جمال العربية فاروق شوشة

جمال العربية

"من أساليب العصر"
تسربت إلى لغتنا العربية في العصر الحديث أساليب كثيرة، دخل بعضها بفعل الترجمة أو نتيجة للاحتكاك والتفاعل بين اللغات، أو لعلها بدأت طريقها من اللهجات العامية إلى الفصحى، بواسطة العاملين في أجهزة الاتصال بالجماهير كالصحافة والإذاعة والسينما والمسرح والتلفزيون. من هذه الأساليب التي شاعت على الألسنة والأقلام قولهم: أثر عليه، والمعروف أن فعل التأثير في اللغة العربية يتعدى بحرف الجر "في" فيقولون: أثر في نفسه لا أثر على نفسه.

وقولهم: قرأت المتنبي ودرست شيكسبير. فيعدون فعلي قرأ ودرس إلى الذات، وهما في العربية إنما يعديان إلى الآثار المكتوبة، فيقال: قرأت ديوان المتنبي ودرست آثار شيكسبير.

وهذه مختارات من الأساليب الشائعة الآن على ألسنة الكتاب وأقلامهم، وفي لغة الصحافة والتخاطب، وكلها بفعل الترجمة عن اللغات الأجنبية:

  • فلان يعمل ضد فلان.
  • هو يقتل الوقت بعمل كذا.
  • يمثل بلده في المحافل والمؤتمرات الرسمية.
  • هم عشرة على الأقل "أو على الأكثر".
  • أعطى رأيه في هذه القضية.
  • طرح المسألة على بساط البحث.
  • المسألة الآن تحت البحث والدراسة.
  • تكهرب جو السياسة.
  • بمثابة ذر الرماد في العيون.
  • يكسب خبزه بعرق جبينه.
  • لا يرى أبعد من أرنبة أنفه.
  • هو يلعب بالنار "أي يعرض نفسه للخطر".
  • لا جديد تحت الشمس.
  • أعطاه شيكا على بياض.
  • أعطاه صوته في الانتخابات.
  • هذه نقطة ارتكاز "أي قاعدة للعمل".
  • يقبض على دفة الأمور.
  • وضع النقط على الحروف "أي بين الأمر وأوضحه".
  • يلعب دورا في هذا الموضوع.
  • فلان يؤيده الشارع "أي يتمتع بتأييد الجماهير".
  • هو رجل الساعة.
  • كلمه بطرف شفتيه "أي باحتقار".
  • توترت العلاقات بين البلدين.
  • تلبد جو السياسة بالغيوم.
  • هو حجر عثرة في سبيل كذا.
  • يصطاد في الماء العكر.
  • يشرب على صحة فلان أو على شرف فلان "وقد شاع أخيرا تعبير: شرب نخب فلان".
  • يضحك ضحكة صفراء "أو صفراوية".
  • يفعل كذا بصفته كذا.
  • قال ذلك ببساطة.
  • لسان حالهم يقول "يتكلم بلسان الحال".
  • موضوع وارد أو غير وارد "أي داخل في نطاق البحث أو غير داخل".
  • ترجمة سطحية، معرفة سطحية، بحث سطحي.
  • دسائسه تغذي الفتنة.
  • تصفية المحل التجاري. التصفية القضائية.
  • هو عظيم بمعنى الكلمة "أو بكل معاني الكلمة".
  • تأنيب الضمير.. ضميره يوجعه أو يؤنبه "وفي القرآن الكريم تعبير: النفس اللوامة".
  • قام بالمساعي الحميدة.
  • نقد بريء.. كلمة شكر بريئة.
  • يفعل كذا على ضوء كذا.
  • لا محل له من الإعراب "أي أن وجوده غير طبيعي وغير لازم".
  • تأثر بمدرسة الفيلسوف فلان "ويراد بالمدرسة هنا مجموعة التعاليم والآراء التي أصبحت مذهبا له يميزه عن غيره".
  • يتمتع بالحصانة النيابية أو البرلمانية أو القضائية.
  • صاحب كرسي في الجامعة.
  • ترجم لفلان "أي كتب سيرته".
  • على قدم المساواة "بمعنى التسوية بين الأمرين".
  • مات ولم يعرف امرأة "أي أنه لم يتزوج".
  • حرق البخور أمامه - حرق بخور الثناء بين يديه "كناية عن المدح الذي يداخله نفاق أو مبالغة".
  • بشر بدينه أو تعاليمه - بشر بالآداب العربية في الغرب.
  • شريرة هي المرأة التي تفعل كذا.
  • ضحى على مذبح أغراضه وشهواته.
  • من له أذنان فليسمع.
  • أخذ زمام المبادرة.
  • صب عليه جام غضبه.
  • طلب يد فلانة "أي أراد الزواج بها".
  • أغرف التاجر السوق.
  • من أكبر العاملين في حقل الوطنية - حقل المصلحة الوطنية.
  • فلان دودة كتب.
  • أحيل على التقاعد.
  • اجتماع قمة.
  • أصاب عصفورين بحجر واحد.
  • أرضية الموضوع أو خلفية الموضوع.
  • استقطاب الجهود "أي جمعها وحشدها في اتجاه واحد".
  • إصلاح جذري أو علاج جذري.
  • إمكانية التعايش أو التواجد بين الأنظمة المختلفة.
  • ارتباط عضوي.
  • تصعيد الأزمة أو الموقف "أي دفعه إلى درجة أشد".
  • سيولة نقدية "أي العملات المتداولة".
  • ساعة الصفر.
  • تغطية الحوادث.
  • جمد المال في المصرف "أي منع إخراجه أو التصرف فيه".
  • فاتهم القطار "أي ضاعت عليهم الفرصة".
  • جلسوا إلى مائدة مستديرة.
  • كانوا على مستوى المسئولية.
  • نظر إلى المسألة من جميع أبعادها.
  • تبلورت الفكرة.
  • تذرف دموع التماسيح
  • يعمل على ضوء كذا أو في ضوء كذا.
  • يرفع رأس أمته عاليا.
  • يضرب الرقم القياسي في كذا.
  • جريا على خطته التقليدية.
  • هو فلان يستغل الموقف.
  • هو بمثابة كم يعمل "أي لا قيمة له" .
  • من الشخصيات البارزة.
  • رمى له القفاز، والتقط القفاز "كناية عن التحدي وقبول التحدي".

ولقد شاعت هذه الأساليب واستقرت، وأصبحت جزءا من ثروة لغتنا العربية وموصولها المتجدد، لأن هذه أدل على المعنى المقصود، وأكثر اقتصادا بالنسبة لذهن القارئ أو المستمع، وأقل تكلفا وتعقيدا، وأكثر التصاقا ويسرا بالنسبة لحياة الناس، وأجمل إيقاعا في الأذن والنفس، فضلا عن عدم مخالفتها لأصول اللغة وقواعدها.

والذي لا شك فيه أن لكل كاتب ذوقه في الاختيار والاستعمال، والنقد من وراء الأذواق بالتقييم والمتابعة، ولا ينبغي أن نقابل هذه الأساليب - من البعض - بالتشاؤم أو المعارضة، من منطلق الحرص على اللغة. لأن في هذا الموقف من الجمود والتحجر ما يؤدي باللغة إلى الموت، أو إلى العقم الذي هو ضرب من الموت.

صفحة شعر
"حكمة وعظة"
لعبيد بن الأبرص

المشهور عن الرواة أن معلقات العرب سبع، وأن أصحابها هم: امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، والحارث بن حلزة. وكلهم جاهليون، عاشوا حياتهم في الجاهلية، ما عدا لبيد بن ربيعة الذي عاش في الجاهلية وأدرك صدر الإسلام، ومات في أواخر خلافة معاوية بالكوفة.

لكن أبا زيد القرشي - صاحب جمهرة أشعار العرب - يحذف من هؤلاء المشهورين واحدا هو الحارث بن حلزة ويضيف إلى الباقين شاعرين هما: النابغة الذبياني والأعشى، فيكون المجموع ثمانية.

أما أبوزكريا التبريزي فيضيف إلى السبعة الأول ثلاثة هم: النابغة الذبياني والأعشى وعبيد بن الأبرص، فيكون المجموع عشرة.

وعبيد بن الأبرص - كما جاء عنه في كتاب "الروائع من الأدب العربي" بقلم الدكتور محمد مصطفى هدارة - من أقدم الشعراء الجاهليين، وينتمي إلى قبيلة "أسد" الذين كانوا يسكنون في شمالي الجزيرة العربية وكان أميرهم "حجر" والد امرئ القيس قبل أن يثوروا عليه ويقتلوه. ومعظم العلماء يضعونه في مرتبة الشعراء الفحول المقدمين. وأبرز ما في شعره الوصف وخاصة وصف الرياح والأمطار، وكذلك الحكمة التي يودع فيها تجارب حياته، والأحداث التي تعرضت لها قبيلته في عهده ومنها مقتل "حجر" أمير كندة ووالد امرئ القيس الشاعر الجاهلي الشهير.

وهذه الأبيات لعبيد بن الأبرص من القصيدة التي يعدها بعض العلماء القدماء من المعلقات، تعبر عن تجربة ذاتية عميقة في الحياة الإنسانية، وهو يبدؤها بلوم نفسه على العشق والسعي وراء اللذة بعد أن شاب وكبرت سنه، بعد أن صور في الأبيات الأولى من القصيدة عشقه وسعيه وراء النساء. وهو يصوغ حكمته عن الرحيل والفراق بأن هذا هو حال الدنيا، كل من بيده نعمة سوف يفقدها وكل من أمل في شيء سيأتيه يوم لا يتحقق فيه هذا الأمل. وعواطف الإنسان متغيرة، فمن تبغضه اليوم قد تحبه غدا، ومن تحبه اليوم قد لا تحبه غدا، وعلى العاقل ألا يتعرض لسؤال الناس فهم كثيرا ما يحرمونه ولا ينيلونه ما يشتهيه.

كل هذا في صياغة شعرية سلسة، لا تخلو من قوة وفحولة شعرية، هي قوة الجاهليين وفحولتهم المعهودة. يقول عبيد بن الأبرص في المعلقة التي مطلعها:

أقفز من أهله ملحوب

فالقطبيات فالذنوب

تصبو وأنى لك التصابي

أنى وقد راعك المشيب

إن يك حول منها أهلها

فلا بديء ولا عجيب

أو يك أقفر منها جوها

وعادها المحل والجدوب

فكل ذي نعمة مخلوسها

وكل ذي أمل مكذوب

وكل ذي إبل موروثها

وكل ذي سلب مسلوب

وكل ذي غيبة يئوب

وغائب الموت لا يئوب

أعاقر مثل ذات رحم

أو غانم مثل من يخيب

أفلح بما شئت فقد يدرك

بالضعف وقد يخدع الأريب

لا يعظ الناس من لا يعظ

الدهر ولا ينفع التلبيب

لا ينفع اللب عن تعلم

إلا السجيات والقلوب

فقد يعودن حبيبا شانئ

ويرجعن شانئا حبيب

ساعد بأرض إذا كنت بها

ولا تقل إنني غريب

قد يوصل النازح النائي وقد

يقطع ذو السهمة القريب

من يسأل الناس يحرموه

وسائل الله لا يخيب

بالله يدرك كل خير

والقول في بعضه تلغيب

والله ليس له شريك

علام ما أخفت القلوب

والمرء ما عاش في تكذيب

طول الحياة له تعذيب!.

 

فاروق شوشة