صلة الأزجال الأندلسية باللهجات العربية

صلة الأزجال الأندلسية  باللهجات العربية

يُعد‭ ‬الزجل‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬الشعرية‭ ‬المستحدثة‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬ظهر‭ ‬تلبية‭ ‬لحاجة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تجنح‭ ‬إلى‭ ‬الكلام‭ ‬السهل،‭ ‬وتميل‭ ‬إلى‭ ‬التعبير‭ ‬الميسّر،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬المرابطين‭ ‬الذي‭ ‬تذكر‭ ‬المصادر‭ ‬تعسُّر‭ ‬فهم‭ ‬الفصحى‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المستعربين‭ ‬والبربر‭ ‬والأعاجم،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الزجل‭ ‬تجرّد‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬الشّعر‭ ‬عادة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬كبار‭ ‬الزجالين‭ ‬قواعد‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬خوض‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬الجديدة‭ ‬الالتزام‭ ‬بها،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزجل‭ ‬موشح‭ ‬ملحون‭.‬

لعل‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭: ‬لماذا‭ ‬لقي‭ ‬الموشح‭ ‬اهتمامًا‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬والدارسين،‭ ‬لاسيما‭ ‬المحدثين،‭ ‬بينما‭ ‬أُهمل‭ ‬الزجل‭ ‬وهو‭ ‬أخ‭ ‬غير‭ ‬شقيق؟

لعل‭ ‬إجابة‭ ‬أغلبهم‭ ‬ستكون‭ ‬صعوبة‭ ‬اللهجة‭ ‬التي‭ ‬كُتب‭ ‬بها‭ ‬الزجل،‭ ‬تلك‭ ‬اللهجة‭ ‬العصيّة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يفهمها‭ ‬إلا‭ ‬أهل‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهم‭ ‬يكتفون‭ ‬بدراسة‭ ‬الزجل‭ ‬دراسة‭ ‬وصفيّة‭ ‬تأريخية،‭ ‬دون‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬ملامسة‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬كُتب‭ ‬بها،‭ ‬والواقع‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬عاميّة‭ ‬خالصة،‭ ‬بل‭ ‬فصحى‭ ‬قريبة‭ ‬إلى‭ ‬العامية،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬قورنت‭ ‬بلهجات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬فسترقى‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الفصيح‭.‬

 

صلة‭ ‬اللهجات‭ ‬بالأزجال‭ ‬الأندلسية

قد‭ ‬تبدو‭ ‬اللهجات‭ ‬الحديثة‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البُعد‭ ‬عمّا‭ ‬سماه‭ ‬المعاصرون‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬سماها‭ ‬بعضهم‭ ‬اللغة‭ ‬المشتركة،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬يسيرة،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬حين‭ ‬تخضع‭ ‬لغربلة‭ ‬الكلمات‭ ‬الدخيلة‭ ‬والأجنبية،‭ ‬ستفضي‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬صلة‭ ‬عجيبة‭ ‬باللهجات‭ ‬القديمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سنحاول‭ ‬الوقوف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬النماذج‭ ‬التالية‭.‬

 

تخفيف‭ ‬الهمزة

أغلب‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬يجنح‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬الهمزة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ضارب‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬يقول‭ ‬برجشتراسر‭: ‬‮«‬أكثر‭ ‬الهمزات‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تنطق‭ ‬في‭ ‬لهجة‭ ‬الحجاز،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الكلمات،‭ ‬وبعض‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬منها‭ ‬بين‭ ‬حركتين‮»‬،‭ ‬فتخفيف‭ ‬الهمزة‭ ‬خاصية‭ ‬عربية‭ ‬سامية،‭ ‬وليست‭ ‬بدعة‭ ‬عاميّة،‭ ‬ومن‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬من‭ ‬أزجال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب،‭ ‬قول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

ونكون‭ ‬ضايع‭ ‬بحال‭ ‬مشط‭ ‬أقرع

 

فابن‭ ‬قزمان‭ ‬خفّف‭ ‬هنا‭ ‬كلمة‭ ‬ضايع‭ ‬التي‭ ‬أصلها‭ ‬ضائع،‭ ‬والهمزة‭ ‬إنما‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬أصلها‭: ‬ضاع‭ ‬يضيع‭ ‬ضياعًا‭.‬

ويقول‭ ‬الششتري‭:‬

خلوني‭ ‬هايم‭ ‬وفاني

قاسيت‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أطيق

‭ ‬كما‭ ‬عمد‭ ‬بعض‭ ‬الزجالين‭ ‬إلى‭ ‬حذف‭ ‬الهمزة‭ ‬المتطرفة‭ ‬كليّة‭ ‬بغرض‭ ‬التخفيف،‭ ‬وهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬قديمة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬لهجة‭ ‬أهل‭ ‬الحجاز‭ ‬الذين‭ ‬‮«‬يغلب‭ ‬عليهم‭ ‬تسهيل‭ ‬وحذف‭ ‬الهمزة‭ ‬المتطرفة‮»‬‭ ‬كقول‭ ‬مدغليس‭:‬

ثلاث‭ ‬أشيا‭ ‬فالبساتين

لس‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موضع

 

ويقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

أي‭ ‬مرا‭ ‬يا‭ ‬قوم‭ ‬تسكن‭ ‬بجواري‭ ‬

 

وابن‭ ‬قزمان‭ ‬حذف‭ ‬الهمزة‭ ‬والتاء‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ (‬امرأة‭)‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬اليوم،‭ ‬إذ‭ ‬يقولون‭ ‬‮«‬مرا‮»‬‭ ‬وهم‭ ‬يريدون‭ ‬امرأة‭.‬

وإسقاط‭ ‬الهمزة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الكلمة‭ ‬أمر‭ ‬شائع‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭.‬

 

إشباعُ‭ ‬الضمّة

ظاهرة‭ ‬إشباع‭ ‬الضمة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة،‭ ‬يقول‭ ‬عبدالواحد‭ ‬وافي‭: ‬إشباع‭ ‬الضمة‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬المضارع‭ ‬المضموم‭ ‬يتولد‭ ‬عنها‭ ‬واو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬اللهجات،‭ ‬فيقال‭: ‬‮«‬انظور‭ ‬مكان‭ ‬انظر‭... (‬كذلك‭) ‬وصل‭ ‬واو‭ ‬بميم‭ ‬الجمع‭ (‬كقولهم‭): ‬عليهمو‮»‬‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الزجالين‭ ‬أخذوا‭ ‬بهذه‭ ‬القاعدة‭ ‬فعمّموها‭ ‬على‭ ‬الحرف‭ ‬المضموم‭ ‬مطلقًا‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عين‭ ‬الفعل،‭ ‬كقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

قُوم‭ ‬أعطيني‭ ‬نصيبي

من‭ ‬قمحك‭ ‬الجديد

‭ ‬

‭ ‬وقال‭ ‬أبو‭ ‬عبدالله‭ ‬اللوشي‭:‬

طلّ‭ ‬الصباح‭ ‬قم‭ ‬يا‭ ‬نديمي‭ ‬نشربو

ونضحكو‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬نطربو

وحتى‭ ‬وهم‭ ‬يفعلون‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يشذوا‭ ‬عن‭ ‬القواعد‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬سر‭ ‬الإعراب‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭:‬

هجوت‭ ‬زبان‭ ‬ثم‭ ‬جئت‭ ‬معتذرًا‭ ‬

من‭ ‬هجو‭ ‬زبان‭ ‬لم‭ ‬تهجو‭ ‬ولم‭ ‬تدع

فكأنه‭ ‬أراد‭ ‬لم‭ ‬تَهجُ‭ ‬بحذف‭ ‬الواو‭ ‬للجزم،‭ ‬ثم‭ ‬أشبع‭ ‬ضمة‭ ‬الجيم،‭ ‬فنشأت‭ ‬بعدها‭ ‬واو،‭ ‬وظاهرة‭ ‬إشباع‭ ‬الضمة‭ ‬إذا‭ ‬اقترن‭ ‬الفعل‭ ‬بضمير‭ ‬المتكلم‭ ‬أو‭ ‬الجمع،‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وفي‭ ‬لهجة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬فيقولون‭: ‬نكتبو،‭ ‬نرسمو،‭ ‬نعملو‭.‬

 

النحت

يبدو‭ ‬أن‭ ‬العامية‭ ‬العربية‭ ‬عمومًا،‭ ‬والأندلسية‭ ‬خصوصًا،‭ ‬قد‭ ‬وجدتا‭ ‬في‭ ‬النحت‭ ‬فضاء‭ ‬رحبًا‭ ‬لاختصار‭ ‬الكلمات‭ ‬واختزالها،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬الكلمات‭ ‬العامية‭ ‬اليوم‭ ‬منحوتة،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬الألفاظ‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬نحتها‭ ‬قولهم‭: ‬آش‭: ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬أشنه‭: ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬هذا،‭ ‬وعاليش‭: ‬من‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬وأشحال‭: ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬حال،‭ ‬ولش‭: ‬من‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭.‬

ونحن‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬مدى‭ ‬صحة‭ ‬هذا‭ ‬النحت‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬العربية‭ ‬الفصيحة،‭ ‬للأسباب‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬قول‭ ‬ابن‭ ‬نمارة‭:‬

عاليش‭ ‬ينكرون‭ ‬الجميل‭ ‬المصنوع

وآش‭ ‬يفيد‭ ‬الإنكار

‭ ‬

ويقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

قل‭ ‬لّ‭ ‬أشنه‭ ‬يا‭ ‬فقي‭ ‬ذا‭ ‬الكلام

بالله‭ ‬ما‭ ‬ذقت‭ ‬قط‭ ‬شراب‭ ‬تفاح

ولسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬المنحوتة‭: ‬إشحال،‭ ‬آش،‭ ‬أشنه‭... ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬اليوم‭.‬

 

حذف‭ ‬نون‭ (‬من‭) ‬الجارَّة

قد‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬أمرًا‭ ‬منكرًا‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬عدنا‭ ‬قليلاً‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬فسنقف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬عند‭ ‬خثعم‭ ‬وزبيدة،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القبائل‭ ‬تحذف‭ ‬نون‭ (‬من‭) ‬الجارة‭ ‬إذا‭ ‬وليها‭ ‬ساكن،‭ ‬فتقول‭: ‬ملبيت‭ ‬تريد‭: ‬من‭ ‬البيت‭.‬

ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الزجل،‭ ‬قول‭ ‬مدغليس‭:‬

ثلاث‭ ‬أشيا‭ ‬فالبساتين‭ ‬

لس‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موضع‭ ‬

 

وقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

بيني‭ ‬وبين‭ ‬الفقي‭ ‬جاري‭ ‬فالكاس‭ ‬حروب

والعامة‭ ‬اليوم‭ ‬يحذفون‭ ‬ياء‭ (‬في‭) ‬على‭ ‬المنوال‭ ‬نفسه،‭ ‬فيقولون‭: ‬فلبيت،‭ ‬فدّار،‭ ‬فدُّكان،‭ ‬فلخزانة‭.‬

 

معجم‭ ‬الكلمات‭ ‬الأندلسية‭ ‬المستعملة‭ ‬

في‭ ‬أيامنا

من‭ ‬جملة‭ ‬الألفاظ‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬ومازال‭ ‬صداها‭ ‬موجودًا‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬قولهم‭: ‬يولول،‭ ‬يريدون‭ ‬بها‭ ‬إظهار‭ ‬السعادة،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬دلالتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬وهي‭ ‬رفع‭ ‬الصوت‭ ‬بالصياح‭ ‬والبكاء،‭ ‬والمعنى‭ ‬الجديد‭ ‬لكلمة‭ ‬يولول‭ ‬مستعملة‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬بما‭ ‬يقابل‭ ‬الزغاريد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأماكن،‭ ‬وفي‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬الأصلي،‭ ‬وهو‭ ‬رفع‭ ‬الصوت‭ ‬بالبكاء‭ ‬والصياح،‭ ‬شأنها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬بقية‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية،‭ ‬يقول‭ ‬مدغليس‭:‬

قم‭ ‬ترى‭ ‬النسيم‭ ‬يولول

والطيور‭ ‬عليه‭ ‬تغرد

 

ومن‭ ‬الكلمات‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬قولهم‭: ‬‮«‬فروج‮»‬‭ ‬يريدون‭ ‬الديك‭ ‬أو‭ ‬الدجاج‭ ‬عمومًا،‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬غرلة‭:‬

بعد‭ ‬ذبحك‭ ‬جريت‭ ‬يا‭ ‬فروجي

وإيش‭ ‬يفيد‭ ‬الجري؟

  ‬ومن‭ ‬الألفاظ‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬لهجاتنا‭ ‬قولهم‭: ‬مطرح‭ ‬وحنبل،‭ ‬وهي‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الأفرشة‭ ‬التقليدية،‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

 

آرّ‭ ‬ذاك‭ ‬المطرح

أبسط‭ ‬أنت‭ ‬الحنبل

‭ ‬ومن‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬سياقها‭ ‬الفصيح‭ ‬لتدل‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬مقارب‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬اللهجات‭ ‬الحديثة،‭ ‬كلمة‭ ‬مسكين‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬الفقير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬مالاً،‭ ‬أو‭ ‬الضعيف‭ ‬الذليل،‭ ‬لكن‭ ‬اللهجات‭ ‬الحديثة‭ ‬أضفت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬معنى‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬الشخص‭ ‬المثير‭ ‬للشفقة‭ ‬والتعاطف،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬غنيًّا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عزيزًا‭ ‬في‭ ‬قومه،‭ ‬يقول‭ ‬الششتري‭:‬

حتى‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬يراني

يقول‭ ‬مسكين‭ ‬عشيق

 

‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا،‭ ‬تستعمل‭ ‬العامة‭ ‬أحيانًا‭ ‬كلمات‭ ‬معناها‭ ‬الفصيح‭ ‬يعاكس‭ ‬المعنى‭ ‬العامي،‭ ‬مثل‭ ‬كلمة‭ ‬بان‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬ابتعد،‭ ‬وفي‭ ‬العاميات‭ ‬الحديثة‭ ‬تعني‭: ‬ظهر‭ ‬واقترب،‭ ‬يقول‭ ‬الششتري‭:‬

 

والوجود‭ ‬قد‭ ‬بان

ويرى‭ ‬الإنسان

كما‭ ‬يستعملون‭ ‬أحيانًا‭ ‬كلمات‭ ‬محرّفة‭ ‬من‭ ‬الفصيح‭ ‬كقولهم‭: ‬نبرا‭ ‬يريدون‭ ‬أُشفى،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬خففت‭ ‬الهمزة،‭ ‬وعوضت‭ ‬ألف‭ ‬المتكلم‭ ‬بالنون‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬جار‭ ‬في‭ ‬لهجات‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬أضحت‭ ‬الكلمة‭ ‬ربما‭ ‬غريبة‭ ‬لدى‭ ‬البقية،‭ ‬يقول‭ ‬الششتري‭:‬

قطع‭ ‬الكمين

نقصد‭ ‬بيه‭ ‬نبرا‭ ‬

 

الضمائر‭ ‬وصيغ‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬تخالف‭ ‬الفصحى‭ ‬في‭ ‬توظيفها‭ ‬الدقيق‭ ‬للضمائر،‭ ‬وصيغ‭ ‬الفعل‭ ‬والأزمنة،‭ ‬ففي‭ ‬العامية‭ ‬مثلاً‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬المثنى،‭ ‬بل‭ ‬المفرد‭ ‬والجمع‭ ‬فقط،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وبعض‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬يستعملون‭ ‬النون‭ ‬بدل‭ ‬الألف‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬المتكلم،‭ ‬فيقولون‭: ‬نمشي‭ ‬بدل‭ ‬أمشي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لاحظناه‭ ‬في‭ ‬الأزجال‭ ‬الأندلسية،‭ ‬ومنها‭ ‬قول‭ ‬الششتري‭:‬

نستبدل‭ ‬الحلة‭ ‬بدفاس

ونمزق‭ ‬شي‭ ‬لبستو‭ ‬

 

وقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

جي‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬نقل‭ ‬لك‭ ‬خبر

إنني‭ ‬زمان‭ ‬لم‭ ‬نطبخ‭ ‬قدر

 

أما‭ ‬الحروف‭ ‬والصيغ‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬تغيّر‭ ‬الزمن،‭ ‬لاسيما‭ ‬الزمن‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬فإنهم‭ ‬يستعملون،‭ ‬أي‭ ‬أهل‭ ‬الأندلس،‭ ‬حرف‭ ‬الكاف‭ ‬متصلاً‭ ‬بالفعل،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬أهل‭ ‬المغرب‭ ‬الأقصى،‭ ‬فيقولون‭: ‬كنعمل‭ - ‬كنكتب‭ - ‬كناكل‭... ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬اللهجات‭ ‬فقط‭ ‬بتغيير‭ ‬الكاف‭ ‬بحرف‭ ‬آخر،‭ ‬ففي‭ ‬مصر‭ ‬مثلاً‭ ‬يستعملون‭ ‬الهاء‭ ‬للمستقبل‭: ‬هعمل،‭ ‬هنشوف،‭ ‬هسافر‭..‬

يقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

تدري‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬لي‭ ‬شربت‭ ‬عقار

آه‭ ‬حقًا‭ ‬كنبتلعها‭ ‬كبار‭ ‬

 

تسكين‭ ‬المتحرك

من‭ ‬المسلّمات‭ ‬في‭ ‬الزجل‭ ‬أن‭ ‬إعرابه‭ ‬لحن،‭ ‬ولحنه‭ ‬صواب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اتفق‭ ‬عليه‭ ‬الزجالون،‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬قزمان‭:‬

وجردت‭ ‬فنّي‭ ‬من‭ ‬الإعراب

كما‭ ‬يجرد‭ ‬السيف‭ ‬من‭ ‬القراب

 

أي‭ ‬أن‭ ‬حركات‭ ‬الإعراب‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬وضم‭ ‬وجرّ‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬اهتمام‭ ‬الزجالين،‭ ‬وعليهم‭ ‬تجنبها‭ ‬ما‭ ‬استطاعوا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬سبيلًا،‭ ‬وقد‭ ‬استعاضوا‭ ‬بالسكون‭ ‬عنها،‭ ‬يقول‭ ‬مدغليس‭:‬

والسما‭ ‬تنثرْ‭ ‬جواهرْ

فوق‭ ‬بساطْ‭ ‬من‭ ‬الزمردْ

 

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزجل‭ ‬الأندلسي‭ ‬تضمن‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات‭ ‬الأعجمية،‭ ‬ونحن‭ ‬لم‭ ‬نشر‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أنها‭ ‬قليلة،‭ ‬ثم‭ ‬لأن‭ ‬اللهجات‭ ‬الحديثة‭ ‬اليوم‭ ‬نصف‭ ‬كلماتها‭ ‬أجنبية‭ .‬