شجو الرحيل وصمت الملحّنة أسماء حمزة
عن اثنين وثمانين عامًا، انتقلت قبل أشهر قلائل إلى رحاب الله، عازفة العود والملحنـــة السودانـــيــــة الشهيرة أسماء حمزة، وبرحيل اللا عودة انطوت الصفحة الوحــــيدة في دفتر ألحان المرأة للأغاني الـــــجـادة الملــــتـــــــزمة فـــــي الــــــسودان، لا سيمـــا وهـي من النساء النادرات جدًا في عصرنا الراهن على الصعيدين العربي والإفريقي، اللائي جمعن بين حرفتي التلحين والعزف الموسيقي، وخضن التجربة باحترافية عالية، أنتجت خلالها عشرات الألحان الغنائية التي وجدت الترحيب والاحتفاء من كبار الشعراء والمطربين والمتلقين، مبرهنةً على إمكانات المرأة في هذا المجال، متى توافرت لها الموهبة والعزيمة.
في البداية يقودنا الحديث عن الملحنة أسماء حمزة إلى تلمّس أصداء صوت المرأة العربية والإفريقية شمال الصحراء - الانتماء واللغة - في مجال التلحين الغنائي، حيث نجد أن لها صوتًا، لكنه خافت كأنها تدسّه في جوفها أو تلحن بهمس، رغم أنها مارسته منذ أزمنة غابرة، لكونه فطرة إنسانية وملَكة إبداعية لا تتوافر لكثيرين، ولم تحدثنا المؤلَّفات ولا الأدبيات، على امتداد تاريخ الفن الغنائي العربي والإفريقي، عن تلحين وعزف النساء إلا قليلًا، وبالكاد لا أسمع أجهزة البث عند تقديمها للأغنيات التي تلحنها المرأة (هذه الأغنية من ألحان فلانة الفلانية)، كما لم نعد نراها بالمكانة ذاتها التي يحتلها الملحن والعازف الموسيقي، أو تلك التي تحتلها رصيفاتها اللواتي ولجن مسارب فن الغناء، مما يفتح الأبواب مشرعة لكثير من الأسئلة؛ منها ما يرتبط بالنواحي السيكولوجية، والفسيولوجية، والاجتماعية، وربما الاقتصادية.
والمعروف أن المرأة العربية كانت منذ العصر الجاهلي تُشعِر، وتُلحن، وتغني منشدة الأراجيز، وليس أدل على هذا من ارتجاز هند بنت عتبة قبل إسلامها، وهي على رأس مجموعة من النساء بمكة كن يضربن الدفوف وينشدن متغنيات بحماس في واقعة أحد:
نـــحـن بـــنات طــــارق
نمشي على النـــمارق
الـــدر في المـخـــانـق
والـمـسك في المفارق
هذه الأرجوزة من بحر الرجز، وهو بحر شعبي تستخدمه النساء عند الظعن، وفي حداء الإبل، وفي الرقص والأفراح، أو الرجال في ساحات الحروب، لكن - كما ذكر لي د. عبد الله محمد أحمد (أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الخرطوم) عندما تغير الزمان والمكان ظهرت المرأة في أروع تجلياتها اللحنية، ذلك حينما هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام إلى المدينة، وخرج الأطفال والنساء فرحين بمقدمه ينشدون ويتغنون بتلقائية محضة:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
فكانت أول قصيدة من بحر الرّمَل ينشدها النساء والأطفال، وهذا بلا شك ابتداع فني جديد، ومثل هذه القصائد أو الأناشيد - على حد قوله - تولد ملحّنة ولا تقبل غير اللحن الذي خرجت به، لأنها نظمت في الأساس لكي تُغنى.
تطور ظاهرة الغناء النسائي
مما يعزز أن جوهر الإنشاد كنمط من أنماط الفن الغنائي قد يكون فيه الشعر والإبداع اللحني الارتجالي والتعبير التطريبي، أن المرأة كانت تؤديه مفطورة بإمتاع، كما الرجل، وأحدثت به أثرًا عميقًا في نفوس الناس ومشاعرهم، ثم تقدم فن الغناء من طور إلى آخر إثر الفتوحات والهجرة إلى الأمصار الجديدة، إلى أن جاء العصر العباسي
(750 - 1258م) وأحدث انقلابًا ملموسًا في هذا الضرب من الإبداع، فاتخذ الغناء منحى جديدًا شعرًا ولحنًا وموسيقى وأداءً، نتيجة لاختلاط العرب بالأعاجم كالفرس والروم مثالًا، والتغير الذي حدث في المجتمع، وظهور واختراع المعازف.
وقد حدثنا ابن خلدون في مقدمته الشهيرة «وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بني العباس»، وكثرت مجالس اللهو والطرب، وتفشت ظاهرة الفردية لدى النساء في صناعة الغناء والألحان في أنصع صورها، بظهور المغنيات والملحنات والعازفات على الآلات الموسيقية وسطوع بريقهن، وكانت أعلاهن منزلة على سبيل المثال علية بنت المهدي (777 ذ 825م)، التي كانت تقول الشعر الجيد، والألحان الحسنة، كما جاء في كتاب «الأغاني» للأصفهاني، وتحب لحن الرمل وتقول: «من لم يطربه الرمل لم يطربه شيء»، وعريب المأمونية (797 - 890م)، وهي واحدة من أعظم مشاهير الغناء والعزف والتلحين في ذاك الزمان، (كانت عريب مغنية محسنة، وشاعرة صالحة للشعر، وكانت مليحة الخط والمذهب في الكلام، ونهاية الحسن والجمال والظرف، وحسن الصورة، وجودة الضرب، وإتقان الصنعة والمعرفة بالنغم والأوتار، والرواية للشعر والأدب، وليس لها نظير).
وتأتي بعدها شارية (815 - 870م) التي «كان المعتز يأبى أن يُلحن له أشعاره سواها وسوى عريب» - وفق ما ذكر د. شوقي ضيف في مؤلفه «تاريخ الأدب العربي - العصر العباسي الثاني».
ولم تنته أو تتوقف مسيرة المرأة في الغناء والتلحين والعزف على الآلات الموسيقية عند ذاك العصر، بيد أنها نشطت في العصر الأندلسي (711 - 1492م)، وكان للنسوة أثر في تجديد فن الغناء والموسيقى، مثل قمر البغدادية المُجيدة لصوغ الألحان، وتأثر الشمال الإفريقي بتلك الأجواء الغنائية.
وبعد سقوط غرناطة انحسر نشاط المرأة في صوغ الألحان الغنائية إلى نحو قلّما يأتي على البال، حتى العصر الحديث، حيث ظهر بشكل لافت مغنيات في المنطقة العربية وشمال إفريقيا، أمثال أم كلثوم في مصر (1908 - 1975م)، وصباح (1927 - 2014م) وفيروز (1935م) في لبنان وغيرهن، وعلى قلّتهن مقارنة بالأعداد الكبيرة من المطربين الذين ظهروا في الفترة ذاتها، خضن تجاربهن الغنائية بألحان صاغها عديد من الملحنين البارزين، وتفوقن وأثبتن جدارة فائقة تضع أسماءهن في بطون التاريخ، بينما كان نشاط المرأة في مجال التلحين والعزف على الآلات الموسيقية على الصعيدين العربي والإفريقي محدودًا للغاية، وفي المقابل تجلّى علو كعب الرجل في حقل الإبداع اللحني بعطاءٍ أكثر من عطائها، ونال حظًا من الشهرة أكثر منها، في حين أسهم بعض الملحنين في اكتشاف أصوات نسائية جديدة في عالم الغناء، وحتى اللاتي خضن تجربة التلحين والعزف الموسيقي وقدمن عطاءً انحرف بعضهن عن هذا المسار نحو مسارات إبداعية أخرى، ولم يصب بعضهن نجاحًا يُذكر، كما لم تكتب للبعض الاستمرارية، عدا اللبنانية لور دكاش (1917 - 2005م) الملقبة بـ «ملكة التواشيح»، حيث قدمت خلال سني حياتها نحو 90 لحنًا - كما جاء في مقال محمد الأسواني - ونادرة أمين (1906 - 1990م) التي قدمت للإذاعة المصرية العديد من الألحان، ومنار أبوهيف (1932م) وبهيجة حافظ وغيرهن قليلات.
هذه المقدمة الطويلة أثارها شجو رحيل وصمت الموسيقارة المبدعة أسماء حمزة بشير نصر في الحادي والعشرين من مايو 2018م كواحدة من رائدات التلحين والعزف الموسيقي في المنطقتين العربية والإفريقية، ومن جيل نادر غادر ساحة الغناء من غير أوبة، وكذلك شح المعلومات عن جهود المرأة في الإبداع اللحني والعزف والتأليف الموسيقي، رغم أنها تمتلك الموهبة والحس اللذين يُمكِّنانها من أداء هذا الدور بجدارة.
أول جمع بين العزف والتلحين
لم تكن تجربة أسماء حمزة في العزف على آلة العود والتلحين هي الأولى في السودان، إذ سبقتها الجداوية موسى، أول سودانية تحترف العزف على هذه الآلة، وتنضم إلى أوركسترا الإذاعة في عام 1942م، ولم تنل من الشهرة مثل ما نالت شقيقتها المطربة عائشة موسى، المعروفة بـ «الفلاتية» (1922 - 1974م)، والتي تفرغت للغناء الذي تؤلفه وتلحنه، واشتهرت بأنها أول مغنية سودانية بأغانيها التي سجلتها للإذاعة في عام 1942م، وكانت أيضًا الموسيقية زكية أبو القاسم أول عازفة سودانية على آلتي الجيتار والباص جيتار، وقدمت عطاءها لأكثر من نصف قرن من الزمان، ولم تعرف إلا بمشاركتها في فرقة جاز شرحبيل أحمد (رفيق دربها)، كما ظهرت تجارب لحنية أخرى في أغاني البنات لا يعتد بها تاريخيًّا.
إلا أن أسماء حمزة، المولودة في عام 1936م، هي الأولى التي انفردت بين بنات جيلها وجمعت بين طرفين مهمين في الأغنية (التلحين والعزف الموسيقي)، ونذرت نفسها لهما، وخاضت تجربتها وحدها باحترافية عالية وتميّز لأكثر من ستين عامًا، وظلت هي الوحيدة التي قدمت مؤلفاتها اللحنية على السلّم الخماسي لعديد من المطربين والمطربات في المنطقة، ووضعت للمرأة عتبة راسخة من عتبات العمارة اللحنية والموسيقية في الغناء السوداني. نشأت أسماء في مدينة حلفاية الملوك شمال العاصمة الخرطوم، وحيدة لوالديها في بيئة ميسورة مثقفة مولعة بالفنون، وخاصة الرسم والموسيقى، وكانت تحمل بين جوانحها منذ باكر السنوات الشغف بالغناء، وحدث يومًا أن فوجئ الأب بأن وحيدته ذات الاثني عشر ربيعًا تجيد الغناء بالتصفير، كما الصبيان، فاندهش لذلك وأعجب بها، وما كان منه إلا أن استعار آلة العود من أحد أصدقائه لتتعلم العزف مؤانسة لوحدتها ولإشباع ميولها نحو الغناء، ليفاجأ الصديق، بعد وقت وجيز، بأن الصبية بزّته في العزف فأعجبه نبوغها، وأهداها الآلة كي تواصل مشوارها.
بهذا ضمنت العازفة الصغيرة رضاء الأسرة، والأب تحديدًا، وكان هذا الصك هو الشرط الأساسي الذي يجل عن بروز الموهبة، ورغبة الخوض في الابتداع الغنائي، في زمن كان يعز فيه على المرأة أن تمضي في هذا الدرب، حيث كانت الأعراف والتقاليد تقف حائلًا أمام نشاطاتها، وبما يجعل نصيبها في التعبير عن مشاعرها في حيّز أضيق من عقد الأصبعين، وكان هذا حتى عهد لا أظنه بعيدًا، ليس في السودان وحسب، بل في كثير من البلدان العربية. حاولت الصبية حمزة في البداية أن تغني متأثرة بألحان السينما المصرية، وبفنانة العصر أم كلثوم، كما ذكرت في كثير من الحوارات (أنا أحب الست كثيرًا جدًا، وأستمع لها في كل لياليها وحفلاتها، خاصة حفل الخميس الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر، وكنت آخذ الراديو وأجلس على الأرض بعيدًا عن الناس حتى ينتهي الحفل).
ولم تتحقق لها تلك الرغبة، لخلل في الأحبال الصوتية، وما كان لها أن تتحدى القدر، بيد أنها مضت في العزف لإرواء شغفها وإفراغ شحناتها الإبداعية، وكانت حريصة على النجاح.
ولما كانت تحب القراءة والاطلاع أيضًا، فقد التقطت في عام 1955م قصيدة للشاعر المصري علي محمود طه المهندس (1901 - 1949م) من ديوانه «ليالي الملّاح التائه» بعنوان (يا عيوني) وقامت بتلحينها، ووجدت استحسانًا لدى المهتمين، إلا أن الصبية لم تجد من يأخذ بيدها إلا في محيط الأسرة الضيق، مما حملها على العناء والصبر، فأكثرت الركون إلى العود حتى بات لا مضيّ لحياتها دون العزف والتجريب اللحني، وهي الفترة التي جنحت فيها إلى تعليم العزف لابن عمها الموسيقار الشهير بشير عباس بشير نصر (1938م) في بداية عهده بالموسيقى، (تعلّمت العود على يد ابنة عمي الأستاذة أسماء حمزة، وكنت أجلس لألقي عليها ما حفظت من أغانٍ، وفي يونيو 1959م تقدَّمت للإذاعة كعازف عود)، والغريب أنه يجيد فن الغناء بالتصفير، وعلى هذا النسق لديه في مكتبتي الإذاعة والتلفزيون كثير من المقطوعات الموسيقية الرائعة.
الزمن الطيب
صارت الفتاة حمزة تنفق كثيرًا من وقتها في سبيل إتقان العزف الموسيقي، بعد أن تخلت عن مقاعد الدراسة وتفرغت له تمامًا، خاصة أن الأمر قد أصبح بالنسبة إليها ليس مجرد ترف أو تسلية، إنما طموح ورسالة لها دلالات ومعانٍ مرتبطة بدور المرأة في صناعة الألحان، ومن ثمّ ثقفت نفسها فنيًا، وغذت ذخيرتها وخيالاتها بالاستماع إلى أغنيات أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وشادية، والأطرش من مصر، وعثمان حسين وحسن عطية في السودان، حتى التحقت بفرقة سلاح الموسيقى بقوات الشعب المسلحة في عام 1982م، وكان فتحًا جديدًا لها، وينبوعًا مهمًا لتفجير طاقاتها الإبداعية، إذ تعلمت الكثير من عناصر الموسيقى وإيقاعاتها المتنوعة، وبعد عام قدمت للساحة الغنائية من تلحينها قصيدة «الزمن الطيب» للشاعر والإعلامي الراحل سيف الدين الدسوقي (1936 - 2018م)، تغنت بها المطربة المعروفة سمية حسن.
أنت الزمن المـــاضي الطيب
وأنت الأمـــل الحــــاضر فينا
بهذه الأغنية عرفتها الأوساط كملحنة ضليعة، وعازفة ماهرة على آلة العود ذات حس موسيقي رفيع وإحساس عالٍ مرهف، ومن قفزاتها الكبيرة الرائعة في تلك الفترة تلحينها وتوزيعها لملحمة (عَزة وعِزة) التي كتب كلماتها الشاعر أبو قرون عبدالله أبو قرون في جيش المهدية، لتؤديها فرقة سلاح الموسيقى في عام 1987م.
يا عزة قومي... ما تسمعي
الهمس البقول
يا أمة نومي
واستيقظي وفكي الحصار
واتوشحي الأمجاد إزار
هذه الملحمة، لما فيها من مقاطع لحنية متعددة متنوعة وإيقاعات متباينة، كشفت عن ملكاتها الإبداعية المتفردة، وانفتحت لها أبواب الشهرة والمجد بعد تأخر طويل، وبرقت نجوميتها، مما حدا بالشعراء الكبار إلى الإقبال على ألحانها وموسيقاها التي تفيض بالحيوية والعذوبة، ودخلت من خلالها لأفئدة عشاق الغناء الراقي، وكان ظهورها في المشهد الغنائي مؤشرًا جيدًا للتبشير بمستقبل أفضل للمرأة في صوغ الألحان الغنائية التي تفتقر إليها الساحة.
ظاهرة مستثناة
في ظاهرة مستثناة جديرة بالوقوف أمامها، أسست حمزة في بداية تسعينيات القرن الماضي «منتدى الحلفايا الثقافي الفني» مع الشعراء عبدالوهاب هلاوي، والراحل سعدالدين إبراهيم، ومحمد أبوشورة، ومحمد أحمد سوركتي، وعبدالقادر جميل، وغيرهم من الشعراء والمطربين، ولحنت لهم عشرات القصائد، تغنى بها المطربون محمد ميرغني، وصابر جميل، وعماد محمد الطيب (انتصار) للشاعر سعد الدين.
أقول... باختصار
لأنك..
كأنك هموم الحصار.
أهو بعدت عنك
وشاركت في مناسبات عدة، منها مرتان في مهرجان الإذاعات العربية، وحازت في الاحتفال بليلة القدر عام 1997 المركز الثالث بقصيدة دينية (صحوة) للشاعر سعد الدين، وغناء هشام درماس، وكان أكثر ما يسعدها أن تتلقى القصائد من شعراء مرموقين، أمثال بشير عتيق، والطاهر إبراهيم، وحسن الزبير، إضافة إلى شعراء المنتدى، وتبدع في تلحينها وتقديمها لمطربين ومطربات كل وفق مقدراته ولونيته، بعدما انفردت بأسلوب يميزها عن غيرها، نابع من شفافيتها والواقع الراهن.
ومن تجلياتها أنها رفدت ساحة الغناء ببعض المواهب الغنائية، وأسهمت في مسيرة آخرين، مثل عابدة، وأسامة الشيخ، وخالد عبدالرحمن، ودرماس، الذي غنى لها أكثر لحن، (مشاعر الفرحة) للشاعر أبو شورة.
مشاعر الفرحة يوم لقياك
تــســابق عيــني لي رؤيـــــاك
وما يعزز صلابة موهبتها وقدرتها على الإتيان بجديد، تغنى الشاعر والملحن المطرب عبدالكريم الكابلي في بداية هذا العقد من ألحانها بقصيدة «أغلى من نفسي» للشاعر هلاوي.
يا أغلى من نفسي أفضل أنادي عليك
لا من يضيع حسي
وأنا في رحاب عينيك زول مرّ عدى عليك
وراح في زمن منسي
بقي أن نقول إن أسماء حمزة قدمت خلال مسيرتها الفنية ما يربو على تسعين لحنًا متنوعًا، لقصائد بالعامية والعربية الفصحى، منها العاطفية والوطنية والدينية والحماسية، وفرضت وجودها بين مشاهير الملحنين والمطربين، وكان أجمل ما في عطائها أنها لم تتخلّ عن مسؤولياتها الاجتماعية، وإدارة شؤون بيتها الذي تكوّن عام 1967، ورعاية أحفادها.
استمعت إليها في بداية الألفية الثالثة في إحدى جلسات المنتدى، وهالني ما رأيت من امرأة تحتضن العود وقد ناهزت السبعين، تغني من ألحانها بصوت خفيض مهذب وشجي، ودهشت لطريقة عزفها، ومقدراتها على الابتكار وإيقاظ المشاعر وملامسة ذائقة المتلقي، إنها ظاهرة تستحق الوقوف والتأمل... رحمها الله .