شعر ازريقة في موريتانيا قصيدة امحمد بن أحمد يوره نموذجاً

شعر ازريقة في موريتانيا قصيدة امحمد بن أحمد يوره نموذجاً

في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وأواخر‭ ‬الذي‭ ‬سبقه،‭ ‬عرفت‭ ‬موريتانيا‭ ‬لونًا‭ ‬شعريًّا‭ ‬جديدًا،‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬محليًّا‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬ازريقة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬إبداع‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬الفصحى‭ ‬واللهجة‭ ‬المحلية‭ ‬‮«‬الحسانية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الفصيح‭ ‬وبين‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬الملحون‭. ‬وسنحاول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬خصوصية‭ ‬هذه‭ ‬الاتجاه‭ ‬الشعري‭ ‬ومقوماته‭ ‬الجمالية‭.‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬اشتقاق‭ ‬كلمة‭ ‬ازريقَة‭ (‬بفتح‭ ‬الأخير‭ ‬بعده‭ ‬هاء‭ ‬ساكنة‭) ‬ومدلولاتها‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الحسانية،‭ ‬ملاحظين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬‮«‬ازريقة‮»‬‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬الصفة‭ ‬أزرق‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬بإبدال‭ ‬القاف‭ ‬كافًا‭ ‬مرققة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬في‭ ‬لهجات‭ ‬عربية‭ ‬عدة،‭ ‬واشتقوا‭ ‬منها‭ ‬مشروبًا‭ ‬مشهورًا‭ ‬جدًا‭ ‬محليًا‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬ازريق‮»‬‭ (‬بتسكين‭ ‬الأخير‭) ‬يحضّر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مزج‭ ‬الماء‭ ‬باللبن‭ ‬الرائب‭ ‬أو‭ ‬الطازج،‭ ‬وهو‭ ‬المعروف‭ ‬ربما‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬بالمذق،‭ ‬قال‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬المصباح‭ ‬المنير‮»‬‭: ‬‮«‬مذقت‭ ‬اللبن‭ ‬والشراب‭ ‬بالماء‭ ‬مذقًا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬قتل،‭ ‬مزجته‭ ‬وخلطته‭ ‬فهو‭ ‬مذيق،‭ ‬وفلان‭ ‬يمذق‭ ‬الود‭ ‬إذا‭ ‬شابه‭ ‬بكدر‭ ‬فهو‭ ‬مذاق‮»‬،‭ ‬وفيه‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬قديمًا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التهكم‭ ‬من‭ ‬قرى‭ ‬مضيفيه‭ (‬الرجز‭:‬

حتى‭ ‬إذا‭ ‬جَنّ‭ ‬الظلام‭ ‬واختلط

جاؤوا‭ ‬بمذق،‭ ‬هل‭ ‬رأيت‭ ‬الذئب‭ ‬قط

وأورد‭ ‬الشاعر‭ ‬هنا‭ ‬كلمة‭ ‬الذئب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬تشبيه‭ ‬لون‭ ‬الشراب‭ ‬الذي‭ ‬قدموه‭ ‬له‭ ‬بلون‭ ‬الذئب،‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬رقّته‭ ‬وضعف‭ ‬تركيز‭ ‬اللبن‭ ‬فيه‭. ‬وهذا‭ ‬الشراب‭ ‬الشعبي‭ (‬ازريق‭) ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬مكونات‭ ‬الثالوث‭ ‬البروتوكولي‭ ‬في‭ ‬إكرام‭ ‬الضيف‭ ‬عند‭ ‬الموريتانيين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقديم‭ ‬الشاي‭ ‬واللحم‭ ‬الطازج‭. ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬ازريق‭/ ‬المشروب،‭ ‬وازريقة‭/ ‬الشعر،‭ ‬يدلّان‭ ‬على‭ ‬مزج‭ ‬شيئين‭ ‬متقاربين‭ ‬كاللبن‭ ‬والماء،‭ ‬والشعر‭ ‬الفصيح‭ ‬والشعر‭ ‬الشعبي‭. 

ولفهم‭ ‬أسباب‭ ‬نشأة‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الشعري،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موريتانيا‭ ‬قد‭ ‬عرفت‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة‭ ‬نهضة‭ ‬متميزة‭ ‬وخصبة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬نواحي‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب،‭ ‬وبات‭ ‬يتعايش‭ ‬في‭ ‬ساحتها‭ ‬الأدبية‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬الشعر؛‭ ‬الفصيح‭ ‬والشعبي‭.‬

فكان‭ ‬الشعر‭ ‬الأخير‭ ‬أكثر‭ ‬رواجًا‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬بسبب‭ ‬استخدامه‭ ‬للغة‭ ‬المحلية‭ (‬الحسانية‭)‬،‭ ‬فكان‭ ‬المتلقي‭ ‬المباشر‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬فهمه‭ ‬وتذوّقه،‭ ‬كما‭ ‬مارس‭ ‬الإبداع‭ ‬فيه‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬والطبقات،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الشعر‭ ‬الفصيح‭ ‬متداولًا‭ ‬لدى‭ ‬النخبة‭ ‬المتعلمة،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تمثّل‭ ‬طبقة‭ ‬مهمة‭ ‬وعريضة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الموريتاني‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬الشاعر‭ ‬الموريتاني‭ ‬ذو‭ ‬الشعبية‭ ‬الواسعة‭ ‬قديمًا‭ ‬وحديثًا‭ ‬امحمد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬يوره‭ (‬1842‭ ‬ذ‭ ‬1921م‭) ‬سبّاقًا‭ ‬إلى‭ ‬كسر‭ ‬الحاجز‭ ‬بين‭ ‬النمطين‭ ‬الشعريين‭ (‬الفصيح‭ ‬والشعبي‭) ‬والمزج‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬تآلف‭ ‬جذب‭ ‬إليه‭ ‬الانتباه،‭ ‬وارتاح‭ ‬إليه‭ ‬النقاد‭ ‬والشعراء،‭ ‬بل‭ ‬وعمد‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬محاكاته‭ ‬والسير‭ ‬على‭ ‬منواله،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬مَن‭ ‬يبدع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬الزريقي‭. ‬ومما‭ ‬ساعد‭ ‬الشاعر‭ ‬ابن‭ ‬أحمد‭ ‬يوره‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شاعرًا‭ ‬موهوبًا‭ ‬متمكنًا‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬النمطين‭ ‬الشعريين؛‭ ‬الفصيح‭ ‬والشعبي،‭ ‬ومعدودًا‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬البارزين‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬عصره‭ (‬الدينية‭ ‬والأدبية‭ ‬واللغوية‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬نظم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأغراض‭ ‬الشعرية،‭ ‬وتميّز‭ ‬بمقطوعاته‭ ‬الغزلية‭. ‬ويمتاز‭ ‬شعره‭ ‬برقته‭ ‬وبساطة‭ ‬لغته‭ ‬ومسحته‭ ‬الهزلية‭. ‬ومن‭ ‬جيد‭ ‬شعره‭ ‬قصيدته‭ ‬اليائية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬معارضات‭ ‬قديمة‭ ‬وجديدة‭ (‬بحر‭ ‬الطويل‭):‬

علـــــــى‭ ‬الربعِ‭ ‬‮«‬بالمــدروم‮»‬ِ‭ ‬أيِـــهْ‭ ‬وحيِّهِ‭ ‬

وإن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬جــواب‭ ‬المؤيِّهِ

وقفتُ‭ ‬به‭ ‬جـــذلانَ‭ ‬نفــس‭ ‬كأنما

وقفت‭ ‬علـــــــى‭ ‬ليلاهُ‭ ‬فيهِ‭ ‬ومــيِّـه

وقلت‭ ‬لخـــلٍّ‭ ‬طالما‭ ‬قــــد‭ ‬صحبتُه

وأفردته‭ ‬مـن‭ ‬بين‭ ‬فتيان‭ ‬حــيِّهِ

أعنّي‭ ‬بصوبِ‭ ‬الدمع‭ ‬مـن‭ ‬بعــد‭ ‬صونِهِ

ونشرِ‭ ‬سرير‭ ‬الســــرِّ‭ ‬مـن‭ ‬بعــــد‭ ‬طيِّهِ

فما‭ ‬أنتُ‭ ‬خلُّ‭ ‬المرءِ‭ ‬فـي‭ ‬حال‭ ‬رشــــــدهِ

إذا‭ ‬أنتَ‭ ‬لســــتَ‭ ‬الخلَّ‭ ‬فــي‭ ‬حالِ‭ ‬غَيِّهِ

aولا‭ ‬يخفى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطعة‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬التناص‭ ‬مع‭ ‬شعر‭ ‬القدماء‭ (‬قيس‭ ‬بن‭ ‬الملوح‭ ‬وغيلان‭ ‬ذي‭ ‬الرمة‭)‬،‭ ‬والاستخدام‭ ‬الرمزي‭ ‬للاسمين‭ ‬العلميين‭ (‬ليلى،‭ ‬ميه‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬وظّف‭ ‬بشكل‭ ‬معتدل‭ ‬الأصباغ‭ ‬البديعية‭ ‬من‭ ‬جناس‭ ‬وطباق‭: (‬أيه‭/ ‬المؤيه،‭ ‬صوب‭/ ‬صونه،‭ ‬نشر‭/ ‬طي‭...).‬

 

بنية‭ ‬قصيدة‭ ‬ازريقة

ذكرنا‭ ‬أعلاه‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬ازريقة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التمازج‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة‭ ‬وبين‭ ‬اللهجة‭ ‬المحلية‭ (‬الحسانية‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭ ‬مجاورة‭ ‬كلغة‭ ‬‮«‬الولف‮»‬‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬السنغال،‭ ‬وهذا‭ ‬المزيج‭ ‬يطغى‭ ‬عليه‭ ‬المعجم‭ ‬الفصيح،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نرسم‭ ‬ملامح‭ ‬قصيدة‭ ‬ازريقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخصائص‭ ‬التالية‭:‬

‭- ‬الإيقاع‭: ‬استخدام‭ ‬إيقاع‭ ‬عمود‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬بثوابته‭ ‬المعروفة‭ (‬البيت‭ ‬كوحدة‭ ‬موجهة،‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقافية‭ ‬والرويّ‭ ‬الموحدين،‭ ‬إفراغ‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬بحر‭ ‬معروف،‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬الوزن‭ ‬الكمي‭ ‬لتفعيلاته‭... ‬إلخ‭)‬،‭ ‬ويختم‭ ‬الشاعر‭ ‬قصيدته‭ ‬بقول‭ ‬مأثور‭ ‬أو‭ ‬مَثل‭ ‬شعبي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الهزل‭ ‬والتظرّف،‭ ‬وهذا‭ ‬يذكّرنا‭ ‬بعنصر‭ ‬الخرجة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الدور‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الموشح،‭ ‬وتستمد‭ ‬من‭ ‬اللهجة‭ ‬الشعبية‭.‬

‭- ‬اللغة‭: ‬يقدم‭ ‬الشاعر‭ ‬ازريقي‭ ‬عادة‭ ‬معانيه‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬سهلة،‭ ‬ليسهل‭ ‬وصول‭ ‬القصيدة‭ ‬إلى‭ ‬أوسع‭ ‬جمهور‭ ‬مُتلقّ‭ ‬ممكن،‭ ‬فلا‭ ‬يحدث‭ ‬نشاز‭ ‬بين‭ ‬بساطة‭ ‬المفردات‭ ‬الحسانية‭ ‬الموظفة‭ ‬والشفافة‭ ‬وبين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬المحتضنة‭ ‬لهذا‭ ‬العنصر‭ ‬اللساني‭ ‬المحلي‭.‬

‭- ‬الحجم‭: ‬معظم‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية،‭ ‬المنظومة‭ ‬وفق‭ ‬نمط‭ ‬ازريقة،‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقطوعات‭ ‬الشعرية،‭ ‬وهذا‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬توجهها‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التحميض‭ ‬والفكاهة،‭ ‬كما‭ ‬يسهل‭ ‬تداولها‭ ‬وحفظها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجمهور‭. ‬

‭- ‬الصور‭ ‬والأصباغ‭ ‬البلاغية‭: ‬المقطوعة‭ ‬الزريقية‭ ‬تتجه‭ ‬في‭ ‬منحى‭ ‬هزلي،‭ ‬يهتم‭ ‬فيه‭ ‬الشاعر‭ ‬بإبراز‭ ‬حالة‭ ‬وجدانية‭ ‬معيّنة،‭ ‬وتظهر‭ ‬نهايتها‭ ‬كمفارقة‭ ‬تدعم‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬أحيانًا‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬اللقطة‭ ‬الكاريكاتيرية‭. ‬ويغلب‭ ‬على‭ ‬ازريقات‭ ‬ولد‭ ‬أحمد‭ ‬يوره‭ ‬الأسلوب‭ ‬الحواري‭. ‬

وفيما‭ ‬يلي‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬عند‭ ‬امحمد‭ ‬يوره‭: 

 

حكم‭ ‬الزمان‭ ‬وحكمه‭ ‬لن‭ ‬ينقضا‭ 

ألا‭ ‬يعود‭ ‬من‭ ‬الصبابة‭ ‬ما‭ ‬مضى

ما‭ ‬لي‭ ‬إذا‭ ‬جئت‭ ‬العباب‭ ‬مسلّمًا

لام‭ ‬العذول‭ ‬مصرّحًا‭ ‬ومعرّضًا‭ ‬

وإذا‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬‮«‬البليل‮»‬‭ ‬وربعه

جعلتنــــــيَ‭ ‬العُذّالُ‭ ‬‮«‬ذئبًا‭ ‬أبيضا‮»‬

لقد‭ ‬اختار‭ ‬الشاعر‭ ‬لهذه‭ ‬المقطوعة‭ ‬بحر‭ ‬الكامل،‭ ‬وفق‭ ‬أجرومية‭ ‬الإيقاع‭ ‬الخليلي،‭ ‬وأدارها‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬الغزل،‭ ‬حسب‭ ‬حوارية‭ ‬بين‭ ‬الشاعر‭ ‬وعذاله،‭ ‬وختمها‭ ‬بالمأثور‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬شهرة‭ ‬شيء‭ ‬معيّن‭ ‬بشكل‭ ‬قدحي‭.‬

ومن‭ ‬شعره‭ ‬الفصيح‭ ‬الذي‭ ‬يوظف‭ ‬فيه‭ ‬لغة‭ ‬الولف‭ ‬السنغالية‭ (‬البسيط‭):‬

 

يا‭ ‬خود‭ ‬إن‭ ‬غرابَ‭ ‬البين‭ ‬منك‭ ‬صرخ‭   

والقلب‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬وصل‭ ‬لديك‭ ‬‮«‬سَرَخْ‮»‬‭ (‬1‭)‬

ضننتِ‭ ‬بالوصل‭ ‬حتى‭ ‬بالحديث‭ ‬ولا‭    

أرى‭ ‬ضنينًا‭ ‬سواك‭ ‬الدهر‭ ‬ضنّ‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬وَخْ‮»‬

لا‭ ‬تمنعي‭ ‬الوصل‭ ‬ممّن‭ ‬يستهــام‭ ‬به‭  

أتمنعـــين‭ ‬وصـــــال‭ ‬المستهام‭ ‬‮«‬لُتَخْ‮»‬؟

لم‭ ‬تعلمي‭ ‬أن‭ ‬خير‭ ‬الناس‭ ‬أكرمهم‭      

والخير‭ ‬يبقى‭ ‬وإن‭ ‬طــــال‭ ‬الزمـان‭ ‬إِلَخْ

 

مزج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لغة‭ ‬الولف‭ ‬السنغالية‭ ‬باللغة‭ ‬الفصحى‭ ‬لتوليد‭ ‬معانٍ‭ ‬شائعة‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬الغزل،‭ ‬كالفراق‭ ‬المرتبط‭ ‬برمز‭ ‬الغراب،‭ ‬وضنّ‭ ‬المعشوقة‭ ‬باللقاء‭ ‬والحديث‭.‬

وقال‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬نفسه‭ (‬البسيط‭):‬

منيتني‭ ‬الوصل‭ ‬برْحَتْلُولَ‭ ‬كاذبة‭ ‬

لتخدعيني‭ ‬فبات‭ ‬القلب‭ ‬يرجوك‭ (‬2‭)‬

فصادني‭ ‬في‭ ‬الذي‭ ‬منيتني‭ ‬طمع

وقمت‭ ‬أدنـــــــــو‭ ‬له‭ ‬بباب‭ ‬عيروكِ

فقلت‭ ‬غاضبة‭ ‬لمّا‭ ‬مددت‭ ‬يدي‭: ‬

ماذا‭ ‬تريد‭ ‬بذا‭ ‬هَحْ‭ ‬أهْنَ‭ ‬أوكْ‭ ‬أوكِ

فرمت‭ ‬أن‭ ‬تخدعيني‭ ‬الليل‭ ‬ثانية

غري‭ ‬بذلك‭ ‬يا‭ ‬خـــــود‭ ‬ابن‭ ‬بَيْروكِ

 

أقحم‭ ‬الشاعر‭ ‬مفردات‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬اللهجة‭ ‬الحسانية،‭ ‬فكانت‭ ‬متساوقة‭ ‬مع‭ ‬حقل‭ ‬القصيدة‭ ‬الغزلي،‭ ‬وقد‭ ‬بناها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قصة‭ ‬تذكّرنا‭ ‬بحواريات‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة‭ ‬ومغامراته‭ ‬العاطفية،‭ ‬وتمكّن‭ ‬في‭ ‬نهايتها‭ ‬أن‭ ‬يجعلها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬شعبية‭ ‬تفت‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬دلالات‭ ‬منسجمة‭ ‬مع‭ ‬معاني‭ ‬النص‭ ‬المحورية‭ ‬المتحلقة‭ ‬حول‭ ‬تلميحات‭ ‬هزلية‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬الطمع‭ ‬والخداع‭ ‬وخيبة‭ ‬المخاتلة‭.‬

وفي‭ ‬النهاية،‭ ‬نرجو‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬وفّقنا‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بهذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬الشعري‭ ‬في‭ ‬القطر‭ ‬الموريتاني،‭ ‬حاول‭ ‬فيه‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬يقرّب‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الفصيح‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مزجه‭ ‬باللهجة‭ ‬السائدة‭ (‬الحسانية‭)‬،‭ ‬وتوظيفه‭ ‬للتراث‭ ‬الشعبي‭ ‬وشاعرية‭ ‬قصصه‭ ‬المتداولة‭ ‬‭.

صورة‭ ‬للمجاهد‭ ‬وأمير‭ ‬ترارزه‭ ‬أحمد‭ ‬ولد‭ ‬الديرة