«هايبرلوب»... قفزة في تاريخ المواصلات ما التوقعات عن صورتها في 2050؟

«هايبرلوب»... قفزة  في تاريخ المواصلات ما التوقعات عن صورتها في 2050؟

الأرجح أن تقنية «هايبرلوب» في النقل السريع لا تساوي اكتشاف الدولاب في تاريخ المواصلات، لكنه يدفع إلى التفكير في صورة المستقبل القريب لوسائل السفر. 
لعل إيلون ماسك، البليونير المستثمر في التكنولوجيا، صاحب شركات «سبايس إكس» للرحلات الفضاء و«تيسلا موتورز» للمركبات الكهربائية، لعله أسهب وأطنب في مديح الرحلة الأولى التي أُنجِزَت بتقنية السفر برًا داخل أنابيب مفرغة من الهواء، أو الـ «هايبرلوب» Hyper Loop. 

 

تشكّل الـ «هايبرلوب»، بأبسط وصف، رحلة لكبسولة مقفلة مغلقة مصمتة تندفع داخل أنبوب مفرغ من الهواء، وتحافظ على توازنها بفضل إحاطتها طوال الرحلة بحقل كهرومغناطيسي. 
  في 13 نوفمبر الماضي، أُنجِزَتْ الرحلة الأولى لركاب يستقلون الـ «هايبرلوب»، ولم تمتد الرحلة سوى إلى 500 متر، ووصلت سرعة الكبسولة إلى 172 كيلومترًا، وهو ما لا يشكّل سوى جزء يسير من طموح الـ «هايبرلوب» بالوصول إلى سرعة تفوق الـ 1000 كيلومتر في الساعة. وحملت الكبسولة سارة لوتشيان وجوش غييل، وهما شابان موظفان في شركة فيرجن التي حوّلت فكرة ماسك في الـ «هايبرلوب» إلى واقع.
والأرجح أنه يحق لمن بذل جهودًا علمية وتقنية ضخمة ودؤوبة، على غرار إيلون ماسك وتشارلز برانسون (صاحب شركة فيرجن)، أن يتباهى بأنه أنجز أول سفر برّي عبر تقنية يلوح في أفقها الوصول إلى سرعة 1000 كيلومتر في الساعة.
تلك السرعة ليست مألوفة، بل تقترب من سرعة الصوت التي تبلغ 1225 كيلومترًا في الساعة. وتعيد إلى الأذهان أن النقل الجوي لم يستطع الحفاظ طويلًا على الرحلات الفائقة السرعة التي أنجزتها طائرة
الـ «كونكورد» الشهيرة التي حلّقت بسرعة تفوق ضعفي سرعة الصوت، قبل أن تختم رحلة نجاحها الساحق بمأساة احتراقها أثناء الإقلاع من مطار شارل ديغول الباريسي في 25 يونيو 2000، مما أدى الى توقّف رحلاتها ثم سحبها نهائيًا من الخدمة في 2003. وتذكيرًا، تُحَقّق بعض السيارات بصورة تجريبية، الوصول إلى كسر حاجز الصوت، لكن ذلك يجري بصورة تجريبية وبواسطة محركات طائرات نفاثة. وقد سجلت السيارة البريطانية «ثرست إس إس سي» تفوقًا للمرة الأولى على سرعة الصوت في رحلة بصحراء نيفادا الأميركية، باستخدام محركات طائرة فانتوم الحربية الأمريكية، في 13 أكتوبر 1997.
وبينما تراود بعض المخيلات في النقل الجوي، أسرع ما يملكه البشر في التنقل بين أرجاء الكرة الأرضية، أحلام استعادة المجد الضائع للرحلات الأسرع من الصوت، تعدّ رحلة «هايبرلوب» الأولى في نقل ذلك الحلم إلى واقع متحقق على الأرض... حرفيًا.

وسيلة نوعية 
على نطاق واسع، وُصِفَتْ الرحلة الأولى التي أُنجزت عبر تقنية الـ «هايبرلوب» بأنها قفزة نوعية في تاريخ المواصلات. وأقل ما يمكن التفكير به أنها جسدت وسيلة مواصلات لم تكن موجودة قبلها. ويشبه ذلك ما مثّلته السيارة الميكانيكية (لنتذكر أنها ابتدأت بالسيارة الكهربائية، ثم انتقلت إلى الوقود الأحفوري)، التي لم يكن قبلها سوى الوسائل المعتمدة على الأجسام البيولوجية كالأحصنة والبغال والثيران وغيرها، مع استخدام تقنية الدولاب فيها.
وقد غيّرت السيارة وجه المواصلات البرية بصورة جذرية، وتلاها ظهور الطرقات الحديثة بأنواعها كافة، وقد امتدت شبكاتها كشرنقة متشابكة عبر اليابسة. 
وثمة ما لم يشدد عليه الإعلام كثيرًا في متابعة الرحلة الأولى لـ «هايبرلوب»، يتمثّل في عدم ظهور وسائط جديدة للنقل البري، بل عموم أشكال المواصلات برًا وبحرًا وجوًا، منذ عقود طويلة.
ومنذ منتصف القرن العشرين، استقرت أنواع الوسائط المعروفة في المواصلات على الكرة الأرضية، بل حتى في الفضاء. وقد شملت الطائرة والغواصة والصاروخ ومركبة الفضاء والسيارة، مع أنواع المركبات الميكانيكية، بما فيها القطار والسفن الميكانيكية أيضًا.   ومنذ منتصف القرن العشرين، تتطوّر تلك الوسائط بطرق مذهلة، من دون ظهور وسائط جديدة، وحتى القطار الفائق السرعة Train a Grand Vitesse (اختصارًا TGV) الذي يسير بسرعة تقارب الـ 300 كيلومتر في الساعة، ليس سوى استمرار للقطار التقليدي، مع استبدال طاقة الوقود فيها بالدفع الكهرومغناطيسي.
إذًا، الأرجح أنه من المستطاع المغامرة بالقول إن رحلة الـ «هايبرلوب» شكّلت قفزة نوعية في تاريخ المواصلات كلها. 

خطورة عالية
  في المقابل، يجدر التنبيه، بصورة نقدية واعية، إلى أن الوقت لا يزال مبكرًا للقول بأن الـ «هايبرلوب» وسيلة مكرسة في النقل البري الفائق السرعة. لعل ذلك التحفظ النقدي يملك أسبابًا لا تخلو من الوجاهة. ثمة خطورة عالية في الـ «هايبرلوب» الذي يعتمد على وضع مركبة في أنبوب يجري تفريغه من الهواء، فتندفع بقوة «الشفط» المتأتي من الضغط السلبي المتصل بالتفريغ الهوائي.  في نهاية الرحلة، تحدث عملية فرملة دقيقة تتضمن خفض الضغط السلبي بصورة تدريجية ومنضبطة وسريعة أيضًا.  وخلال الرحلة كلها، يجب أن يستمر ذلك الوضع الذي يعتمد على عمل مجموعة كبيرة من الآلات التقنية المتقدمة. إذا حدث أدنى خلل، ليس سوى المأساة بديلًا في مصير المركبة المسافرة داخل الـ «هايبرلوب»، التي لا تملك أيضًا للتنفس سوى الهواء الموجود فيها. 
هل يمكن تخيّل مدى الطاقة وقوة الدفع المتضمنة في مركبة بسرعة ألف كيلومتر؟ لنفكر في سيارة تسير بسرعة مئة كيلومتر، كيف تكون مدى الخطورة في تلك الاندفاعة؟ ماذا عن سيارة تسير بسرعة 150 أو 180 أو 200 كيلومتر في الساعة؟ كل تلك الخطورة تكون موجودة في سيارة مُحاطة بالبيئة الطبيعية، وعجلاتها تجري على الأرض مثبتة بقوة الجاذبية.
 كيف تكون الحالة في مركبة داخل نفق قد يصل طوله مئات الكيلومترات، مفرغ ومعزول ولا يمكن الوصول إلى المركبة «الطائرة» داخله، في حال حصول أدنى خلل فني أو تقني أو بشري؟

تفكير واقعي بالخطورة
استطرادًا، يجدر عدم الاستهانة وهزّ الكتفين بشأن المخاطر. ليس من داعٍ للتذكير بمئات أو آلاف الأشياء المتصلة بذلك الأمر، وفي مجالات كثيرة ومتنوعة. لنفكر قليلًا خارج صندوق الاستهانة وترديد عبارات مكررة عن ضرورة المخاطرة. يصح القول بضرورة المخاطرة، لكن المقاربة العلمية للخطورة تتضمن التفكير في أمديتها ونوعيتها وكميتها، وما يتوافر من طرق ووسائل في مواجهتها وغيرها. 
إن ركوب السيارة له مخاطره، لكنّها لا تتساوى مع إنشاء مفاعل ذري مثلًا. لنفكر خارج صندوق التعميم الفائض على نحو القول بأن الخطورة لم تمنع الناس من تنكّبها. لنتذكر أن هنالك طرقًا في المواصلات، اندثرت بسبب ارتفاع الخطورة في اعتمادها وسيلة مكرّسة في التنقل. في فترة ما بين الحربين العالميتين، اعتُمِد المنطاد وسيلة تقنية مبتكرة ومتطورة آنذاك، في السفر جوًا. وتحدت رحلاته بين المدن الأوربية المنتقدين والمتحفظين على مدى الخطورة فيه. وسرعان ما حلّت مأساة المنطاد «هيندنبرغ» الذي احترق بركابه. 
وبعدها، لم يعد ممكنًا الاستهانة بمدى الخطورة في رحلات النقل الجوي للبشر بواسطة المنطاد. واندثرت تلك الوسيلة من المواصلات الجوية. (استمر المنطاد نفسه كأداة تقنية، وما زال مستخدمًا في عدد من المجالات كقياس حالة الطقس، لكنه لم يعد وسيلة مكرسة في المواصلات).
هل سينتظر العلماء والمتخصصون حصول ما يوازي «مأساة هيندنبرغ» في رحلات الـ «هايبرلوب»، أم يكون هنالك شيء آخر؟ قبل التسرع في استنتاج ما يسعى هذا التحفظ النقدي إليه، يجدر القول إن ذلك الشيء الآخر قد يكون إيجابيًا لمصلحة تكريس الـ «هايبرلوب» وسيلة جديدة نوعيًا في المواصلات البرية. ويقصد بذلك أن التقييم العلمي المتأني والمتكرر لمدى الخطورة، إنما يرمي إلى تحديدها وقياسها.  إذا تبيّن لاحقًا أن الخطورة في الـ «هايبرلوب» تساوي ما يجازف البشر عادة وتقليدًا بالمخاطرة به، فسيكون على الأرجح أن تُكرس تقنية الـ «هايبرلوب» وسيلة متألقة وقفزة نوعية في تاريخ المواصلات. وبديهي القول إن العكس قد يؤدي إلى العكس، أو على الأقل إلى إدخال تعديل وتطوير على تلك التقنية كي تتوازن كفّتا الابتكار والمخاطرة فيها.

وصولًا إلى 2050
يسهل الحديث عن المستقبل، لكنّ التوقع العلمي بشأن كل لحظة قادمة يتضمن شيئًا من المجازفة! إذًا، من المستطاع رسم «خربشة» عن مستقبل المواصلات في منتصف القرن الحادي والعشرين، مع كل التحفّظ الممكن.

1 - الطائرات الكهربائية
في يونيو الفائت، أعلنت باريس عن طائرة أولى مخصصة لنقل الركاب وتعتمد كليًا على الكهرباء. حملت الطائرة اسم «آليس»، وتتسع لـ 9 ركاب، وتحلّق بسرعة 445 كيلومترًا في الساعة، وتقطع مسافة 1024 كيلومترًا في كل شحن لبطارياتها. ويتوقع أن توضع قيد الخدمة الكاملة عام 2022. وشهدت السنة الحالية إنجاز رحلة جوية أولى لطائرة ركاب بريطانية، أقلت 8 ركاب في رحلة داخلية.

2 - قطار الألواح الشمسية
الأرجح أنه ليس مستقبل، بل حاضر. ثمة قطار في أستراليا يعمل بتقنية المحرك الكهربائي الذي تُمده الألواح الشمسية بالطاقة. وتعمل شركة بايرون باي على تزويد الشبكة الكهربائية التي تدعم ذلك القطار، بطاقة تأتي من ألواح شمسية. ويراهن كثيرون على أن الرحلات السريعة بالطاقة النظيفة، قد تنافس الرحلات الجوية في العقود المقبلة.

3 - حلقات لخطوط القطار المداري
يحتاج الاسم إلى شرح، لأنه يشير إلى قطار يستعمل طاقة كهرومغناطيسية، كي ينزلق خطّا سكة تحملهما كوابل تتصل بخطوط (بالأحرى، حلقات) معلّقة في الفضاء على ارتفاع 80 كيلومترًا فوق سطح الأرض، بفضل حلقة معدنية تدور حول نفسها كأنها «هيلاهوب» لا يستند إلى شيء! ويستطيع القطار نقل ركاب من أقصى الأرض إلى أقصاها في 45 دقيقة... خيال علمي؟ ربما، لكنّ الفكرة والمواد المطلوبة لتحقيقها موجودة فعليًا.
كيف تستطيع حلقة معدنية ضخمة أن تحيط بالأرض، وتكون ثابتة على ارتفاع 80 كيلومترًا في الجو؟ إنها تدور حول نفسها باستعمال طاقة كهرومغناطيسية، مما يمكنها من الاستقرار في الجو، على الرغم من شد الجاذبية لها نزولًا، بالطبع. ويغلفها أنبوب يبقى بعيدًا عنها بفضل خاصية التنافر المغناطيسي. وتوضع الكوابل التي يفترض أن تحمل القطار الذي يتوازن مع سكته بفضل حقل كهرومغناطيسي، على ذلك السطح الخارجي لذلك الأنبوب، باستخدام طاقة كهربائية.

4 - الـ «هايبرلوب»
على الرغم من عدم تجاوز الرحلة الأولى لـ «هايبرلوب» مسافة خمسمئة متر، فإن المستثمر التكنولوجي إيلون ماسك يراهن على نشر أنابيب الـ «هايبرلوب» في طول الأرض وعرضها، على غرار ما حصل مع السكك الحديد. هل يتحقق ذلك في منتصف القرن الحالي؟

5 - المركبات الكهربائية والهيدروجينية والهجينة
ربما ليست وسيلة جديدة في المواصلات، لكن التغيير في الوقود المستعمل لدفع مركبات النقل البري يشكّل قفزة تاريخية فعلية. في مجال التلوث والبيئة، تتقدم الطاقة الهيدروجينية على سواها مبدئيًا، لأن حرق الهيدروجين لا ينتج عنه سوى الماء. لا تلوث ولا عوادم، بل قطرات من الماء أو ربما بخار الماء.
 في المقابل، ثمة سؤال عن الطاقة التي ستستعمل في الحصول على الهيدروجين نفسه، ثم تسييله أو تحويله وقودًا جافًا في بطاريات الهيدروجين. ثمة مشكلة تقنية عسيرة في الهيدروجين السائل تتمثّل في ضرورة إبقائه تحت برودة عالية، وكذلك - وهو الأهم - تحت ضغط يفوق الضغط الجوي أضعافًا مضاعفة. إذا وُضِع وقود هيدروجين في سيارتك، يجب على الخزان أن يقفل بتقنية تضمن بقاء الضغط مرتفعًا ومحبوسًا في داخله. إذا حدث أدنى خلل في ذلك، أو في سلسلة نقل الهيدروجين السائل كلها، يحدث انفجار هائل الضخامة. ويذكر ذلك بمدى السهولة التي يتمتع بها البنزين والمازوت والغازولين، وكلها تنقل بيسر في ظل ظروف طبيعية تمامًا. 
وفي المقابل، توفر بطارية الهيدروجين طاقة كهرباء ضخمة تستطيع، بيسر، دفع المركبات في سرعات متدرجة تزيد وتنقص وفق الحاجة، تمامًا وفق ما يحصل مع الوقود الأحفوري. وفي السيارات والمركبات الكهربائية كليًا، أي التي تعتمد على الشحن بالكهرباء للبطارية فيها، يبرز سؤال مع مصدر الكهرباء التي تُشحن بها تلك المركبات، وهل إنها تأتي من مصادر الطاقة البديلة والنظيفة أم لا ■

 

تمثّل الـ «هايبرلوب» وسيلة مبتكرة في المواصلات البرية، ويمكن اختصار فكرتها بأنها السفر داخل كبسولة يحوطها أنبوب وتتحرك بقوة «الشفط» المتأتي من تفريغ الهواء، وتدعمها طاقة كهرومغناطيسية