المفكر التونسي عبدالمجيد الشرفي: النهضة العربية الثانية لن تتحقق إلا بالعقلانية والحرية

المفكر التونسي عبدالمجيد الشرفي:  النهضة العربية الثانية لن تتحقق إلا بالعقلانية والحرية

أنجز‭ ‬المفكر‭ ‬التونسي‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬الشرفي‭ ‬مهام‭ ‬عدّة‭ ‬في‭ ‬الهياكل‭ ‬العلمية‭ ‬والتربوية،‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬شغل‭ ‬كرسي‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬للأديان‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1999‭ ‬و2003،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬شخصية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تشغل‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭. ‬يترأس‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬المجمع‭ ‬التونسي‭ ‬للعلوم‭ ‬والآداب‭ ‬والفنون‭ (‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬بقرطاج‭). ‬صدر‭ ‬له‭: ‬‮«‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬النصارى‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭/ ‬العاشر‮»‬،‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬والحداثة‮»‬،‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬بين‭ ‬الرسالة‭ ‬والتاريخ‮»‬،‭ ‬‮«‬تحديث‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ ‬‮«‬لبِنات‮»‬،‭ ‬‮«‬مرجعيات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‮»‬،‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬والحداثة‭ ‬والإسلامي‮»‬‭. ‬نشر‭  ‬عشرات‭ ‬المقالات‭ ‬والبحوث‭ ‬العلمية،‭ ‬وترجمت‭ ‬بعض‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬عدة؛‭ ‬أهمها‭ ‬الفرنسية‭ ‬والفارسية‭. ‬

في‭ ‬حواره‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬يتحدث‭ ‬الشرفي‭ ‬عن‭ ‬معوقات‭ ‬الحداثة‭ ‬المعرفية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وعن‭ ‬معايير‭ ‬النهوض‭ ‬الحضاري‭ ‬عندنا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إشكاليات‭ ‬الإصلاح‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وأسس‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الثانية‭ ‬والانغلاق‭ ‬الثقافي،‭ ‬ومفاهيم‭ ‬‮«‬المابعديات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الثقافي‭ ‬الغربي،‭ ‬ودور‭  ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تفجرت‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬وفيما‭ ‬يأتي‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحوار‭:‬

 

‭ ‬‭-‬أخذت‭ ‬الحداثة‭ ‬موقعًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬تنظيرك‭ ‬الفكري،‭ ‬وقد‭ ‬أوليت‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬اهتمامًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬مؤلفاتك،‭ ‬خصوصًا‭ ‬كتابك‭ ‬‮«‬لبِنات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬خلصت‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صفة‭ ‬جامعة‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬ضوئها‭ ‬فهم‭ ‬المسار‭ ‬العام‭ ‬للحداثة،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬حدود‭ ‬المعرفة‭. ‬كان‭ ‬منتهى‭ ‬أمل‭ ‬الإنسان‭ ‬قديمًا‭ ‬استيعاب‭ ‬علوم‭ ‬القدماء‭ ‬والاستظهار‭ ‬بها،‭ ‬مع‭ ‬الشرح‭ ‬والتعليل‭ ‬والتوفيق‭ ‬والترجيح،‭ ‬بينما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬الحداثة‭ ‬المناطق‭ ‬المحرمة‭ ‬التي‭ ‬يسلم‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬دون‭ ‬بحث‭ ‬وتمحيص‮»‬‭. ‬انطلاقًا‭ ‬مما‭ ‬تقدمت‭ ‬به،‭ ‬لماذا‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مقيدة‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬المحرّم؟‭ ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجاوز‭ ‬التأخر‭ ‬المعرفي؟

‭- ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عائقًا‭ ‬واحدًا‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة‭ ‬بمواصفاتها‭ ‬الحديثة‭. ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسة‭ ‬أن‭ ‬أنماط‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬أنماطًا‭ ‬تقليدية،‭ ‬ولم‭ ‬يساعد‭ ‬الريع‭ ‬البترولي‭ ‬ولا‭ ‬تقسيم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬عصرنة‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط‭. ‬يختلف‭ ‬المؤرخون‭ ‬عمومًا‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬أسباب‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر؛‭ ‬واعتقادي‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية‭ ‬بين‭ ‬الأوضاع‭ ‬المادية‭ ‬وطرق‭ ‬التفكير‭ ‬والسلوك‭. ‬فلولا‭ ‬اكتشاف‭ ‬الطباعة‭ ‬واكتشاف‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لحركة‭ ‬التنوير‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬أن‭ ‬تظهر،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬كانت‭ ‬النهضة‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬الأوربية‭ ‬الأخرى‭ ‬عاملًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬المعرفية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭.‬

ومما‭ ‬يزيد‭ ‬في‭ ‬تأخر‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تسارعًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬العسير‭ ‬استيعاب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أتى‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬ينفكّ‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬الكونية‭. ‬ولعل‭ ‬شيوع‭ ‬العقلانية،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وفي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬أقصى‭ ‬آسيا،‭ ‬هو‭ ‬الكفيل‭ ‬بكسر‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬التي‭ ‬يولّد‭ ‬فيها‭ ‬الواقع‭ ‬المادي‭ ‬المتخلف‭ ‬تفكيرًا‭ ‬متحجرًا‭ ‬لا‭ ‬يستجيب‭ ‬لمتطلبات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

‭-‬حددت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬عليها‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬كتابك‭ ‬نفسه،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الكونية‭ (‬المعيار‭ ‬الكوني‭) ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬قيمًا‭ ‬مثل‭ ‬الحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬والعدالة‭. ‬كيف‭ ‬تنظرون‭ ‬إلى‭ ‬واقعنا‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الثلاثية‭ ‬التي‭ ‬أشرت‭ ‬إليها؟

‭- ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬الانسجام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭. ‬وفيه‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬فئات‭ ‬تؤمن‭ ‬بالقيم‭ ‬الكونية،‭ ‬مثل‭ ‬الحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬والعدل،‭ ‬ولكن‭ ‬أغلب‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬لم‭ ‬تدخْلِنْها‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭. ‬فمن‭ ‬مقتضيات‭ ‬الحرية‭ ‬استقلال‭ ‬شخصية‭ ‬الفرد‭ ‬وعدم‭ ‬وقوعه‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬وصاية‭ ‬لم‭ ‬يخترها‭ ‬اختيارًا‭ ‬واعيًا،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬شخص‭ ‬يحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬للغير‭: ‬الحاكم‭ ‬أو‭ ‬المفتي‭ ‬أو‭ ‬الإمام‭... ‬إلخ‭. ‬وليس‭ ‬مستعدًا‭ ‬نفسانيًّا‭ ‬لتحمّل‭ ‬تبعات‭ ‬حريته‭ ‬ومسؤوليته‭. ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬مظاهر‭ ‬الإيمان‭ ‬بالمساواة‭ ‬قبول‭ ‬عدم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬أما‭ ‬العدل‭ ‬فيعني‭ ‬التسوية‭ ‬بين‭ ‬الغني‭ ‬والفقير،‭ ‬ومن‭ ‬يتمتع‭ ‬بسلطة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬خلوّ‭ ‬منها،‭ ‬فيكون‭ ‬القانون‭ ‬منطبقًا‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬تمييز‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعه،‭ ‬خلافًا‭ ‬لنظام‭ ‬التعزير‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬تمييز‭ ‬وفق‭ ‬المكانة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنسب‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬ومتى‭ ‬استتب‭ ‬العدل‭ ‬انعدمت‭ ‬كل‭ ‬الخروق‭ ‬التي‭ ‬تنهش‭ ‬الجسم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬برمته‭.‬

‭-‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفق‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟‭ ‬وما‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟

‭- ‬أفق‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الثانية،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬آفاقها،‭ ‬إن‭ ‬قدّر‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المتوسط‭ ‬أو‭ ‬البعيد،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬آفاقًا‭ ‬إنسانية‭ ‬تستجيب‭ ‬لمعايير‭ ‬العصر‭ ‬وقِيمه،‭ ‬بعيدًا‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬الزائفة‭ ‬والماضويّة‭ ‬المرضية‭. ‬والأسس‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬عليها‭ ‬هي‭ ‬الأسس‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬غربية‭ ‬وأضحت‭ ‬اليوم‭ ‬كونية‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬تلك‭ ‬الأسس‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والسلوك،‭ ‬وتكريس‭ ‬قيمة‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاته،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسه‭ ‬وثروته‭ ‬ومعتقداته‭ ‬ولونه،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬التمييز،‭ ‬وشيوع‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حدّ‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬حرية‭ ‬الآخرين،‭ ‬والإيمان‭ ‬بحق‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬بالحياة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬أشكال‭ ‬التنظيم‭ ‬التي‭ ‬يرتؤونها،‭ ‬أي‭ ‬إرساء‭ ‬قيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والمواطنة‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬وأمامه‭. ‬

وإذا‭ ‬تحققت‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬انعدمت‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التقدم‭ ‬والتوحّد‭ ‬والمناعة‭ ‬والإسهام‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬والإفادة‭ ‬من‭ ‬مكتسبات‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬العقبات،‭ ‬تلك‭ ‬المتمثلة‭ ‬بالانتماءات‭ ‬الضيقة‭ ‬والولاءات‭ ‬البدائية،‭ ‬وفي‭ ‬الجهل‭ ‬والأمية‭ ‬الثقافية،‭ ‬وفي‭ ‬الاستبداد‭ ‬واستئثار‭ ‬أسر‭ ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬بالسلطة‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬التضحية‭ ‬بطاقات‭ ‬النساء‭ ‬الخلاقة‭ ‬بتعلّات‭ ‬واهية‭. ‬

 

نظرة‭ ‬نقدية

‭-‬يمر‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬الانغلاق‭ ‬الثقافي،‭ ‬بحيث‭ ‬أننا‭ ‬نواجه‭ ‬ثقافة‭ ‬متصلبة‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬والحاضر‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭... ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭ ‬

‭- ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مسؤولة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬تأخر‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وعجزه‭ ‬عن‭ ‬اللحاق‭ ‬بركب‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭. ‬إنها‭ ‬جواب‭ ‬خاطئ‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬حقيقي‭. ‬فالعرب‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬لم‭ ‬يهتدوا‭ ‬إلى‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬يخرجهم‭ ‬من‭ ‬التأخر‭ ‬والتبعية‭ ‬وحتى‭ ‬الذل‭ ‬والهوان،‭ ‬وارتموا‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬التراث‭ ‬وأوهام‭ ‬العظمة‭ ‬الماضية‭ ‬وكمال‭ ‬السلف‭ ‬الصالح‭. ‬ولو‭ ‬اعتبروا‭ ‬بسلوك‭ ‬اليابانيين‭ ‬ثم‭ ‬الصينيين‭ ‬لما‭ ‬تردّدوا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬إلى‭ ‬ماضيهم‭ ‬وإلى‭ ‬تراثهم‭ ‬نظرة‭ ‬نقدية،‭ ‬وألا‭ ‬يحتفظوا‭ ‬منهما‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬يصلح‭ ‬لحاضرهم‭ ‬ولمستقبلهم،‭ ‬فيطرحوا‭ ‬ما‭ ‬تجاوزه‭ ‬الزمن‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يتلاءم‭ ‬ومقتضيات‭ ‬العصر‭. ‬لقد‭ ‬بقوا‭ ‬رهينة‭ ‬لحلول‭ ‬الماضي،‭ ‬مثلهم‭ ‬كمثل‭ ‬من‭ ‬يحصّن‭ ‬مدينته‭ ‬بالأسوار‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الطائرات‭ ‬النفاثة‭ ‬والصواريخ‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭. ‬ولم‭ ‬يهتدوا‭ ‬بالخصوص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬تكوين‭ ‬المواطن‭ ‬الواعي‭ ‬بحقوقه‭ ‬وواجباته،‭ ‬ذكرًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬أنثى،‭ ‬لا‭ ‬حشو‭ ‬الأدمغة‭ ‬بما‭ ‬يدعم‭ ‬‮«‬الهويّات‭ ‬القاتلة‮»‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬عبارة‭ ‬أمين‭ ‬معلوف،‭ ‬والخضوع‭ ‬والطاعة‭ ‬العمياء‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬وغير‭ ‬مألوف،‭ ‬بما‭ ‬يمنع‭ ‬تحقيق‭ ‬الذات‭ ‬واستقلال‭ ‬الشخصية‭ ‬والمغامرة‭ ‬والاكتشاف‭ ‬والابتكار‭.‬

‭-‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬التأخر‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يرتبط‭ ‬بالعقلية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭. ‬هل‭ ‬بالإمكان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عقل‭ ‬عربي‭ ‬مستقيل‭ ‬وإرجائي؟

‭- ‬إن‭ ‬التأخر‭ ‬الحضاري‭ ‬يرتبط‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬بالعقلية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬العقلية‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية‭ ‬بالظروف‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬التاريخية‭ ‬العامة‭ ‬تفرِز‭ ‬نمطًا‭ ‬من‭ ‬العقلية‭ ‬والتخلف،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يفرِز‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬تلك‭ ‬الظروف،‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬جهنمية‭ ‬يعسر‭ ‬كسرها‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬أسرها،‭ ‬رغم‭ ‬ضرورة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭. ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬المستقيل‭ ‬والإرجائي،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بوجود‭ ‬عقل‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬عقل‭ ‬إسلامي‭ - ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬صديقيّ‭ ‬المرحومين‭ ‬محمد‭ ‬عابد‭ ‬الجابري‭ ‬ومحمد‭ ‬أركون‭ - ‬بل‭ ‬بوجود‭ ‬عقل‭ ‬بشري‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬وتكيّفه‭ ‬الظروف‭ ‬والخيارات‭ ‬السياسية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬ليكون‭ ‬إما‭ ‬مستقيلًا‭ ‬أو‭ ‬فاعلًا‭ ‬إيجابيًّا‭. ‬ولعل‭ ‬أقوى‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنك‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تحرّر‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬وتعترف‭ ‬بمساواتها‭ ‬بالرجل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬حتى‭ ‬تنتِج‭ ‬في‭ ‬جيل‭ ‬واحد‭ ‬عقلًا‭ ‬عربيًّا‭ ‬منفتحًا‭ ‬ومختلفًا‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬المتحجر‭ ‬السائد‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يستخلص‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الأمم‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬دِينها‭ ‬وثقافتها‭ ‬وماضيها،‭ ‬ولكنّ‭ ‬أغلب‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬الاعتراف‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬البديهية‭ ‬الدامغة،‭ ‬ويفضلون‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬المبرّرات‭ ‬الدينية‭ ‬المزعومة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭ ‬بالحلول‭ ‬الجذرية‭. 

‭-‬إن‭ ‬تطور‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬أبرز‭ ‬رؤى‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التنظير‭ ‬والأفكار،‭ ‬فنجد‭ ‬مصطلحات‭: ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬التاريخ،‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬العلمانية‭. ‬كيف‭ ‬تقرأون‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬المابعديات‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجالها‭ ‬المعرفي‭ ‬الأوربي؟

‭ - ‬لقد‭ ‬عبّرت‭ ‬‮«‬بعد‮»‬‭ ‬عن‭ ‬موقفي‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بــ‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‮»‬،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬حضارة‭ ‬جديدة‭ ‬قطعت‭ ‬مع‭ ‬مكتسبات‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬العام‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هنالك‭ ‬أن‭ ‬الوضعية‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬معيّنة‭ ‬تبين‭ ‬الآن‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تفي‭ ‬بكل‭ ‬أبعاد‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المتخيل‭ ‬والرمز،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يحتكم‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬وحده‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬هذه؛‭ ‬فهو‭ ‬المَلَكة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتبيّن‭ ‬حدود‭ ‬معرفته‭ ‬وإدراكه‭ ‬للواقع‭ ‬المتشعب‭ ‬الذي‭ ‬يستعصي‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬العقلاني‭ ‬وحده‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الغربيون‭ ‬عمومًا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تجاوز‭ ‬العقلانية‭ ‬الصارمة‭ ‬فإنّنا‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نمرّ‭ ‬بهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬العقلانية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نتأثر‭ ‬بالمقولات‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حدودها‭. ‬إن‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬المابعديات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬استيعاب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مكرّس‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬الغربيين‭ ‬وسلوكهم‭ ‬ومؤسساتهم‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬لم‭ ‬نصل‭ ‬إليها‭ ‬بعد،‭ ‬بل‭ ‬مازلنا‭ ‬بعيدين‭ ‬عنها‭.‬

‭-‬تبدو‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬الفكرية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الكمون‭ ‬والصمت‭ ‬إزاء‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬بحيث‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نلاحظ‭ ‬مطالعات‭ ‬لافتة‭ ‬إلا‭ ‬بشكل‭ ‬استثنائي‭. ‬كيف‭ ‬تفسرون‭ ‬ذلك؟

‭- ‬لابد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬من‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬المفكرون‭ ‬وقادة‭ ‬الرأي‭ ‬يؤثرون‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬محدودة‭. ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬صوت،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قيمته،‭ ‬يضيع‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الآراء‭ ‬المعبّر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وفي‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تتابعها‭ ‬المحطات‭ ‬الإذاعية‭ ‬والتلفزيونية‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭ ‬كافة‭. ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬النخب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتقلص‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الجديدة‭. ‬المهم‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تتبنّى‭ ‬بنى‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الجديدة‭ ‬الأفكار‭ ‬التقدمية‭ ‬وتدافع‭ ‬عنها،‭ ‬بحيث‭ ‬تخلق‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الإجماع‭ ‬حول‭ ‬القيم‭ ‬غير‭ ‬التقليدية،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬تتبلور‭ ‬في‭ ‬قوانين،‭ ‬وأن‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬السياسيين‭. ‬إن‭ ‬الأفكار‭ ‬التحديثية‭ ‬موجودة‭ ‬قبل‭ ‬2011‭ ‬وبعد‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬البنى‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬وتبلغها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬الجماهير‭. ‬فالمشكل‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬القوى‭ ‬المبلّغة‭ ‬لهذه‭ ‬الأفكار‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الأفكار‭ ‬ذاتها‭.‬

‭-‬تبرز‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬أقلام‭ ‬نسوية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الإسلام‭ ‬والمعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬والقراءة‭ ‬النقدية‭ ‬للمدونة‭ ‬التراثية‭. ‬كيف‭ ‬تقيِّمون‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬النسوية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬تونس؟

‭- ‬إنّني‭ ‬شخصيًّا‭ ‬فخور‭ ‬بهذه‭ ‬الأقلام‭ ‬النسوية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أنّني‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬وتأطيرها‭. ‬وأعتبر‭ ‬أنّها‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تاريخية،‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬وفقه‭ ‬بالخصوص،‭ ‬كان‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬الرجال‭ ‬دون‭ ‬النساء،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ألا‭ ‬يتأثر‭ ‬بمصالح‭ ‬الرجال‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬النساء‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬التونسيات‭ ‬ينخرطن‭ ‬ضمن‭ ‬تيار‭ ‬عالمي‭ ‬يُعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬لمصلحة‭ ‬الرجال‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬إيجابي‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬كانت‭ ‬مكسورة‭ ‬الجناح،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تطير‭ ‬إلا‭ ‬بجناحين،‭ ‬كما‭ ‬تقتضيه‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭. ‬ومعروف‭ ‬أن‭ ‬مساهمة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أضعف‭ ‬النسب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬التأخر‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬تعانيه‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭.‬

‭-‬ما‭ ‬هي‭ ‬مشاريعك‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الكتابة‭ ‬والتأليف؟

‭- ‬لا‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مشاريع‭ ‬مستقبلية‭ ‬متى‭ ‬لم‭ ‬يتمّ‭ ‬إنجازها‭. ‬إنّني‭ ‬الآن‭ ‬مشغول‭ ‬بتفعيل‭ ‬المجمع‭ ‬التونسي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مرّ‭ ‬بفترة‭ ‬كاد‭ ‬يخلو‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬وأعتبر‭ ‬أن‭ ‬تشجيعي‭ ‬للكفاءات‭ ‬النسوية‭ ‬والتحديثية‭ ‬عمومًا،‭ ‬إسهام‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭. ‬فتغيير‭ ‬الذهنيات‭ ‬ليس‭ ‬أمرًا‭ ‬سهلًا،‭ ‬ويتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬كل‭ ‬المخلصين‭ ‬للواجب‭ ‬ولمصالح‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬وحتى‭ ‬البعيد