قواعد الملاحة العربية

قواعد الملاحة العربية

كتاب‭ ‬جديد‭ ‬صدر‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬انتظار‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬Arabian‭ ‬Publishing‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وعنوانه‭ ‬قواعد‭ ‬الملاحة‭ ‬العربية‭ (‬The‭ ‬Principles‭ ‬of‭ ‬Arabian‭ ‬Navigation‭)‬،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬تأليفه‭ ‬6‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬المختصين‭ ‬بالتراث‭ ‬البحري‭ ‬والملاحة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭.‬

وهو‭ ‬كتاب‭ ‬قيّم‭ ‬سيُغْني‭ ‬مكتباتنا‭ ‬لما‭ ‬يحتويه‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬غزيرة‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬البحري‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬بنهاية‭ ‬عصر‭ ‬الشراع،‭ ‬ومن‭ ‬واجب‭ ‬أجيالنا‭ ‬معرفته‭ ‬بتفاصيله‭ ‬وإحياؤه‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لأنه‭ ‬مكوّن‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬حضارتنا،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬واجبنا‭ ‬أن‭ ‬نبعث‭ ‬بها‭ ‬روحًا‭ ‬جديدة‭ ‬لكي‭ ‬ننهض‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬والفكرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ولذا‭ ‬تصبح‭ ‬ترجمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ "‬العربية‭" ‬أمرًا‭ ‬ضروريًّا‭.‬

يتكون‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬فصول‭ ‬ممتعة‭ ‬وغنية‭ ‬بالمعلومات‭ ‬تناول‭ ‬فيها‭ ‬المؤلفون‭ ‬الستة‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬والتاريخ‭ ‬البحري‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬عدة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الملحقات‭ ‬والحواشي‭ ‬المفيدة‭ ‬والخرائط‭ ‬والرسوم‭ ‬والصور،‭ ‬وجميعها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬راقٍ‭ ‬جدًا‭ ‬طباعة‭ ‬وإعدادًا‭. ‬

وهؤلاء‭ ‬المؤلفون‭ ‬هم‭ ‬د‭. ‬أنتوني‭ ‬كونستابل‭ (‬بريطانيا‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬حسن‭ ‬صالح‭ ‬شهاب‭ (‬اليمن‭)‬،‭ ‬
ود‭. ‬يعقوب‭ ‬يوسف‭ ‬الحجي‭ (‬الكويت‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬إريك‭ ‬ستايلز‭ (‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭)‬،‭ ‬وبول‭ ‬لوند‭ (‬بريطانيا‭)‬،‭ ‬والناشر‭ ‬وليام‭ ‬فاسي‭ (‬بريطانيا‭).‬

وقد‭ ‬شارك‭ ‬هؤلاء‭ ‬جميعًا‭ ‬بإخراج‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بأجمل‭ ‬صورة‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون‭.‬

وبعد‭ ‬مقدمة‭ ‬موجزة‭ ‬من‭ ‬الناشر‭ ‬وليام‭ ‬فاسي،‭ ‬يبدأ‭ ‬كونستابل‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬وعنوانه‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يشرح‭ ‬فيه‭ ‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬التقليدية‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬والهنود،‭ ‬وتطورها‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شاسعة‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬سواحل‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬مرورًا‭ ‬بسواحل‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشرقية‭ ‬والهند‭ ‬وسيلان‭ ‬وماليزيا‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬والجغرافيون‭ ‬والرحّالة‭ ‬والقباطنة‭ ‬الكبار‭ ‬ورسامو‭ ‬الخرائط‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬تطوّر‭ ‬علم‭ ‬الملاحة،‭ ‬وأهمية‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬لازدهار‭ ‬الحضارات‭ ‬وتواصل‭ ‬الشعوب‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭.‬

ومنذ‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬للملاحة‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بعلم‭ ‬الفلك‭ ‬ومراقبة‭ ‬النجوم‭ ‬والحسابات‭ ‬الرياضية،‭ ‬ومن‭ ‬الملاحة‭ ‬والأسفار‭ ‬البحرية‭ ‬والبرية‭ ‬والاستكشافات‭ ‬نشأ‭ ‬علم‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬ثم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭.‬

ويذكر‭ ‬المؤلف‭ ‬كيف‭ ‬انتقلت‭ ‬علوم‭ ‬القدماء‭ ‬من‭ ‬البابليين‭ ‬والكلدان‭ ‬وكذلك‭ ‬فينيقيا‭ ‬ومصر‭ ‬إلى‭ ‬اليونان‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬علوم‭ ‬الفلك‭ ‬والرياضيات‭ ‬والهندسة‭ ‬والملاحة،‭ ‬وتمكنوا‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬شرقًا،‭ ‬فطوّروا‭ ‬علم‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬بطليموس‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‭ (‬ق2‭ ‬ميلادي‭)‬،‭ ‬وألّف‭ ‬أهم‭ ‬كتب‭ ‬عصره‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬المجسطي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الفلك‭ ‬وكتاب‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬واستطاع‭ ‬بحساباته‭ ‬وقياساته‭ ‬الفلكية‭ ‬تحديد‭ ‬مواقع‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬مدينة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬عصره‭. ‬

وكان‭ ‬عالم‭ ‬الفلك‭ ‬اليوناني‭ ‬Hipparchus‭ ‬من‭ ‬قبله،‭ ‬وتوصل‭ ‬إلى‭ ‬ابتكار‭ ‬طريقة‭ ‬هندسية‭ ‬لتحديد‭ ‬خطوط‭ ‬العرض‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬الملاحين‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬مواقعهم‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬وتحديد‭ ‬وجهة‭ ‬سفنهم‭. ‬وقد‭ ‬استعمل‭ ‬العرب‭ ‬وكذلك‭ ‬الهنود‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬طويلة‭ ‬أداة‭ ‬بدائية‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬الكمال‮»‬‭ ‬لتحديد‭ ‬المواقع‭ ‬والاتجاهات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مراقبة‭ ‬النجوم،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬النجم‭ ‬القطبي‭ ‬بواسطة‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قطعة‭ ‬خشبية‭ ‬مستطيلة‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬يربط‭ ‬بها‭ ‬خيط‭ ‬سميك‭ ‬به‭ ‬عُقد‭ ‬تقاس‭ ‬بها‭ ‬الزاوية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬النجم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأفق،‭ ‬كما‭ ‬استخدم‭ ‬البحارة‭ ‬جداول‭ ‬وحسابات‭ ‬فلكية‭ ‬لمعرفة‭ ‬وجهتهم‭ ‬الصحيحة‭ ‬عبر‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات،‭ ‬ثم‭ ‬استعمل‭ ‬العرب‭ ‬البوصلة‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الصينيون‭ ‬قبلهم‭ ‬بقرون،‭ ‬ومن‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭. ‬

وفي‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬استُعمل‭ ‬الأسطرلاب‭ ‬في‭ ‬الأسفار‭ ‬البحرية،‭ ‬وابتكر‭ ‬الأوربيون‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أدوات‭ ‬مهمة‭ ‬للقياسات‭ ‬الفلكية‭ ‬البحرية،‭ ‬منها‭ ‬أداة‭ ‬الربع‭ ‬وأداة‭ ‬السدس‭ ‬لإجراء‭ ‬القياسات‭ ‬والحسابات‭ ‬الفلكية‭ ‬البحرية‭.‬

واستمر‭ ‬تطور‭ ‬علم‭ ‬الملاحة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬عصر‭ ‬السفن‭ ‬الشراعية،‭ ‬ودخلنا‭ ‬عصر‭ ‬أجهزة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بالحواسيب‭ ‬والرادارات‭ ‬والأقمار‭ ‬الاصطناعية‭.‬

وكانت‭ ‬الملاحة‭ ‬التقليدية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬بحارهم‭ ‬وفي‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بالرياح‭ ‬الموسمية‭ ‬التي‭ ‬تهب‭ ‬باتجاهين‭ ‬متعاكسين‭ ‬في‭ ‬فصلي‭ ‬الصيف‭ ‬والشتاء،‭ ‬فكانوا‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الصيف‭ ‬يبحرون‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬مع‭ ‬هبوب‭ ‬الرياح‭ ‬الجنوبية‭ ‬الغربية،‭ ‬ويعودون‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬مع‭ ‬هبوب‭ ‬الرياح‭ ‬الشمالية‭ ‬الشرقية،‭ ‬محمّلين‭ ‬بمختلف‭ ‬البضائع‭ ‬والمنتجات‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الاتجاهين،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬شهرة‭ ‬رحلتَي‭ ‬الشتاء‭ ‬والصيف‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭.‬

 

الملاحة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬والنجوم

في‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬وعنوانه‭ ‬‮«‬الملاحة‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬والنجوم‮»‬‭ ‬يقدم‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬شهاب‭ ‬عرضًا‭ ‬لأهم‭ ‬سمات‭ ‬الملاحة‭ ‬التقليدية‭ ‬عند‭ ‬العرب‭. ‬وهذا‭ ‬الفصل‭ ‬هو‭ ‬ترجمة‭ ‬لبحث‭ ‬له‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬في‭ ‬الملاحة‭ ‬عند‭ ‬العرب‮»‬‭. ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬للدكتور‭ ‬شهاب‭ ‬مؤلفًا‭ ‬آخر‭ ‬مهمًّا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬المراكب‭ ‬العربية‭... ‬تاريخها‭ ‬وأنواعها‮»‬‭.‬

ويشير‭ ‬د‭. ‬شهاب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مراقبة‭ ‬وقراءة‭ ‬السماء‭ ‬وحركة‭ ‬النجوم‭ ‬ورصدها‭ ‬مازالت‭ ‬تمارُس‭ ‬عند‭ ‬الأعراب‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬ومجموعات‭ ‬من‭ ‬البحّارة‭ ‬حول‭ ‬سواحل‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬وإفريقيا‭ ‬الشرقية،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬عصر‭ ‬السفن‭ ‬الشراعية،‭ ‬مازال‭ ‬هؤلاء‭ ‬يمارسون‭ ‬الأساليب‭ ‬والمعارف‭ ‬التقليدية‭ ‬والمتوارثة‭ ‬عبر‭ ‬العصور،‭ ‬وأهمها‭ ‬معرفة‭ ‬مواقع‭ ‬مطلَع‭ ‬ومغيب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬الأكثر‭ ‬وضوحًا،‭ ‬وأهمها‭ ‬النجم‭ ‬القطبي‭ ‬الشمالي‭.‬

وكان‭ ‬القدماء‭ ‬يستعملون‭ ‬أداة‭ ‬الكمال‭ ‬لتحديد‭ ‬مواقعهم‭ ‬واتجاه‭ ‬سفنهم‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النجوم‭ ‬وقياس‭ ‬مواقعها‭ ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬عندهم‭ ‬كوحدة‭ ‬قياس‭ ‬للزوايا،‭ ‬وهي‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الأصبع‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬استعمله‭ ‬العرب‭ ‬والهنود‭ ‬في‭ ‬حساباتهم‭ ‬ومقداره‭ ‬136‭ ‬تقريبًا،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬224‭ ‬أصبعًا‭ ‬تساوي‭ ‬366‭ ‬درجة،‭ ‬فيقيسون‭ ‬مطلع‭ ‬النجوم‭ ‬أمامهم‭ ‬ومغيبها‭ ‬خلفهم‭ ‬بواسطة‭ ‬‮«‬الكمال‮»‬‭ ‬ودرجات‭ ‬زوايا‭ ‬كل‭ ‬مطلع‭ ‬وكل‭ ‬مغيب‭ ‬فوق‭ ‬الأفق‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الأصبع‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬يمكنهم‭ ‬معرفة‭ ‬مواقعهم‭ ‬واتجاههم‭ ‬الصحيح‭ ‬عند‭ ‬مراجعة‭ ‬جداول‭ ‬خاصة‭ ‬بالملاحة‭ ‬لقياس‭ ‬وحساب‭ ‬حركة‭ ‬النجوم‭ ‬هذه،‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬يستغني‭ ‬عنها‭ ‬ربابنة‭ ‬السفن‭ ‬الشراعية،‭ ‬وتربط‭ ‬مهنتهم‭ ‬مباشرة‭ ‬بعلم‭ ‬الفلك‭ ‬وحسابات‭ ‬حركة‭ ‬النجوم،‭ ‬وهو‭ ‬علم‭ ‬غزير‭ ‬له‭ ‬قواعده‭ ‬ومصطلحاته‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬البحارة‭ ‬معرفتها‭ ‬وفهمها‭ ‬لكي‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬وجهاتهم‭ ‬بأمان،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬رحلاتهم‭ ‬عبر‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬الشاسعة‭. ‬

وجميع‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬يشكّل‭ ‬علمًا‭ ‬قائمًا‭ ‬بذاته‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬علوم‭ ‬الفلك‭ ‬والرياضيات‭ ‬والهندسة‭ ‬والحساب‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الملاحة‭ ‬والتجارة‭ ‬مهم‭ ‬جدًّا‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬البشرية‭ ‬وازدهار‭ ‬الحضارات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭.‬

 

أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1850

في‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬وعنوانه‭ ‬‮«‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1850‮»‬،‭ ‬يذكر‭ ‬د‭. ‬يعقوب‭ ‬الحجي‭ ‬أهم‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬التقليدية‭ ‬عند‭ ‬العرب،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬استعمال‭ ‬أجهزة‭ ‬جديدة،‭ ‬منها‭ ‬آلة‭ ‬السدس‭ ‬لرصد‭ ‬حركة‭ ‬الشمس‭ ‬والكرونوميتر‭ (‬أداة‭ ‬لقياس‭ ‬الزمن‭ ‬بدقة‭)‬،‭ ‬فبدأ‭ ‬البعض‭ ‬باستعمال‭ ‬حسابات‭ ‬جديدة‭ ‬تتعلق‭ ‬بحركة‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬والوجهات،‭ ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬مهارات‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬والأرجح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬الجديدة‭ ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬البرتغاليين‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬وسواحل‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشرقية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1497‭.‬

وقد‭ ‬تعلّم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القباطنة‭ ‬المحليين‭ ‬استعمال‭ ‬آلة‭ ‬السدس‭ ‬مع‭ ‬استعمال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬البوصلة‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬وجداول‭ ‬خاصة‭ ‬لتحديد‭ ‬مواقعهم‭ ‬ووجهاتهم‭ ‬بإجراء‭ ‬حسابات‭ ‬هندسية‭.‬

ويذكر‭ ‬د‭. ‬الحجي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬ربابنة‭ ‬السفن‭ ‬الكويتيين‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬لنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬‮«‬رزناماتهم‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬سجلات‭ ‬رحلاتهم‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬وبحر‭ ‬العرب،‭ ‬لنستدل‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العصر،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬عصور‭ ‬السفر‭ ‬بالسفن‭ ‬الشراعية‭. ‬ومن‭ ‬‮«‬نواخذة‮»‬‭ ‬الكويت‭ ‬المذكورين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬أحمد‭ ‬الخشتي‭ ‬ومعيوف‭ ‬البدر‭ ‬وعيسى‭ ‬العثمان‭ ‬وعيسى‭ ‬بشارة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬وعشرات‭ ‬مثلهم‭ ‬هم‭ ‬آخر‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬ربابنة‭ ‬السفن‭ ‬الشراعية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭.‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬يوثّق‭ ‬د‭. ‬ستايلز‭ ‬رحلة‭ ‬السفينة‭ ‬الشراعية‭ ‬العمانية‭ ‬‮«‬جوهرة‭ ‬مسقط‮»‬‭ ‬من‭ ‬عمان‭ ‬إلى‭ ‬سنغافورة‭  ‬3.800‭ ‬ميل‭ ‬بحري‭‬،‭ ‬ التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬واستغرقت‭ ‬139‭ ‬يومًا،‭ ‬لكن‭ ‬مجموع‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬أبحروا‭ ‬فيها‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ ‬الرحلة‭ ‬بالشراع‭ ‬فقط،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استعمال‭ ‬المحركات،‭ ‬هو‭ ‬68‭ ‬يومًا،‭ ‬بمعدل‭ ‬يومي‭ ‬65‭ ‬ميلاً‭ ‬تقريبًا‭.‬

و«الجوهرة‮»‬‭ ‬صنعها‭ ‬العمانيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالأساليب‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬أجدادهم‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬حكموا‭ ‬امبراطورية‭ ‬تجارية‭ ‬شاسعة،‭ ‬وكانوا‭ ‬يبنون‭ ‬سفنهم‭ ‬الخشبية‭ ‬الشهيرة‭ ‬ويخيطون‭ ‬ألواحها‭ ‬بالحبال‭ ‬دون‭ ‬استعمال‭ ‬المسامير‭ ‬الحديدية‭. ‬وقد‭ ‬تقرر‭ ‬صنعها‭ ‬وقيامها‭ ‬بالرحلة‭ ‬إلى‭ ‬سنغافورة،‭ ‬بعد‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬سفينة‭ ‬عمانية‭ ‬قديمة‭ ‬في‭ ‬إندونيسيا‭ ‬عام‭ ‬1998‭.‬

وتكمن‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تجهيز‭ ‬‮«‬الجوهرة‮»‬‭ ‬بأحدث‭ ‬الأجهزة‭ ‬الملاحية‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬فقد‭ ‬مارس‭ ‬بحّارتها‭ ‬بقيادة‭ ‬القبطان‭ ‬العماني‭ ‬صالح‭ ‬الجبري‭ ‬أساليب‭ ‬الأجداد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬أسفارهم‭ ‬عبر‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الماضي‭.‬

ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬دراسة‭ ‬لأساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬القديمة،‭ ‬ومنها‭ ‬استعمال‭ ‬‮«‬الكمال‮»‬‭ ‬والجداول‭ ‬القديمة‭ ‬لرصد‭ ‬النجوم‭.‬

فقد‭ ‬عبروا‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الجوهرة‮»‬‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭ ‬وغرب‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬من‭ ‬عُمان‭ ‬إلى‭ ‬كوشين‭ ‬في‭ ‬الهند‭ (‬  28‭ ‬يومًا‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬سيلان،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬ماليزيا‭ ‬ثم‭ ‬سنغافورة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭. ‬ويشير‭ ‬د‭. ‬ستايلز‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬اهتمام‭ ‬العرب‭ ‬بالتراث‭ ‬البحري،‭ ‬وإجراء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العملية‭ ‬والرحلات‭ ‬البحرية‭ ‬لتوثيق‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬الثري‭ ‬بطريقة‭ ‬علمية‭ ‬قبل‭ ‬ضياعه‭ ‬نهائيًا‭.‬

 

حاوية‭ ‬الاختصار

يعود‭ ‬الباحث‭ ‬بول‭ ‬لوند‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬الخامس‭ ‬والسادس‭ ‬إلى‭ ‬مؤلفات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬القبطان‭ ‬العماني‭ ‬الشهير‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬ماجد‭ ‬النجدي،‭ ‬والقبطان‭ ‬الحضرمي‭ ‬سليمان‭ ‬المهري،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬قباطنة‭ ‬عصره‭. ‬وللاثنين‭ ‬مؤلفات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الملاحة،‭ ‬وقد‭ ‬تأثر‭ ‬الثاني‭ ‬بالأول؛‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭. ‬وأهم‭ ‬مؤلفات‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬ماجد‭ ‬هي‭ ‬‮«‬حاوية‭ ‬الاختصار‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬علم‭ ‬البحار‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قصيدة‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1000‭ ‬بيت،‭ ‬و«كتاب‭ ‬الفوائد‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬البحر‭ ‬والقواعد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ألّفه‭ ‬عام‭ ‬1489،‭ ‬بعد‭ ‬خبرة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬الأسفار‭ ‬البحرية‭.‬

أما‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفات‭ ‬سليمان‭ ‬المهري‭ ‬فهي‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬عمدة‭ ‬المهرية‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬العلوم‭ ‬البحرية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ألّفه‭ ‬عام‭ ‬1511م،‭ ‬والكتاب‭ ‬الآخر‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المنهج‭ ‬الفاخر‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬البحر‭ ‬الزاخر‮»‬‭.‬

وجميع‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬مهمة‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬البحرية‭ ‬إلى‭ ‬أقطار‭ ‬بعيدة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬وموانئ‭ ‬هذه‭ ‬الأقطار،‭ ‬ومواسم‭ ‬الرياح‭ ‬وقياسات‭ ‬فلكية،‭ ‬وجداول‭ ‬وإرشادات‭ ‬مهمة‭ ‬جدًا‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬الأسفار‭ ‬البحرية‭.‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬يروي‭ ‬د‭. ‬يعقوب‭ ‬الحجي‭ ‬قصة‭ ‬لقاء‭ ‬الرحّالة‭ ‬والصحفي‭ ‬الأسترالي‭ ‬ألن‭ ‬فيليرز‭ ‬مع‭ ‬القبطان‭ ‬الكويتي‭ ‬علي‭ ‬النجدي‭ ‬في‭ ‬عدن‭ ‬عام‭ ‬1939،‭ ‬وقبول‭ ‬النجدي‭ ‬طلب‭ ‬فيليرز‭ ‬بأن‭ ‬يرافقه‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬من‭ ‬عدن‭ ‬إلى‭ ‬موانئ‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشرقية،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬سفينته‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬فتح‭ ‬الخير‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬بوم‮»‬‭ ‬كويتي‭ ‬الصنع‭.‬

وقد‭ ‬خلّد‭ ‬فيليرز‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الشائقة،‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬أبناء‭ ‬السندباد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬وثيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬مهمة‭ ‬لتراث‭ ‬عريق‭ ‬دام‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يندثر‭ ‬وينتهي‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬وكان‭ ‬الكويتيون‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬يبحرون‭ ‬إلى‭ ‬البصرة‭ ‬ويحملون‭ ‬تمورها‭ ‬إلى‭ ‬موانئ‭ ‬الهند‭ ‬وسيلان‭ ‬في‭ ‬سبتمبر،‭ ‬ثم‭ ‬يعودون‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬وبحر‭ ‬العرب‭ ‬بمنتجات‭ ‬الهند‭ ‬والشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬يبحرون‭ ‬إلى‭ ‬موانئ‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشرقية‭ ‬ويحمّلون‭ ‬سفنهم‭ ‬بخشب‭ ‬‮«‬الجندل‮»‬‭ ‬من‭ ‬دلتا‭ ‬الروفجي،‭ ‬ويعودون‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬وموانئ‭ ‬الخليج‭.‬

 

الملاحة‭ ‬في ‬‮«‬المتوسط‮»‬

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثامن‭ ‬يصف‭ ‬د‭. ‬يعقوب‭ ‬الحجي‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬العتيق‭ ‬والمميز‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬بحر‭ ‬الحضارات‭ ‬منذ‭ ‬أيّام‭ ‬الفينيقيين‭ ‬والمصريين‭ ‬والإغريق‭ ‬والقرطاجيين‭ ‬والرومان،‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬نصفه‭ ‬عربي ‭ ‬شرقًا‭ ‬وجنوبًا‭)‬،‭ ‬ونصفه‭ ‬الثاني‭ ‬أوربي ‭‬شمالاً‭ ‬وغربًا. 

ويشير‭ ‬الحجي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬لمسافة‭ ‬2200‭ ‬ميل،‭ ‬ومن‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬600‭ ‬ميل‭ ‬ينقسم‭ ‬طبيعيًّا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجزاء‭: ‬شرق‭ ‬ووسط‭ ‬وغرب،‭ ‬وتختلف‭ ‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬الأساليب‭ ‬المتّبعة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬القياسات‭ ‬الفلكية‭ ‬والحسابات‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستغني‭ ‬عنها‭ ‬بحّارة‭ ‬الشرق،‭ ‬فما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الملاحين‭ ‬معرفته‭ ‬خلال‭ ‬أسفارهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬الرياح‭ ‬واتجاهها‭ ‬ومواقيتها‭ ‬والمعالم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتضاريس‭ ‬المميزة،‭ ‬التي‭ ‬يتّبعونها‭ ‬لمعرفة‭ ‬مسارهم‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬حتى‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬وجهتهم،‭ ‬وجميع‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬مدوّنة‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬يسترشدون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬رحلاتهم‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬آلات‭ ‬القياس‭ ‬والجداول‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬الرحلات‭ ‬عبر‭ ‬المحيطات‭.‬

 

أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬التاسع‭ ‬والأخير‭ ‬يصف‭ ‬وليام‭ ‬فاسي‭ ‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬فيشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬يصل‭ ‬ثلاث‭ ‬قارات‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض،‭ ‬إذ‭ ‬يصل‭ ‬أوربا‭ ‬بالمحيط‭ ‬الهندي‭ ‬وموانئ‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشرقية‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والهند‭ ‬والشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬الفراعنة‭ ‬والإغريق‭ ‬والرومان،‭ ‬وتنقسم‭ ‬الملاحة‭ ‬فيه‭ ‬عند‭ ‬الملاحين‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭ ‬متساويين‭ ‬تقريبًا‭ ‬شمالاً‭ ‬وجنوبًا،‭ ‬بينما‭ ‬تعتبر‭ ‬جدة‭ ‬هي‭ ‬الميناء‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬الوسط‭.‬

ففي‭ ‬الجنوب‭ ‬يمارس‭ ‬البحارة‭ ‬مهنتهم‭ ‬بنفس‭ ‬أساليب‭ ‬قيادة‭ ‬السفن‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬ويستعملون‭ ‬الأدوات‭ ‬والقياسات‭ ‬والجداول‭ ‬الفلكية‭ ‬نفسها،‭ ‬ويتبعون‭ ‬المواسم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالرياح‭ ‬نفسها‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬الجزء‭ ‬الشمالي ‭ ‬من‭ ‬جدة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬والسويس‭  ‬فهم‭ ‬يتبعون‭ ‬أساليب‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬فلا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬الأدوات‭ ‬والجداول‭ ‬الفلكية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الجنوبي؛‭ ‬إذ‭ ‬تكفي‭ ‬معرفتهم‭ ‬بالمعالم‭ ‬والتضاريس‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتميزة‭ ‬عبر‭ ‬رحلاتهم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اتجاه‭ ‬الرياح‭. ‬وتكثر‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬الجزر‭ ‬والشُّعب‭ ‬المرجانية‭ ‬والنواحي‭ ‬الضحلة‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬السفن‭ ‬فيه،‭ ‬وتتطلب‭ ‬مهارات‭ ‬خاصة‭ .‬