الوحدة والحياة دون ترك أثر

الوحدة والحياة دون ترك أثر

على‭ ‬مدار‭ ‬ساعة‭ ‬و49‭ ‬دقيقة،‭ ‬طافت‭ ‬بنا‭ ‬المخرجة‭ ‬ديبرا‭ ‬غرانيك‭ ‬عبر‭ ‬فيلم‭ ‬Leave‭ ‬No‭ ‬Trace‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تترك‭ ‬أثرًا‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إنتاجه‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬والذي‭ ‬قامت‭ ‬ببطولته‭ ‬الممثلة‭ ‬النيوزيلندية‭ ‬توماسين‭ ‬ماكنزي‭.‬

أدت‭ ‬توماسين‭ ‬دورها‭ ‬ببراعة‭ ‬وبراءة،‭ ‬مما‭ ‬جعلنا‭ ‬نتعاطف‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭ ‬حين‭ ‬اتخذت‭ ‬قرار‭ ‬ترك‭ ‬والدها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحياة‭ ‬الصحيَّة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يتعايش‭ ‬فيه‭ ‬الناس‭ ‬بمودَّة‭ ‬وصُحْبة‭ ‬طيبة‭ ‬وسط‭ ‬الطبيعة‭.‬

لم‭ ‬نفقد‭ ‬التعاطف‭ ‬الذي‭ ‬قدّمه‭ ‬الممثل‭ ‬بن‭ ‬فوستر،‭ ‬فالحقّ‭ ‬أنه‭ ‬أدخلنا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الوحدة‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬طلَّة‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬فكلّ‭ ‬ملامحه‭ ‬تشي‭ ‬بأنه‭ ‬وحيـــد،‭ ‬وأن‭ ‬داخلــــه‭ ‬صراعات‭ ‬لا‭ ‬يعالجها‭ ‬سوى‭ ‬الوحدة‭ ‬والتوحُّد‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬والطبيعة،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬مفردات‭ ‬الطبيعة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬وكأنه‭ ‬ابن‭ ‬هذه‭ ‬الأشجار،‭ ‬فعندما‭ ‬كانت‭ ‬ابنته‭ ‬توم‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬البرودة،‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬ملابسها‭ ‬بعض‭ ‬الحشائش‭ ‬كي‭ ‬تمتصّ‭ ‬منها‭ ‬الرطوبة‭.‬

الفيلم‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الأب‭ ‬وابنته،‭ ‬جميع‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأخرى‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬فعَّال،‭ ‬كلها‭ ‬شخصيات‭ ‬ثانوية،‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬ملامح‭ ‬خاصة،‭ ‬ولا‭ ‬يظهر‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬عمق،‭ ‬الفيلم‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬الوحدة،‭ ‬ونَجَحَ‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬مشاعر‭ ‬الوحدة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الأب‭ ‬يعانيها،‭ ‬وكانت‭ ‬الفتاة‭ ‬تتعايش‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الفيلم،‭ ‬لكنها‭ ‬غيَّرت‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها‭ ‬حين‭ ‬اختلطت‭ ‬بالناس،‭ ‬ورأت‭ ‬حياة‭ ‬أخرى،‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تحيا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬راق‭ ‬لها،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬وظل‭ ‬الوحيد‭ ‬وحيدًا‭.‬

في‭ ‬البدء‭ ‬نجد‭ ‬الفتاة‭ ‬تتحرَّك‭ ‬وحـــدها‭ ‬وسط‭ ‬الخُضْرَة،‭ ‬ثم‭ ‬تظهــــر‭ ‬عنكبوت‭ ‬تحاول‭ ‬نسج‭ ‬شباكها،‭ ‬متمنيًّة‭ ‬اصطياد‭ ‬فريسة،‭ ‬وإذا‭ ‬بالأب‭ ‬يظهر‭.‬‭ ‬

الفيلم‭ ‬يحاول‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬التصريح‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬لحظة‭ ‬قَنْص،‭ ‬لحظة‭ ‬صيد‭ ‬سوف‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما،‭ ‬عنكبوت‭ ‬ما‭ ‬تترصَّد،‭ ‬هل‭ ‬العنكبوت‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬الأب‭ ‬وابنته‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المنتزه‭ ‬للحياة‭ ‬وسط‭ ‬الناس؟‭ ‬هل‭ ‬العنكبوت‭ ‬هي‭ ‬الوحدة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬اقتنصت‭ ‬الأب‭ ‬وأوقعته‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬ترك‭ ‬العالم‭ ‬والحياة‭ ‬وحيدًا‭ ‬مع‭ ‬ابنته؟‭ ‬

 

حياة‭ ‬صافية

الفيلم‭ ‬يدخل‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬بسيطة،‭ ‬حياة‭ ‬بدائية‭ ‬صافية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التعقيدات،‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬جانب‭ ‬الوحدة‭ ‬مع‭ ‬الذات،‭ ‬والتوحُّد‭ ‬مع‭ ‬الروح‭ ‬دون‭ ‬الانشغال‭ ‬بالعالم‭ ‬الآخر،‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬يمثّل‭ ‬ضغطًا،‭ ‬فالنار‭ ‬تُوقَد‭ ‬بإشعال‭ ‬أعشاب‭ ‬جافة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬احتكاك‭ ‬يعطي‭ ‬شرارة،‭ ‬والطعام‭ ‬بيض‭ ‬مسلوق‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬الخشب،‭ ‬والماء‭ ‬يتم‭ ‬اصطياده‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حاجز‭ ‬قماشي‭ ‬سميك‭.‬

ربما‭ ‬تتعاطف‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬البدائية‭ ‬البسيطة،‭ ‬وتتمنَّى‭ ‬أن‭ ‬تنام‭ ‬داخل‭ ‬خيمة‭ ‬في‭ ‬العراء‭ ‬لا‭ ‬تشغل‭ ‬بالك‭ ‬بهموم‭ ‬العالم،‭ ‬وتَدْخُلك‭ ‬الوحدة‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تُفْلِح‭ ‬الكاميرا‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬بَسْمة‭ ‬له‭ ‬طوال‭ ‬الفيلم‭ ‬سوى‭ ‬مرات‭ ‬معدودة‭. ‬نرى‭ ‬أول‭ ‬ابتسامة‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬حين‭ ‬تصنع‭ ‬توم‭ ‬طعامًا‭ ‬يمتدحه‭ ‬والدها‭ ‬ويقول‭ ‬هذا‭ ‬جيد،‭ ‬ساعتها‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬توم‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬قلبها‭ ‬امرأة‭ ‬صغيرة‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬نمتدحها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬البطل‭ ‬يستخدم‭ ‬بعض‭ ‬الأدوات‭ ‬الحديثة‭ ‬كملابسه‭ ‬وسِكِّينه‭ ‬الجديد،‭ ‬والكشّاف‭ ‬الذي‭ ‬يستخدمه‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬الليل،‭ ‬والكتب‭ ‬نفسها،‭ ‬وفرن‭ ‬الغاز،‭ ‬إلا‭ ‬أنك‭ ‬تشعر‭ ‬أنك‭ ‬عُدْتَ‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬فائت،‭ ‬وأنك‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬تستمتع‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تجود‭ ‬به‭.‬

 

شهيّة‭ ‬مفتوحة

وسط‭ ‬هذه‭ ‬الشاعرية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجرحها‭ ‬سوى‭ ‬الكآبة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬البطل،‭ ‬يظهر‭ ‬صوت‭ ‬المنشار‭ ‬فجأة‭ ‬يخترق‭ ‬الهدوء،‭ ‬يُحِيل‭ ‬المشاهد‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والترقُّب‭.‬

استطاعت‭ ‬المخرجة،‭ ‬بمهارة،‭ ‬أن‭ ‬تمنحنا‭ ‬المتعة‭ ‬مع‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وأن‭ ‬تُدخلنا‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأشجار‭ ‬والخُضْرَة‭ ‬البسيطة‭ ‬المحبوبة،‭ ‬وغَلَبَ‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬الشاعري‭ ‬على‭ ‬مشاهد‭ ‬الفيلم،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬ناجحًا،‭ ‬لكن‭ ‬الأخضر‭ ‬يختفي‭ ‬حين‭ ‬يخرج‭ ‬الأب‭ ‬وابنته‭ ‬للمدينة‭ ‬لشراء‭ ‬الطعام؛‭ ‬لأن‭ ‬الفتاة‭ ‬شهيتها‭ ‬مفتوحة‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الطعام‭ ‬لتنمو،‭ ‬وجاء‭ ‬الرمادي‭ ‬المتوتر،‭ ‬وتغيَّرت‭ ‬الحالة‭ ‬الشاعرية‭.‬

‭ ‬نرى‭ ‬الأب‭ ‬يُعَلِّم‭ ‬ابنته‭ ‬التَّخفي‭ ‬وكأنه‭ ‬يمارس‭ ‬فِعلًا‭ ‬خاطئًا،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬هارب‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يطارده،‭ ‬عنكبوت‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬اصطياده،‭ ‬وحين‭ ‬يتم‭ ‬اكتشافهما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأب،‭ ‬وتنجح‭ ‬الفتاة‭ ‬في‭ ‬التَّخفي،‭ ‬فيطلب‭ ‬منها‭ ‬الأب‭ ‬الظهور‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتركها‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬المنتزه‭ ‬وكي‭ ‬لا‭ ‬يفترقان‭.‬

تفلت‭ ‬نصف‭ ‬ابتسامة‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬حين‭ ‬تقول‭ ‬الفتاة‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬لونها‭ ‬المفضل‭ ‬هو‭ ‬الأصفر،‭ ‬وإن‭ ‬أمها‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬تحب‭ ‬هذا‭ ‬اللون،‭ ‬وهنا‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬الأم‭ ‬ماتت،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬وحدة‭ ‬الأب‭ ‬وطلبه‭ ‬للوحدة‭ ‬بسبب‭ ‬فقد‭ ‬الأم،‭ ‬وأن‭ ‬الأب‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬العنكبوت‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬اصطياد‭ ‬الوحدة‭.‬

 

الأرنب‭ ‬الهارب

عندما‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬عليهما‭ ‬ويحصلان‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬الغابة،‭ ‬وتختلط‭ ‬الفتاة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬البسيط،‭ ‬تقابل‭ ‬شابًّا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أرنب‭ ‬هارب،‭ ‬تلمس‭ ‬الأرنب،‭ ‬وتحتضنه،‭ ‬وتبدأ‭ ‬ملامحها‭ ‬ترتاح‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬ويغزوها‭ ‬الرضا،‭ ‬نرى‭ ‬توم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬تشعر‭ ‬بالراحة‭ ‬والأمن،‭ ‬بدأت‭ ‬تشعر‭ ‬بأن‭ ‬حياتها‭ ‬السابقة‭ ‬لا‭ ‬تناسبها،‭ ‬أعطتنا‭ ‬توماسين‭ ‬ماكنزي‭ ‬بتعبيرات‭ ‬وجهها‭ ‬هذا‭ ‬الارتياح‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭.‬

أما‭ ‬الأب‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعــــود‭ ‬كما‭ ‬كان،‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬كانـــت،‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬المسكن‭ ‬حَبَسَــــــه،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬أخفى‭ ‬التلفـــــزيون‭ ‬في‭ ‬اللحظــــة‭ ‬الـــتـــي‭ ‬دخل‭ ‬فيهــــا‭ ‬البيـــت،‭ ‬يريد‭ ‬ألا‭ ‬يتصل‭ ‬بالعالم،‭ ‬ثم‭ ‬نام‭ ‬جوار‭ ‬ابنته‭ ‬خــــارج‭ ‬المنزل‭ ‬على‭ ‬حشــائش‭ ‬الأرض؛‭ ‬كي‭ ‬يشـــعر‭ ‬بالعــــراء‭ ‬والكون‭ ‬المفتوح‭ ‬الذي‭ ‬يحبه‭. ‬

أَعَدَ‭ ‬حقيبته‭ ‬وأخذ‭ ‬ابنته‭ ‬ورحل‭ ‬إلى‭ ‬الغابة‭ ‬في‭ ‬مغامرة‭ ‬أخرى‭ ‬للتخفي،‭ ‬تصاب‭ ‬توم‭ ‬بجرح‭ ‬في‭ ‬يدها،‭ ‬وهذا‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬شيئًا‭ ‬ما‭ ‬داخل‭ ‬الفتاة‭ ‬قد‭ ‬جُرح،‭ ‬لقد‭ ‬جَرَحَتْها‭ ‬الوحدة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيشها‭ ‬مع‭ ‬والدها،‭ ‬هي‭ ‬الآن‭ ‬تريد‭ ‬الشفاء‭ ‬من‭ ‬الوحدة‭.‬

ويحصلان‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬معزول‭ ‬تحبه‭ ‬الفتاة،‭ ‬ويصاب‭ ‬الأب‭ ‬فيأخذه‭ ‬أناس‭ ‬يعطونه‭ ‬منزلًا‭ ‬مريحًا،‭ ‬لكنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أفاق‭ ‬من‭ ‬الإصابة‭ ‬أصرَّ‭ ‬على‭ ‬الرحيل،‭ ‬وتَرْك‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬دَفَعَتْ‭ ‬توم‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬ثمن‭ ‬إيجاره‭ ‬حتى‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬والدها‭ ‬بصفة‭ ‬دائمة،‭ ‬لكنّه‭ ‬رفض،‭ ‬وأخذ‭ ‬حقيبته‭ ‬وتوم‭ ‬معه،‭ ‬وسار‭ ‬للغابة‭.‬

وعندما‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬الغابة‭ ‬مَرَّة‭ ‬أخرى،‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬توم‭ ‬بصراحة‭: ‬أعجبتني‭ ‬الإقامة‭ ‬هناك،‭ ‬كانت‭ ‬توم‭ ‬حزينة‭ ‬لأنها‭ ‬تركت‭ ‬جدران‭ ‬الأمان‭ ‬والراحة،‭ ‬سألت‭ ‬والدها‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬محاولته‭ ‬للتأقلم‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬أناس‭ ‬طيبين‭: ‬هل‭ ‬حاولتَ‭ ‬حتى؟‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬هدف‭ ‬الفيلم‭ ‬بقوة‭: ‬لماذا‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك؟‭ ‬

 

مِفْصَل‭ ‬الفيلم

لم‭ ‬تكــن‭ ‬لـــدى‭ ‬توم‭ ‬أي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الحيـــاة‭ ‬بهــــذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬وقالتها‭ ‬صريحة‭: ‬أنا‭ ‬أحب‭ ‬العيش‭ ‬هنا‭. ‬لكنّه‭ ‬يأخذها‭ ‬ويرحل،‭ ‬فتتوقف‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬وتتردَّد‭ ‬قائلة‭: ‬أنتَ‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لستُ‭ ‬أنا،‭ ‬الخَطْب‭ ‬الذي‭ ‬تُعَانيه‭ ‬لا‭ ‬أعانيه‭ ‬أنا‭.‬

وهنا‭ ‬يكون‭ ‬مِفْصَل‭ ‬الفيلم،‭ ‬فنحن‭ ‬الآن‭ ‬نتعاطف‭ ‬مع‭ ‬الفتاة،‭ ‬ونريدها‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬وسط‭ ‬الناس‭ ‬ووسط‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وندرك‭ ‬أن‭ ‬الأب‭ ‬لديه‭ ‬أزمة‭ ‬نفسية‭ ‬خطيرة،‭ ‬لديه‭ ‬رغبة‭ ‬قاسية‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬وترك‭ ‬العالم،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وحيدًا،‭ ‬إنها‭ ‬وحدة‭ ‬مرضيَّة،‭ ‬وتعود‭ ‬الفتاة‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬الكوخ،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحتضن‭ ‬والدها‭ ‬بعمق‭ ‬الفراق‭. ‬

لكن‭ ‬يبقى‭ ‬هناك‭ ‬رابــط‭ ‬بينها‭ ‬وبينه،‭ ‬فهي‭ ‬تذهب‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬تضع‭ ‬له‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬الشجرة،‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭ ‬يعيش‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬الغابة‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يندمج‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وحيدًا،‭ ‬في‭ ‬العـــراء،‭ ‬تحت‭ ‬خيمة‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬الشجــــر،‭ ‬يلتقط‭ ‬المــــاء‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬مباشرة،‭ ‬لا‭ ‬يتحدَّث‭ ‬لأحد،‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬وذاته‭. ‬

إنه‭ ‬يترجم‭ ‬معنى‭ ‬الفيلم،‭ ‬يريد‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬ويرحل‭ ‬كما‭ ‬جاء،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬لوجوده،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كطائر‭ ‬حُر،‭ ‬كحيوان‭ ‬بَرِّي،‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬وفي‭ ‬الطبيعة،‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬حوله،‭ ‬فقط‭ ‬وُجِدَ‭ ‬وسار‭ ‬وعاش‭ ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬أثرًا‭ .‬

 

الممثل‭ ‬بن‭ ‬فوستر‭ ‬وتوماسين‭ ‬ماكنزي‭ ‬ولقطة‭ ‬من‭ ‬الفيلم

استخدم‭ ‬الممثل‭ ‬بن‭ ‬فوستر‭ ‬مفردات‭ ‬الطبيعة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬وكأنه‭ ‬ابن‭ ‬هذه‭ ‬الأشجار