الشاعر العراقي عيسى الياسري: مدن الغرب بكل جماليّاتها لم تستطع أن تنضوَ عنّي عباءة صوف غنمي

شكلت تجربة الشاعر الستيني، عيسى حسن الياسري، أهميتها لدى الجيل الجديد، لما تمتلكه من توظيف للبيئة العراقية عبر أهوار وقصب الجنوب، وأكواخ القرية، وعوالمها السحرية.
ولا تزال تلك الأجواء تهيمن عليه، حتى بعد أن استقر به المطاف في كندا، رافضًا وجود المحتل في أرض الرافدين، وحاملا ثقل المدن العراقية والقرى الريفية في وجدانه أينما حلّ. هذا الحوار يتطرق لمعالم نصوصه الشعرية وسر اهتمامه بالقرية، ولماذا عُدّت تجربته كأنها سلسلة من تجارب الشعراء العالميين الذين أخذوا على عاتقهم الاهتمام بطبيعة الريف. هذا الشاعر المغترب صوت لا يمكن نسيانه أو تجاهله، بعد أن اطّلعنا على منجزه الشعري الذي أصبح علامة دالة على إحياء الجنوب العراقي، وبعد أن ترجمت أعماله في أمريكا وأستراليا ودول الغرب لتعرف بإنسانية نصوصه وثقلها المعرفي والوجودي.
- أود أن أتحدث بداية معك عن سر اهتمامك بأجواء الجنوب؟
- ما تسأل عنه هو ليس اهتمامًا بالجنوب، أن تهتم بشيء يمكن أن تسميّه هواية اعتدت عليها. مثلًا أن يثير إعجابك مكان ما، لذا تحرص على زيارته بين الحين والآخر، أن تستهويك زراعة قطعة صغيرة من الأرض بالخضار أو غيرها، أن ترتبط بصداقة مع كتاب معيّن تعود لقراءته كلما مر ّ وقت على قراءته الأولى.
العلاقة بيني وبين الجنوب تتخذ منحى مختلفًا تمامًا، ففي طفولتي الأولى كان يمثّل لي عالمًا من السحر والدهشة، حيث أجدني أتّحد مع جميع مكوناته الجغرافية؛ بدءًا من الحقول والمراعي ونهر القرية الكبير وأشجار الغرب والصفصاف التي تحتضن ضفتيه، فوق أشرعة الزوارق وهي عائدة بحمولتها من السمك. قوافل الجمال القادمة من القرى البعيدة، وهي تحمل على ظهورها غلّة القمح والشعير، مواسم الحراثة أو الحصاد، وما يرافقها من طقوس تقرّب من العبادات البدائية.
أضف إلى ذلك مواسم الأمطار والفيضانات. وموسيقى حفيف الأشجار وثغاء الماشية. إنها تفاصيل قد تطول كثيرًا وقد لا تكون لها كل ّ هذه الأهمية التي أتحدث عنها بكل هذا الابتهاج الاحتفالي عند كثيرين ممن شاركوني طفولتي فوق أرض الجنوب، لكنها بالنسبة إليّ كانت تعني شيئًا لا أستطيع في مرحلتي الطفولية تلك أن أفكك سريّاته، التي تجعلني أتخلى عن يقظتي لأندسّ في اغطية هذا المكوّن اللامنكشف لمداركي الغضة، وأظل أحلم.
لقد شكّل الجنوب، منذ أول خطوة لينة من خطواتي لامست نعومة ترابه، بل وحتى وخزات أشواكه وعاقوله، تناغمًا فردوسيًّا يتخطى حضوري الفعلي، ليقودني نحو الغياب الجميل، وكما أنك تحاول أن تجد لغة توصلك لمخاطبة طفل ما زالت تتعثر على شفتيه كلمة «دادا»، وجدتني أبحث عن هذه اللغة التي تمكنني من أن أعبّر عما يتركه هذا الجمال الباهر الذي يحاصرني من كل الجهات. لغة بأبجدية طفولية تتجه لمخاطبة طفولة الجنوب، وأعتقد أنني عثرت على شيء منها في وقت مبكر.
- يا ترى ما المفقود من ذلك الجنوب الذي عثرت عليه؟
- عثرت على شيء أكثر شبهًا بحلم رومانسي أستطيع أن أصنع منه لعبة. أو طائرة ورقيّة. أو أي شيء حسّي أستطيع أن ألمسه، حيث كانت السماء قريبة نستطيع أن نغمر أيدينا في زرقتها العميقة، بل وحتى الهواء نفسه، كنا نعتقد أننا نحن الذين نجعله يصحبنا تجوالنا وليس وجوده الذي يملأ الفراغ.
كنا نحن من يشغل كل فراغات المكان بحدسنا الطفولي. وكبرت وكبر الجنوب وتحوّل من مكوَّن جغرافي جمالي معمّد بطفولتنا الأولى إلى معادل تعويضي عن كل الإحباطات والخذلان وارتداد الأحلام إلى مخابئها، خوفًا من أن تكتشف وتقاد إلى الوأد. تحوّل الجنوب فردوسًا مفقودًا وحرية مستلبة عذرية الحياة المنتهكة.
وأمام تلوث هذا العالم وانهيار أعمدة حكمته ووقوفه عند حافات خرابه المروّع، ينهض الجنوب كأزمنة فردوسية تتجه نحوها أكثر الأحلام المحبطة، لتستعيده لا كحياة بديلة، وإنما كذكرى تحمل الكثير من المواساة لأرواحنا المنكسرة.
- هل أفهم من كلامك هذا أن المدينة وطرازها البنائي أفسدا على الشاعر جوّه الحسي، وعطّلا فيه التمسّك بخيار العودة إلى الطبيعة؟
- المدينة ليست بهذا السوء حتى نهرب منها نحو صدر القرية المنفتح على الضوء والهواء. فلو تصفحت قصائدي الأولى التي كتبتها وأنا أعيش في أحضان قريتي لوجدتها تخلو إلا ما ندر من أي توظيف لعوالم القرية داخل نصي الشعري. فما دمت أمتلك كلّ شيء فيها، سماءها، حقولها التي تحتشد بسنابل القمح والشعير، وعندما تهب الريح تتشكل لها أمواج كما هي أمواج بحيرات الماء، مراعيها الخضر، موسيقى مزامير رعاتها، أغاني جامعات الحطب التي يكسر دفئها برد الشتاء، نهرها الذي نحتمي بمياهه الباردة من حر ظهيرات الصيف، ظلال أشجارها.
مادمنا نمتلك كل ّ شيء فيها ونحياه على مدار الساعة، فما حاجتنا إلى أن نكتب عنه؟ ما نفتقده هو الموضوع الأكثر حضورًا في الشعر، الشعر هو أحلامنا المنشورة على حائط الغياب.
لذا؛ عندما فرض عليّ أن أُفطم عن ثدي قريتي وأبدأ ترحالي عنها نحو المجهول، وحيث المدن التي لا تعرفني ولا أعرفها وجدتني أعيش حالة استرجاع حادة، تحملني على زخّة من مطر البكاء تارة، وأخرى عبر جولة في حقول كتاب أقرأه أو قطع الطريق على بضع كلمات لأمسك بها وأصنع منها رغيف خبز ساخنًا، أو أغنية ليلية يحملها هواء الجنوب اللين ليضعها على وسادة صبية أدركها النعاس بعد أن حدقت طويلًا في سماء ليلة صيف مقمرة.
المدينة أعطتني رؤية أكثر وضوحًا لقريتي، وجعلتني أنتزعها من بنيتها المكانية الموغلة في غنائيتها وأحوّلها إلى معادل يحاول أن يؤنسن صلابة قلب المدينة ووحشية عسعسها، نحن لا نمتلك مدنًا بالمعنى الصحيح. والعيب ليس في مدننا حتى نرى فيها وجهًا مفرغًا من الألفة والصداقة. العيب فيمن أقاموا المدينة بهذا الشكل المشوّه، فهي تشمخ بأبنيتها وأحيائها السكنية التي تبدو مبهرة.
طبعًا إذا ما صرفنا النظر عن الأحياء البعيدة عن المركز، والتي تشبه مستعمرات للأوبئة. للمدينة تأثير إيجابي جدًا على تجربتي. فهي جعلتني أشهد صدامًا يدور بين عالمين؛ عالم مؤسس من الأسمنت والحديد، وآخر بسيط بساطة قصبه وبرديه وحقوله ومراعيه.
- هل شكّل هذا الهاجس صدامًا لك؟
- نعم هذا التصادم التكويني أحدث عندي في المواجهة الأولى عودة مرتدةً إلى الخلف، لكن، مع مرور الوقت، منحتني المدينة رؤية جديدة لعالَم قريتي.
فبدلاً من الانبهار الخارجي الرومانسي المباشر الذي ألقى بظلاله على تجربتي الأولى، جعلتني المدينة أنظر إلى عالمي الأول نظرة يتآزر فيها الغنائي بالترميزي، والمنكشف بالمتخفي. وأدخلت على قاموسي الشعري مفردات جديدة أعطته تميّزه الخاص، ولو أن من شيدوا مدننا راعوا فيها فن العمارة في العالم المتقدم والخدمات العصرية المتطورة، ومنحوها شيئًا مما تتمتع به القرية من الفضاء المفتوح، لشكّلت مدننا مصدرًا مهمًّا من مصادر الإبداع بكل أجناسه في العالم المتحضر.
يبدأ المهندس المعماري، وقبل أن توضع آجرة واحدة في أسس المدينة المراد تشييدها، أولًا بشق الشوارع وتعبيدها، وإنشاء مشاريع الصرف الصحي للمياه الثقيلة، ومياه الأمطار، وتأسيسات الماء والكهرباء والهاتف، وبعدها يأتي دور البناء، مع توفير المتنزهات العامة.
وهكذا نجد في مدن العالم حضورًا للقرية، ولو بحدود ضيقة. مما يجعل منها مصدرًا إيحائيًّا وملهمًا للشعر والكتابة والفن، وهذا ما تفتقر إليه مدننا التي تتحول إلى مستنقعات آسنة أمام أول زخّة مطر تهطل عليها.
وفي الصيف تتجول الأتربة الخانقة في شوارعها التي تخلو من ظل شجرة إلا ما ندر، ومع هذا تظل بغداد مصدرًا مهمًّا من مصادر تجربتي وإثرائها، رغم كل ما تتوفّر عليه من قمع السلطة، والنقص الحاد في الخدمات.
لقد رفعتني بغداد فوق أكثر شواهدها علوًّا لتريني كم هي جميلة وثريّة منابع تجربتي الأولى.
- بعد هذه التجربة الشعرية التي امتدت منذ منتصف الستينيات إلى يومنا هذا وأنت تلهج بمدينتك؛ إلى أي حد تؤثر فيك العمارة وأنهارها والقصب والطيور المهاجرة فوق مستنقعاتها؟
- مدينة العمارة تشكيل مكمل لبنية قريتي المكانية في أكثر مراحل طفولتها إدهاشًا، كان السفر برفقة والدي من قريتنا إلى العمارة بمنزلة لعبة جميلة يقدمها لي عندما أتخطى امتحان نصف السنة أو الامتحان النهائي في مدرسة القرية بتفوّق على أقراني.
من هنا كان هذا السفر طقسًا احتفاليًّا أشاهد فيه ما لا أشاهده في قريتي، وأتذوق من المأكولات التي لم أتذوقها، وألتقي ناسًا مختلفين بمظهرهم وأحاديثهم عن مظهر وأحاديث الفلاحين الذين تشبعت بلهجتهم المحببة إلى القلب.
كان ركوب السيارة، التي تسميها جدتي «الموتوكار»، يخيفني حد أن يجعلني أتشبث بوالدي كلما تهتز وتتمايل أو تتسلق قناطر السواقي الكثيرة.
لم يكن الطريق معبّدًا، ورغم أن طوله لا يتجاوز خمسة وثلاثين كيلومترًا، فإنه يجعل السيارة تسير عدة ساعات حتى تصل إلى المدينة. كنت زرت «العمارة» أول مرة برفقة والدي ولي من العمر خمسة أعوام، كنا ننزل في فندق الفر. الذي كان يديره رجل ضخم الجثة اسمه عبد.
يقع هذا الفندق عند التقاء شارع بغداد مع شارع دجلة، ويبدو أنه أفضل فنادق المدينة.
حتى الآن، وعندما تحدث لديّ حالة استرجاع نحو زمن «العمارة»/ الطفل، أتذكر جيدًا كيف كنا نستيقظ مبكّرين على صوت العربات ذات المظلات الملونة التي تجرها الخيول وهي تضرب بحوافرها أسفلت الشارع. نتناول أشهى إفطار أحبه يتكون من الكاهي والقيمر، ظهرًا ندخل مطعمًا يسمى مطعم الرافدين، يقع في السوق الكبير ذي الطراز النادر.
نجلس في مقهى التجار، وهناك يلتقي والدي أصدقاءه، حيث يقدمهم لي بأسمائهم؛ هذا هو الشاعر عبدالكريم الندواني، وهذا الشاعر حسين وهج، وهذا الكاتب فيصل عمران القاضي، وهذا الشاعر أنور خليل، وغيرهم.
وكان أكثر المواقف إحراجًا لي عندما يطلب مني والدي أن أقرأ بعض أبيات الشعر التي أحفظها. لقد علّمني القراءة والكتابة وأنا في سنتي الرابعة، وحبّب لي حفظ الشعر. عصرًا كان يصحبني لزيارة الأستاذ خليل رشيد، وهو من رواد القصة المهمين الذي لم يأخذ حقه في الدرس التحليلي من النقاد، مع الأسف، وكان يعمل حلّاقًا.
وفي الليل يأخذني والدي إلى بيت الشاعر عباس شبر، الذي يشبه منتدى أدبيًا يجتمع فيه جميع من ذكرتهم وغيرهم كثيرون. كما يأخذني إلى مكتبة عبالرحيم الرحماني، وهو من أصدقائه، ليشتري منه صحفًا ومجلات، مثل مجلات الرسالة والمصور وآخر ساعة والهلال وكتابي، وكتبًاً يضيفها إلى مكتبته الثرية بالكتب التراثية وبعض المخطوطات النادرة.
-ما مصير تلك المكتبة التي احتفظ بها بيتكم القروي؟
- مع الأسف، هذه المكتبة الثمينة التهمها الحريق الذي شبّ في قريتنا بنهاية الأربعينيات، وكان حريق المكتبة صدمة كبيرة لوالدي.
مكتبة الرحماني آلت ملكيتها فيما بعد إلى حيدر أبي سعد، وتحولت إلى ملتقى لأدباء «العمارة»، وحتى لنا نحن الذين نسكن بغداد، فمتى زرنا المدينة الأم تكون مكتبة حيدر أول مكان نقصده لنلتقي فيه أصدقاءنا، ونحظى بكرم ضيافة صاحبها. وعندما سكنت «العمارة» لأكمل فيها الدراسة المتوسطة ودار المعلمين الابتدائية، كنت أعتبر نفسي زائرًا لا مقيمًا.
فعند نهاية كل أسبوع تقريبًا، عدا الأيام الممطرة، أذهب إلى قريتي، لأتناول طعام أمي، وأشرب أدعية وصلوات جدتي، وفي النصف الأول من النهار أتجول في الحقول وفي المراعي، بحثًا عن صديقتي راعية الغنم، لأقضي معها وقتًا يعيدني إلى طفولتي الأولى. من هنا تكون مدينة العمارة عنصرًا جماليًّا مؤازرًا لجماليات قريتي وبدائيتها العذراء، وقد أدخلت على قاموسي الشعري الذي مازال في تكوّنه الأول وغير محصّن ضد التأثر ببعض علامات المدينة الدالة عليها وحدها؛ مثل الشرفة، والشباك، والنافذة، وهي علامات لا تتوافر عليها أكواخ قريتي القصبية وتكون دخيلة على نصي.
حتى الآن تحضر العمارة حتى وأنا في مغتربي حضورًا مرادفًا لحضور الجنوب، لأنني خلقتُ منها قرية حُلمية، كثيرًا ما أقيم قريتي المفترضة على غرارها، بل إن العمارة صارت تخلع عنها أردية غيابها، وتقف قبالتي حتى في المدن البعيدة.
ذات يوم كنت أتجول في مدينة مونتريال القديمة، حيث كل شيء يشبه العمارة، حتى رائحة روث الخيول التي تجر العربات. هنا وضعت يدي على حجارة أحد الجدران، وكأنني أريد أن أتحسس نبض قلب العمارة المتخفي خلف حجارة هذا الجدار القديم، لكن سرعان ما أيقظتني يد وهي تربت على كتفي، عندما رفعت رأسي رأيت سيدة عجوزًا وهي تبتسم بوجهي، وهناك دموع توشك أن تنساب بين تجاعيد وجهها. خاطبتني قائلة: «إن لمدينتي رائحة تشبه تمامًا رائحة مدينتك التي ترشح من هذه الجدران والشوارع». انحنيت عليها وقبّلت يدها وبين فجوات أوردتها البارزة استقرت بضع قطرات من دموعي. فما كان منها إلا أن احتضنتني وضمّتني إلى صدرها. كما أم تواسي طفلًا حزينًا.
- أريد أن أطرح عليك هذا التساؤل: هل يمكن أن ننجح في وصفك بأنك يسنين العراق؟
- لا... لا أعتقد، هذه التسمية ليست دقيقة. العالم ليس بحاجة إلى أن يتكرر الشاعر الروسي القروي يسنين أو غيره في أكثر من مكان، وإذا حدث هذا فسيعتبر استنساخًا لمخلوق هجين. لكل شاعر محلّيته وثقافته وتجربته التي تمنح نصه الشعري هويته المميزة، ثم لا تنسَ أن بنية القرية الروسية مكانًا ومجتمعًا تختلف بالتأكيد عن بنية القرية العراقية، من هنا يأتي التميز بين شاعر وآخر.
أنا لم أتعرف على منجز هذا الشاعر القروي إلا بعد أن ترجم له شاعرنا الكبير حسب الشيخ جعفر، أعتقد في نهاية السبعينيات أو أوائل الثمانينيات.
في هذه الفترة أنا أصدرت أربع مجموعات شعرية تتخذ من الجنوب والقرية حاضنة لقصائدها. إن تعاملي مع القرية لم يكن نتاج تأثّر بشاعر معيّن، أو نتيجة ثقل معرفي مجلوب من مناطق بعيدة، كما عند البعض، أو حالة أيقظتها أمكنة غريبة.
لقد استقبلت القرية العراقية ولادتي بيديها العشبيتين، عمّدتني بمياه نهر أبو بشوت المقدسة، نسجت مهدي وقمائطي من صوف غنمها. وعندما بدأت أنقل خطواتي الأولى فوق أديم ترابها، انعقدت صداقة بين قدميّ الحافيتين وبين عاقولها وإبر أشواكها وحجارتها المسننة التي تركت أكثر من علامة على أصابعي، ظللتني غصون أشجارها ورفوف سنبل حقولها وعباءات صبياتها حتى تحميني من الحر، وكان عشبها الطريّ فراشي الملكي، وأكتاف سواقيها وسائدي الناعمة.
وكثيرًاً ما يرخي قمر الليل إزاره الذهبي فوق جسدي، حتى حجارة شواطئها اتحدت بعناصر نمو جسدي، حيث كنت أتلذذ بمضغها في فمي، والآن وأنا أعيش في مدن الغرب، لم تستطع كل جمالياتها أن تنضو عنّي عباءة صوف غنمي، أو تنتزع منها رائحتها المعمدة ببعر الماشية وروثها؛ الرائحة التي لا ترقى لعذوبتها كل منتجات عطور العالم... مع هذا، ورغم أن تسمية يسنين العراق، أو شاعر القرية، أو طائر الجنوب، أو غيرها من الألقاب التي شرّفني بها بعض نقادي، فإنهم ظلوا يشددون على إنسانية تجربتي وإضفاء السمة الشمولية التي ترتفع بالبنية المكانية من محدوديتها الضيقة إلى انفتاحها على معاناة الكائن الإنساني وحريته المصادرة.
- أتذكر أن الناقد حاتم الصكر دوّن شيئًا من هذا القبيل؟
- نعم في مقالته المهمة «شتاء المراعي» والشعر الرعوي الحديث، المنشورة بجريدة القادسية في 18 يونيو 1992 يعزل الأستاذ الناقد د. حاتم الصكر الشّعر الرعوي في مجموعتي الشعرية «شتاء المراعي» عن رؤية فرجيل أو غيره من الشعراء الذين كتبوا هذا الشعر الذي يتعامل معه كبديل رومانسي عن عالم المدينة الخانق، لذا فإن ناقدنا د. الصكر يضفي على «شتاء المراعي» تميّزه عن الآخر، حيث إنه يتسلسل من حرفيته إلى إنسانيته.
أما الناقد د. حسين سرمك، الذي خصّ تجربتي بكتاب نقدي قيّم يحمل عنوان «عيسى حسن الياسري... شاعر قرية أم شاعر إنسانية؟... دراسة تحليلية أسلوبية في شعره» فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبر القرية قناعًا يعرّي الشاعر من خلاله كلّ الخراب الذي لحق ببشرة حياتنا، ويكشف عن موقف المبدع من متغيرات مجتمعه العاصفة.
وعذابات الإنسان المسحوق، وفي دراسته القيّمة «كاف التشبيه في صمت الأكواخ» التي ظهرت في مجلة آفاق عربية عدد يوليو/ أغسطس 1997، قرأ الأستاذ الناقد والمترجم د. عبدالواحد محمد قصائد «صمت الأكواخ» من خلال إجراء فحص لغوي دلالي وأسلوبي لجانب من الاستخدامات الشعرية في المجموعة، وهو التشبيه، وقد تناوله تناولًا تطبيقيًّا يعتمد على آليات علم اللغة بكل فروعه البنائية والأسلوبية والتفكيكية، ليكشف عن عناصر الحداثة والمعاصرة في هذه المجموعة من خلال تطبيق قوانين النقد البنائي المعاصرة التي اشتغل عليها أكثر علماء اللسانيات شهرة. ولو أنني استعرضت جميع آراء النقاد الذين عالجوا موضوعة الجنوب والقروية والمرعى في تجربتي الشعرية، لوجدنا أنهم يجمعون على خصوصية هذا التناول الذي يميّز هذه التجربة عن جميع الشعراء الذين تناولوا هذه المفردات في قصائدهم؛ عراقيين كانوا أم عربًا أم عالميين اطّلعنا على ترجماتهم الشعرية.
لذا، فإن تجربتي القروية تلتقي ظاهريًا مع هؤلاء الشعراء، وتختلف عنهم بناء ومعالجة.
إن هذا المجتزأ في حد ذاته من آراء بعض نقادي وليس كلهم، وهم كثيرون، يؤكد عامل الافتراق بين تجربتي وتجربة الشاعر الروسي يسنين القروية، وأنني لا أحمل سمة أي شاعر سوى سمتي أنا لغة وموضوعًا، حيث قصيدتي البسيطة والعفوية بساطة وعفوية قريتي وناسي الذين عشت بينهم وكأنني أتحدث بلهجتهم اليومية لشدة قرب نصوصي منهم.
- هذا الكلام يقودني إلى أمر آخر، أي الشعراء الغربيين رأيتهم يتحمسون لجذورهم الريفية، وبالتالي مضيت متأثرًا بشعريتهم؟
- جميع الشعراء مشدودون إلى جذورهم ليست الريفية فحسب، بل وحتى المدينية إن كانوا ولدوا من رحم المدينة، فمن لا جذور له لا أصالة له. ثم لا يوجد شاعر في بداياته لم يتأثر بشعراء كبار سبقوه وقرأ لهم. والتأثر غير التقليد، هذه الصفة اللاشعرية.
وأول شاعر تأثرت به هو نزار قباني، وكان التأثر ينحصر في أبنيته اللغوية الجمالية، وليس بنية نصه المكانية. وكذلك التأثر بموضوعه الأثير الذي يخاطب فيه المرأة، وهذا ما يوقظ شهيتنا لقراءته في مرحلة تفتّحنا الأول، ويساعدنا على خلق امرأة مفترضة نحبها ونكتب عنها، كما أنني تأثرت بصوفية جبران خليل جبران، وكسره لرتابة اللغة وجمودها والانتقال بها إلى شرفات جديدة من الخلق الفني، ولكي أكون دقيقًا في توصيفي أقول إنني أفدت من التصويرية البنائية الفذة للغة عند نزار وجبران.
لكن، بمرور الوقت، استطعت أن أتخذ لي منطقة خاصة بي تحمل بصمتي الشخصية، وصار لي قاموسي الشعري الذي يتعرف إليه نقادي وقرائي حتى وإن أغفلت كتابة اسمي.
وأذكر أنني ما بين عامي 1978 و1982 عملتُ محررًا ثم رئيسًا للقسم الثقافي في مجلة ألف باء، وكان يعمل معي الصديق الشاعر أمين جياد، الذي جاءني ذات يوم بجريدة اسمها «كل شيء»، على ما أظن، وأراني نصًّا شعريًّا منشورًا فيها باسم شاعر نسيت اسمه، وطلب مني أن أقرأ النص، وبما أنني لا أحفظ شعري، فقد قلت له: أعتقد أنه نص جميل. كان ناشر النص قد غيّر عنوان القصيدة فقط، ونشرها باسمه.
فقال لي الشاعر أمين جياد: هذه إحدى قصائدك المسروقة، وأنا عرفتها من أسلوبك الشعري المتميز، وأذكر أنه كتب مقالة نشرها في الجريدة نفسها، فضح فيها السارق.
- نوقشت بعض الرسائل عن تجربتك الشعرية؛ هل تعتقد أنها ولجت عوالمك الشعرية بطريقة جديدة من البحث الأكاديمي؟
- البحث الأكاديمي ضرورة مهمة لكشف الكثير من العناصر المضمرة في تجربة الشاعر، والتي تكون في بعض الأحايين عصيّة الانكشاف حتى على منتج النص نفسه عندما يكتب عنك الناقد المحترف أو المتذوق، فهو لا يخضع لأي رقابة سوى رقابة أداته النقدية الذاتية ووعيه المتلقي.
الباحث الأكاديمي يكون خاضعًا لرقابة ذات محاور متعددة، فعليه أولًا أن يقدم لعمادة كليّته ملخصًا بحثيًّا يبين فيه أهم العناصر التي استهوته في تجربة الشاعر وجعلته موضوع بحثه، وهناك مشرف يتابع رحلة الباحث الكشفية عبر تخوم تجربة الشاعر المدروس أولًا فأولًا، لذا فالباحث هنا يريد أن يظهر لمشرفه أقصى ما يستطيع من قدراته البحثية، مما يجعله ينقّب ويبحث في تلال من المراجع التي يجد فيها، مما يعزز منهجه البحثي ويدعم رؤيته الشخصية التي تتشكل لديه عبر تحليله المستفيض لنصوص الشاعر المعالجة بحثيًا، ثم هناك لجنة تتشكل من عدد من الأساتذة المتخصصين في تدريس النقد الأدبي لمناقشة بحث الطالب وتقدير كشوفاته البحثية، وهذا في حد ذاته تقييم رفيع يحتاج إليه الشاعر، من أجل أن تتعزز لديه الثقة بمنجزه الذي اشتغل عليه طويلاً.
لقد تعرضت البحوث الأكاديمية التي حاول أن يتقدم بها عنّي للجامعات العراقية أكثر من دارس للقمع والتعطيل.
ففي عام 1998 جعل الشاعر د. عباس اليوسفي من تجربتي الشعرية موضوعًا لبحثه الذي تقدم به إلى كلية الآداب بالجامعة المستنصرية، وقد واجه مشروعه هذا اعتراضًا شديداً من مدرس فلسطيني معروف بعمالته للنظام السابق، وغيّر مسار الباحث نحو شاعر فلسطيني ليس مهمًّا، وقد زارني صديقي الباحث في بيتي، وأبدى حزنه الشديد لأنه لم يحقق رغبته في دراسة منجزي الشعري.
دارس آخر هو د. علي عبدالرضا الكناني، تقدّم بمشروع بحثي لنيل شهادة الماجستير عن تجربتي إلى كلية التربية بجامعة بغداد عام 1999، وقد وافقت اللجنة على مشروعه، لكن ّ مدرسًا يدرس ما يسمى الثقافة القومية في الكلية، وهو من خدم النظام، اعترض على مشروع الرسالة الجامعية، بحجة أنني خارج العراق وأنني منضم إلى واحدة مما يسمى بفصائل المعارضة العراقية، التي لم أقترب من أي منها من قريب أو بعيد، لمعرفتي بعدم نظافتها وعمالتها للأجنبي، وهدد هذا المدرس اللجنة برفع تقرير عنها في حال موافقتها على مشروع الرسالة!
وقد كتب الشاعر جواد الحطاب في جريدة «زمن» الأسبوعية، التي يرأس تحريرها، موضوعًا شجاعًا بعنوان رسالة ماجستير موقوفة تبحث عمّن يطلق سراحها، هاجم فيه هذا المدرس الذي تسبب في تعطيل الرسالة، لكن في عام 2008 انفردت جامعة القادسية باحتضان تجربتي الشعرية من خلال رسالة الماجستير التي تقدمت بها الباحثة د. آلاء محسن الحسني إلى قسم اللغة العربية بكلية التربية، ونالت عليها درجة جيّد جدًّا عال. وقد بذلت الباحثة جهدًا خلاقًا ومبدعًا في متابعتها تطور النص الشعري عندي وتحولاته.
وتم طبع الرسالة في كتاب، وصدرت عن دار الكشاف في لبنان ومونتريال، وظهرت بعض الكتابات عنها.
ومع هذا، فإن الجامعات العراقية لم تمنح تجربتي حقها في البحث الأكاديمي؛ هذه التجربة التي بدأت تأخذ طريقها نحو العالم من خلال ترجمتي للغات عديدة، وتظهر عنها كتابات في الصحافة الأجنبية، وصار لها قراء يحبونها.
- كتبت روايتك «أيام قرية المحسنة»... هل هي المكمل للشعر، وخاصة خطك في الانتماء الريفي وتوظيف الطبيعة والأهوار والتغني بالعودة إليها؟
- في عام 1982 تعرّضت لصدمة نفسية من النظام، اضطرتني لفرض عزلة على نفسي امتدت أربع سنوات، كنت ممنوعًا خلالها من النشر، وكنت قد احتُجزت في معتقل سجن قلعة التسفيرات الرهيب، بعد أن اكتشفوا أنني أبشّر بديانة المحبة، واعتبروا هذا التبشير احتجاجًا على الحرب التي رفضت أن أكتب عنها، كما فعل كثيرون من الشعراء والكتّاب النفعيين الذين راحوا يمجّدونها من أجل نيل مكارم السلطة.
في هذه الأيام الصعبة توقفت حتى عن كتابة الشعر، حيث إنه صعب جدًا أن تعتقل لأنك تحب. كنت أعيش وضعًا مأساويًّا، حتى زيارات الأصدقاء إلى بيتي صارت تتباعد، وكأنني أشكّل خطرًا على من يزورني.
وكما لو أن يدًا تمتد لغريق حتى تنتشله، تبرز قرية المحسنة من غيابها، وتدعوني أن أزيل عنها غبار انطفائها وإعادتها ثانية إلى الحياة بكل ناسها وحقولها ومراعيها وماشيتها وطقوسها السحرية. وأبدأ الكتابة، وكلما توغلت في التجوال عبر زمنها لأتخذ منه ملاذًا من كابوسية الحاضر هدأ زئير عاصفة عزلتي وانكساري الروحي. لم تكن هذه أول محاولة لخوض تجربة كتابة الرواية.
ففي بداياتي الشعرية تعرضت للإحباط المتكرر، كنت أرسل نصوصي إلى الصفحات الثقافية في الصحف اليومية من مدينة عملي الصغيرة «شيخ سعد». وكان أفضل رد أحظى به هو: «إلى السيد........ وصلتنا قصيدتك... ننتظر أن تصلنا منك قصيدة أفضل».
لذا قررت أن أتجه نحو كتابة الرواية، فربما وجدتني فيها بعد أن سدّ محررو الصفحات الثقافية في وجهي أبواب النشر، وأبدأ بكتابة رواية تدور أحداثها في مدينة البصرة، هذه المدينة التي لم أزرها، بل كنت أعرف معالمها المهمة من أصدقائي الذين يزورونها باستمرار.
استمرت كتابتي للرواية سنة كاملة، وحال أن انتهيت منها، ومن دون أن أتركها فترة لأعود لمراجعتها ثانية، وضعتها في مظروف وأرسلتها بالبريد إلى صديقي الروائي عبدالرزاق المطلبي، الذي يسكن في مدينة العمارة آنذاك، كان هذا في منتصف الستينيات.
بعد مضي شهر أعاد لي الرواية، وكان يؤشر على كل فصل من فصولها بملاحظات سلبية جدًّا، إلا ما ندر، وفي نهاية الرواية وجدت ردًّا منه ينصحني فيه بالعودة إلى كتابة الشعر، فهو الأقرب لي، ومن دون أن أتردد لحظة واحدة، وضعت الرواية في فرن الحمام النفطي وأشعلت فيها النار، وفيما بعد ندمت، فقد كان من الممكن أن أعيد كتابتها بشكل أفضل عندما تنضج تجربتي، أو على الأقل أعود إلى قراءتها بين الحين والآخر لأستمتع بشطحات الكتابة الأولى.
المهم استمر عملي في رواية «أيام قرية المحسنة» 6 سنوات، حيث انتهيت من كتابتها بعد صدور مجموعتي الشعرية «صمت الأكواخ» عام 1996.
في البداية غطت مساحة تزيد على أربعمئة صفحة كنت كلما راجعتها أجد فيها ترهلًا. وفصولًا لا أهمية لها كنتُ أشذّبها باستمرار حتى استقرت في النهاية على مئة وسبعين صفحة من الحجم الكبير فولسكاب، وتقدمت بها إلى دار الشؤون الثقافية لطبعها.
كنتُ قلقًا جدًّا مخافة ألا يجد فيها الخبير ما يستحق نشرها، في ذلك الوقت كنتُ أمارس كتابة العرائض أمام محكمة بداءة الأعظمية.
ذات يوم، وبدلاً من الذهاب إلى عملي توجهت نحو دار الشؤون الثقافية، وعندما دخلت على مكتب مدير النشر، الصديق خضير اللامي، لم أجده، بل وجدت مكانه سيدة نسيت اسمها، مع الأسف، كانت تعرفني ورحّبت بي، وهنأتني بأن خبير روايتي الأستاذ د. عبدالإله أحمد وافق على طبعها، وناولتني تقرير الخبرة بخط يده، رحمه الله.
وقد أدهشني تقريره الرائع عنها، فالمعروف عن الناقد الكبير عبدالإله تشدده في إجازة الكتب الروائية والقصصية التي تحال إليه، كنتُ فرحًا جدًّا ذاك اليوم من أجل شخوص روايتي، لأنني استطعتُ أن أنتشلهم من مخلب الموت وأجعل من قرية المحسنة تنهض ثانية من رقادها، وهنا مجتزأ من تقرير الخبرة ظهر على الغلاف الأخير للرواية طبعة دار فضاءات: «هذه الرواية كتبت بنفَس روائي واضح. وبرزت فيها صفحات روائية فيها من النواحي الإنسانية المرهفة والنغمات الشاعرية ما يرقى بها إلى مستوى الأدب القصصي الرفيع حقًّا، وهي صفحات إلى جانب ما صورته من جوانب موغلة في تاريخ الريف العراقي في مرحلة ما، فقد كتبت بلُغة قصصية مشرقة يندر أن تجد مثيلها في الرواية العراقية».
والمحزن أن الرواية منعت من النشر بعد أن غادرت العراق في عام 1998، لكن، بعد الاحتلال، انتشلت من معتقل الكتب الممنوعة بجهود الصديقين جمال العتابي وخضير اللامي، حيث نشرت، لكنها لم توزع على المكتبات، وظلت حبيسة مخازن الدار، لتتحول إلى وليمة للفئران. لكن أعيد طبعها ثانية عام 2011 وصدرت عن دار فضاءات في الأردن.
والمؤسف أن هذه الرواية المهمة لم تحظَ باهتمام النقاد، ربما لم تصل إلى كثيرين منهم، والدراسة المهمة التي تناولتها كانت بقلم د. رُلى الجردي، وقد نشرت باللغة الإنجليزية في عدد نوفمبر 2013 من مجلة الجديد الأمريكية التي تصدر في شيكاغو.
وكذلك مقالة كتبها د. صبري مسلم، ونشرها في مجلة خليجية، وبالرغم من أن «أيام قرية المحسنة» هي رواية ريفية بامتياز، فإنها غنية برموزها واستعاراتها وسرديتها التي تهتم بتفكيك الشخصية الريفية ذات التكوّن الوجودي والعبثي الفطري بأعلى مستوى له. لقد اعتبرت الشخصية الريفية في نظر كثير من النقاد على أنها شخصية مسطحة لا تصلح للمعالجة الروائية، بخلاف الشخصية المدنية المركّبة.
رواية أيام قرية المحسنة كسرت هذا الزعم الخاطئ، وقدمت شخصية روائية ريفية تحتمل الكثير من التأويل والإحالات التي تعري كثيرًا من الممارسات القمعية للسلطة، وبمقدوري هنا أن أفكك رموز هذه الرواية، لكنني لا أريد أن أنتزع من الناقد أو القارئ ممارسة حقه في الكشف الذاتي لسرديات هذه الرواية التي تعد رواية مقاومة ذات بناء فنّي لا يعطي مفاتيحه بسهولة ويُسر، ولو قيّض لهذه الرواية أن تترجم إلى لغة عالمية لنالت الكثير من اهتمام الدارسين والقراء على حدّ سواء .