مَنْ قتل نظام الملك الطوسي؟

مَنْ قتل نظام الملك الطوسي؟

هو‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬بن‭ ‬العباس،‭ ‬الوزير‭ ‬أبو‭ ‬علي‭ ‬الطوسي‭ ‬الملقب‭ ‬بنظام‭ ‬الملك‭ ‬قوام‭ ‬الدين‭. ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬نوقان‭ ‬التابعة‭ ‬لمدينة‭ ‬طوس،‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬خراسان،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬ذي‭ ‬القعدة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬408هـ‭/‬1018‭ ‬م‭.‬

ورد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬حول‭ ‬ولادة‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬من‭ ‬نسج‭ ‬الخيال،‭ ‬وذلك‭ ‬لإضفاء‭ ‬هالة‭ ‬من‭ ‬القدسية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭:‬

1‭ - ‬أن‭ ‬المطر‭ ‬تساقط‭ ‬على‭ ‬طوس‭ ‬بغزارة‭ ‬يوم‭ ‬مولده،‭ ‬بعد‭ ‬انقطاع‭ ‬طال‭ ‬مدة‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬فتفاءل‭ ‬الناس‭ ‬بمولده‭.‬

2‭ - ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬يومين‭ ‬على‭ ‬ولادته،‭ ‬رأت‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬منامها‭ ‬السيدة‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء،‭ ‬ابنة‭ ‬الرسول‭ ‬محمد‭ ([)‬،‭ ‬وهي‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي،‭ ‬وبجانبها‭ ‬مصحف،‭ ‬وتحتضن‭ ‬طفلًا،‭ ‬فسلمت‭ ‬عليها،‭ ‬‮«‬وابتعدت‭ ‬احترامًا‭ ‬لها،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬رأتها‭ ‬من‭ ‬الصالحات،‭ ‬حتى‭ ‬أذنت‭ ‬لها،‭ ‬وأخذت‭ ‬ابنها،‭ ‬وأرضعته،‭ ‬مستفسرة‭ ‬عن‭ ‬اسمه،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬عرفت‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يُسمَّ‭ ‬بعد،‭ ‬وأن‭ ‬اسم‭ ‬والده‭ ‬‮«‬علي‭ ‬حسن‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬قالت‭: ‬سمّيه‭ ‬‮«‬حسنًا‮»‬،‭ ‬كولدي،‭ ‬لأن‭ ‬له‭ ‬أبًا‭ ‬اسمه‭ ‬علي‮»‬‭.‬

3‭ - ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الطفولة‭ ‬والشباب‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ويقضي‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬الكتّاب‭.‬

أما‭ ‬أسرته،‭ ‬فينقل‭ ‬ابن‭ ‬خلكان‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أولاد‭ ‬الدهاقين،‭ ‬فكان‭ ‬والده‭ ‬جابيًا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬طوس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جغري‭ ‬بك‭ ‬داوود،‭ ‬شقيق‭ ‬طغرلبك‭ ‬السلجوقي‭ (‬428-455هـ‭/‬1036‭ ‬‭- ‬1063م‭)‬،‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬430هـ‭/‬1039م‭. ‬أما‭ ‬شقيقه،‭ ‬فهو‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله،‭ ‬وكان‭ ‬حينها‭ ‬من‭ ‬الفقهاء‭ ‬المعروفين‭.‬

هكذا‭ ‬نشأ‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬مثقفة‭ ‬ملتزمة‭ ‬دينيًا،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬دفعه‭ ‬نحو‭ ‬التعلم‭ ‬وكسب‭ ‬المعارف،‭ ‬لذا‭ ‬نجده‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬تعلم‭ ‬القرآن‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬كما‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬وفقه‭ ‬الشافعية‭.‬

ومع‭ ‬إتقانه‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬والكتابة‭ ‬والسياسة‭ ‬تدرج‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬الأمراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الوزير‭ ‬الأول‭ ‬عند‭ ‬السلاجقة‭.‬

 

العلاقة‭ ‬بين‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬والسلطان‭ ‬ملكشاه

ينقل‭ ‬المؤرخون‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬ملكشاه‭ ‬ووزيره‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬قد‭ ‬أصابها‭ ‬الفتور‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وسأحاول‭ ‬أن‭ ‬أورد‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬المؤرخون‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬ووزيره‭:‬

1‭ - ‬يذكر‭ ‬ابن‭ ‬الأثير‭: ‬‮«‬لما‭ ‬جرح‭ ‬السلطان‭ ‬ألب‭ ‬أرسلان،‭ ‬أوصى‭ ‬بالسلطنة‭ ‬لابنه‭ ‬ملكشاه،‭ ‬وكان‭ ‬معه،‭ ‬وأمر‭ ‬أن‭ ‬يحلف‭ ‬له‭ ‬العسكر،‭ ‬فحلفوا‭ ‬جميعهم،‭ ‬وكان‭ ‬المتولي‭ ‬للأمر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭... ‬وقام‭ ‬بوزارة‭ ‬ملكشاه‭ ‬نظام‭ ‬الملك‮»‬‭.‬

2‭ - ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬تفويض‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الملك‮»‬،‭ ‬يذكر‭ ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬أن‭ ‬ملكشاه‭ ‬فوض‭ ‬أمور‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬وزيره‭: ‬‮«‬ثم‭ ‬إن‭ ‬عسكر‭ ‬ملكشاه‭ ‬بسطوا‭ ‬أيديهم‭ ‬في‭ ‬أموال‭ ‬الرعيّة،‭ ‬وقالوا‭: ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬السلطان‭ ‬أن‭ ‬يعطينا‭ ‬الأموال‭ ‬إلا‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬فنال‭ ‬الرعية‭ ‬أذى‭ ‬شديد،‭ ‬فذكر‭ ‬ذلك‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬للسلطان،‭ ‬فبيّن‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬الوهن،‭ ‬وخراب‭ ‬البلاد،‭ ‬وذهاب‭ ‬السياسة،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬افعل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬مصلحة،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭: ‬ما‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أفعل‭ ‬إلا‭ ‬بأمرك‭.‬

فقال‭ ‬السلطان‭: ‬قد‭ ‬رددتُ‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬كبيرها‭ ‬وصغيرها‭ ‬إليك،‭ ‬فأنت‭ ‬الوالد‭ ‬وحلف‭ ‬له،‭ ‬وأقطعه‭ ‬إقطاعًا‭ ‬زائدًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان،‭ ‬من‭ ‬جملته‭ ‬طوس‭ ‬مدينة‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وخلع‭ ‬عليه،‭ ‬ولقّبه‭ ‬ألقابًا‭ ‬من‭ ‬جملتها‭: ‬أتابك،‭ ‬ومعناه‭ ‬الأمير‭ ‬الوالد‭.‬

‭ ‬أتى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه،‭ ‬بعد‭ ‬إدراكه‭ ‬لمقدرة‭ ‬وزيره‭ ‬وحسن‭ ‬إدارته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬أورد‭: ‬‮«‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ (‬473هـ‭/ ‬1080م‭) ‬في‭ ‬شعبان،‭ ‬سار‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬إلى‭ ‬الريّ،‭ ‬وعرض‭ ‬العسكر،‭ ‬فأسقط‭ ‬منهم‭ ‬سبعة‭ ‬آلاف‭ ‬رجل‭ ‬لم‭ ‬يرضَ‭ ‬لحالهم،‭ ‬فمضوا‭ ‬إلى‭ ‬أخيه‭ ‬تكش،‭ ‬وهو‭ ‬ببوشنج،‭ ‬فقوي‭ ‬بهم،‭ ‬وأظهر‭ ‬العصيان‭ ‬على‭ ‬أخيه‭ ‬ملكشاه،‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬مرو‭ ‬الروذ،‭ ‬ومرو‭ ‬الشاهجان،‭ ‬وترمذ،‭ ‬وغيرها،‭ ‬وسار‭ ‬إلى‭ ‬نيسابور‭ ‬طامعًا‭ ‬في‭ ‬ملك‭ ‬خراسان‭.‬

وقيل‭: ‬إن‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬قال‭ ‬للسلطان‭ ‬لما‭ ‬أمر‭ ‬بإسقاطهم‭: ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليس‭ ‬فيهم‭ ‬كاتب،‭ ‬ولا‭ ‬تاجر،‭ ‬ولا‭ ‬خيّاط،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬صنعة‭ ‬غير‭ ‬الجندية،‭ ‬فإذا‭ ‬أُسقطوا‭ ‬لا‭ ‬نأمن‭ ‬أن‭ ‬يقيموا‭ ‬منهم‭ ‬رجلًا،‭ ‬ويقولوا‭ ‬هذا‭ ‬السلطان،‭ ‬فيكون‭ ‬لنا‭ ‬منهم‭ ‬شغل،‭ ‬ويخرج‭ ‬عن‭ ‬أيدينا‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬الجاري‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نظفر‭ ‬بهم،‭ ‬فلم‭ ‬يقبل‭ ‬السلطان‭ ‬قوله،‭ ‬فلما‭ ‬مضوا‭ ‬إلى‭ ‬أخيه،‭ ‬وأظهر‭ ‬العصيان،‭ ‬ندم‭ ‬على‭ ‬مخالفة‭ ‬وزيره،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬ينفع‭ ‬الندم‮»‬‭.‬

كما‭ ‬أورد‭ ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬بعدما‭ ‬توفي‭ ‬ولده،‭ ‬ما‭ ‬أظهر‭ ‬ضعف‭ ‬ملكشاه،‭ ‬وعدم‭ ‬اتزانه‭:‬

‮«‬وفيها‭ ‬عام‭ ‬474‭ ‬هـ‭ / ‬1081‭ ‬م‭ ‬مات‭ ‬ابن‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه،‭ ‬واسمه‭ ‬داوود،‭ ‬فجزع‭ ‬عليه‭ ‬جزعًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬وحزن‭ ‬حزنًا‭ ‬عظيمًا،‭ ‬ومنع‭ ‬من‭ ‬أخذه‭ ‬وغسله،‭ ‬حتى‭ ‬تغيرت‭ ‬رائحته،‭ ‬وأراد‭ ‬قتل‭ ‬نفسه‭ ‬مرات،‭ ‬فمنعه‭ ‬خواصه،‭ ‬ولما‭ ‬دفن‭ ‬لم‭ ‬يُطق‭ ‬المقام،‭ ‬فخرج‭ ‬يتصيد،‭ ‬وأمر‭ ‬بالنياحة‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬البلد،‭ ‬ففعل‭ ‬ذلك‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬وجلس‭ ‬له‭ ‬وزير‭ ‬الخليفة‭ ‬في‭ ‬العزاء‭ ‬ببغداد‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬نقلها‭ ‬ابن‭ ‬الأثير،‭ ‬تظهر‭ ‬سوء‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬وأولاد‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭: ‬‮«‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ (‬عام‭ ‬475‭ ‬هـ‭/‬1082‭ ‬م‭)‬،‭ ‬في‭ ‬رجب،‭ ‬توفي‭ ‬جمال‭ ‬الملك‭ ‬منصور‭ ‬بن‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭... ‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬موته‭ ‬أنّ‭ ‬مسخرةً‭ ‬كان‭ ‬للسلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬يُعرف‭ ‬بجعفرك‭ ‬يحاكي‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬ويذكره‭ ‬في‭ ‬خلواته‭ ‬مع‭ ‬السلطان،‭ ‬فبلغ‭ ‬ذلك‭ ‬جمال‭ ‬الملك،‭ ‬وكان‭ ‬يتولى‭ ‬مدينة‭ ‬بلخ‭ ‬وأعمالها،‭ ‬فسار‭ ‬من‭ ‬وقته‭ ‬يطوي‭ ‬المراحل‭ ‬إلى‭ ‬والده‭ ‬والسلطان،‭ ‬وهما‭ ‬بأصبهان،‭ ‬فاستقبله‭ ‬أخواه‭... ‬فأغلظ‭ ‬لهما‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬إغضائهما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بلغه‭ ‬عن‭ ‬جعفرك،‭ ‬فلما‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حضرة‭ ‬السلطان،‭ ‬رأى‭ ‬جعفرك‭ ‬يسارُّه،‭ ‬فانتهره،‭ ‬وقال‭: ‬مثلك‭ ‬يقف‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬وينبسط‭ ‬بحضرة‭ ‬السلطان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجمع،‭ ‬فلما‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬السلطان،‭ ‬أمر‭ ‬بالقبض‭ ‬على‭ ‬جعفرك،‭ ‬وأمر‭ ‬بإخراج‭ ‬لسانه‭ ‬من‭ ‬قفاه‭ ‬وقطعه‭ ‬فمات‭... ‬‮«‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ملكشاه‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬لم‭ ‬يغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬حصل‮»‬‭ ‬فأحضر‭ ‬السلطان‭ ‬عميد‭ ‬خراسان،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬أيما‭ ‬أحب‭ ‬لك‭ ‬رأسك‭ ‬أم‭ ‬رأس‭ ‬جمال‭ ‬الملك؟‭ ‬فقال‭: ‬بل‭ ‬رأسي،‭ ‬فقال‭ (‬السلطان‭): ‬لئن‭ ‬لم‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬قتله‭ ‬لأقتلنك،‭ ‬فاجتمع‭ ‬بخادم‭ ‬يختص‭ ‬بخدمة‭ ‬جمال‭ ‬الملك،‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬سرًا‭: ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬تحفظوا‭ ‬نعمتكم،‭ ‬ومناصبكم،‭ ‬وتدبّر‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬جمال‭ ‬الملك،‭ ‬فإنّ‭ ‬السلطان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يأخذه‭ ‬ويقتله،‭ ‬ولأن‭ ‬تقتلوه‭ ‬أنتم‭ ‬سرًّا‭ ‬أصلح‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقتله‭ ‬السلطان‭ ‬ظاهرًا،‭ ‬فظن‭ ‬الخادم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬صحيح،‭ ‬فجعل‭ ‬له‭ ‬سمًّا‭ ‬في‭ ‬كوز‭ ‬فقاع‭... ‬فشربه،‭ ‬فمات،‭ ‬فلما‭ ‬علم‭ ‬السلطان‭ ‬بموته‭ ‬سار‭ ‬مجدًّا،‭ ‬حتى‭ ‬لحق‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬فأعلمه‭ ‬بموت‭ ‬ابنه،‭ ‬وعزّاه،‭ ‬وقال‭: ‬أنا‭ ‬ابنك،‭ ‬وأنت‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬صبر‭ ‬واحتسب‮»‬‭.‬

 

مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬

هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬تتوتر‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬ووزيره‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬دفعت‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬حدث‭ ‬ديلمي‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬485هـ‭/‬1092م‭.‬

وفي‭ ‬التفاصيل‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬السبكي‭ ‬في‭ ‬طبقات‭ ‬الشافعية‭: ‬‮«‬صلى‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الليلة،‭ ‬وجلس‭ ‬على‭ ‬السماط،‭ ‬وعنده‭ ‬خلق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفقهاء،‭ ‬والقراء،‭ ‬والصوفية،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الحوائج،‭ ‬فجعل‭ ‬يذكر‭ ‬شرف‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬نزلوه‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬نهاوند،‭ ‬وأخبار‭ ‬الواقعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬الفرس‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (])‬،‭ ‬ومن‭ ‬استشهد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الأعيان،‭ ‬ويقول‭: ‬طوبى‭ ‬لمن‭ ‬لحق‭ ‬بهم‭. ‬فلما‭ ‬فرغ‭ ‬من‭ ‬إفطاره‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬مكانه‭ ‬قاصدًا‭ ‬مضرب‭ ‬حرمه،‭ ‬فبدر‭ ‬إليه‭ ‬حدث‭ ‬ديلمي‭ ‬مستميح‭ ‬أو‭ ‬مستغيث،‭ ‬فعلق‭ ‬به‭ ‬وضربه،‭ ‬وحُمل‭ ‬إلى‭ ‬مضرب‭ ‬الحرم‭.‬

فيقال‭ ‬إنه‭ ‬أول‭ ‬مقتول‭ ‬قتلته‭ ‬الإسماعيلية‭... ‬فانبث‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وصاحت‭ ‬الأصوات،‭ ‬وجاء‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬حين‭ ‬بلغه‭ ‬الخبر‭ ‬مظهرًا‭ ‬الحزن‭ ‬والنحيب‭ ‬والبكاء،‭ ‬وجلس‭ ‬عند‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وهو‭ ‬يجود‭ ‬بنفسه‭ ‬حتى‭ ‬مات،‭ ‬وكان‭ ‬قاتله‭ ‬قد‭ ‬تعثر‭ ‬بأطناب‭ ‬الخيمة،‭ ‬فلحقه‭ ‬مماليك‭ ‬الملك‭ ‬وقتلوه‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬السبكي‭ ‬مبيّنًا‭ ‬الأقاويل‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬حول‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬الباطنية‭ ‬من‭ ‬الإسماعيلية؟‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬نفسه؟

 

أسباب‭ ‬الجفاء

يضيف‭ ‬السبكي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬مظهرًا‭ ‬أسباب‭ ‬الجفاء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬ووزيره،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬دفعت‭ ‬بالسلطان‭ ‬إلى‭ ‬قتله،‭ ‬الآتي‭:‬

‮«‬ومن‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬السلطان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬دس‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬القاتل،‭ ‬وذكروا‭ ‬لذلك‭ ‬أسبابًا‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬السلطان،‭ ‬حاصلها‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بينهما‭ ‬وحشة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬رغبة‭ ‬ملكشاه‭ ‬في‭ ‬نزع‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬كان‭ ‬يعظم‭ ‬أمر‭ ‬الخليفة‭... ‬وكلما‭ ‬أراد‭ ‬السلطان‭ ‬نزع‭ ‬الخليفة‭ ‬منعه‭ ‬النظام،‭ ‬وأرسل‭ ‬في‭ ‬الباطن‭ ‬إلى‭ ‬الخليفة‭ ‬ينبهه‭ ‬ويرشده‭ ‬إلى‭ ‬استمالة‭ ‬خاطر‭ ‬السلطان‭...‬‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬السبكي‭: ‬‮«‬وفي‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬سبعين‭ (‬470‭ ‬هـ‭/ ‬1077م‭) ‬لما‭ ‬فهم‭ ‬النظام‭ ‬التغير‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬على‭ ‬الخليفة،‭ ‬أرسل‭ ‬إلى‭ ‬الخليفة،‭ ‬وأشار‭ ‬عليه‭ ‬بأن‭ ‬يخطب‭ ‬ابنه‭ ‬السلطان‭ ‬لينسج‭ ‬الود‭ ‬بينهما،‭ ‬فخطبها‭...‬‭ ‬فتزوج‭ ‬بها،‭ ‬ودخل‭ ‬بها‭... ‬فاستمرت‭ ‬معه‭...‬‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬أرسلت‭ ‬إلى‭ ‬والدها‭ ‬‮«‬تشكو‭ ‬من‭ ‬الخليفة‭ ‬كثرة‭ ‬أطراحه‭ ‬لها،‭ ‬فأرسل‭ ‬يطلب‭ ‬بنته‭ ‬منه،‭ ‬طلبًا‭ ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬منه،‭ ‬فأرسلها‭ ‬الخليفة‭ ‬ومعها‭ ‬ولدها‭ ‬جعفر،‭ ‬فذهبت،‭ ‬فماتت‭ ‬بأصبهان‮»‬‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭.‬

يضيف‭ ‬السبكي‭: ‬‮«‬توجه‭ ‬السلطان‭ ‬من‭ ‬أصبهان‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬عازمًا‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الخليفة،‭ ‬وعرف‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬له‭ ‬ونظام‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فعمل‭ ‬على‭ ‬قتله‭ ‬قبل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‮»‬‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬سبب‭ ‬آخر،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬بملكشاه‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬وزيره،‭ ‬وهو‭ ‬الأرجح،‭ ‬كونه‭ ‬ورد‭ ‬عند‭ ‬معظم‭ ‬المؤرخين‭:‬

 

شحنة‭ ‬السلطان

يقول‭ ‬السبكي‭: ‬‮«‬وكان‭ ‬من‭ ‬ذنوب‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬عنده‭ (‬ملكشاه‭)‬،‭... ‬استيلاء‭ ‬أولاده‭ ‬على‭ ‬الممالك،‭ ‬وشدة‭ ‬وطأته،‭ ‬وأنه‭ ‬بالآخرة‭ ‬ولى‭ ‬ابنه‭ ‬مرو،‭ ‬فتوجه‭ ‬إليها،‭ ‬ومعه‭ ‬شحنة‭ ‬السلطان،‭ ‬فجرى‭ ‬بين‭ ‬شحنة‭ ‬السلطان‭ ‬بمرو‭ ‬وبين‭ ‬ولد‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬ما‭ ‬أغضبه‭ ‬عليه،‭ ‬فعمل‭ ‬ابن‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وقبض‭ ‬على‭ ‬الشحنة،‭ ‬فلما‭ ‬بلغ‭ ‬السلطان‭ ‬الخبر‭ ‬غضب‭ ‬وبعث‭ ‬جماعة‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬يعاتبه‭ ‬ويوبخه،‭ ‬ويقول‭: ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬شريكي‭ ‬في‭ ‬الملك‭ ‬فلذلك‭ ‬حكم،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬أولادك‭ ‬قد‭ ‬استولى‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬إقليم‭ ‬كبير،‭ ‬ولم‭ ‬يكفهم‭ ‬حتى‭ ‬تجاوزوا‭ ‬أمر‭ ‬السياسة‭.‬

فأدوا‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬فيقال‭ ‬إنه‭ ‬قوّى‭ ‬نفسه،‭ ‬وأخذ‭ ‬يجيب‭ ‬بأمور،‭ ‬وأنه‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬كلامه‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬ملكشاه‭): ‬إن‭ ‬كان‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬أني‭ ‬شريكه‭ ‬في‭ ‬الملك،‭ ‬فليعلم‭ (‬يضيف‭ ‬السبكي‭ ‬حول‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬السلطان‭: ‬‮«‬ فاشتد‭ ‬غضب‭ ‬السلطان‭ ‬وعمل‭ ‬عليه‭ ‬الحيلة‭ ‬سنين،‭ ‬حتى‭ ‬تمت‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة‮»‬‭.‬

أما‭ ‬الذهبي‭ ‬فأورد‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬الآتي‭:‬

‮«‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬قتله‭ ‬أن‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬جمال‭ ‬الملك‭ ‬بن‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ولاه‭ ‬جدّه‭ ‬رئاسة‭ ‬مرو،‭ ‬وأرسل‭ ‬السلطان‭ ‬إليها‭ ‬شحنة‭ ‬اسمه‭ ‬قودن،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬خواصه،‭ ‬فنازع‭ ‬عثمان‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬فحملت‭ ‬عثمان‭ ‬حداثة‭ ‬سنه،‭ ‬وطمعه‭ ‬بجده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قبض‭ ‬عليه،‭ ‬وأخرق‭ ‬به،‭ ‬ثم‭ ‬أطلقه،‭ ‬فقصد‭ ‬السلطان‭ ‬مستغيثًا‭ ‬شاكيًا،‭ ‬فأرسل‭ ‬السلطان‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬رسالة‭ ‬يقول‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬شريكي‭ ‬في‭ ‬الملك‭ ‬فلذلك‭ ‬حكم،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬نائبي،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬حدّ‭ ‬التبعية‭ ‬والنيابة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬أولادك‭ ‬قد‭ ‬جاوزوا‭ ‬حدّ‭ ‬أمر‭ ‬السياسة،‭ ‬وطمعوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فعلوا‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭.‬

فحضر‭ ‬المرسلون‭ ‬عند‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬وأوردوا‭ ‬عليه‭ ‬الرسالة،‭ ‬فقال‭: ‬قولوا‭ ‬للسلطان‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬ما‭ ‬علمت‭ ‬أني‭ ‬شريكك‭ ‬في‭ ‬الملك‭ ‬فاعلم،‭ ‬فإنك‭ ‬ما‭ ‬نلت‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلا‭ ‬بتدبيري،‭ ‬ورأيي،‭ ‬أما‭ ‬تذكر‭ ‬حين‭ ‬قتل‭ ‬أبوك‭ ‬فقمت‭ ‬بتدبير‭ ‬أمرك،‭ ‬وقمعت‭ ‬الخوارج‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬أهلك‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وأنت‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كنت‭ ‬تتمسك‭ ‬بي،‭ ‬فلما‭ ‬قدت‭ ‬الأمور‭ ‬إليك‭ ‬وأطاعك‭ ‬القاصي‭ ‬والداني،‭ ‬أقبلت‭ ‬تتجنّى‭ ‬لي‭ ‬الذنوب،‭ ‬وتسمع‭ ‬في‭ ‬السعايات،‭ ‬وقولوا‭ ‬له‭ ‬عني‭: ‬إن‭ ‬ثبات‭ ‬تلك‭ ‬القلنسوة‭ ‬معذوق‭ ‬بهذه‭ ‬الدواة،‭ ‬وإن‭ ‬اتفاقهما‭ ‬سبب‭ ‬كل‭ ‬غنيمة،‭ ‬ومتى‭ ‬أطبقت‭ ‬هذه‭ ‬الدواة‭ ‬زالت‭ ‬تلك،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬قولوا‭ ‬للسلطان‭ ‬عني‭ ‬مهما‭ ‬أردتم،‭ ‬فقد‭ ‬أهمني‭ ‬ما‭ ‬لحقني‭ ‬من‭ ‬توبيخه‭ ‬وفتّ‭ ‬عضدي،‭ ‬فلما‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬عنده،‭ ‬اتفقوا‭ ‬على‭ ‬كتمان‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬عن‭ ‬السلطان‭ ‬فقالوا‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬مضمونه‭ ‬العبودية‭ ‬والاعتذار،‭ ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬واحدًا‭ ‬منهم‭ ‬أعلم‭ ‬السلطان‭ ‬بما‭ ‬جرى،‭ ‬فوقع‭ ‬التدبير‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬قتل،‭ ‬مات‭ ‬السلطان‭ ‬بعده‭ ‬بخمسة‭ ‬وثلاثين‭ ‬يومًا،‭ ‬وانحلت‭ ‬الدولة‭ ‬ووقع‭ ‬السيف،‭ ‬وكان‭ ‬قول‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬شبه‭ ‬الكرامة‭ ‬له‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬أحسّ‭ ‬ملكشاه‭ ‬بأنه‭ ‬أصبح‭ ‬الرقم‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬السلطنة،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬الوزير‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬بيده‭ ‬السلطة‭ ‬الفعلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬ابن‭ ‬خلكان‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬فلما‭ ‬ملك‭ ‬ألب‭ ‬أرسلان‭... ‬دبّر‭ ‬أمره‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬فأحسن‭ ‬التدبير،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬خدمته‭ ‬عشر‭ ‬سنين،‭ ‬فلما‭ ‬مات‭ ‬ألب‭ ‬أرسلان،‭ ‬وازدحم‭ ‬أولاده‭ ‬على‭ ‬الملك،‭ ‬وطد ‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭)‬،‭ ‬لولده‭ ‬ملكشاه،‭ ‬فصار‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬لنظام‭ ‬الملك،‭ ‬وليس‭ ‬للسلطان‭ ‬إلا‭ ‬التخت‭ ‬والصيد،‭ ‬وأقام‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‮»‬‭.‬

حتى‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬بُرْزُك‮»‬‭ ‬ومعناها‭: ‬العظيم‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬توتر‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬ووزيره،‭ ‬وأبرزها‭:‬

ــ‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬تركان‭ ‬خاتون،‭ ‬زوج‭ ‬السلطان،‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ينتخب‭ ‬ولدها‭ ‬الصغير‭ ‬محمود‭ ‬وليًا‭ ‬للعهد،‭ ‬خلفًا‭ ‬لشقيقه‭ ‬الأكبر‭ ‬ملك‭ ‬أحمد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وليًا‭ ‬للعهد‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتوفى‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تنصيب‭ ‬بركياروق‭ ‬ابن‭ ‬زبيدة،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬أبناء‭ ‬ملكشاه،‭ ‬ولياً‭ ‬للعهد،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بتركان‭ ‬خاتون‭ ‬إلى‭ ‬السعي‭ ‬للإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬الملك،‭ ‬والإتيان‭ ‬بتاج‭ ‬الملك،‭ ‬وهو‭ ‬إحدى‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحقد‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وتسعى‭ ‬للتخلص‭ ‬منه‭.‬

ــ‭ ‬ازدياد‭ ‬نسبة‭ ‬الساعين‭ ‬للإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬الملك،‭ ‬كونه‭ ‬سلم‭ ‬أتباعه‭ ‬وأعوانه‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منهم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬داخل‭ ‬الدولة،‭ ‬وكان‭ ‬هؤلاء‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يحذرون‭ ‬ملكشاه‭ ‬من‭ ‬وزيره‭.‬

 

الحشاشون‭ ‬ونظام‭ ‬الملك

ومع‭ ‬مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬عيّن‭ ‬ملكشاه‭ ‬تاج‭ ‬الملك‭ ‬وزيرًا،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬ألد‭ ‬أخصام‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬سابقًا،‭ ‬فلما‭ ‬تسلم‭ ‬الوزارة‭ ‬عمل‭ ‬بداية‭ ‬على‭ ‬‮«‬إصلاح‭ ‬كبار‭ ‬النظامية،‭ ‬وفرّق‭ ‬فيهم‭ ‬مئتي‭ ‬ألف‭ ‬دينار‮»‬‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لاستيعابهم،‭ ‬‮«‬وبلغ‭ ‬ذلك‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬فشغب‭ ‬عليهم‭ ‬سائر‭ ‬الغلمان‭ ‬الصغار،‭ ‬وقال‭: ‬هذا‭ ‬قاتل‭ ‬أستاذكم،‭ ‬ففتكوا‭ ‬به،‭ ‬وقطّعوه‮»‬‭.‬

‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬مات‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه،‭ ‬وقيل‭ ‬إنه‭ ‬مرض‭ ‬‮«‬وكان‭ ‬سبب‭ ‬مرضه‭ ‬أنه‭ ‬أكل‭ ‬لحم‭ ‬صيد‭ ‬فحمّ‭ ‬فافتصد،‭ ‬ولم‭ ‬يستوف‭ ‬إخراج‭ ‬الدم،‭ ‬فثقل‭ ‬في‭ ‬مرضه،‭ ‬وكانت‭ ‬حمى‭ ‬محرقة،‭ ‬فتوفي‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬السبكي‭: ‬‮«‬الحاصل‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬لم‭ ‬يمتع‭ ‬بملكه،‭ ‬ولم‭ ‬يعش‭ ‬غير‭ ‬شهر‭ ‬واحد‮»‬‭. ‬ويضيف‭ ‬المؤرخ‭ ‬والمستشرق‭ ‬بروكلمن‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ورد‭: ‬‮«‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬سنة‭ ‬1092م،‭ ‬أنفذ‭ ‬الحشاشون‭ ‬حكم‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬وإن‭ ‬يكن‭ ‬ثمة‭ ‬مجال‭ ‬للاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬السلطان‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بالمؤامرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬وضاق‭ ‬ذرعًا‭ ‬بنفوذ‭ ‬وزيره‭ ‬المتعاظم،‭ ‬وسلطانه‭ ‬المطلق‮»‬‭.‬

والجدير‭ ‬ذكره‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قصة‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬خراسان،‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬حسن‭ ‬الصباح،‭ ‬مؤسس‭ ‬فرقة‭ ‬الحشاشين،‭ ‬والشاعر‭ ‬عمر‭ ‬الخيام،‭ ‬والوزير‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬الطوسي،‭ ‬كانوا‭ ‬زملاء‭ ‬دراسة‭ ‬لأستاذ‭ ‬واحد،‭ ‬وقد‭ ‬تعاهد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬أن‭  ‬‮«‬أي‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬يحقق‭ ‬قبل‭ ‬زميليه‭ ‬نجاحًا‭ ‬أو‭ ‬ثراء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬الآخرين‭. ‬ودارت‭ ‬الأيام‭ ‬وأصبح‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬وزيرًا‭ ‬للسلطان،‭ ‬فتقدم‭ ‬منه‭ ‬زميلاه‭ ‬طالبين‭ ‬أن‭ ‬يبرّ‭ ‬بما‭ ‬تعاهدوا‭ ‬عليه،‭ ‬وعرض‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬ولاية‭ ‬أحد‭ ‬الأقاليم،‭ ‬لكنهما‭ ‬رفضا‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬رفضهما‭ ‬لسببين‭ ‬مختلفين،‭ ‬فأما‭ ‬عمر‭ ‬الخيام‭ ‬فقد‭ ‬كره‭ ‬مسؤوليات‭ ‬الإدارة،‭ ‬وفضل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬معاش‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬التمتع‭ ‬بمباهج‭ ‬الفراغ،‭ ‬وأما‭ ‬حسن‭ ‬فقد‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬بمنصب‭ ‬إقليمي‭ ‬وأصرّ‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬البلاط،‭ ‬وإذ‭ ‬تحققت‭ ‬رغبته‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬مرشحًا‭ ‬للوزارة‭ ‬ومنافسًا‭ ‬خطيرًا‭ ‬لنظام‭ ‬الملك‭ ‬نفسه،‭ ‬ولذا‭ ‬فقد‭ ‬تآمر‭ ‬عليه‭ ‬الوزير‭ ‬واستطاع‭ ‬بخدعة‭ ‬أن‭ ‬يلحق‭ ‬به‭ ‬خزيًّا‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬السلطان،‭ ‬وشعر‭ ‬حسن‭ ‬بالعار‭ ‬والغضب‭ ‬ففرّ‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ليعد‭ ‬العدة‭ ‬للانتقام‮»‬‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬محض‭ ‬الخيال،‭ ‬ولكني‭ ‬أوردتها‭ ‬كي‭ ‬أظهر‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬لأسباب‭ ‬مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬أتباع‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بنشرها،‭ ‬لأن‭ ‬فرقة‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬المعروفة‭ ‬بالحشاشين،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬بعمليات‭ ‬الاغتيال‭ ‬للشخصيات‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬زمانهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فأصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬وجهت‭ ‬إلى‭ ‬السلطان‭ ‬ملكشاه‭ ‬مباشرة‭. ‬لذا،‭ ‬وضعت‭ ‬هذه‭ ‬القصة،‭ ‬ونشرت‭ ‬بين‭ ‬العامة،‭ ‬لتبرير‭ ‬مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الحشاشين‭.‬

وبعد‭ ‬مقتل‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬اغتيل‭ ‬ولداه‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬طعنًا‭ ‬بالسكين‭. ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬أحمد‭ ‬وقد‭ ‬أصيب‭ ‬بالفالج،‭ ‬وكان‭ ‬يلقب‭ ‬بلقب‭ ‬أبيه‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭. ‬

والثاني‭ ‬هو‭ ‬فخر‭ ‬الملك‭ ‬بن‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭. ‬وكان‭ ‬وزيرًا‭ ‬للسلطان‭ ‬تتش‭ ‬بن‭ ‬ألب‭ ‬أرسلان‭ ‬عام‭ ‬487‭ ‬هـ‭/‬1094م 

تحرير‭ ‬كتاب‭ ‬يعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬ربيع‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬656‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬الهندسة‭ ‬والحساب،‭ ‬إقليدس،‭ ‬الطوسي،‭ ‬نصير‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬محمد