شوقي وقصائده اللبنانية

شوقي وقصائده اللبنانية

إذا كان أمير الشعراء شوقي كثيرًا ما يُنعت بشاعر التاريخ وشاعر التراث وشاعر العرب والإسلام وشاعر مصر، فإن الباحثين في سيرته كثيرًا ما ينسون أنه «شاعر لبنان» أيضًا. بل إنه لفرط ما تغزّل بـ «لبنانيات» بلا حصر، كبيروت وزحلة وبكفَيّا وصباياها، وزار لبنان مرارًا وعرفه عن قرب، وعرف أدباءه وشعراءه وسياسييه، يمكن النظر إليه كشاعر لبناني مثله مثل الأخطل الصغير، الذي رثاه يوم مأتمه، ومثل شبلي الملاط، الذي ألقى قصيدة يوم مبايعته بإمارة الشعر.

إذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬لبنانية‮»‬‭ ‬شوقي‭ ‬قد‭ ‬ترسّخت‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يزور‭ ‬لبنان‭ ‬وحده‭ ‬أحيانًا،‭ ‬أو‭ ‬بصحبة‭ ‬مطربه‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬أحيانًا‭ ‬أخرى،‭ ‬فإنها‭ ‬بدأت‭ ‬عام‭ ‬1912،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬لبنان‭ ‬الحالية،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬يزوره،‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭. ‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬مَن‭ ‬يقرأ‭ ‬ديوانه‭ ‬‮«‬الشوقيات‮»‬‭ ‬يجد‭ ‬قصيدة‭ ‬لشوقي‭ ‬مؤرّخة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بالتحديد،‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬نكبة‭ ‬بيروت‮»‬،‭ ‬نظّمها‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬ضرب‭ ‬الأسطول‭ ‬الإيطالي‭ ‬مدينة‭ ‬بيروت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬عاصمة‭ ‬لبنان‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬شوقي،‭ ‬شاعر‭ ‬العرب،‭ ‬تأثّر‭ ‬لِما‭ ‬سمعه‭ ‬عن‭ ‬ضرب‭ ‬الإيطاليين‭ ‬لبيروت‭ ‬من‭ ‬البحر،‭ ‬فكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬يحيّي‭ ‬فيها‭ ‬المدينة‭ ‬الباسلة‭ ‬ويشيد‭ ‬بفضائلها‭ ‬وكراماتها‭. ‬

وتدل‭ ‬أبيات‭ ‬كثيرة‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬المناسبات‭ ‬وحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬الوجدان‭ ‬الملتفت‭ ‬إلى‭ ‬حادثة‭ ‬وطنية‭ ‬أو‭ ‬قومية‭ ‬تخصّه،‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭:‬

بيروت‭ ‬يا‭ ‬راحَ‭ ‬النزيلِ‭ ‬وأنسَهُ

يمضي‭ ‬الزمانُ‭ ‬عليّ‭ ‬لا‭ ‬أسلوكِ

نادمتُ‭ ‬يومًا‭ ‬في‭ ‬ظلالك‭ ‬فتيةً

وسموا‭ ‬الملائكَ‭ ‬في‭ ‬جلال‭ ‬ملوكِ

لكِ‭ ‬في‭ ‬ربى‭ ‬النيل‭ ‬المبارك‭ ‬جيرةٌ

لو‭ ‬يقدرون‭ ‬بدمعهم‭ ‬غسلوكِ

فإذا‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬العشرينيات‭ ‬توهجّت‭ ‬هذه‭ ‬اللبنانية‭ ‬وترسّخت‭ ‬تبعًا‭ ‬للأواصر‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬بين‭ ‬شوقي‭ ‬وبين‭ ‬لبنان‭ ‬والمودّات‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬مع‭ ‬نفر‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬مثقّفيه،‭ ‬وإعجابه‭ ‬البالغ‭ ‬بطبيعته‭ ‬ومناخه،‭ ‬وكذلك‭ ‬بدوره‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعرفه‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عبر‭ ‬المهاجرين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬الذين‭ ‬أسهموا‭ ‬أيّما‭ ‬إسهام‭ ‬في‭ ‬نهضتها‭ ‬الحديثة‭.‬

ويظهر‭ ‬عمق‭ ‬العاطفة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يكنّها‭ ‬لبلاد‭ ‬الأَرز‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬يقول‭ ‬ديوانه‭ ‬إنه‭ ‬نظّمها‭ ‬سنة‭ ‬1925،‭ ‬وفيها‭ ‬يذكر‭ ‬ربوع‭ ‬لبنان،‭ ‬ويصفه‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يصفه‭ ‬أيّ‭ ‬شاعر‭ ‬لبناني‭ ‬آخر‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭:‬

لبنانُ‭ ‬والخلدُ‭ ‬اختراعُ‭ ‬الله‭ ‬لم

يُوسمْ‭ ‬بأزين‭ ‬منهما‭ ‬ملكوتُه

هو‭ ‬ذروةٌ‭ ‬في‭ ‬الحسنِ‭ ‬غيرُ‭ ‬مرومةٍ

وذرى‭ ‬البراعةِ‭ ‬والحجى‭ ‬بيروته

ملكُ‭ ‬الهضابِ‭ ‬الشمّ‭ ‬سلطانُ‭ ‬الربى

هامُ‭ ‬السحاب‭ ‬عروشُه‭ ‬وتخوتُه

وفي‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬يذكر‭ ‬شوقي‭ ‬بعض‭ ‬مكارم‭ ‬لبنان‭ ‬وخدمات‭ ‬أعلامه‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭:‬

بلغ‭ ‬السهى‭ ‬بشموسه‭ ‬وبدوره

لبنانُ‭ ‬وانتظم‭ ‬المشارقَ‭ ‬صيتُه

من‭ ‬كل‭ ‬عالي‭ ‬القدرِ‭ ‬من‭ ‬أعلامِهِ

تتهلّلُ‭ ‬الفصحى‭ ‬إذا‭ ‬سمّيتُه

حامي‭ ‬الحقيقةِ‭ ‬لا‭ ‬القديمُ‭ ‬يؤودُه

حفظًا،‭ ‬ولا‭ ‬طلبُ‭ ‬الجديد‭ ‬يفوتُه

تؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬الثلاثة‭ ‬أن‭ ‬شوقي‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬جهد‭ ‬اللبنانيين‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬جهد‭ ‬لم‭ ‬يضطلع‭ ‬به‭ ‬أي‭ ‬شعب‭ ‬عربي‭ ‬آخر‭ ‬كما‭ ‬اضطلعوا‭ ‬به‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬لي‭ ‬مرة‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬رئيس‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬د‭. ‬إبراهيم‭ ‬مدكور‭.‬

ولعل‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬يتضمنها‭ ‬البيت‭ ‬الثالث‭ (‬حامي‭ ‬الحقيقة‭...) ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬شوقي‭ ‬أدرك‭ ‬كُنه‭ ‬لبنان‭ ‬وبوصلته‭ ‬وسلامة‭ ‬هذه‭ ‬البوصلة‭: ‬فلا‭ ‬القديم‭ ‬يجهده‭ ‬ويثقل‭ ‬عليه،‭ ‬ولا‭ ‬الجديد‭ ‬يعافه‭ ‬أو‭ ‬يرفضه‭. ‬إنه‭ ‬بلد‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬وبين‭ ‬الحاضر‭ ‬ويتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعاني،‭ ‬أو‭ ‬القيم،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ينشده‭ ‬شوقي‭ ‬أيضًا،‭ ‬بدليل‭ ‬أنه‭ ‬يشيد‭ ‬بها‭ ‬ويعتبرها‭ ‬جوهر‭ ‬لبنان‭ ‬وسرّه‭.‬

 

جارة‭ ‬الوادي

وإذا‭ ‬كان‭ ‬شوقي‭ ‬قد‭ ‬هام‭ ‬حبّا‭ ‬بلبنان‭ ‬وبيروته‭ ‬وريفه‭ ‬وطبيعته،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الهيام‭ ‬بلغ‭ ‬أقصاه‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬مدنه‭ ‬الساحرة‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بعنبها‭ ‬وثمارها‭ ‬وأفيائها،‭ ‬وبوادٍ‭ ‬شهير‭ ‬فيها‭ ‬يجري‭ ‬فيه‭ ‬نهر‭ ‬البردوني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شوقي‭ ‬يؤثر‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬المنتشرة‭ ‬على‭ ‬ضفافه‭ ‬مع‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬ندمائه‭ ‬اللبنانيين‭.‬

هذه‭ ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬زحلة‭ ‬التي‭ ‬خصّها‭ ‬شوقي‭ ‬برائعة‭ ‬من‭ ‬روائعه،‭ ‬فوهبها‭ ‬الخلود‭ ‬وجعلها‭ ‬تصول‭ ‬على‭ ‬أترابها‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬اللبنانية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أن‭ ‬المطرب‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬استلّ‭ ‬منها‭ ‬أبياتًا‭ ‬لحّنها‭ ‬وغنّاها‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الأول‭ ‬لنظمها،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬فيروز‭ ‬فغنّتها‭ ‬لاحقًا‭ ‬بتوزيع‭ ‬موسيقي‭ ‬جديد‭ ‬لعبدالوهاب‭.‬

القصيدة‭ ‬مشهورة،‭ ‬ومن‭ ‬الأبيات‭ ‬التي‭ ‬يغنيها‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وفيروز‭:‬

يا‭ ‬جارةَ‭ ‬الوادي‭ ‬طربتُ‭ ‬وعادني

ما‭ ‬يُشبه‭ ‬الأحلام‭ ‬من‭ ‬ذكراكِ

مثلتُ‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬هواكِ‭ ‬وفي‭ ‬الكرى

والذكرياتُ‭ ‬صدى‭ ‬السنين‭ ‬الحاكي

في‭ ‬بيروت،‭ ‬كان‭ ‬شيوخ‭ ‬الأدب‭ ‬وفتيانه‭ ‬يتحلّقون‭ ‬حول‭ ‬شوقــي‭ ‬ويلازمــــون‭ ‬مجلسه،‭ ‬وكانوا‭ ‬جميعًا‭ ‬من‭ ‬المعجبين‭ ‬به‭ ‬والمكبّرين‭ ‬لشعرِه‭. ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأخطل‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬رثى‭ ‬شوقي‭ ‬بقصيدة‭ ‬عصماء،‭ ‬وفيــــها‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬حادث‭ ‬سير‭ ‬تعرّضت‭ ‬له‭ ‬سيارة‭ ‬شوقي‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬عاليه،‭ ‬لتلبية‭ ‬دعوة‭ ‬على‭ ‬العشاء‭ ‬وجّهها‭ ‬إليه‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬شارل‭ ‬دباس،‭ ‬بحضور‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬أدباء‭ ‬لبنان‭. ‬

وصل‭ ‬الأخطل‭ ‬الصغير‭ ‬إلى‭ ‬القصر‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬عاليه،‭ ‬فوجد‭ ‬شوقي‭ ‬طريح‭ ‬الفراش،‭ ‬أصفر‭ ‬الوجه،‭ ‬والطبيب‭ ‬بجانبه،‭ ‬أبصره‭ ‬شوقي‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬كُنتْ‭ ‬حَ‭ ‬ترثيني‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬رثاء‭ ‬الأخطـــل‭ ‬لشــــوقي‭ ‬يذكر‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬في‭ ‬القصيدة،‭ ‬وكيف‭ ‬تحلّق‭ ‬الأدباء‭ ‬اللبنانيون‭ ‬حوله‭ ‬يحيطونه‭ ‬بالرعاية‭ ‬والاهتمام‭.‬

وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬الأخطل‭ ‬الصغير‭ ‬هذه‭ ‬وصف‭ ‬لأثر‭ ‬وفاة‭ ‬شوقي‭ ‬عند‭ ‬اللبنانيين‭:‬

ما‭ ‬للملاعبِ‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬مقفرةً

وللمناهل‭ ‬عطلاً‭ ‬من‭ ‬حرائره

وللمآذن‭ ‬في‭ ‬الفيحاء‭ ‬كاسفةً

كخاشع‭ ‬السرو‭ ‬في‭ ‬داجي‭ ‬مقابِرِه

وللجداول‭ ‬أنّاتٌ‭ ‬مجرّحةٌ

كأنها‭ ‬حملٌ‭ ‬في‭ ‬كفّ‭ ‬ناحرِه

أودى‭ ‬القريض‭ ‬فللأحزان‭ ‬ما‭ ‬لبست

على‭ ‬سليل‭ ‬الدراري‭ ‬من‭ ‬عباقرِه

وقد‭ ‬تحدث‭ ‬الأخطل‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬قصيدته‭ ‬هذه،‭ ‬فقال‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬طالعة‭ ‬من‭ ‬قلبي‮»‬،‭ ‬لأنني‭ ‬‮«‬كنت‭ ‬أحبّ‭ ‬شوقي‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬شارك‭ ‬الأخطلَ‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬شوقي‭ ‬أدباءٌ‭ ‬وشعراء‭ ‬لبنانيــــون‭ ‬كثيـــرون،‭ ‬منهم‭ ‬أمين‭ ‬نخلة‭ ‬الذي‭ ‬رثاه‭ ‬شعرًا،‭ ‬وتحدث‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬كراماته‭ ‬الشعرية‭ ‬مرارًا‭ ‬في‭ ‬كتبه،‭ ‬وروى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‮»‬‭ ‬طرفة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬إكبار‭ ‬أمين‭ ‬نخلة‭ ‬لشوقي‭.‬

وتـــــدلّ‭ ‬هـــــذه‭ ‬الطرفــــة‭ ‬عــــلى‭ ‬ما‭ ‬كـــــان‭ ‬لشـــــوقي‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬اللبنانيين‭ ‬من‭ ‬بالغ‭ ‬الودّ‭ ‬والإكبار‭.‬

وفي‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى‭ ‬بكتاب‭ ‬أمين‭ ‬نخلة،‭ ‬يسرد‭ ‬‮«‬الأمين‮»‬‭ ‬أبياتًا‭ ‬أخرى‭ ‬لشوقي‭ ‬في‭ ‬مديح‭ ‬لبنان،‭ ‬من‭ ‬شوقيةٍ‭ ‬على‭ ‬الميم‭ ‬قديمة،‭ ‬حقُّها‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬أن‭ ‬تُكتب‭ ‬في‭ ‬الأحداق‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الأوراق،‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬بلغة‭ ‬أهل‭ ‬السجع،‭ ‬لاختصاصها‭ ‬اللبنانيين‭ ‬بالإطراء‭ ‬الجزل،‭ ‬والأبيات‭ ‬هي‭:‬

لبنانُ‭ ‬مجدُك‭ ‬في‭ ‬المشارق‭ ‬أوّلٌ

والأرضُ‭ ‬رابيةٌ،‭ ‬وأنت‭ ‬سنامُ

وبنوك‭ ‬ألطفُ‭ ‬من‭ ‬نسيمك‭ ‬ظلُّهم

وأشمُّ‭ ‬من‭ ‬هضباتك‭ ‬الأحلامُ

أخرجتهم‭ ‬للعالمين‭ ‬جحاجحًا

عربًا،‭ ‬وأبناءُ‭ ‬الكرامِ‭ ‬كرامُ‭!‬

إن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬لبنانية‭ ‬أصيلة‭ ‬وصادقة‭ ‬في‭ ‬شوقي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬لبنانية‭ ‬أخرى‭ ‬عند‭ ‬شعراء‭ ‬لبنانيين‭ ‬كثيرين‭ ‬تغنّوا‭ ‬بلبنان‭. ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬شوقي‭ ‬لبنان‭ ‬وزاره‭ ‬مرارًا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العشرينيات،‭ ‬وأنشأ‭ ‬فيه‭ ‬مودّات‭ ‬قوية،‭ ‬وكتب‭ ‬عنه‭ ‬باحثون‭ ‬لبنانيون‭ ‬كثيرون‭. ‬

وكانت‭ ‬له‭ ‬صداقات‭ ‬عميقة‭ ‬مع‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬المغتربين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬من‭ ‬أبرزهم‭ ‬الشاعران‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬وداود‭ ‬عمون،‭ ‬ومي‭ ‬زيادة،‭ ‬ورئيس‭ ‬تحرير‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬،‭ ‬داود‭ ‬بركات،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شوقي‭ ‬يزوره‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بالجريدة‭. ‬فهل‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬أو‭ ‬التعسّف،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬اعتباره‭ ‬شاعرًا‭ ‬لبنانيًّا،‭ ‬أو‭ ‬شاعر‭ ‬لبنان‭ ‬الأول،‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين؟‭ ‬‭.