الخاتم.. أقدم الحلي في التاريخ سحر نايف

الخاتم.. أقدم الحلي في التاريخ

ربما لا تخلو منه يد أحد منا، قابعا في أحد أصابعه. ولكن هل فكر أحدنا في هذه الحلقة المحكمة التي تزين إصبعه والتي سميت بـ (الخاتم)؟. متى بدأ التزين به؟ وكيف تطورت صناعته؟ وإلام يرمز أو علام يدل؟.

يعتبر الخاتم من أقدم الحلي لدي الشعوب، إذ يرجع اكتشافه إلى عصر "الحجر المصقول" ثم تطورت صناعته مع اكتشاف المعادن.

ويعتقد أن الخواتم تعود في أصولها إلى الشرق، فقد ظهرت ل أول مرة في مصر وبلاد ما بين النهرين ثم انتقلت إلى الغرب

وقد عبر الخاتم على مر العصور عن معتقدات وعادات شعبيه من خلال الرسوم والرموز التي كانت تنقش عليه.

كما تذكر سير الأدب الشعبي حكايات مختلفة عن سحر الخاتم الذي يحقق الرغبات المستحيلة، وكم من صياد فقير وجد في بطن سمكة خاتما سحريا فأصبح من أصحاب القصور.

ويرى البعض أن السر في وضع خاتم الزواج في إصبع اليد اليسرى أنه رمز للحب الدائم لقربة من جهة القلب.

الرحلة من الحجر إلى الذهب

لعل أول خاتم في التاريخ كان عبارة عن قطعة من الحجر أو العظام أو الصدف المثقوب، وضعه أحدهم في إصبعه فأعجبه المشهد فقام بصقل القطعة وتهذيبها قدر الإمكان، أو أنه كان نوعا من التعويذة ضد الأرواح الشريرة. ولم تصبح الخواتم قطعا فنية إلا بعد اكتشاف الإنسان للمعادن ونجاحه في معالجتها. ويري علماء الآثار أن شعوب منطقة الشرق الأوسط كانت أول من عرف فن معالجة المعادن في أواخر الألف الرابعة قبل الميلاد، وقد استطاعت هذه الشعوب تطويره بسرعة مذهلة. فمع حلول عام 2500 قبل الميلاد كان حرفيو مصر وبلاد ما بين النهرين قد تعلموا مختلف أساليب معالجة المعادن، ولم تبق إلا استثناءات قليلة للعصر الحديث، كان بعضها نتيجة لغياب المعرفة في العصور المظلمة، فلم ينجح صاغة الذهب في أوربا مثلا في صنع حلي مماثلة للحلي القديمة المصنوعة في الشرق في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد إلا في عام 1133م.

ولا تقتصر أهمية الخاتم حتى في بداية عهده على كونه حلية للزينة فقط، بل كانت له فوائد متعددة أقدمها كونه ختما يستعمله صاحبه بدل التوقيع.

ويذكر أن فن معالجة المعادن كان متماشيا مع تطور الكتابة التي ظهرت في الفترة نفسها، كالكتابة المسمارية والهيروغليفية فقد كانت مصر غنية بالمعادن، واستخرجت الذهب من مناجم النوبة، مع أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد انتشر فن صناعة الذهب بين جميع شعوب منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وقد تفوق السومريون والحيثيون بالتقنية المتطورة، فعرفوا التخريم وفن تزين الذهب بالأحجار الكريمة، في حين أهمل الفراعنة الحجر لصالح الزجاج الملون في تزين خواتمهم.

قوانين استخدام الخواتم

ويعود أول قانون يتعلق باستخدام الخواتم إلى الرومان، حيث نص القانون على أن تكون الخواتم من الحديد، ولم يسمح باستعمال خواتم الذهب إلا للسفراء أثناء تأدية واجباتهم الرسمية، على أن يعودا إلى خاتم الحديد خارج عملهم الرسمي، وقد ألغى هذا القانون مع اتساع رقعة الإمبراطورية الرومانية، لكن القوانين ظلت تحدد نوعيتها فكانت قلة من المواطنين فقط تحظى بشرف وضع صورة الإمبراطور الروماني على الخاتم.

وفي العصور الوسطى شاع نوع جديد من الخواتم التي تحمل اسم صاحبها على شكل أحجية مصورة، كما ظهرت عادة تبادل الخواتم في الخطبة والزواج مع عبارات منقوشة تدلل على شدة الوله بين المتحابين مثل "مع حبي" و "ملكت قلبي" و "إلى الأبد". وفي إيطاليا كانوا يعمدون إلى تزين الخواتم بصورة يدين متشابكتين وما إلى ذلك ثم انتشرت "التعويذة" التي كان يعتقد أنها تشفي من بعض الأمراض بسبب حجارتها الكريمة، أو بفضل الكتابات المنقوشة عليها، وكان من عادة انجلترا توزيع خواتم في العيد الكبير تشفي من الصداع وآلام المعدة.

قد عثر على خاتم من الفضة يعود إلى العصور الوسطى وعليه شكل أسنان وكتابات لا معنى لها ويعتقد أنه تعويذة للوقاية من ألم الأسنان.

وشهدت هذه الحقبة من التاريخ ظهور الخاتم الذي يدل على مهنة صاحبه، وفي تحليل كبر حجم خواتم هذه الفترة أن الأثرياء والنبلاء كانوا يضعون الخواتم فوق القفازات لأنهم كانوا يتمسكون بإظهارها كدليل على ثرائهم ومكانتهم الرفيعة في المجتمع، كما كان عدد الخواتم في اليد مقياسا لأهمية صاحبها. ويصف سفير البندقية إلى البلاط الإنجليزي أصابع الملك هنري الثامن بأنها "كانت كتلة براقة من الذهب والحجارة الكريمة".

خواتم المشاهير

ومع بداية القرن السابع عشر ظهرت الخواتم المخصصة للاحتفالات والمراسم المعينة كخاتم التتويج، وتروي السجلات القديمة أن يوجيني حملت خاتم تتويج نابليون وسارت به في رأس الموكب، وأن هذا الخاتم كان من الذهب تزينه قطعة من الزمرد، ضخمة الحجم، رائعة اللون، انتقاها نابليون من بين مجوهرات ملوك فرنسا وأرسلها إلى براغ حيث حفر شعاره عليها وقد اختفى هذا الخاتم عام 1814 مع هروب زوجته الثانية ماري لويز من باريس.

أما خاتم تتويج الملكة الإنجليزية "فيكتوريا" فكان بسيطا ومزينا بالعقيق الملون بألوان العلم الإنجليزي.

الخواتم المسمومة

وانتشرت أيضا خواتم الذكرى وأشهرها الخاتم الذي أهدته "ماري انطوانيت" إلى إحدى صديقاتها ووضعت فيه خصلة من شعرها. وشهدت هذه الفترة الخواتم المسمومة وكذلك المحتوية على العطور، وأدى تطور فن صقل الحجارة الكريمة في عصر النهضة والعصر الحديث إلى ظهور خاتم "السوليتير" المكون من محبس ذهبي فيه حبة ألماس مصقولة.

وفي القرن العشرين كانت الفتاة الأوربية لا تجرؤ على التزين بالخواتم المحلاة بالفصوص، لأن ذلك يؤدي إلى الطعن في أخلاقها وكانت تكتفي بخاتم بسيط تزينه الزهور وما شبه ذلك، وظل الارستقراطيون وحدهم يتزينون بالخواتم الفاخرة مع ظهور الصاغة المشهورين أمثال كارتييه وبوشيرون وتيفاني وغيرهم.

وبعد الثورة الصناعية، وانتشار الحياة العملية في العصر الحديث ظهرت الخواتم الاصطناعية من المعادن الرخيصة، كما ساعد تطور التكنولوجيا على انتشار الخواتم رخيصة الثمن فأصبحت بمتناول الجميع.

وفي العقدين الأخيرين من هذا القرن انتشرت على نحو ضيق بعض الخواتم النفعية كتلك المضاءة ببطارية أو التي تحتوي على كاميرا للتجسس.

أما في الشرق الأوسط والبلاد العربية على نحو خاص فقد ظلت الخواتم رمزا للزينة ودليلا روحيا على وشائج الحب، كما أن وضعه في بنصر اليد اليمن يعتبر مؤشرا على أن الفتاة مخطوبة بانتظار نقله إلى بنصر اليد اليسري والوصول إلى عش الزوجية الهانئ.

 

سحر نايف