إلى أن نلتقي أنور الياسين

إلى أن نلتقي

الحاخام والتيس (!)

كبير الحاخامات اليهود في مدينة نيويورك الأمريكية عمره 91 عاما واسمه مناحيم شنيرسون. أثار هذا الحاخام ضجة ما زالت أصداؤها تتفاعل في أسواق المال، بدءا من نيويورك وصولا إلى استراليا مرورا بلندن، عندما قرر أن يمنح "البركة" لشركة يهودية على وشك الإفلاس، فقفز سعر السهم فيها وخلال أسبوع واحد من 4 دولارات إلى 16 دولارا (!)، قالوا إنها "معجزة" (!).

والقصة، كما نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية المتخصصة بقضايا المال والأعمال، تستحق أن نتوقف عندها لنعقد مقارنة سريعة بين حاخام يرى في بناء الاقتصاد اليهودي طريقا إلى الجنة، ورجال دين في عالمنا الإسلامي يعتبرون أن تدمير الاقتصاد الوطني لدولهم هو أقرب طريق إلى الجنة (!).

تقول "وول ستريت" إن شركة "غريت سنترال" يملكها اليهودي الأمريكي "جوزيف غوتنيك" وقد حصلت من الحكومة الأسترالية على حق التنقيب عن الذهب والأحجار الكريمة في منطقة "نابارو" في أستراليا. وخلال أعوام فشلت الشركة في العثور على أية "ثروة" تدفع عنها الإفلاس، إلى أن خرج غوتنيك على الناس بشريط فيديو، يبدو فيه الحاخام الكبير محاطا بمجموعة من الملتحين اليهود بملابسهم السوداء، وهو يشير بإصبعه إلى منطقة نابارو في استراليا، ومع الصورة يخرج صوت غوتنيك ليقول: الحاخام باركني، قال إنني، وخلال 6 أشهر، سوف أصيب نجاحا كبيرا، أي أن هناك ثروة بانتظاري.

واستفاقت أستراليا ومعها بريطانيا وأمريكا يوم 3 مارس الماضي لتشاهد "المعجزة" وهي أن الشركة ضربت رقما قياسيا في مبيعات الأسهم وتضاعف سعر السهم 4 مرات. وتعلق الصحيفة "ليست أسعار الأسهم وحدها هي ما يثير الدهشة" لأن "البورصة" تحولت إلى مجموعات من المؤمنين بوقوع المعجزة نتيجة بركة الحاخام (!).

بالطبع يمكن الاستنتاج بسهولة أن الحاخام عندما يتحول إلى سمسار فإن القضية برمتها تدخل في باب النصب والاحتيال، وتعيدنا إلى أيام تسويق "صكوك الغفران" في روما الكاثوليكية. ولكن ما يدعو إلى الدهشة أنه في عصر الاتصالات والتكنولوجيا ومراكز المعلومات، فإن "بركة" رجل دين تكاد تلغي العقل في أسواق المال التي لا تقوم إلا على الأرقام والحسابات والرياضيات، وهو ما يذكرنا بقصة ذلك "التيس" - ذكر الماعز - الذي ظهر في بلد عربي وقيل إن حليبه يشفي من العقم ومن العنة ويجعل النساء تلد توائم، فاندفع الناس من كل حدب وصوب، وجاءوا من دول عربية أخرى، ليحلبوا التيس (!)، وضاق صدر محافظ المنطقة فأمر بذبح التين "قبل أن نشاهد ولادة حزب.. للتيوس".

.. ويبدو أن الحاخام كان أكثر شطارة فهو من أجل إنقاذ الاقتصاد اليهودي.. قرر تحويل التيوس إلى حزب عالمي (!).

 

أنور الياسين