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والتراث‭. ‬وهناك‭ ‬قاعة‭ ‬جائزة‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬كانو‭ ‬للتميز‭ ‬والإبداع،‭ ‬مزودة‭ ‬بتجهيزات‭ ‬متطورة‭ ‬ومساحات‭ ‬مناسبة‭ ‬لعقد‭ ‬الندوات‭.‬

 

مسجد‭ ‬الخميس‭ ‬ذو‭ ‬المنارتين

هو‭ ‬أقدم‭ ‬مسجد‭ ‬مازال‭ ‬باقيًا‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬ويعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الميلادي،‭ ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬البحرينية‭ ‬بالاعتناء‭ ‬بموقع‭ ‬مسجد‭ ‬الخميس،‭ ‬وإلحاق‭ ‬متحف‭ ‬بالقرب‭ ‬منه‭ ‬حفظًا‭ ‬لتراثه‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البلاد‭ ‬القديمة،‭ ‬وتلفت‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬والبقايا‭ ‬الأثرية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬الماء‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬للاستقرار‭ ‬والسكن،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬التنقيبات‭ ‬بالكربون‭ ‬المشع،‭ ‬والتي‭ ‬أجريت‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬المياه‭ ‬الواقعة‭ ‬بجانب‭ ‬عين‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬زيدان‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاستيطان‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الميلادي‭. ‬

كما‭ ‬يتحدث‭ ‬الإدريسي‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬بمنتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬عن‭ ‬عين‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬زيدان‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نزهة‭ ‬المشتاق‮»‬،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬خريطته‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1154‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التفاصيل،‭ ‬حيث‭ ‬يظهر‭ ‬عليها‭ ‬فقط‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬أوال،‭ ‬جزيرة‭ ‬البحرين‮»‬‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الواقع‭ ‬بين‭ ‬مدينتي‭ ‬سيراف‭ ‬والقطيف‭.‬

وقد‭ ‬سمي‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ ‬بمسجد‭ ‬الخميس‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬الخميس‭ ‬الشعبي‭ ‬التراثي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُعقد‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وكان‭ ‬يجمع‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬قاطبة،‭ ‬ورواده‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬بالبحرين،‭ ‬وكان‭ ‬ملتقى‭ ‬للأصدقاء‭ ‬والأهل،‭ ‬وتباع‭ ‬فيه‭ ‬منتجات‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة،‭ ‬مثل‭ ‬الرفاع،‭ ‬حيث‭ ‬يجلبون‭ ‬منها‭ ‬الطين‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬غسل‭ ‬الرأس،‭ ‬ومن‭ ‬البديع‭ ‬يجلبون‭ ‬السلال‭ ‬والحصير‭ ‬و‭(‬السبابيق‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬سلة‭ ‬تجمع‭ ‬فيها‭ ‬التمر،‭ ‬ومن‭ ‬المنامة‭ ‬يأتون‭ ‬بالمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والأقمشة‭ ‬والحلوى،‭ ‬ومن‭ ‬عالي‭ ‬يحضرون‭ ‬الأدوات‭ ‬الفخارية‭ ‬والنارجيلة،‭ ‬ومن‭ ‬مناطق‭ ‬كرباباد‭ ‬ومنطقة‭ ‬بني‭ ‬جمرة‭ ‬يجلبون‭ ‬الملابس‭ ‬والأردية،‭ ‬وكانت‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬مجموعات؛‭ ‬فالحبال‭ ‬في‭ ‬ناحية،‭ ‬والغنم‭ ‬في‭ ‬ناحية،‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬صيفًا‭ ‬كالرطب،‭ ‬والأدوات‭ ‬المنزلية‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النخيل،‭ ‬مثل‭ ‬السفرة‭ ‬والجفير‭ ‬والسبت‭ ‬والمنخل‭.‬

وفي‭ ‬الشتاء‭ ‬تجلب‭ ‬التمور‭ ‬والحيوانات‭ ‬والحمير‭ ‬والغنم‭ ‬والدجاج‭ ‬والبيض‭. ‬وكان‭ ‬رواد‭ ‬السوق‭ ‬كلهم‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬سوق‭ ‬الأربعاء‭ ‬مختلطًا‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬وبدأ‭ ‬بالانحسار‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬زحف‭ ‬العمران‭ ‬وتزايد‭ ‬المقاهي‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬روّادها‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الذين‭ ‬يقضون‭ ‬وقتًا‭ ‬لانتظار‭ ‬الحافلات‭ ‬القريبة‭. ‬وكانت‭ ‬مدرسة‭ ‬الخميس‭ ‬تقع‭ ‬جنوب‭ ‬مسجد‭ ‬الخميس،‭ ‬وهي‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبان‭ ‬وبلا‭ ‬سور‭ ‬للمدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬للتسلية‭ ‬لا‭ ‬للدراسة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مركز‭ ‬شرطة‭ ‬الخميس‭ ‬التابع‭ ‬للمنطقة،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬آثار‭ ‬مسجد‭ ‬الخميس‭ ‬بارزة‭ ‬إلى‭ ‬وقتنا‭.‬

 

قلعة‭ ‬البحرين

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نزور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬قلعة‭ ‬البحرين،‭ ‬التي‭ ‬أدرجت‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬مواقع‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬ويزيد‭ ‬عمرها‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬وقبل‭ ‬المسيحية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬فيها‭ ‬آثارًا‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬دلمون‭. ‬وهي‭ ‬تسمى‭ ‬أحيانًا‭ ‬بقلعة‭ ‬البرتغاليين،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬استخدمها‭ ‬هم‭ ‬البرتغاليون‭ ‬قبل‭ ‬500‭ ‬سنة‭.‬

وقد‭ ‬عاصرت‭ ‬عدة‭ ‬حقب،‭ ‬فوفد‭ ‬البرتغاليون‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬خلال‭ ‬حركة‭ ‬الكشوفات‭ ‬الجغرافية‭ ‬بالنهضة‭ ‬الأوربية،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الأوربيون‭ ‬من‭ ‬البرتغاليين‭ ‬والفرنسيين‭ ‬والإسبان‭ ‬والهولنديين‭ ‬يتسابقون‭ ‬في‭ ‬الاستكشاف‭ ‬والسيطرة‭ ‬للاستعمار‭ ‬والقرصنة‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬عددًا‭.‬

كان‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬آنذاك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬3‭ ‬قارات،‭ ‬هي‭ ‬أوربا‭ ‬وآسيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬وكان‭ ‬البحارة‭ ‬يخرجون‭ ‬بالسفن‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬طارق‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ويدخلون‭ ‬الخليج‭ ‬كمحطة‭ ‬في‭ ‬اتجاههم‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬حيث‭ ‬تجارة‭ ‬التوابل،‭ ‬وكانت‭ ‬أكبر‭ ‬سوق‭ ‬للدول‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭.‬

وقد‭ ‬واجه‭ ‬البرتغاليون‭ ‬مقاومة‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬عدوين‭ ‬لدودين،‭ ‬هما‭ ‬العمانيون‭ ‬والفرس،‭ ‬وتم‭ ‬طرد‭ ‬البرتغاليين‭ ‬منها‭ ‬قبل‭ ‬200‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العمانيين‭ ‬الذين‭ ‬استقروا‭ ‬فيها‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

 

البحرين‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخليجية

وبنظرة‭ ‬مستقبلية‭ ‬تقول‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭: ‬‮«‬أرى‭ ‬البحرين‭ ‬بسماحتها‭ ‬وانفتاحها‭ ‬وتعدد‭ ‬الثقافات‭ ‬في‭ ‬مجتمعها،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬الزائر‭ ‬ما‭ ‬يميّزها‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬والمضمون‭ ‬والمعالم،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تكريسه‭ ‬كوجهة‭ ‬لسياحة‭ ‬ثقافية‭ ‬وما‭ ‬نتمناه‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ولكل‭ ‬دولة‭ ‬خليجية‭ ‬تعتز‭ ‬بإرثها‭ ‬الحضاري،‭ ‬فالدول‭ ‬تشابهت،‭ ‬وإذا‭ ‬بحثنا‭ ‬عن‭ ‬العمارات‭ ‬الأسمنتية‭ ‬والعمران‭ ‬الحديث‭ ‬فهي‭ ‬مكررة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان،‭ ‬لكن‭ ‬الخصوصية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬نبحث‭ ‬عنها،‭ ‬ونحن‭ ‬بلد‭ ‬غني‭ ‬فيما‭ ‬يميزه‭.‬

وقد‭ ‬استضافت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬‮«‬المحرق‭ ‬عاصمة‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ ‬أول‭ ‬معرض‭ ‬كبير‭ ‬كان‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬الآثار‭ ‬الإسلامية‭ ‬بدولة‭ ‬الكويت،‭ ‬حيث‭ ‬قدّم‭ ‬المعرض‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التحف‭ ‬الإسلامية‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬النشاط‭ ‬الثقافي،‭ ‬وجددت‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬الشكر‭ ‬للشيخة‭ ‬حصة‭ ‬الصباح‭ ‬على‭ ‬دعمها‭ ‬المتواصل،‭ ‬لافتة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دعمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬يأتي‭ ‬دائمًا‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الجميع‭. ‬

وتضيف‭: ‬‮«‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬الختام‭ ‬بمعرض‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬للملابس‭ ‬والحليّ‭ ‬والمجوهرات،‭ ‬فدائمًا‭ ‬تكاملنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬كل‭ ‬شعوبنا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نعوّل‭ ‬عليه‭ ‬لمستقبل‭ ‬أجمل،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مذكرات‭ ‬تفاهم،‭ ‬فالتعاون‭ ‬والتفاهم‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬كلها‭ ‬موجودة‭ ‬منذ‭ ‬الخليقة،‭ ‬والشعوب‭ ‬الخليجية‭ ‬بينها‭ ‬أواصر‭ ‬قرابة‭ ‬ومودة‭ ‬وتلاحُم‭ ‬وتكامل،‭ ‬وهذه‭ ‬المذكرات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬توقيعها‭ ‬شكلية،‭ ‬فالتعاون‭ ‬موجود،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مذكرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‮»‬‭.‬

وذكرت‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬ليكون‭ ‬هناك‭ ‬يوم‭ ‬للفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬فالفنون‭ ‬الإسلامية‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬يُحتفى‭ ‬بها،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تاريخ‭ ‬معيّن‭ ‬مختص‭ ‬بها،‭ ‬مثلما‭ ‬للمتاحف‭ ‬يوم‭ ‬وللطفل‭ ‬يوم‭ ‬وللقراءة‭ ‬يوم،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬يوم‭ ‬للفنون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تخاطب‭ ‬جميع‭ ‬الشرائح‭ ‬والمستويات،‭ ‬لأنها‭ ‬فن‭ ‬الإنسان‭ ‬ودائمًا‭ ‬الفنون‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬نقدم‭ ‬بها‭ ‬أنفسنا‭ ‬للعالم؟‮»‬‭.‬

قصة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬حكايات‭ ‬يرويها‭ ‬الأجداد‭ ‬لأحفادهم‭ ‬والمسنون‭ ‬لبعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬سرد‭ ‬حكائي‭ ‬جميل‭ ‬متوّج‭ ‬بجمالية‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬آهات‭ ‬العاملين‭ ‬على‭ ‬جمعه،‭ ‬وآلامهم‭ ‬وزفرات‭ ‬الشوق‭ ‬والفقد‭ ‬لأهالي‭ ‬الغواصين‭ ‬الغائبين‭ ‬عن‭ ‬اليابسة‭ ‬لشهور‭ ‬غير‭ ‬معلومة،‭ ‬وهي‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشاملة‭ ‬المشتركة‭ ‬لحياة‭ ‬تاريخية‭ ‬ومعارف‭ ‬تقليدية‭ ‬تعطي‭ ‬معنى‭ ‬للهوية‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬

العمارة‭ ‬البحرينية‭ ‬الأصيلة‭ ‬في‭ ‬ممر‭ ‬اللؤلؤ

قلعة‭ ‬بوماهر‭ - ‬تقع‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬

جانب‭ ‬خارجي‭ ‬لمحطة‭ ‬لقيميتنا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬استراحة‭ ‬بين‭ ‬جلسات‭ ‬عصرية‭ ‬وتراثية