العرب وتحديات الديموغرافيا

العرب وتحديات الديموغرافيا

هل‭ ‬يمثّل‭ ‬الحجم‭ ‬السكاني‭ ‬تحديًا‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬ثروة‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية؟‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬متطابقة،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بالأوضاع‭ ‬والبلدان‭ ‬ومستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬فيها‭ ‬ونوعية‭ ‬الحياة،‭ ‬والتطور‭ ‬الصناعي‭ ‬والتكنولوجي‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬تعاني‭ ‬مصاعب‭ ‬اقتصادية‭ ‬مهمة،‭ ‬ولم‭ ‬تتطور‭ ‬قطاعاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمنشآت‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها‭ ‬بدرجة‭ ‬مناسبة،‭ ‬لتناسب‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬المتدفقين‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

وقد‭ ‬اتضح‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬والقرون‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬الصناعي‭ ‬وزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المدن‭ ‬يدفعان‭ ‬إلى‭ ‬بنية‭ ‬اجتماعية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الكيانات‭ ‬العائلية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬العائلة‭ ‬النووية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬الأبناء‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬اثنين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬بأقصى‭ ‬حد‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوربية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬مجتمعات‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية،‭ ‬ثم‭ ‬المجتمعات‭ ‬الآسيوية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بمراحل‭ ‬تطور‭ ‬اقتصادي‭ ‬مهمة‭ ‬تراجعت‭ ‬فيها‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬قياسية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭ ‬أصبحت‭ ‬تعاني‭ ‬انكماش‭ ‬السكان،‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أوربية‭ ‬عديدة،‭ ‬أو‭ ‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬أو‭ ‬الصين‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬بلوغ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭.‬

 

السكان‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية

قدّر‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬بنحو‭ ‬415‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬مصر‭ ‬98‭ ‬مليونًا،‭ ‬والجزائر‭ ‬41‭ ‬مليونًا،‭ ‬والسودان‭ ‬40‭ ‬والعراق‭ ‬38‭ ‬والمغرب‭ ‬36‭ ‬والسعودية‭ ‬32،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬الـ‭ ‬6‭ ‬تضم‭ ‬285‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬تمثّل‭ ‬68‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬سكان‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

وتضم‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬130‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬أعداد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭ ‬العالية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬الحكومات،‭ ‬وبمساعدة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬برامج‭ ‬لتحديد‭ ‬النسل‭ ‬وتنظيم‭ ‬الأسرة‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

وتقدر‭ ‬دراسات‭ ‬موثوقة‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬الإنجاب‭ ‬يقارب‭ ‬39‭ ‬لكل‭ ‬1000‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬سنويًا،‭ ‬ليظل‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬مرتفعًا،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعدلات‭ ‬آخذة‭ ‬بالتراجع‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬محددة،‭ ‬مثل‭ ‬البحرين‭ ‬ومصر‭ ‬وتونس‭ ‬ولبنان‭.‬

ولايزال‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬مرتفعًا،‭ ‬ويتراوح‭ ‬بين‭ ‬2‭.‬5‭ ‬و3‭.‬8‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬سنويًا‭. ‬ويعزو‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الديموغرافيا‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هيمنة‭ ‬القيم‭ ‬التقليدية‭ ‬والمفاهيم‭ ‬غير‭ ‬الحضرية‭ ‬وطبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتهميش‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬لا‭ ‬تحفز‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الحياة‭ ‬العائلية‭ ‬وترشيد‭ ‬السلوكيات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ومنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬الزواج‭ ‬المبكر،‭ ‬وعدم‭ ‬مراعاة‭ ‬التوجهات‭ ‬الهادفة‭ ‬لتحديد‭ ‬النسل‭.‬

وهناك‭ ‬تطورات‭ ‬ديموغرافية‭ ‬إيجابية،‭ ‬منها‭ ‬انخفاض‭ ‬أو‭ ‬تدني‭ ‬عدد‭ ‬وفيات‭ ‬الأطفال‭ ‬الصغار‭ ‬وتحسّن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصحية‭ ‬لكبار‭ ‬السن،‭ ‬بما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الحياة‭. ‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نعزو‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تحسّن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬تدني‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬أيضًا،‭ ‬برزت‭ ‬مظاهر‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬والمدن‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬رئيسة،‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬والعراق‭ ‬ولبنان‭ ‬والمغرب‭ ‬وتونس‭ ‬تمثّلت‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬العمر‭ ‬عند‭ ‬الزواج‭ ‬للذكور‭ ‬والإناث‭ ‬وتحكّم‭ ‬الأسر‭ ‬الجديدة‭ ‬بعدد‭ ‬الأطفال‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحسّن‭ ‬المستويات‭ ‬التعليمية‭ ‬وانخراط‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬عزّزا‭ ‬الشعور‭ ‬بأهمية‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الإنجاب‭ ‬ومواجهة‭ ‬متطلبات‭ ‬تعليم‭ ‬البناء‭.‬

وقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬تضاهي‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أوربية‭ ‬أو‭ ‬آسيوية‭ ‬أو‭ ‬بلدان‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬مقبولة‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهيمنة‭ ‬التقاليد‭ ‬المحافظة‭ ‬والمفاهيم‭ ‬غير‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬مجتمعية‭ ‬واسعة،‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬المتعلمين‭ ‬تعليمًا‭ ‬عاليًا‭.‬

وغني‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حاولت‭ ‬نشر‭ ‬مفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتأسيس‭ ‬العائلي‭ ‬والإنجاب‭ ‬وضرورة‭ ‬التحكم‭ ‬بالنسل،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬مسمى‭ ‬تنظيم‭ ‬الأسرة‭. ‬وقد‭ ‬حاولت‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬أن‭ ‬ترتقي‭ ‬بالوعي‭ ‬بين‭ ‬المواطنين،‭ ‬وربما‭ ‬نجح‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬شرائح‭ ‬مجتمعية‭ ‬مهمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬والأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى،‭ ‬مثل‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية‭ ‬وأسيوط،‭ ‬ظلت‭ ‬أسيرة‭ ‬لقيمها‭ ‬القديمة‭ ‬والمناوئة‭ ‬لمفاهيم‭ ‬تنظيم‭ ‬الأسرة‭.‬

وهناك‭ ‬ارتفاع‭ ‬كبير‭ ‬بأعداد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬وقد‭ ‬تضاعفت‭ ‬تلك‭ ‬الأعداد‭ ‬بشكل‭ ‬مثير‭ ‬للاهتمام،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬متطلبات‭ ‬البشر‭.‬

وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬مصر،‭ ‬وهي‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬تعداد‭ ‬السكان‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬22‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬لكن‭ ‬عددهم‭ ‬بلغ‭ ‬حاليًا‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬98‭ ‬مليونًا‭.  ‬كذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتعد‭ ‬تعداد‭ ‬سكانه‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950،‭ ‬ويقدر‭ ‬الآن‭ ‬بنحو‭ ‬38‭ ‬مليونًا‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬فيه‭ ‬تضاعف‭ ‬4‭.‬5‭ ‬مرات،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬6‭.‬7‭ ‬مرات‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬70‭ ‬عامًا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يتضاعف‭ ‬سوى‭ ‬بـ‭ ‬3‭.‬4‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬و2‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وإذا‭ ‬أجرينا‭ ‬القياس‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬الهند،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬معدلات‭ ‬التحضر‭ ‬والتطور‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬متفوقة‭ ‬بشكل‭ ‬مهم‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فإننا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬بأن‭ ‬الهند‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عهد‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1947،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬آليات‭ ‬الحكم‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والتعددية‭ ‬السياسية،‭ ‬قد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬إرساء‭ ‬مفاهيم‭ ‬حديثة‭ ‬وملائمة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الاستعماري‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أربعينيات‭ ‬أو‭ ‬أوائل‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

 

معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬مرتفعة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قورنت‭ ‬ببلدان‭ ‬متقدمة‭ ‬أو‭ ‬نامية‭. ‬ومعدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬هو‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الإنجاب،‭ ‬والذي‭ ‬يراوح‭ ‬بين‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬والخامسة‭ ‬والأربعين،‭ ‬وربما‭ ‬الخمسين‭. ‬ويصل‭ ‬هذا‭ ‬المعدل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬3‭.‬4‭ ‬و4‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬والسودان‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يراوح‭ ‬بين‭ ‬1‭.‬7‭ ‬و2‭.‬5‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ولبنان‭ ‬وسورية‭ ‬والمغرب‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أخذ‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬كمعدلات‭ ‬مقنعة،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تحسب‭ ‬النساء‭ ‬الوافدات‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحديد‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬الخليجيات‭ ‬مرتفعة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬وقطر‭ ‬والكويت‭ ‬والإمارات‭ ‬وعمان‭ ‬والبحرين،‭ ‬وقد‭ ‬تتجاوز‭ ‬4‭ ‬أطفال‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الإنجاب،‭ ‬وتظل‭ ‬المعدلات‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬مرتفعة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المعدل‭ ‬العالمي‭ ‬يساوي‭ ‬2‭.‬4‭ ‬طفل‭ ‬للمرأة،‭ ‬ولا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬1‭.‬9‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬و1‭.‬45‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬و2‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭.‬

وهناك‭ ‬محددات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬سبقت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها،‭ ‬منها‭ ‬تعليم‭ ‬المرأة‭ ‬وانخراطها‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وتأخر‭ ‬سن‭ ‬الزواج‭ ‬بما‭ ‬يحتم‭ ‬تراجع‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭. ‬إذًا،‭ ‬فإن‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضبط‭ ‬إمكانات‭ ‬تعليم‭ ‬المرأة‭ ‬ومنع‭ ‬زواج‭ ‬القاصرات‭ ‬أو‭ ‬صغيرات‭ ‬السن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشريعات‭ ‬وأنظمة‭ ‬صارمة‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬السمات‭ ‬الديموغرافية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتركيبة‭ ‬العمرية،‭ ‬حيث‭ ‬يلاحظ‭ ‬ارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬صغار‭ ‬السن‭ ‬والشباب‭ ‬وأولئك‭ ‬الذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬الأربعين‭. ‬وربما‭ ‬تتفاوت‭ ‬الأمور‭ ‬بين‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬وآخر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هيمنة‭ ‬الشباب‭ ‬وصغار‭ ‬السن‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬السكانية‭ ‬العربية‭ ‬ظاهرة‭ ‬واضحة‭. ‬وهناك‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬27‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و29‭ ‬عامًا،‭ ‬وإذا‭ ‬أضيف‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬دون‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة،‭ ‬فإن‭ ‬النسبة‭ ‬ترتفع‭ ‬إلى‭ ‬65‭ ‬في‭ ‬المئة‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لتوفير‭ ‬الأموال‭ ‬اللازمة‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالصغار،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أهمية‭ ‬تطوير‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المتدفقين‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أهمية‭ ‬تحديث‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي،‭ ‬بما‭ ‬يؤكد‭ ‬إنتاج‭ ‬عمالة‭ ‬ملائمة‭ ‬لسوق‭ ‬العمل‭ ‬تتمتع‭ ‬بالمهارات‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭.‬

لكن‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬مرت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬السبعين‭ ‬الماضية‭ ‬بأوضاع‭ ‬سياسية‭ ‬عطلت‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬تنظيم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بموجب‭ ‬المفاهيم‭ ‬العصرية‭ ‬التي‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬مختلف‭ ‬القدرات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬من‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬والتي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬والتوظيف‭.‬

وقد‭ ‬نشأ‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والتعليم‭ ‬اضطرار‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬القادمين‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬حكومية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ضرورية‭ ‬أو‭ ‬مجدية،‭ ‬بما‭ ‬رفع‭ ‬مستويات‭ ‬البطالة‭ ‬المقنعة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وخلق‭ ‬بيروقراطية‭ ‬متخلفة‭ ‬وغير‭ ‬كفؤة‭.‬

 

أعداد‭ ‬كبار‭ ‬السن

وهناك‭ ‬ظاهرة‭ ‬ديموغرافية‭ ‬أخرى‭ ‬تعد‭ ‬مفارقة،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬أعداد‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحسنت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصحية‭ ‬والرعاية‭ ‬وارتفعت‭ ‬معدلات‭ ‬العمر‭. ‬ولا‭ ‬تقل‭ ‬معدلات‭ ‬الحياة‭ ‬عن‭ ‬70‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬سورية‭ ‬والعراق‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬والأردن،‭ ‬وتزيد‭ ‬على‭ ‬75‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬والكويت‭ ‬وتونس‭ ‬والمغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬والبحرين‭ ‬وعمان‭ ‬والإمارات‭ ‬وقطر‭ ‬ولبنان‭.‬

وربما‭ ‬سوف‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬80‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬لتتراوح‭ ‬بين‭ ‬1‭.‬3‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬و8‭.‬5‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فوق‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭ ‬متدنية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬نظرًا‭ ‬لطغيان‭ ‬نسبة‭ ‬الوافدين‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬تزيد‭ ‬أعمارهم‭ ‬على‭ ‬65‭ ‬عامًا،‭ ‬والذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أعمار‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬نسبة‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬بما‭ ‬يمثّل‭ ‬تحديًا‭ ‬للرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تواكب‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬السليمة‭ ‬لهؤلاء،‭ ‬ومعالجة‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة،‭ ‬مثل‭ ‬السرطان‭ ‬وأمراض‭ ‬القلب‭ ‬المحتملة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬العمرية‭ ‬من‭ ‬السكان‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬أعداد‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬قد‭ ‬تمثّل‭ ‬تحديًا‭ ‬للعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬متغيرة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬سمات‭ ‬للعائلة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بمختلف‭ ‬أفرادها،‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار،‭ ‬وتطغى‭ ‬المتطلبات‭ ‬الحياتية‭ ‬أمام‭ ‬الأبناء‭ ‬بما‭ ‬يعطل‭ ‬من‭ ‬اهتمامهم‭ ‬بالآباء‭ ‬والأجداد‭.‬

وذلك‭ ‬يحتم‭ ‬توفير‭ ‬دور‭ ‬الرعاية‭ ‬للكبار،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوافر‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية،‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬Old‭ ‬Homes،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬مسيرة‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية‭ ‬ستحتم‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬برعاية‭ ‬الكبار‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬ومؤسسي‭.‬

 

الأوضاع‭ ‬العائلية

لا‭ ‬تقتصر‭ ‬مسائل‭ ‬الديموغرافيا‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬السكان،‭ ‬أو‭ ‬توزيعهم‭ ‬العمري،‭ ‬أو‭ ‬المعدلات‭ ‬العمرية،‭ ‬أو‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬أو‭ ‬الخصوبة،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬أيضًا‭ ‬المسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالزواج‭ ‬والطلاق‭ ‬والنسق‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ولذلك‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نطل‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬العائلية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬والمشكلات‭ ‬الحياتية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬العائلي‭. ‬

وتؤكد‭ ‬دراسات‭ ‬متنوعة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬أن‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬شهدت‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬المنصرمة‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق،‭ ‬وتجاوزت‭ ‬المستويات‭ ‬المعهودة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬لامست‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المستويات‭ ‬المعلومة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬ألمانيا‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا،‭ ‬إذ‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬قاعدة‭ ‬البيانات‭ ‬والإحصاءات،‭ ‬فإن‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و40‭ ‬لكل‭ ‬100‭ ‬حالة‭ ‬زواج‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

ويمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يعزو‭ ‬هذه‭ ‬المعدلات،‭ ‬أو‭ ‬المستويات،‭ ‬المرتفعة‭ ‬نسبيًا‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬عوامل‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭.‬

هناك‭ ‬مستويات‭ ‬مرتفعة‭ ‬للطلاق‭ ‬بين‭ ‬المتزوجين‭ ‬في‭ ‬أعمار‭ ‬صغيرة‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و30‭ ‬سنة‭ ‬للذكور‭ ‬والإناث،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نضج‭ ‬كافٍ‭ ‬لمواجهة‭ ‬استحقاقات‭ ‬الحياة‭ ‬الأسرية،‭ ‬بما‭ ‬يدفع‭ ‬أيًّا‭ ‬من‭ ‬طرفي‭ ‬الزواج‭ ‬إلى‭ ‬الاستعجال‭ ‬بطلب‭ ‬الطلاق‭.‬

وقد‭ ‬تتسبب‭ ‬عمليات‭ ‬الزواج‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬بترتيبات‭ ‬عائلية‭ ‬دون‭ ‬تعارف‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬توافق،‭ ‬بما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬الطلاق‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وتنامي‭ ‬البطالة‭ ‬وتدني‭ ‬مستويات‭ ‬الدخل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬توقعات‭ ‬استهلاكية‭ ‬مرتفعة‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬وتراجع‭ ‬الوئام،‭ ‬بما‭ ‬يدفع‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭.‬

ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬عوامل،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬تحولات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأسرية،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬إمكانات‭ ‬للالتزام‭ ‬بالتقاليد‭ ‬المحافظة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬أو‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬يقطنها‭ ‬القادمون‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬غير‭ ‬حضرية‭.‬

إن‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬التعليم‭ ‬بين‭ ‬الفتيات‭ ‬وتمكنّهن‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬وقدرتهن‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يدفعهن‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬قبول‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬زوجية‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أزواج‭ ‬قساة‭ ‬لا‭ ‬يقدّرون‭ ‬حقوق‭ ‬نسائهم‭.‬

 

التحديات‭ ‬الديموغرافية

تتطلب‭ ‬التحديات‭ ‬الديموغرافية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬العرب‭ ‬متغيرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وسياسية‭. ‬وغني‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬سوف‭ ‬تؤكد‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الديموغرافية‭. ‬

هل‭ ‬تستطيع‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬والتقاليد‭ ‬المهيمنة،‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بالعداء‭ ‬للحداثة‭ ‬والانفتاح،‭ ‬أن‭ ‬تعطل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الديموغرافية؟‭ ‬تؤكد‭ ‬تجارب‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬اقتصاد‭ ‬زراعي‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية،‭ ‬قد‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬السلوكيات‭ ‬الحياتية‭ ‬وعزز‭ ‬المتغيرات‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬واليابان‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬التأثر‭ ‬بأي‭ ‬متغيرات‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬ويمكن‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬اعتماد‭ ‬آليات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬وبمستويات‭ ‬متباينة،‭ ‬قد‭ ‬عطل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬اقتصادات‭ ‬منتجة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬مجتمعية‭ ‬عصرية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الديموغرافي‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭. ‬

وكما‭ ‬بينت‭ ‬آنفًا،‭ ‬فإن‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬ومستويات‭ ‬الخصوبة‭ ‬قد‭ ‬تراجعتا‭ ‬نتيجة‭ ‬لمعطيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعدلات‭ ‬والمستويات‭ ‬لاتزال‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المستويات‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬والتي‭ ‬تدنت‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬والسنوات‭ ‬الماضية‭. ‬كما‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تأخر‭ ‬سن‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬واضحة‭ ‬نتيجة‭ ‬للمصاعب‭ ‬المعيشية‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬تتطلب‭ ‬مراجعة‭ ‬المفاهيم‭ ‬والقيم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭ ‬ونشر‭ ‬الثقافة‭ ‬الإيجابية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬دعم‭ ‬التحديث‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتعزيز‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬أن‭ ‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬السكاني‭ ‬يتطلب‭ ‬سياسات‭ ‬جديدة‭ ‬للرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وتوفير‭ ‬الظروف‭ ‬المناسبة‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬للتمتع‭ ‬بالحياة‭ ‬المناسبة‭ ‬بعد‭ ‬تقدم‭ ‬العمر‭.‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬المواءمة‭ ‬بين‭ ‬المتغيرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأوضاع‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬ومنها‭ ‬كيف‭ ‬تمكن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬مناسبة‭ ‬للمتدفقين‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬وتطوير‭ ‬الأنظمة‭ ‬التعليمية‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالمستويات‭ ‬المهنية‭ ‬لأفراد‭ ‬قوة‭ ‬العمل؟

وقد‭ ‬واجهت‭ ‬مجتمعات‭ ‬تحكمت‭ ‬بها‭ ‬أنظمة‭ ‬سياسية‭ ‬شمولية‭ ‬التحديات‭ ‬الديموغرافية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سياسات‭ ‬قهرية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬عندما‭ ‬أجبرت‭ ‬الأسر‭ ‬على‭ ‬إنجاب‭ ‬طفل‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬تخفيض‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والعولمة‭. ‬إذًا‭ ‬تحديث‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وإصلاح‭ ‬الأنظمة‭ ‬التعليمية‭ ‬ومواجهة‭ ‬منظومة‭ ‬القيمة‭ ‬التقليدية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬قدرة‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تحديات‭ ‬الديموغرافيا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬المقبلة‭ ‬‭.