على المقعد الساخن في مجلس الأمن

على المقعد الساخن في مجلس الأمن

في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬1979،‭ ‬توليت‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وهي‭ ‬الرئاسة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬شهريًا‭ ‬على‭ ‬الأعضاء،‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬ينالها‭ ‬مرتين،‭ (‬لأن‭ ‬عدد‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬15‭ ‬عضوًا،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬أشهر‭ ‬السنة‭)‬،‭ ‬ووفق‭ ‬الأحرف‭ ‬الأبجدية‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬في‭ ‬فترتين،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬نصيبنا‭ ‬شهرًا‭ ‬واحدًا‭.‬

كان‭ ‬قبلي‭ ‬سفير‭ ‬جامايكا،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬تدخّل‭ ‬فيتنام‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬كمبوديا،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬ليس‭ ‬مستبدًا‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬رئيسه‭ ‬بول‭ ‬بوت‭ ‬جزّارًا،‭ ‬أخرج‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬إلى‭ ‬الأرياف‭ ‬وفتك‭ ‬بخصومه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬مجموعة‭ ‬الآسيان،‭ ‬وهي‭ ‬إندونيسيا‭ ‬وماليزيا‭ ‬والفلبين‭ ‬وتايلند‭ ‬وسنغافورة،‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬جاءت‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المفاجآت‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬ليدافع‭ ‬عن‭ ‬كمبوديا‭ ‬هو‭ ‬الأمير‭ ‬سيهانوك،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أميرًا‭ ‬ثم‭ ‬ملكًا،‭ ‬ثم‭ ‬مواطنًا‭ ‬يقود‭ ‬بلا‭ ‬ملكية،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬فوز‭ ‬الشيوعيين‭ ‬انزوى‭ ‬في‭ ‬بكين‭. ‬

قدّم‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬كمبوديا‭ ‬شكوى،‭ ‬وطلب‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الانعقاد،‭ ‬وعقد‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الاجتماعات‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬1979،‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬المداولات‭ ‬جميع‭ ‬ممثلي‭ ‬الآسيان،‭ ‬واليابان،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭.‬

كانت‭ ‬الأجواء‭ ‬متوترة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬المؤيد‭ ‬لفيتنام‭ ‬وبين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وبين‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬والصين‭ ‬التي‭ ‬تؤيد‭ ‬كمبوديا،‭ ‬تحرّكنا‭ ‬نحن‭ ‬مجموعة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز؛‭ ‬نيجيريا‭ ‬والكويت‭ ‬وبوليفيا‭ ‬والجابون‭ ‬وبنغلادش‭ ‬وزامبيا،‭ ‬لتقديم‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬لا‭ ‬يدين‭ ‬فيتنام،‭ ‬بل‭ ‬يطالبها‭ ‬بالانسحاب‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل،‭ ‬واحترام‭ ‬السلامة‭ ‬الإقليمية‭ ‬لكمبوديا‭.‬

‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المساعي،‭ ‬فمع‭ ‬الأسف‭ ‬لجأ‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬إلى‭ ‬الفيتو،‭ ‬وأسقط‭ ‬مشروع‭ ‬القرار،‭ ‬والواقع‭ ‬أنني‭ ‬شخصيًا‭ ‬صُغت‭ ‬القرار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬مشروعه‭ ‬الذي‭ ‬طرحته‭ ‬مجموعة‭ ‬الآسيان‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬بتاتًا،‭ ‬ويزيد‭ ‬المواجهة،‭ ‬ويصعّد‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

كان‭ ‬دوري‭ ‬الشخصي‭ ‬أن‭ ‬أقدّم‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬علنية،‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬زعدم‭ ‬الانحيازس،‭ ‬وفيه‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬واحترام‭ ‬الميثاق‭. ‬

ومن‭ ‬سوء‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬الأمير‭ ‬سيهانوك،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬مدافعًا‭ ‬عن‭ ‬كمبوديا،‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬للمناقشة،‭ ‬وأدخل‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬حدثت‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬زعماء‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬القذافي‭ ‬وكاسترو‭ ‬وزعماء‭ ‬آخرين،‭ ‬مشهّرًا‭ ‬بالاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وأطماعه،‭ ‬بلغة‭ ‬حادة،‭ ‬وبتمثيل‭ ‬لم‭ ‬تعتده‭ ‬جلسات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬

 

سيهانوك

كان‭ ‬سيهانوك‭ ‬مواليًا‭ ‬للصين،‭ ‬ولم‭ ‬يعبأ‭ ‬بوقار‭ ‬المجلس،‭ ‬وأحرج‭ ‬السفير‭ ‬السوفييتي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رقيقًا‭ ‬متحضرًا،‭ ‬وكان‭ ‬المترجم‭ ‬الشخصي‭ ‬للزعيم‭ ‬المشهور‭ ‬خروشوف‭ ‬قبل‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬ولم‭ ‬يتحمل‭ ‬مسرحيات‭ ‬سيهانوك،‭ ‬وتدخّل‭ ‬بطريقة‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أزمة،‭ ‬فتدخلت‭ ‬أطلب‭ ‬الأمير‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الغليظ‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعتده‭ ‬المجلس،‭ ‬وانتهت‭ ‬الجلسة‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬القرار‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الفيتو‮»‬‭ ‬السوفييتي‭.‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬الأمير‭ ‬سيهانوك،‭ ‬بعد‭ ‬الجلسة‭ ‬الصاخبة،‭ ‬طلبني‭ ‬لتناول‭ ‬الشاي‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬جناحه‭ ‬بالفندق‭ ‬المشهور‭ ‬زوالدوف‭ ‬استورياس‭ ‬الذي‭ ‬يسكنه‭ ‬الرؤساء‭ ‬عند‭ ‬زيارة‭ ‬نيويورك‭. ‬

فذهبنا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬ومعي‭ ‬سفير‭ ‬بنغلادش،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬سفيرًا‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬وتناولنا‭ ‬الشاي‭ ‬مع‭ ‬الأمير‭ ‬وزوجته‭ ‬الأنيقة‭ ‬الأميرة‭ ‬منى‭. ‬

والغريب‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬الأمير‭ ‬سيهانوك‭ ‬مهتم‭ ‬بالقرار‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬بسبب‭ ‬الفيتو،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬متأثرًا‭ ‬من‭ ‬صدامه‭ ‬مع‭ ‬الكتلة‭ ‬السوفييتية‭ (‬حلف‭ ‬وارسو‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬مرحًا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬الخاصة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬ملكًا‭ ‬ثم‭ ‬أميرًا‭ ‬ثم‭ ‬منفيًا‭ ‬في‭ ‬بكين‭. ‬

الحق‭ ‬أن‭ ‬الأمير‭ ‬سيهانوك‭ ‬رواية‭ ‬إنسانية‭ ‬تنقّل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المجد‭ ‬والصولجان‭ ‬إلى‭ ‬التنازل،‭ ‬ليحتكّ‭ ‬مباشرة‭ ‬بالشعب،‭ ‬ثم‭ ‬يخرج‭ ‬منفيًا،‭ ‬ويظل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مؤثرًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬كمبوديا،‭ ‬باختصار‭ ‬كنت‭ ‬أتابع‭ ‬سلوكه‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬الفندق،‭ ‬وكنت‭ ‬مقتنعًا‭ ‬بأن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬معي‭ ‬كان‭ ‬ملكًا‭ ‬أرستقراطيًا‭ ‬قرر‭ ‬التنازل‭ ‬باختياره،‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الملوك‭ ‬يتحولون‭ ‬إلى‭ ‬أمراء‭ ‬ثم‭ ‬زعماء‭ ‬سياسة،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬المنفى‭ ‬والعزل‭. ‬

في‭ ‬فبراير‭ ‬1979،‭ ‬توليت‭ ‬الرئاسة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قضية‭ ‬كمبوديا‭ ‬قد‭ ‬طويت،‭ ‬رغم‭ ‬الفيتو‭ ‬السوفييتي،‭ ‬حيث‭ ‬فوجئت‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬بأخبار‭ ‬عن‭ ‬غزو‭ ‬قوات‭ ‬صينية‭ ‬لأراضي‭ ‬فيتنام،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬متوقعًا‭ ‬ذلك،‭ ‬فاتصلت‭ ‬بسفير‭ ‬الصين،‭ ‬وطلبت‭ ‬حضوره‭ ‬لمقابلتي،‭ ‬وجاء‭ ‬ليبلغني‭ ‬بأن‭ ‬الأمر‭ ‬بسيط‭ ‬جدًا‭ ‬لا‭ ‬يستدعي‭ ‬القلق،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬تأديب‭ ‬على‭ ‬الأصابع‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬ردّي‭ ‬أنها‭ ‬عملية‭ ‬غزو‭ ‬مرفوضة،‭ ‬وأنني‭ ‬مضطر‭ ‬لإجراء‭ ‬مداولات‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬لتحديد‭ ‬أسلوب‭ ‬التصرف‭. ‬

وفي‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نتجادل‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬تسلّمت‭ ‬طلبًا‭ ‬من‭ ‬كمبوديا‭ ‬لعقد‭ ‬اجتماع‭ ‬للمجلس‭ ‬لبحث‭ ‬وجود‭ ‬القوات‭ ‬الفيتنامية‭ ‬في‭ ‬كمبوديا،‭ ‬وهي‭ ‬لعبة‭ ‬واضحة،‭ ‬وبتحريك‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينشغل‭ ‬المجلس‭ ‬بمشكلتها‭ ‬مع‭ ‬فيتنام‭. ‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬وفد‭ ‬الصين‭ ‬صريحًا‭ ‬معي،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬العملية‭ ‬ضرب‭ ‬أصابع،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فاستدعيت‭ ‬السفير،‭ ‬وكان‭ ‬الجو‭ ‬باردًا‭ ‬يتساقط‭ ‬فيه‭ ‬الثلج‭ ‬بكثافة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬فانتهزها‭ ‬وفد‭ ‬الصين‭ ‬فرصة‭ ‬ليشرح‭ ‬لي‭ ‬المترجم،‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف،‭ ‬أن‭ ‬الوفد‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬سيارات‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الصقيع‭ ‬غير‭ ‬المتوقع،‭ ‬فضحكت‭ ‬وأشرت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬سترسل‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يؤمّن‭ ‬وصوله،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭. ‬

 

جدول‭ ‬الأعمال

كان‭ ‬وفد‭ ‬الصين‭ ‬متحرجًا،‭ ‬ويطلب‭ ‬مني‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬أبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدي‭ ‬لإبعاده‭ ‬عن‭ ‬الإدانة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬بكلمات‭ ‬قليلة‭. ‬

في‭ ‬منتصف‭ ‬فبراير‭ ‬بعد‭ ‬أيام،‭ ‬تطور‭ ‬الموقف،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬المشاورات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬لجميع‭ ‬الأعضاء‭. ‬

كانت‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة؛‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬الذي‭ ‬يقره‭ ‬المجلس‭ ‬قبل‭ ‬الاجتماعات؟،‭ ‬كانت‭ ‬أمامي‭ ‬رسالتان،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كمبوديا،‭ ‬والأخرى‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬ضد‭ ‬الصين،‭ ‬المهم‭ ‬بعد‭ ‬مشاورات‭ ‬اتفقت‭ ‬مع‭ ‬الأعضاء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ (‬الوضع‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا،‭ ‬رسالة‭ ‬كمبوديا،‭ ‬ثم‭ ‬رسالة‭ ‬فيتنام‭).‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬غير‭ ‬مُرْض‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أسبقية‭ ‬لرسالة‭ ‬كمبوديا،‭ ‬لكننا‭ ‬احتكمنا‭ ‬للسبق‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬عقد‭ ‬المجلس،‭ ‬فسكت‭ ‬المندوب‭ ‬غير‭ ‬مقتنع‭. ‬

وبدأت‭ ‬المناقشات‭ ‬المفتوحة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وتحدث‭ ‬فيه‭ ‬أربعون‭ ‬متحدثًا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬كوبا‭ ‬الديماجوجي‭ ‬في‭ ‬مداخلاته،‭ ‬والآسيان‭ ‬واليابان،‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭. ‬

كان‭ ‬لدينا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المتحدثين،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬مشروع‭ ‬قرار،‭ ‬فمجموعة‭ ‬الآسيان‭ ‬قدمت‭ ‬مشروعًا‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬يناير،‭ ‬وترفض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وواشنطن‭ ‬تقديم‭ ‬مشروع‭ ‬قرار،‭ ‬لأن‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬ومع‭ ‬الصين‭ ‬لها‭ ‬حساسيات،‭ ‬فلا‭ ‬تريد‭ ‬إرضاء‭ ‬الصين‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬مجاملة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬وكانت‭ ‬تنتظر‭ ‬التحرك‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭. ‬

 

بين‭ ‬الرفض‭ ‬والضغط‭ ‬

أدركت‭ ‬مجموعة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تريدها‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬وتتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬والصين،‭ ‬وقد‭ ‬تحدثت‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬سفراء‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬فرفضوا‭ ‬بسبب‭ ‬أمرين؛‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬استخدم‭ ‬الفيتو‭ ‬ضد‭ ‬مشروع‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬بشأن‭ ‬كمبوديا،‭ ‬والثاني‭ ‬أنها‭ ‬رأت‭ ‬ألا‭ ‬مصلحة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬إزعاج‭ ‬أي‭ ‬طرف،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬للغرب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يصوغها‭ ‬في‭ ‬مشروع‭. ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬المناقشة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬فبراير‭ ‬دون‭ ‬هدف،‭ ‬وبلا‭ ‬توجّه‭ ‬يساعد‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مواقفها،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬المعنية‭ - ‬مثل‭ ‬الآسيان‭ - ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬المجلس‭ ‬بالتحرك‭. ‬

كانت‭ ‬علاقتي‭ ‬بالأمين‭ ‬العام‭ ‬كورت‭ ‬فالدهايم،‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬متبادلة‭ ‬وتتميز‭ ‬بالاطمئنان،‭ ‬وكنا‭ ‬نتشاور،‭ ‬لأنه‭ ‬أيضًا‭ ‬تعرّض‭ ‬للضغط،‭ ‬وكان‭ ‬يبلغني‭ ‬عن‭ ‬اتصالاته‭ ‬مع‭ ‬السوفييت‭ ‬والصين،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يرفض‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعات‭ ‬تشاورية‭ ‬أو‭ ‬رسمية‭. 

كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬يرفض‭ ‬جلوس‭ ‬كمبوديا‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المجلس،‭ ‬وكان‭ ‬وفد‭ ‬الصين‭ ‬يمارس‭ ‬الوضع‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬فيتنام‭. ‬

فاقترحت‭ ‬على‭ ‬الوفدين‭ ‬أن‭ ‬يتكلم‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬دوره،‭ ‬ثم‭ ‬ينسحب‭ ‬من‭ ‬الطاولة‭ ‬إلى‭ ‬مقاعد‭ ‬الوفود‭ ‬الجانبية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬سهلًا‭ ‬القبول‭ ‬بذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الوضع‭ ‬يتطلب‭ ‬الحسم،‭ ‬وقبلا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدل‭. ‬

 

حالة‭ ‬نادرة

قدّم‭ ‬وفد‭ ‬الصين‭ ‬مشروع‭ ‬قرار،‭ ‬وهذه‭ ‬حالة‭ ‬نادرة‭ ‬جدًا،‭ ‬فالصين‭ ‬لا‭ ‬تتكلم‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ولا‭ ‬تتجاوز‭ ‬كلمات‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬فقط‭. ‬

وقلت‭ ‬لسفير‭ ‬الصين‭ ‬إنني‭ ‬سأقدم‭ ‬المشروع‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬المشاورات،‭ ‬وتوزيعه‭ ‬كوثيقة‭ ‬فقط‭ ‬دون‭ ‬مناقشته،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعلت‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬الذي‭ ‬قدّم‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬لكي‭ ‬يقتل‭ ‬نظيره‭ ‬الصيني،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬السماح‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬منهما‭ ‬بتقديم‭ ‬مشروع‭ ‬داخل‭ ‬قاعة‭ ‬المشاورات،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اختلافات‭ ‬كثيرة‭. ‬

وبدأت‭ ‬المناقشة‭ ‬المفتوحة،‭ ‬كان‭ ‬الوفد‭ ‬السوفييتي‭ ‬ينسحب‭ ‬عندما‭ ‬يتحدث‭ ‬مندوب‭ ‬كمبوديا‭ ‬ويترك‭ ‬المقعد‭ ‬لموظفة‭ ‬صغيرة،‭ ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬الأمير‭ ‬سيهانوك‭ ‬تماماً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدّم‭ ‬لوحة‭ ‬تمثيلية‭ ‬ضد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭. ‬

كما‭ ‬حاولت‭ ‬مجموعة‭ ‬الآسيان‭ ‬تقديم‭ ‬مشروع،‭ ‬لكن‭ ‬مجموعة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬رفضته،‭ ‬كما‭ ‬رفضت‭ ‬المشروع‭ ‬السوفييتي،‭ ‬ومشروع‭ ‬الصين،‭ ‬وخلت‭ ‬القاعة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مشروع،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬احتمال‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬للمبادرة‭. ‬

كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬هي‭ ‬الصخرة‭ ‬الصلبة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أعتمد‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬دونها‭ ‬لا‭ ‬نجاح‭ ‬لأي‭ ‬مشروع،‭ ‬ومن‭ ‬دونها‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أتعثّر‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬الذي‭ ‬اقترحته،‭ ‬فالسوفيات‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بشكوى‭ ‬كمبوديا،‭ ‬والصين‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بشكوى‭ ‬فيتنام،‭ ‬فاقترحت‭ ‬عليهما‭ ‬تسجيل‭ ‬تحفظاتهما‭ ‬في‭ ‬وثائق‭ ‬المجلس،‭ ‬ووافقتا،‭ ‬لأنهما‭ ‬يعرفان‭ ‬أن‭ ‬زعدم‭ ‬الانحيازس‭ ‬تقف‭ ‬معي‭. ‬

كانت‭ ‬أسئلة‭ ‬تثار‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬المتوتر،‭ ‬متى‭ ‬يتحرك‭ ‬الرئيس،‭ ‬وهل‭ ‬من‭ ‬واجبه‭ ‬التحرك،‭ ‬ولماذا‭ ‬يتحرك؟‭ ‬

 

عجز‭ ‬وفراغ

هذه‭ ‬أسئلة‭ ‬كنت‭ ‬أواجهها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التصلب‭ ‬من‭ ‬الطرفين،‭ ‬مع‭ ‬كتلة‭ ‬ثالثة‭ ‬هي‭ ‬المجموعة‭ ‬الغربية،‭ ‬تلحّ‭ ‬بأن‭ ‬يتحرك‭ ‬الرئيس،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬عجزًا‭ ‬يولّد‭ ‬فراغًا‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬سمعة‭ ‬المجلس‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬حول‭ ‬ضعف‭ ‬المنظمة‭ ‬وشللها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الشائكة‭. ‬

وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬لا‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬سفراء‭ ‬عاديين،‭ ‬نحتكم‭ ‬معهم‭ ‬بالمنطق‭ ‬ووفق‭ ‬مبادئ‭ ‬الميثاق،‭ ‬بل‭ ‬مع‭ ‬كتل‭ ‬لها‭ ‬أحلاف‭ ‬ومكانة‭ ‬ونفوذ‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬أجزاء‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬ولها‭ ‬آليات‭ ‬منها‭ ‬مجموعات‭ ‬داخل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تؤيد‭ ‬هذه‭ ‬الكتلة‭ ‬أو‭ ‬الأخرى‭. ‬

كان‭ ‬بإمكاني‭ ‬أن‭ ‬أمارس‭ ‬الأسلوب‭ ‬السلبي‭ ‬وأترك‭ ‬الصراع‭ ‬يتصاعد‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الكتل،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬السلامة‭ ‬الشخصية‭ ‬والآمنة‭ ‬من‭ ‬الانتقاد‭. ‬

لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مقبولًا‭ ‬لي،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬رئيسًا‭ ‬للمجلس‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬9‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬المنظمة،‭ ‬تابعت‭ ‬جلساتها‭ ‬وعرفت‭ ‬ضوابطها،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬لجانها،‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬أدائها‭ ‬بمنتديات‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وخارجها،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬خيار‭ ‬الاستكانة‭ ‬أو‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬سلبية‭ ‬تترك‭ ‬المداولات‭ ‬ترسم‭ ‬واقعها،‭ ‬وليكن‭ ‬ما‭ ‬يكون‭. ‬

استجبت‭ ‬لأثقال‭ ‬المسؤولية‭ ‬ولم‭ ‬أخش‭ ‬الفشل،‭ ‬فمهما‭ ‬كانت‭ ‬الحصيلة،‭ ‬فإن‭ ‬سجلات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ووثائق‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ستنصف‭ ‬جهودي،‭ ‬وقد‭ ‬جمعت‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬نطق‭ ‬بها‭ ‬ممثلو‭ ‬الدول،‭ ‬وهي‭ ‬اجتهادات‭ ‬منهم،‭ ‬لتجاوز‭ ‬القضية،‭ ‬وصغتها‭ ‬بأسلوب‭ ‬مقبول،‭ ‬واخترت‭ ‬المسارات‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بينها،‭ ‬وابتعدت‭ ‬عن‭ ‬المشاعر‭ ‬المعبّرة‭ ‬عن‭ ‬الغضب‭ ‬والإدانة‭ ‬ونزعة‭ ‬الانتقام‭. ‬

 

إجماع‭ ‬وانزعاج

قدمتها‭ ‬في‭ ‬مشاورات‭ ‬استمرت‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬فبراير‭ ‬إلى‭ ‬28‭ ‬منه،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الجانب‭ ‬السوفييتي‭ ‬سعيدًا‭ ‬بعملي،‭ ‬لأنه‭ ‬يدرك‭ ‬أنني‭ ‬سأتّبع‭ ‬الحق‭ ‬والحياد،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يريد‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أصوغ‭ ‬شيئًا،‭ ‬ويميل‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الموضوع‭ ‬دون‭ ‬قرار،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي‭ ‬يدعمني‭ ‬ويشجعني،‭ ‬ويريد‭ ‬منّي‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬لومًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أسمّي‭ ‬أحدًا،‭ ‬وكنت‭ ‬أرفض‭ ‬مع‭ ‬اتفاقي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬شيئًا‭ ‬يقبله‭ ‬الجميع،‭ ‬وكان‭ ‬همّي‭ ‬الإجماع،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬سعيت‭ ‬إليه،‭ ‬ودفعني‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬4‭ ‬مسودات‭ ‬واحدة‭ ‬بعد‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬سهلة‭ ‬لا‭ ‬تثير،‭ ‬لكن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬كان‭ ‬مسكونًا‭ ‬بالانزعاج،‭ ‬لأن‭ ‬الصين‭ ‬أسقطت‭ ‬مكاسبه‭ ‬التي‭ ‬نالها‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬حكومة‭ ‬كمبوديا،‭ ‬ولهذا‭ ‬كان‭ ‬السفير‭ ‬السوفييتي‭ ‬يهمس‭ ‬في‭ ‬أذني‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬مساعيكم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬وفد‭ ‬الصين‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬أسكت‭ ‬عن‭ ‬مضايقته‭ ‬بعدم‭ ‬طرح‭ ‬قرار‭ ‬عن‭ ‬غزوه‭ ‬فيتنام‭.‬

كنت‭ ‬حزينًا‭ ‬لأنني‭ ‬متصور‭ ‬بأن‭ ‬النجاح‭ ‬مضمون،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الصين‭ ‬تعارض‭ ‬مشروعي‭ ‬حول‭ ‬فيتنام،‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬يهدد‭ ‬بالفيتو،‭ ‬ولهذا‭ ‬ألقيت‭ ‬كلمة‭ ‬ممثلًا‭ ‬عن‭ ‬الكويت‭ ‬ومعبّرًا‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الرئاسة،‭ ‬قلت‭ ‬فيها‭ ‬بأوضح‭ ‬العبارات‭ ‬إن‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬عند‭ ‬الأزمات‭ ‬يشعر‭ ‬بالوحدة،‭ ‬لأنه‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المقترحات‭ ‬والنصائح،‭ ‬لكن‭ ‬القرار‭ ‬بيده‭ ‬فقط،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬حكمته‭ ‬وعلى‭ ‬حجم‭ ‬المشاورات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها،‭ ‬وعلى‭ ‬حبه‭ ‬للمبادرة‭.‬

كان‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬ولم‭ ‬يساعدني‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬توافق‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬

كان‭ ‬أملي‭ ‬أن‭ ‬أستخرج‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬الغابة‭ ‬بين‭ ‬الأسود،‭ ‬ولم‭ ‬أنجح،‭ ‬لكنني‭ ‬أرضيت‭ ‬ضميري،‭ ‬وخرجت‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الارتياح‭.‬

 

الحرب‭ ‬الباردة

انتهت‭ ‬المناقشة‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬1979،‭ ‬بلا‭ ‬قرار،‭ ‬لكن‭ ‬التطورات‭ ‬اللاحقة‭ ‬بدلت‭ ‬الكثير‭. ‬

بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬أصبح‭ ‬التوافق‭ ‬يتسيّد‭ ‬أعمال‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وصار‭ ‬أكثر‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬مداولاته‭ ‬وأكثر‭ ‬فعالية،‭ ‬وقد‭ ‬تجسّد‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬خلال‭ ‬معالجة‭ ‬المجلس‭ ‬للغزو‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭. ‬

اعتادت‭ ‬مراكز‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الاتصال‭ ‬بالسفراء‭ ‬الذين‭ ‬شغلوا‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لتقديم‭ ‬تجاربهم‭ ‬في‭ ‬كتيبات‭ ‬تصدرها،‭ ‬وقد‭ ‬عبّرت‭ ‬عن‭ ‬تجربتي‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬نادرة‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وبين‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬لم‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬ما‭ ‬يرضي‭ ‬الصين،‭ ‬ولا‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬فخرج‭ ‬الاثنان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قرار‭ ‬المجلس‭. ‬

لم‭ ‬يُرضني‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع،‭ ‬لكنه‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬يُرضِ‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬إدانة‭ ‬الصين،‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬عليها،‭ ‬ولم‭ ‬يُرض‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬أرادت‭ ‬إدانة‭ ‬فيتنام‭ ‬ولم‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬أيضًا‭.. ‬مع‭ ‬شعور‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الارتياح‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬لأن‭ ‬المجلس‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬نقد‭ ‬لهما‭ ‬رغم‭ ‬مساعي‭ ‬الرئيس‭. ‬ هذه‭ ‬حالة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬‭.

بشارة‭ (‬إلى‭ ‬اليمين‭) ‬متحدثاً‭ ‬إلى‭ ‬سفير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أندرو‭ ‬يونج