سامي بن عامر الفنان وعوالمه الحيّة

سامي بن عامر الفنان وعوالمه الحيّة

حين‭ ‬يقول‭ ‬الفنان‭ ‬التونسي‭ ‬سامي‭ ‬بن‭ ‬عامر‭ ‬إن‭ ‬رسومه،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬طبيعية‭ ‬التشكلات،‭ ‬ولا‭ ‬تتضمن‭ ‬أي‭ ‬‮«‬محاكاة‭ ‬لطبيعة‭ ‬بصريّة‮»‬،‭ ‬فلكي‭ ‬يُؤكد‭ ‬لمشاهد‭ ‬أعماله‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬نزهة‭ ‬رومانسية،‭ ‬أو‭ ‬إدراكًا‭ ‬انطباعيًّا‭ ‬لتأثيرات‭ ‬عينية‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬هي،‭ ‬وفق‭ ‬تعييناته‭ ‬لها،‭ ‬‮«‬رحلة‭ ‬إنشاء،‭ ‬ووصل‮»‬‭ ‬بين‭ ‬النهائي‭ ‬واللانهائي،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تأتي‭ ‬مشبّعة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬أبعاد‭ ‬الأحاسيس‭ ‬ودلالة‭ ‬الحركات‭ ‬الجسدية‭ ‬التي‭ ‬تُحيلنا‭ ‬إلى‭ ‬الأشكال‭ ‬الأرضية‮»‬،‭ ‬والحفريات،‭ ‬وإلى‭ ‬الفضاءات‭ ‬تحت‭ ‬الأرضية‭ ‬ـ‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تنتظم‭ ‬في‭ ‬مدارات‭ ‬كونية‭ ‬ـ‭ ‬موظفًا،‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬حروف‭ ‬الكتابتين‭ ‬العربية‭ ‬والمسمارية،‭ ‬بما‭ ‬يستخلص‭ ‬منهما‭ ‬من‭ ‬شاعرية،‭ ‬وبـ‭ ‬‮«‬مرجعيات‭ ‬ثقافية‭ ‬وروحية‮»‬‭ ‬ـ‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يتلقاها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬مضمونًا‭.‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعــل‭ ‬لرســومه‭ ‬تجلياتهــا‭ ‬في‭ ‬هذين‭ ‬البُعدين؛‭ ‬الــــمادي‭ ‬والروحي،‭ ‬إذ‭ ‬إنها،‭ ‬في‭ ‬أخص‭ ‬ما‭ ‬لهـــا‭ ‬من‭ ‬وجوه،‭ ‬‮«‬حــــوار‭ ‬بيــــن‭ ‬عالَمين؛‭ ‬خارجــــي،‭ ‬وداخلـــي‮»‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أنــــه‭ ‬يريـــد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تُشكّل‭ ‬‮«‬عالمًا‭ ‬جديدًا‮»‬‭ ‬بكونيةٍ‭ ‬رؤيــــوية‭ ‬تعتمـــد‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬الروح‮»‬‭ ‬و«تنازعات‭ ‬الفكر‮»‬‭.‬

وهو،‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬كما‭ ‬يُنصت‭ ‬للطبيعـــة‭ ‬بأصواتها،‭ ‬فإنه‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬تحتمي‭ ‬بأوتار‭ ‬نفسه‭ ‬حميمة‭ ‬الإيقاع،‭ ‬متلقيًّا‭ ‬منها‭ ‬أصداء‭ ‬عالمه‭ ‬الداخلي‭... ‬واصفًا‭ ‬الرسوم،‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬علاقته‭ ‬هذه،‭ ‬بكونها‭ ‬‮«‬مقاومة‮»‬‭ ‬للذات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الوجود‭. ‬

لذلك‭ ‬نجده‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُبقيها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ - ‬أرضه‭ ‬التي‭ ‬يغشاها‭ ‬بأحلامه‭ ‬ورؤاه‭ - ‬وهي،‭ ‬بدورها،‭ ‬تمنحه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬العطاء‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬عمل‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬قد‭ ‬عرف‭ ‬‮«‬محطات‮»‬‭ ‬مثّلتْ‭ ‬انتقالات‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الشكل،‭ ‬وتوظيفات‭ ‬اللون‭ ‬ـ‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬معرضه‭ ‬الجديد‭ (‬2018‭) ‬ـ‭ ‬فهو‭ ‬يعدّ‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬لقاءً‭ ‬متجدِّداَ‭ ‬‮«‬مع‭ ‬مادية‭ ‬نُغيّر‭ ‬فيها‭ ‬كما‭ ‬تُغيّر‭ ‬فينا‮»‬،‭ ‬معتمدًا‭ ‬ما‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬اختزالًا‭ ‬للزمن‮»‬‭... ‬غايته‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يُشكل‭ ‬مسيرته‭ ‬الفنية،‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬بخطوات‭ ‬متعاقبة‭ ‬تعتمد‭ ‬‮«‬التطور‭ ‬المدروس‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬القفز‭ ‬على‭ ‬‮«‬الحواجز‭ ‬الشكلية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تضيف‭ ‬للعمل‭ ‬الفني‭ ‬بُعدًا‭ ‬إبداعيًّا‭ ‬حقيقيًّا،‭ ‬أو‭ ‬خصائص‭ ‬هي‭ ‬خلاصة‭ ‬ذات‭ ‬المبدع‭.‬

 

رؤية‭ ‬كونية

علاقة‭ ‬عمله‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬الحيــاة‭ ‬والـــواقـع‭ ‬تُفضي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬رؤيــــة‭ ‬كونيــــة‭ ‬تتشكل،‭ ‬بفضـــاءاتها‭ ‬وإيقـــاعاتها،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬عمله،‭ ‬كما‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬فنــي،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ولد‭ ‬ولادة‭ ‬جنــينيّة‭ ‬فإنه‭ ‬سيكبر،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬كَبُرَ‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬نموّ‭ ‬متواصلة،‭ ‬حتى‭ ‬أنه،‭ ‬وهو‭ ‬ينظره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يتجلى‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الكون‭ ‬كامن‭ ‬فينـــا،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬حركاتنا،‭ ‬التي‭ ‬تُحدث‭ ‬الطاقــة‭ ‬وتَهب‭ ‬الريح‭ ‬وتبثّ‭ ‬الحــرارة‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬الشاهد‭ ‬الذي‭ ‬يجسّد‭ ‬حقيقة‭ ‬الإحساس،‭ ‬ويُعبّر‭ ‬عنه،‭ ‬ملخصًا‭ ‬مسيرة‭ ‬استجابــــاته‭ ‬هذه‭ ‬فـــي‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬العضــوي‭ ‬إلى‭ ‬اللاعضــوي،‭ ‬ومن‭ ‬الصلب‭ ‬إلى‭ ‬السائـــل،‭ ‬ومــن‭ ‬المادي‭ ‬إلى‭ ‬ضدّه،‭ ‬ومن‭ ‬الطاقـــة‭ ‬المتراكمة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬إلـــى‭ ‬‮«‬الحركة‭ ‬المتحرّرة‭ ‬والفضاءات‭ ‬الدينامية‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬المعتم‭ ‬الداكن‭ ‬إلى‭ ‬المضيء‭ ‬الشفاف،‭ ‬ومن‭ ‬الانطواء‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الخارج‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬نجده‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الداخل‭ - ‬حيث‭ ‬الذات‭ ‬فيما‭ ‬تعقد‭ ‬من‭ ‬تواصلات‭ ‬حيّة‭ - ‬عاقدًا‭ ‬صلته‭ ‬بعالم‭ ‬الخارج‭, ‬ويتمثل‭ ‬هذا‭ ‬بما‭ ‬يفتح‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ ‬حركة‭ ‬مستقبلية‭ ‬بتفاعل‭ ‬حي‭ ‬مع‭ ‬الحاضر‭.‬

فهو‭ ‬فنان‭ ‬رؤى‭ ‬وأفكـــار،‭ ‬وفـــي‭ ‬هذا‭ ‬يجد‭ ‬نفسه،‭ ‬كما‭ ‬يجده‭ ‬من‭ ‬قرأ‭ ‬عمله‭ ‬قراءة‭ ‬نقــــدية،‭ ‬فنانًا‭ ‬يعود،‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأصول‮»‬‭ ‬التي‭ ‬هي،‭ ‬عنده،‭ ‬أصول‭ ‬ارتباط‭ ‬بالفعل‭ ‬الفنــــي،‭ ‬مشكِّلة‭ ‬من‭ ‬خــلال‭ ‬ذلك‭/ ‬وبه‭ ‬حركتين؛‭ ‬تاريخية‭ ‬وإبداعية،‭ ‬منسوجتين‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬كوني‭ ‬رحب‭ ‬الفُسحة‭. ‬

فهو‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬حالات‭ ‬متعينة‭ ‬التكوين‭ (‬البحر‭ ‬والسفائن‭ ‬فيه،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وكما‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬له‭ ‬بهذا‭ ‬التكوين‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬يُحركها‭ ‬حركة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬بفعل‭ ‬حركية‭ ‬خياله‭.‬

 

الخط‭ ‬والتكوينات‭ ‬الحروفية

وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أعماله‭ ‬ما‭ ‬اعتمد‭ ‬طابعًا‭ ‬زخرفيًّا‭ ‬في‭ ‬تكوينه،‭ ‬فإن‭ ‬تحولاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬أخذت،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجريد‭/ ‬وبه،‭ ‬نزوعًا‭ ‬تعبيريًّا‭ ‬خاصًّا‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الخط‮»‬‭ ‬و«التكوينات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يؤلفها،‭ ‬سواء‭ ‬بأبعاد‭ ‬بَصَريّة‭ ‬أم‭ ‬بمعطيات‭ ‬تشكيلية‭ ‬يقف‭ ‬وراءها‭ ‬‮«‬الإحساس‮»‬‭ ‬و«الشعور‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬الكتلة‭ ‬التكوينية‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬خطوط‭ ‬محكمة،‭ ‬لها‭ ‬حمولاتها‭ ‬الدلالية،‭ ‬فإن‭ ‬اعتمد‭ ‬فيها‭ ‬اللون‭ ‬الأسود،‭ ‬فلكي‭ ‬يجعل‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬‭ ‬فراغات‭ ‬البياض‮»‬‭ ‬فيها‭ ‬طاقة‭ ‬تعبيرية‭ ‬مضافة،‭ ‬محققًا‭ ‬منحى‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الإبداعي‭ ‬القائم،‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬هذا،‭ ‬على‭ ‬اختزال‭ ‬‮«‬فسحات‭ ‬التكوين‮»‬‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭/ ‬فكرة‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬مكثفة‭ ‬التكوينات‭. ‬

فالحركة‭ ‬هي‭ ‬العنصر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬له‭ ‬دلالته‭ ‬البَصَريّة‭ ‬التي،‭ ‬بدورها،‭ ‬تجعل‭ ‬للخطوط،‭ ‬كما‭ ‬للحروف،‭ ‬خاصيتها‭ ‬الرمزية‭ ‬والفنية‭ ‬معًا‭. ‬فزخرفيته‭ ‬‮«‬زخرفية‭ ‬جمالية‮»‬،‭ ‬ذات‭ ‬حيوية‭ ‬تعبيرية‭ ‬لها‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬التكويني‭ - ‬التشكيلي‭ ‬للوحة‭. ‬

فضلًا‭ ‬عن‭ ‬هذا،‭ ‬فهو‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬يُطلِق‭ ‬عليه،‭ ‬هو‭ ‬نفسه،‭ ‬‮«‬فنًا‭ ‬إحداثيًا‮»‬،‭ ‬يستجيب‭ ‬فيه‭ ‬لإدراكه‭ ‬العالم‭ ‬إدراك‭ ‬حس‭ ‬وإحساس‭.‬

فهذا‭ ‬الفنان‭ ‬كما‭ ‬أنشأ‭ ‬حداثته‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬المتعيّن‭ ‬بحالات،‭ ‬وفي‭ ‬أشكال‭ ‬وصيغ‭ ‬تعبير،‭ ‬نجده‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُجدد‭ ‬هذه‭ ‬الحداثة‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬لعمله‭ ‬الفني،‭ ‬المتوثِّب‭ ‬بها،‭ ‬من‭ ‬تشكلات‭ - ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خطوط‭ ‬متداخلة،‭ ‬ومتمازجة،‭ ‬أو‭ ‬منزاحة‭ ‬من‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تشكّل‭ ‬من‭ ‬تكوين‭, ‬فإن‭ ‬نحى‭ ‬بها‭ ‬منحىً‭ ‬تجريديًّا،‭ ‬فللتجريد‭ ‬عنده‭ ‬عوالمه‭ ‬التخييلية‭ ‬التي‭ ‬تتجلى‭ ‬فيما‭ ‬للوحته‭/ ‬عمله‭ ‬الفني‭ ‬من‭ ‬تكوينات‭ ‬قلقة‭.‬

 

دوران‭ ‬تصاعدي

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينسب‭ ‬فنّه‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬التي‭ ‬وجدها‭ ‬غير‭ ‬قارئ‭ ‬لعمله،‭ ‬متجلية‭ ‬بتوهج‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭ (‬لوحته‭)‬،‭ ‬فهي،‭ ‬كما‭ ‬رآها‭ ‬فنان‭ ‬آخر‭ (‬الحبيب‭ ‬بيده‭) ‬تدور‭ ‬‮«‬به‭ ‬دورانًا‭ ‬تصاعديًا‭ ‬نحو‭ ‬مطلق‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬فيه‭ ‬صُحبة‭ ‬ملائكة‭ ‬جعلها‭ ‬الخالق‭ ‬مبدأ‭ ‬خَلْقه‮»‬‭. ‬فإذا‭ ‬هو،‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬مبدع‭ ‬لعوالم‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬ليس‭ ‬بما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مباشر،‭ ‬وإنما‭ ‬بإحساسه‭ ‬بما‭ ‬يتراءى‭ ‬له‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬‮«‬أشكال‮»‬‭ ‬و«تكوينات‮»‬‭... ‬فهو‭ ‬يستجيب،‭ ‬عملًا،‭ ‬لما‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬داخله،‭ ‬هو‭ ‬الفنان،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬نزعة‭ ‬انطباعية‭ - ‬فمهمة‭ ‬الفنان‭ ‬فيها،‭ ‬وفق‭ ‬رؤيته،‭ ‬‮«‬مراقبة‭ ‬الخارج‮»‬‭. ‬وبهذا‭ ‬فهو‭ ‬يُقدّم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نُطلقَ‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬نسيج‭ ‬شراكة‮»‬‭ ‬بينه‭ ‬‮«‬ذاتًا‮»‬،‭ ‬وبين‭ ‬‮«‬الشكل‮»‬‭ ‬مجسَّدًا‭ ‬تجسيدًا‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬التعبير‭ ‬والتجريد‭ ‬في‭ ‬‮«‬سُلَّمٍ‭ ‬إيقاعي‮»‬‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬تجسيدات‭ ‬‮«‬السُّلّم‭ ‬الموسيقي‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬يعقّد‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬وتواصل‭ ‬مع‭ ‬المُعطى‭ ‬ـ‭ ‬معطى‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يتمثّل‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬حقيقة‭ ‬العالم‮»‬‭.‬

وسواء‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التي‭ ‬قبلها،‭ ‬نجده‭ ‬دائم‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تغذية‭ ‬أسلوبه‭ ‬التشكيلي‭ ‬بمقومات‭ ‬تقنية‭ ‬تمنحه‭ ‬قدرة‭ ‬التفاعل‭ ‬لإنتاج‭ ‬‮«‬الجمالي‮»‬‭ ‬في‭ ‬بُعد‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬البُعد‭ ‬المتداول‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬فنيّة‭ ‬أخرى‭.‬

فهو‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬لوحته‭ ‬بؤرة‭ ‬قابلة‭ ‬للتركيب،‭ ‬مطوِّعًا‭ ‬مادته‭ (‬الخط،‭ ‬واللون،‭ ‬والرموز‭ ‬الزخرفية،‭ ‬أو‭ ‬العلامات‭ ‬الحروفية‭) ‬تطويعَ‭ ‬تجديد‭ ‬لما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬إشارات‭ ‬تنتظم‭ ‬في‭ ‬أنساق‭ ‬تكوينية‭ ‬فيها‭ ‬تكثيف‭ ‬لرؤيته‭/ ‬رؤياه،‭ ‬مخاطبًا‭ ‬بها‭ ‬البصر‭ ‬والإحساس‭.‬

 

الثقافة‭ ‬وبراعة‭ ‬الإبداع

بقي‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬فنان‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬الفنية‭ ‬ذات‭ ‬التكوين‭ ‬النظري،‭ ‬والبراعة‭ ‬الإبداعية‭ (‬الاحترافية‭)... ‬وهو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬يُجدد‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬فاتحًا‭ ‬باب‭ ‬الإضافة‭ ‬المتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬الفن،‭ ‬يرفدها‭ ‬بما‭ ‬توفّر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬تكوينية‭ ‬تتصل‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬بيئي‭ - ‬مجتمعي،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬فنانًا‭ ‬له‭ ‬خصوصيته‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬تتجلى،‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تتجلى،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬البُعد‭ ‬الإيقاعي‮»‬‭ ‬لتكويناته‭ ‬التشكيلية،‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه،‭ ‬عملًا‭ ‬فنيًّا،‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الفنان‭ ‬الباحث‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬دائب‭ ‬التطوير‭ ‬لكشوفاته‭ ‬الرؤيوية‭ ‬بنضج‭ ‬وإدراك‭ ‬تشكيلي‭ ‬يمارسه‭ ‬بضرب‭ ‬من‭ ‬‮«‬الإنشائية‭ ‬البارعة‮»‬‭ ‬حسًّا‭ ‬وإحساسًا‭ .

أكريليك‭ ‬على‭ ‬توال‭ ‬150‭ ‬x 150‭ ‬cm‭ ‬

أكريليك‭ ‬على‭ ‬خشب‭ ‬80‭ ‬x 80‭ ‬cm‭ ‬