الفنان عبدالكريم الأزهر بين جمالية الوجوه وسرّها
يحتفي الفنان التشكيلي المغربي عبدالكريم الأزهر بالعين والنظر والوجوه، حيث يستخدم أشياء بسيطة، ويسعى في أعماله الفنية إلى كسر تقاليد الفن المعروفة.
كما يحظى اللون، عند هذا الفنان العالمي الذي عرض أعماله في أكثر من بلد أوربي وغير أوربي بالأولوية، من خلاله ينتقد العيون، وذلك بتحديد وجهة نظرها، يقول الأزهر مصرّحًا للقناة المغربية الأولى: «إنه يصعب تحديد ذلك - يقصد وجهة نظر العين - فكل ما في الأمر أنني لا أقصر في الجانب التشكيلي، وخاصة لمدينتي أزمو أزمور».
يقول الأزهر أيضًا عن جمالية المدينة: «تجد أن الذي بناها وأسسها ليس ذلك المعماري صاحب الشهادات والدبلومات، وإنما هي من تشييد صاحب حسّ جمالي لتجمّع سكان، كعائلة واحدة تجمعهم مشكلات واحدة وهموم واحدة، دون وجود لطبقية معيّنة، حتى أن اللعبة التي يشتريها الشخص لابنه يشترط عليه مشاركته لأبناء الجيران فيها».
إن سر الوجوه في اللوحة التشكيلية عند الفنان الأزهر يكمن في تلك الوجوه الفاحصة التي لا تعرف دموعًا ولا ارتداد طرف، أو أي شيء من هذا القبيل، فهي طائعة لكي تختزل الرؤية الفنية للمشاهدة (الرؤية الفاحصة المتأملة)، إلى جانب اللمس عن طريق الرؤية، وكذلك بقية الحواس الأخرى، كالسمع والشم والذوق أيضًا، لأن الرؤية هي التي تتحكم في الشخص الذي يرغب في المشاهدة، أي مشاهدة لوحة الفنان.
إن الحضور اللافت للوجه في لوحة الأزهر يتخذ طابعًا يتصف باللون الفاتح والبساطة الشكلية، كأننا أمام رسوم أولية لطفل يحاول أن يخلق من نفسه فنانًا.
لكن، بعد الرؤية الفاحصة، يمكننا أن نجد أنفسنا أمام إبداع فني من الدرجة الأولى لفنان تشكيلي عالمي استطاع أن يبهر عشاق فنه ونقاده.
إن الوجوه المتعددة والمتناسقة في لوحة الفنان تطرح رؤى فكرية متقدمة تعيد الاعتبار إلى النقد الفني والثقافي بواسطة اللوحة التشكيلية لغاية الوقوف على أفكار معيّنة يحملها الفنان حول الحياة والواقع والثقافة والمجتمع.
منظومات تشكيلية
هذه الوجوه بكل حمولاتها الثقافية والعاطفية والإبداعية، وحتى التاريخية، تحاول أن تندمج في منظومات تشكيلية تنطبع بالحزن في بعض الأحيان، وبالألم في أخرى، كما تنطبع أيضًا بالفرح والسعادة في حالات منفردة أو قليلة جدًا.
إن قراءة اللوحة عند الفنان الأزهر لا يمكنها أن تكون قراءة عادية أو متسرعة في الحكم على محتوياتها وعناصرها التشكيلية واللغوية إن وجدت في بعض الأحيان، لأننا سنكون أمام أحكام قيمة، وهذا ما سيجعلنا لا نعطيها حقها في النقد والقراءة.
إن هذه اللوحة تجيب عن سؤال أساسي، متعلّق بسؤال الهوية الفردية لدى الفنان نفسه، وبالوجود الإنساني عامة، لأن اختيار العين والوجه وتعدد اللقطات والمواقف والأشكال والمستويات والمواضع والطرائق التي يقدم بها الفنان الوجوه والعيون لم يكن اعتباطيًا من طرفه، وإنما يقوم على أساس ثقافي وفكري يخضع لوعي مسبق لدى الفنان بأهمية الوجه والعين لدى الفرد ولدى الوعي المجتمعي عامة.
إن الإنسان عند الأزهر يتحدد من خلال أعضائه المثيرة فيه، هي العين والوجه وما يضمه من أعضاء، حيث إن هذا الجزء الصغير من الجسم الإنساني هو الذي يضم أغلب الحواس، وخاصة النظر والشم والذوق، وهي حواس تعبّر عن مكامن الشهوة والرغبة لديه، باعتبارها المحرض الأول على سلوك طريق الإغواء والإغراء، والبحث عن فريسة محتملة. وبالنظر يمكن للشخص، سواء كان ذكرًا أم أنثى، أن يعبّر عن رغبته في الآخر والتعلق به وإثارته. وبالشم يعبّر عن رغبته في الحصول على ما يثير شهيته الشمية، وبالذوق أيضًا يعبّر عن شهوته البطنية التي لا يستطيع مقاومتها أو كبحها، مهما تصنَّع ذلك أو ادعى غيرها.
ثلاث مراحل
تعبّر اللوحة التشكيلية عند الأزهر عن شخصيات دقيقة تقفز من اللوحة إلى خارجها عبر طريقة رؤيوية أسسها في أزمور، مدينته الأثيرة، وسافرت إلى العالم لتقدّم تجربة فنية تعبّر عن الحب والعشق لمدينة يعشش حبّها في قلب الفنان.
يقول الفنان عن تجربته الفنية التي عمرت لعقود ترك خلالها بصماته في الفن التشكيلي المغربي الخالص، وأعطته زخمًا فنيًا وثقافيًا قلّ نظيره عند كثير من الفنانين التشكيليين المغاربة الذين تأثروا بالمدارس الغربية المنتشرة في العالم: «اتسمت تجربتي بثلاث مراحل؛ الأولى ابتدعت فيها إنسانًا من دون ملامح هو أنا، أنت أو هو. إنسان خنثى: رجل/ امرأة. هذا العالم غلب عليه السواد الذي خرجت منه شخوص تجري في مربعات عمودية وأفقية بإيقاعات سائلة من لون واحد هو الأسود. ثم شيئًا فشيئًا بدأت تظهر رموز مصاحبة كموسيقى داخلية تتمثل في السهم والساعة.
هذه الأخيرة كانت الجسر الذي عبرت به إلى أرضي الثانية، التي تميزت بغزارة الألوان وتدرجها في منحى السيولة والمحو، فانمحت الشخوص وبقيت الأرقام/ الإنسان الرموز، ثم من الرقم انتقل الإنسان إلى الكتاب، وهنا اشتغلت على إيقاع التراص والتنضيد. أما لاحقًا فوظفت العين التي ترمز دائمًا إلى الإنسان. والآن تحولت العيون في تركيبات مختلفة وسط مربعات/ نوافذ، فخلقت وجوها بحكم حركية التجاور والتنضيد.
مسارات ضرورية
غير أن هذه الوجوه من دون ملامح تتغيّر أوضاعها بمنطق الطبيعة الميتة، ثم انضافت نبتة إلى جانب العين، الإنسان/ الطبيعة، كاشفة لنا حيوات تجربة الأزهر التشكيلية دينامية الرؤيا للعالم النابعة من الجسد والمعرفة البصرية والرمزية والحدس الفني، وهي مسارات ضرورية لبناء طرائق جديدة للنظر، لا تكتفي بتكرار نفسها كما يحدث مع كثير من الرواد المغاربة أو استنساخ تجارب الآخر.
فدرس الرسام الجمالي هو ضرورة التأمل في جنون الزمن/ الحركة، الذي يبتلع العين المعاصرة والإنسان الذي يحملها من دون مسح الغبار الذي يعيق رؤيته لنهاية الطريق. التأثير أفسّره بالتجريد، لأنه اختزال للجماد والطبيعة، حتى لا يبقى منها سوى الجوهر. والفنان يعيش في حركية العالم شاء أم أبى. فأنا أتغذى بالمشاهدة اليومية الضرورية للتشكيل، إذ لا بد من تراكم ما تلتقطه العين لخلق لغة شخصية. وفي رؤيتي أستفيد من الرواد ومن جيلي وجيل الشباب أيضًا؛ وهذا ليس عيبًا».
إن الدينامية التي يشتغل بها الأزهر تدفعه إلى العمل على التجديد في لوحته التشكيلية والخروج كل يوم بالجديد، حيث يعمل جاهدًا على عدم تكرار نفسه، ورغم استخدامه المتكرر للوجوه والعيون في لوحاته، فإنه يجدِّد في ذلك، حيث يدخل عناصر جديدة ومختلفة على لوحاته، مثل الورد والأزهار، وغيرها من العناصر الطبيعية وغير الطبيعية التي تمنح لوحاته التشكيلية سمات مختلفة عن كل ما أبدعه من قبل. إنه فنان مجدد ومبدع من طراز مختلف استطاع رفع أسهمه في مجال اشتغاله .
وجوه وعيون محدقة
الوجه والوردة