صراع الطواويش... وحكمة الشيخ مبارك

صراع الطواويش... وحكمة الشيخ مبارك

أستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الكويت‭ ‬عاشت‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬والتمور‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬حياتها‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1950،‭ ‬مع‭ ‬اتّساع‭ ‬تصدير‭ ‬النفط‭ ‬وتحقيق‭ ‬عائد‭ ‬يغطي‭ ‬احتياجات‭ ‬الدولة‭ ‬ويوظّف‭ ‬معظم‭ ‬الأطياف‭ ‬من‭ ‬سكانها‭.‬

شيّد‭ ‬الكويتيون‭ ‬كيانًا‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر،‭ ‬مبنيًّا‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬البحر،‭ ‬فعندما‭ ‬جاء‭ ‬الروّاد‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الكويت‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يؤمّن‭ ‬حياتهم،‭ ‬فلا‭ ‬ماء‭ ‬ولا‭ ‬غذاء‭ ‬ولا‭ ‬واحات،‭ ‬مجرّد‭ ‬ساحل‭ ‬رملي‭ ‬وخليج‭ ‬صغير‭ ‬وظّفه‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرواد‭ ‬كمصدر‭ ‬للحياة،‭ ‬بالإصرار‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬سفن‭ ‬متعددة‭ ‬الأحجام،‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬آنذاك،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الأرض‭ ‬الجرداء،‭ ‬فلا‭ ‬مفرّ‭ ‬من‭ ‬البحر،‭ ‬لهذا‭ ‬تمكّنوا‭ ‬بالإصرار‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬وبالعزم‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬خزائن‭ ‬البحر‭ ‬واقتحامها‭ ‬وتطويعها‭ ‬كمصدر‭ ‬يوفّر‭ ‬لهم‭ ‬أبسط‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة،‭ ‬وصار‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬مهنة‭ ‬يتولاها‭ ‬الكويتيون‭ ‬صيفًا،‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬المحار‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬محاذاة‭ ‬البحرين‭ ‬وسواحل‭ ‬الكويت‭ ‬الجنوبية‭ ‬حول‭ ‬منطقة‭ ‬الجليعة‭.‬

كانت‭ ‬مهمة‭ ‬شاقّة‭ ‬لها‭ ‬نظامها‭ ‬الخاص،‭ ‬غواص‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الأعماق‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬بلا‭ ‬آليات،‭ ‬يجمع‭ ‬المحار‭ ‬في‭ ‬كيس،‭ ‬ويسحبه‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬السفينة،‭ ‬يديرها‭ ‬ربّان‭ ‬متمكّن،‭ ‬يبيع‭ ‬الحصاد‭ ‬على‭ ‬رجل‭ ‬تاجر‭ ‬اسمه‭ ‬االطواشب‭ ‬عمله‭ ‬تاجر‭ ‬لؤلؤ،‭ ‬يتاجر‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬أوربا‭ ‬ويربح‭ ‬منه،‭ ‬ويتم‭ ‬توزيع‭ ‬الحصيلة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬الشاقة‭. ‬

يتميز‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬لتاجر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بالحساسية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فمن‭ ‬دونه‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوربية،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬من‭ ‬يؤمّن‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬أسواقه‭ ‬العالمية،‭ ‬ومن‭ ‬دونه‭ ‬أيضًا‭ ‬يضيع‭ ‬الغواص،‭ ‬وتتوقف‭ ‬السفينة،‭ ‬وتنتشر‭ ‬البطالة،‭ ‬وتتأثر‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬ضريبة‭ ‬الغوص‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬التجار‭. ‬

كان‭ ‬الغوص‭ ‬هو‭ ‬القناة‭ ‬الأولى‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الكويتي‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬العهد،‭ ‬وجاء‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬وشرق‭ ‬إفريقيا‭ ‬كقناة‭ ‬ثانية‭ ‬بعد‭ ‬كساد‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬ثم‭ ‬اتسعت‭ ‬لتصبح‭ ‬الأولى،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الطواش‭ ‬لاعبًا‭ ‬استراتيجيًّا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكويتي،‭ ‬فإن‭ ‬تاجر‭ ‬التمور‭ ‬الكويتي‭ ‬هو‭ ‬العامل‭ ‬الموفر‭ ‬للسفن‭ ‬الكويتية‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬تمور‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬ومن‭ ‬دونه‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬سفن‭ ‬الكويت‭ ‬الشراعية‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬في‭ ‬رحلتها‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭. ‬

هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬الثنائية‭ ‬اتاجر‭ ‬اللؤلؤ‭ - ‬الطواشب‭ ‬واتاجر‭ ‬التمورب‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬هي‭ ‬منبع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكويتي،‭ ‬فكلّ‭ ‬شعب‭ ‬الكويت‭ ‬حتى‭ ‬1950،‭ ‬مرتبط‭ ‬بشبكة‭ ‬الغوص‭ ‬وشبكة‭ ‬البحر،‭ ‬وقليل‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬والمزارع‭.‬

كسب‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وتجار‭ ‬التمور‭ ‬مقعدًا‭ ‬استثنائيًّا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكويت‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ونتج‭ ‬عنها‭ ‬مكانة‭ ‬سياسية‭ ‬ونفوذ‭ ‬تمتّع‭ ‬به‭ ‬هؤلاء‭ ‬التجار‭ ‬المقرّبون‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬الكويت‭ ‬لنفوذهم‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬وترابطهم‭ ‬اجتماعيًّا‭. ‬

 

أزمة‭ ‬عام‭ ‬1910

رغم‭ ‬التصاقهم‭ ‬بالحاكم،‭ ‬فإن‭ ‬العلاقات‭ ‬تعرّضت‭ ‬لأزمات،‭ ‬أبرزها‭ ‬أزمة‭ ‬عام‭ ‬1910،‭ ‬حين‭ ‬اتخذ‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬الصباح‭ ‬حاكم‭ ‬الكويت‭ ‬السابع،‭ ‬قراره‭ ‬بمنع‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬لأن‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬ملتزم‭ ‬بأعباء‭ ‬المواجهة‭ ‬ضد‭ ‬بعض‭ ‬أمراء‭ ‬المناطق‭ ‬ومسؤوليها‭ ‬لمسببات‭ ‬خاصة‭ ‬برؤية‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحكم،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬زادت‭ ‬أعباء‭ ‬الحكم‭ ‬إداريًّا‭ ‬واقتصاديًّا،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الوفاء‭ ‬بهذه‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬يحرص‭ ‬عليها‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬الصباح‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬مفرّ‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب،‭ ‬وهو‭ ‬قرار‭ ‬فيه‭ ‬قساوة‭ ‬على‭ ‬الدورة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬عطاء‭ ‬التجار،‭ ‬خاصّة‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الضرائب‭ ‬المتصاعدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬أعباء‭ ‬الدفاع‭ ‬تشكّل‭ ‬ثقلًا‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬الدكاكين‭ ‬الصغيرة‭ ‬وعلى‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الحرف‭ ‬والمداخيل‭ ‬المحدودة‭. ‬

كان‭ ‬طموح‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬الصباح‭ ‬إقليميًّا‭ ‬يستوجب‭ ‬توفّر‭ ‬دخل‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬يحصل‭ ‬عليه،‭ ‬ولهذا‭ ‬كانت‭ ‬اختياراته‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب‭ ‬تفرز‭ ‬اعتراضات‭ ‬لم‭ ‬يتجاهلها‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك،‭ ‬لكنّه‭ ‬كان‭ ‬مجبرًا‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الحلفاء‭ ‬من‭ ‬القبائل،‭ ‬ومن‭ ‬أمثال‭ ‬الشيخ‭ ‬خزعل‭ ‬حاكم‭ ‬المحمرة‭ ‬التي‭ ‬يتعرّض‭ ‬لمواجهات‭ ‬أمنية‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭ ‬بمفرده‭. ‬

يذكر‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬هجرة‭ ‬طواويش‭ ‬الكويت،‭ ‬بدر‭ ‬ناصر‭ ‬المطيري‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬73،‭ ‬أن‭ ‬مبادرة‭ ‬جمع‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬التجار‭ ‬وأصحاب‭ ‬الدكاكين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حصيلتها‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬عثمانية‭ ‬قد‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬إشاعة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السخط‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فرض‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬الغوص‭ ‬تعادل‭ ‬حصة‭ ‬غواص،‭ ‬وتساوي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسهم‭ ‬من‭ ‬محصول‭ ‬كل‭ ‬سفينة،‭ ‬وتسمى‭ ‬اقلاطة‭ ‬الشيوخب‭. ‬

 

ضغوط‭ ‬واحتجاجات

تمشيًّا‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب‭ ‬لتمويل‭ ‬قوات‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬معاركه‭ ‬مع‭ ‬خصومه‭ ‬شمالًا‭ ‬وجنوبًا،‭ ‬تعرّض‭ ‬تجار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬إلى‭ ‬ضغوط‭ ‬فجّرت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭.‬

وفجّرت‭ ‬أزمة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬عرّضت‭ ‬الحياة‭ ‬التجارية‭ ‬إلى‭ ‬التوقف‭ ‬مع‭ ‬جمود‭ ‬الحياة‭ ‬فيها‭ ‬يرافقها‭ ‬فزع‭ ‬تسيُّد‭ ‬المجموعات‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الغوص‭. ‬

كما‭ ‬يسجل‭ ‬بدر‭ ‬ناصر‭ ‬المطيري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬هجرة‭ ‬طواويش‭ - ‬ص‭ ‬87‭: ‬

اسادت‭ ‬بسبب‭ ‬جبايات‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التذمر،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬قسمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬رأسمال‭ ‬الكويت‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬استهلاكه‭ ‬للصرف‭ ‬على‭ ‬استعدادات‭ ‬الشيخ‭ ‬لمواجهة‭ ‬الخصوم،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إبقاء‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الكويتية‭ ‬المستنفرة‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬البادية‭ ‬طوال‭ ‬شهور‭ ‬الصيف‭ ‬والخريف‭ ‬وحتى‭ ‬الشتاء،‭ ‬وأصبح‭ ‬الإنفاق‭ ‬عليها‭ ‬وإمدادها‭ ‬مصدر‭ ‬نزف‭ ‬مستمر‭ ‬لثروة‭ ‬التجارب‭.‬

وقد‭ ‬تسبب‭ ‬تجهيز‭ ‬قوة‭ ‬الغزو‭ ‬مرتين‭ - ‬يشير‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬هدية‭ ‬التي‭ ‬خسرها‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬وتصميمه‭ ‬على‭ ‬الثأر‭- ‬إلى‭ ‬استهلاك‭ ‬كل‭ ‬المخزون‭ ‬المحلي‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬الإبل‭ ‬والسلاح‭ ‬والملابس،‭ ‬مما‭ ‬سبب‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭. ‬

كان‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬قد‭ ‬خسر‭ ‬معركة‭ ‬هدية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬مارس‭ ‬1910،‭ ‬فصمم‭ ‬على‭ ‬الثأر،‭ ‬وأعد‭ ‬جيشًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬استعان‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬البادية،‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬تعبئة‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬لهذا‭ ‬الثأر،‭ ‬ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬موسم‭ ‬الغوص‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬مايو،‭ ‬اتخذ‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬قراره‭ ‬بمنع‭ ‬خروج‭ ‬الكويتيين‭ ‬للغوص،‭ ‬وتم‭ ‬تجنيد‭ ‬رجال‭ ‬الغوص‭ ‬للمعركة،‭ ‬فتحرّك‭ ‬كبار‭ ‬الطواويش‭ ‬لحثّ‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬بقراره‭ ‬منع‭ ‬الغوص،‭ ‬لأن‭ ‬له‭ ‬عواقب‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬وأهلها،‭ ‬لأن‭ ‬الغوص‭ ‬كان‭ ‬آنذاك‭ ‬أبرز‭ ‬مورد‭ ‬للأرزاق‭. ‬

فقام‭ ‬ثمانية‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الطواويش‭ ‬بمقابلة‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬وشرحوا‭ ‬نتائج‭ ‬القرار،‭ ‬لكنّ‭ ‬الشيخ‭ ‬رفض‭ ‬طلبهم،‭ ‬وكان‭ ‬الوفد‭ ‬يضم‭ ‬نجوم‭ ‬تجارة‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬هلال‭ ‬المطيري،‭ ‬وشملان‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الرومي،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬المضف،‭ ‬وحمد‭ ‬الخالد‭ ‬وآخرين‭.‬

 

توتّر‭ ‬وعدم‭ ‬اتفاق

‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬التأجيل،‭ ‬فقد‭ ‬رفض‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬إلغاء‭ ‬قرار‭ ‬المنع،‭ ‬كما‭ ‬ساد‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬لاسيما‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الثلاثة‭ (‬المطيري‭ ‬والرومي‭ ‬والمضف‭) ‬وبين‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭. ‬

وهنا‭ ‬يشير‭ ‬تقرير‭ ‬الوكيل‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الثلاثة‭ ‬اتصلوا‭ ‬بالسلطات‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬لهم‭ ‬ولنواخذتهم‭ ‬وبحّارتهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬عزموا‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬الكويت‭ ‬والاستقرار‭ ‬بأي‭ ‬مكان‭ ‬تخصصه‭ ‬لهم‭ ‬السلطات‭ ‬البريطانية،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬نفوذ‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك،‭ ‬ويوفّر‭ ‬لهم‭ ‬حريّة‭ ‬ممارسة‭ ‬الغوص‭. 

كما‭ ‬حملوا‭ ‬معهم‭ ‬ما‭ ‬توفّر‭ ‬من‭ ‬النقد،‭ ‬وقد‭ ‬وعد‭ ‬هلال‭ ‬المطيري‭ ‬مجموعته‭ ‬من‭ ‬الغاصة‭ ‬والبحارة‭ ‬بإسقاط‭ ‬الديون‭ ‬وتسهيل‭ ‬سكنهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأمين‭ ‬العدد‭ ‬الكافي‭ ‬لمزاولة‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬من‭ ‬المقر‭ ‬الجديد‭. 

توجه‭ ‬المطيري‭ ‬والمضف‭ ‬إلى‭ ‬البحرين،‭ ‬وذهب‭ ‬شملان‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬اجنةب‭ ‬ومعه‭ ‬راشد‭ ‬بورسلي،‭ ‬وأحمد‭ ‬المناعي،‭ ‬وسعد‭ ‬الناهض‭ ‬السهلي،‭ ‬وصالح‭ ‬المسباح،‭ ‬وعيسى‭ ‬العصفور،‭ ‬وناصر‭ ‬النجدي‭ ‬وغيرهم‭.‬

وكان‭ ‬الوكيل‭ ‬البريطاني‭ ‬شكسبير‭ ‬قد‭ ‬أرسل‭ ‬تقريرًا‭ ‬عن‭ ‬مقابلته‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المطيري‭ ‬والمضف‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬أغسطس‭ ‬1910،‭ ‬شرح‭ ‬فيه‭ ‬أسباب‭ ‬الهجرة،‭ ‬وهي‭ ‬الضيق‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬المنع‭ ‬وتعطيل‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬واقترابهم‭ ‬من‭ ‬الإفلاس،‭ ‬بسبب‭ ‬أعباء‭ ‬الإعداد‭ ‬للثأر‭ ‬وإدامته،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬200‭ ‬سفينة‭ ‬كويتية‭ ‬لن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭. ‬

وهنا‭ ‬يعلّق‭ ‬الوكيل‭ ‬البريطاني‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬ثروة‭ ‬الكويت‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطواويش‭ ‬يملكون‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مليونين‭ ‬و3‭ ‬ملايين‭ ‬روبية،‭ ‬وبين‭ ‬200‭ ‬و300‭ ‬سفينة،‭ ‬ويتبعهم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬6‭ ‬و8‭ ‬آلاف‭ ‬رجل،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬تأثيرهم‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكويتي‭ ‬قاتل‭. ‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬تقديرًا‭ ‬من‭ ‬الوكيل‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬لمقابلتهما،‭ ‬لضرورة‭ ‬عودة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطواويش‭ ‬إلى‭ ‬بلدهم‭. ‬

 

إلغاء‭ ‬التعبئة

غضب‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء،‭ ‬وأرسل‭ ‬سفينته‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الغوص،‭ ‬ليقف‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬النواخذة‭ ‬الكويتيين‭ ‬الموجودين‭ ‬فيها،‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬الإجراء،‭ ‬قرر‭ ‬يوم‭ ‬30‭ ‬أغسطس‭ ‬إلغاء‭ ‬قوة‭ ‬الغزو‭ ‬والتعبئة،‭ ‬كما‭ ‬أرسل‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬شملان‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬يشرح‭ ‬له‭ ‬الوضع،‭ ‬ويحثّه‭ ‬والآخرين‭ ‬على‭ ‬العودة‭. ‬

كانت‭ ‬الرقّة‭ ‬واللطافة‭ ‬تميّزان‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة،‭ ‬وتزيلان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاستياء‭ ‬الذي‭ ‬سبّبه‭ ‬اللقاء‭ ‬الأخير‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬كبار‭ ‬الطواويش،‭ ‬والذي‭ ‬سادته‭ ‬لهجة‭ ‬المواجهة‭. ‬

جاء‭ ‬هذا‭ ‬التواصل‭ ‬من‭ ‬قناعة‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬بأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطواويش‭ ‬هم‭ ‬أعمدة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكويتي،‭ ‬وهم‭ ‬الملّاك‭ ‬لقنوات‭ ‬العمل،‭ ‬وأن‭ ‬غيابهم‭ ‬سيفجّر‭ ‬التوتر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يجر‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭. ‬

وعن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬يسجل‭ ‬المعتمد‭ ‬البريطاني‭ ‬شكسبير،‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬خلال‭ ‬سبتمبر‭ ‬1910،‭ ‬ملاحظاته‭ ‬بأن‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬أصبح‭ ‬مستعدًا‭ ‬لتقبّل‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقف‭ ‬على‭ ‬الاحتمالات‭ ‬المؤذية‭ ‬للكويت‭. ‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬الذي‭ ‬سجّله‭ ‬الأرشيف‭ ‬البريطاني‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نرصد‭ ‬كيف‭ ‬نشر‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬بذور‭ ‬الواقعيّة‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬اتّبعه‭ ‬حكام‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬لاسيما‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬والشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬وكذلك‭ ‬الآخرون‭ ‬الذين‭ ‬أتقنوا‭ ‬فنون‭ ‬الإبحار‭ ‬وسط‭ ‬العواصف‭ ‬التي‭ ‬تهبّ‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬نتيجة‭ ‬للصراع‭ ‬الحاد‭ ‬بين‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬والدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة‭. ‬

 

مساعٍ‭ ‬حميدة

انسجامًا‭ ‬مع‭ ‬قناعة‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬بضرورة‭ ‬عودتهم،‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬الاتصالات‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬الطواويش،‭ ‬فقد‭ ‬أوفد‭ ‬كلّا‭ ‬من‭ ‬الوجيه‭ ‬ناصر‭ ‬البدر،‭ ‬والطواش‭ ‬حسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الرومي‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬لبذل‭ ‬المساعي‭ ‬الحميدة،‭ ‬لكنّ‭ ‬الاثنين‭ ‬عادا‭ ‬يوم‭ ‬4‭ ‬سبتمبر‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬تقدّم،‭ ‬لأن‭ ‬عقدة‭ ‬الضمان‭ ‬بسلامة‭ ‬العودة‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬بعد،‭ ‬ولم‭ ‬يقتنع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطواشة‭ ‬بصلابة‭ ‬الضمان‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬عند‭ ‬عودتهم‭. 

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬جهوده‭ ‬أمام‭ ‬عقدة‭ ‬الرفض،‭ ‬فاستدعى‭ ‬ابنه‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬الفنطاس،‭ ‬وأرسله‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬سبتمبر‭ ‬1910‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬العماير‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬المركب‭ ‬التجاري‭ ‬الخاص‭ ‬بالشيخ‭ ‬مبارك‭. ‬

ويسجل‭ ‬المؤرخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الرشيد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬اتاريخ‭ ‬الكويتب‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬المبارك‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬اجنةب،‭ ‬حيث‭ ‬التقى‭ ‬كلًّا‭ ‬من‭ ‬شملان‭ ‬الرومي‭ ‬وراشد‭ ‬بورسلي‭ ‬وأحمد‭ ‬المناعي‭ ‬وسعد‭ ‬ناهض‭ ‬وصالح‭ ‬المسباح،‭ ‬وأظهر‭ ‬تأثّره‭ ‬الشديد‭ ‬بما‭ ‬حصل،‭ ‬ورجا‭ ‬الجميع‭ ‬غضّ‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬مضى،‭ ‬فأظهر‭ ‬الجميع‭ ‬الاقتناع‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬شملان،‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬هلال‭ ‬المطيري،‭ ‬وبعدها‭ ‬تم‭ ‬ترتيب‭ ‬اجتماع‭ ‬بين‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬المبارك‭ ‬وبين‭ ‬إبراهيم‭ ‬المضف‭ ‬وهلال‭ ‬المطيري‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حاكم‭ ‬البحرين،‭ ‬فطلب‭ ‬هلال‭ ‬الضمان‭ ‬التام‭ ‬على‭ ‬حياته،‭ ‬وكان‭ ‬الرد‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬مخوّل‭ ‬بأي‭ ‬ضمان،‭ ‬ولذلك‭ ‬رأى‭ ‬هلال‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬بينما‭ ‬عاد‭ ‬الجميع‭ ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬المركب‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬سبتمبر‭ ‬1910،‭ ‬بعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬هجرتهم‭. ‬

وبقي‭ ‬هلال‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يمارس‭ ‬نشاطه‭ ‬التجاري‭ ‬منذ‭ ‬سبتمبر‭ ‬1910‭ ‬حتى‭ ‬سبتمبر‭ ‬1911‭. ‬

 

موقف‭ ‬متردد

في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المتردد‭ ‬الذي‭ ‬أظهره‭ ‬هلال‭ ‬المطيري‭ ‬في‭ ‬العودة،‭ ‬قام‭ ‬السيد‭ ‬شملان‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بزيارة‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬الصباح،‭ ‬وشرح‭ ‬له‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬هلال‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬لأنه‭ ‬يمنح‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬روبية‭ ‬للفقراء‭ ‬والمحتاجين،‭ ‬وأن‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬ضمان‭ ‬لموسم‭ ‬الكويت‭ ‬القادم‭ ‬عام‭ ‬1911،‭ ‬فتأثر‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬بهذا‭ ‬الشرح،‭ ‬وتشاور‭ ‬مع‭ ‬المقرّبين‭ ‬منه،‭ ‬واستخلص‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاتصالات‭ ‬ضرورة‭ ‬قيامه‭ ‬شخصيًّا‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬لإعادة‭ ‬هلال‭ ‬المطيري،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬قناعته‭ ‬بأهمية‭ ‬وجود‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطواويش‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكويت‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأمنية‭. 

توجّه‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬يوليو‭ ‬1911‭ ‬وعاد‭ ‬منها‭ ‬يوم‭ ‬18‭ ‬منه،‭ ‬وسافر‭ ‬معه‭ ‬أصدقاء‭ ‬هلال‭ ‬من‭ ‬الطواشة،‭ ‬وهم‭ ‬شملان‭ ‬الرومي،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬المضف،‭ ‬وناصر‭ ‬البدر،‭ ‬ونجح‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬بعد‭ ‬لقائه‭ ‬هلال،‭ ‬بوجود‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬حاكم‭ ‬البحرين،‭ ‬وبعد‭ ‬اطمئنان‭ ‬هلال‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الضمانات‭ ‬التي‭ ‬وفّرها‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭. ‬

عاد‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬أغنى‭ ‬تاجر‭ ‬لؤلؤ‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الخليج،‭ ‬وبذلك‭ ‬تمّ‭ ‬تأمين‭ ‬سلاسة‭ ‬تجارية‭ ‬لمحصول‭ ‬عام‭ ‬1911،‭ ‬وأغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬الاضطراب‭ ‬والفتنة‭.‬

 

4‭ ‬دروس‭ ‬مهمة

نستخلص‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬4‭ ‬دروس‭ ‬مهمة،‭ ‬أولاً‭: ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬تضحّي‭ ‬برصيدها‭ ‬المالي‭ ‬الوطني‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬ارتباكات‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وأمنيّة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التكهّن‭ ‬بنتائجها،‭ ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬أزمة‭ ‬الطواويش‭ ‬ما‭ ‬شكّله‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنون‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬مالي‭ ‬ورصيد‭ ‬اقتصادي‭ ‬ونفوذ‭ ‬سياسي‭ ‬لعب‭ ‬دورًا‭ ‬مميّزًا‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬الكويت‭ ‬وتأمين‭ ‬مسيرتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬كيانها‭ ‬واستقلالها،‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الذاتية‭. ‬

ثانيًا‭: ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك،‭ ‬رغم‭ ‬قوة‭ ‬مكانته‭ ‬ورسوخ‭ ‬حكمه‭ ‬وسطوة‭ ‬قراراته،‭ ‬فقد‭ ‬ضرب‭ ‬مثالًا‭ ‬على‭ ‬ضرورات‭ ‬الواقعيّة‭ ‬السياسية،‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬رجاحة‭ ‬العقل‭ ‬والترفع‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬والاستنجاد‭ ‬بالتحليل‭ ‬الموضوعي‭ ‬لتجاوز‭ ‬الصعوبات،‭ ‬واضعًا‭ ‬مصلحة‭ ‬الكويت‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مشاعره‭ ‬الخاصة‭. 

ثالثًا‭: ‬غرس‭ ‬سلوك‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬الطواويش‭ ‬نهج‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬حكم‭ ‬الكويت،‭ ‬وإدارتها‭ ‬وفق‭ ‬الحسابات‭ ‬العاقلة،‭ ‬التي‭ ‬تراعي‭ ‬قدرة‭ ‬البلد‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬المجابهة‭ ‬والمغامرة‭ ‬بمصير‭ ‬الوطن‭. ‬

رابعًا‭: ‬سجّل‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬واحد‭ ‬للدخل‭ ‬القومي‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬سلامة‭ ‬الاستمرار‭ ‬دون‭ ‬بروز‭ ‬تأثيرات‭ ‬خارج‭ ‬سيطرة‭ ‬الحاكم،‭ ‬وأن‭ ‬التنوع‭ ‬والبحث‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحاكم،‭ ‬ومن‭ ‬ضرورات‭ ‬متانة‭ ‬أعمدة‭ ‬الاستقرار‭. 

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تستخلص‭ ‬الكويت‭ ‬العِبَر‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬الطواويش‭ ‬مع‭ ‬مخاطر‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬واحد،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬بدّل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ضحاياه‭ ‬مهنة‭ ‬الغوص‭ ‬كمصدر‭ ‬ممول‭ ‬للدولة،‭ ‬لكنّه‭ ‬يبقى‭ ‬السلعة‭ ‬الفريدة‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬حياة‭ ‬الكويت،‭ ‬وفي‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الحياة‭ ‬فيها‭. ‬

كانت‭ ‬أزمة‭ ‬الطواويش‭ ‬مأزق‭ ‬وطن‭ ‬فيه‭ ‬اختبار‭ ‬لجدارة‭ ‬الحكم‭ ‬وواقعيّته‭ ‬واحترام‭ ‬صوت‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬ضرورات‭ ‬الحلول‭ ‬المناسبة‭ ‬واستجابة‭ ‬الحاكم‭ ‬لها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الوطن‭ ‬الآمن‭.

كان‭ ‬الغوص‭ ‬هو‭ ‬القناة‭ ‬الأولى‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الكويتي‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬العهد