الأرض سفينة مبحرة بلا توقف
الأرض هي ثالث كوكب من كواكب المجموعة الشمسية بعد عطارد والزهرة من حيث القرب من الشمس، تعرف هذه الكواكب، إضافة إلى المريخ، بمجموعة الكواكب الداخلية أو الأرضية، إذ إنها تشبه الأرض في تركيبها الداخلي.
وهنالك 4 كواكب أخرى خارجية أو غازية بعيدة، هي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون. أما بلوتو، فقد قرر الاتحاد العالمي لعلم الفلك إخراجه من منظومة الكواكب عام 2006، لأن مداره تقاطع مع مدار نبتون خلال ثمانينيات القرن الماضي، وأطلق عليه مع مجموعة أخرى من الأجرام السماوية اسم «الكواكب القزمة».
الكواكب القريبة من الشمس لا تصلح للحياة، لأن حرارتها قد تكون كافية لصهر بعض المعادن، أما الكواكب الخارجية فحرارتها متدنية جدًا، وقد لا تناسب الحياة.
توجد الحياة حيث يتوافر الماء بصورته السائلة، وهذا محقق في الوقت الحاضر على سطح الأرض فقط.
إن حرارة سطح الشمس التي تساوي حوالي 5800 كلفن وبُعد الأرض عنها، الذي يساوي حوالي 150 مليون كيلومتر، جعلا دفء سطح الأرض مناسبًا لوجود الماء السائل عليها وكذلك الحياة.
والأرض كروية الشكل مثل بقية الكواكب والنجوم، لكن كرويتها ليست مثالية، فهي مفلطحة إلى حد ما، حيث يزيد قطرها عند خط الاستواء بحوالي 40 كيلومترًا عنه عند القطبين، وهي زيادة صغيرة نسبيًّا، ولذلك، فإننا نعامل الأرض في الحسابات الرياضية معاملة الكرة المثالية.
يقسم خط الاستواء سطح الكرة الأرضية إلى قسمين متماثلين؛ شمالي وجنوبي، أما محور الأرض فيمر من القطبين الشمالي والجنوبي، ويمر أيضًا في مركز الأرض. ويمكن تحديد مواقع المدن والأماكن الأخرى على سطح الأرض من خلال خطوط الطول وخطوط العرض.
وخطوط العرض عبارة عن دوائر أفقية على سطح الأرض موازية لخط الاستواء نحو الشمال والجنوب، ويتناقص محيطها بصورة تدريجية، حيث ينعدم عند القطبين.
يستخدم خط الاستواء مرجعًا لقياس هذه الخطوط، وخط عرضه يساوي الصفر، أما القطب الشمالي فخط عرضه يساوي (+90) درجة، في حين يساوي خط عرض القطب الجنوبي (-90) درجة.
خطوط الطول والعرض
تقاس خطوط العرض من خلال زوايا عند مركز الأرض، فمثلًا خط عرض مدينة القدس (عاصمة فلسطين) يساوي 32 درجة تقريبًا، وكذلك جميع المدن التي تقع على الدائرة على سطح الأرض التي تمر من مدينة القدس والموازية لخط الاستواء.
أما خطوط الطول فأنصاف دوائر على سطح الأرض تمر من القطبين الشمالي والجنوبي، وتسمى أيضًا بخطوط الزوال، لأن الشمس تكون عمودية عليها وقت الزوال أو الظهيرة، أي الساعة 12 ظهرًا، وتستخدم هذه الخطوط لضبط الوقت في العالم، حيث اعتبر خط زوال جرينتش في ضواحي لندن هو المرجع لقياس التوقيت الدولي.
تدور الأرض أو تلف دورة كاملة (360 درجة) خلال اليوم (24 ساعة)، وهكذا فإن الساعة الواحدة تعادل دوران الأرض 15 درجة، وبالتالي، فإن الأرض بحاجة إلى 4 دقائق لتدور أو تلف درجة واحدة.
ولتحديد المواقع بصورة أدق، فقد تم تقسيم الدرجة إلى 60 دقيقة، وتقسيم الدقيقة إلى 60 ثانية مثل الساعة تمامًا. إذا وقعت المدينة على خط طول 15 درجة شرق لندن، فإن توقيتها يسبق توقيت جرينتش بساعة واحدة، أما إذا وقعت على خط طول 15 درجة إلى الغرب من لندن، فإن توقيتها يتأخر ساعة واحدة عن توقيت جرينتش، وهكذا.
ويسبق خط طول 180 درجة شرق لندن توقيتها بـ 12 ساعة، أما خط طول 180 درجة غربها (وهو الخط السابق نفسه) فيتأخر عن توقيت لندن بـ 12 ساعة.
يعرف هذا الخط الذي يقع في المحيط الهادئ بعيدًا عن المدن المأهولة بالسكان باسم خط التاريخ الدولي. إذا عبر الشخص هذا الخط فيجب عليه تغيير التاريخ بيوم واحد. وإذا تحرك نحو الشرق فإنه يخسر يومًا كاملًا، أما إذا قطعه نحو الغرب فإنه يربح يومًا كاملًا.
هناك بعض الأفراد والمجموعات لا يؤمنون بكروية الأرض، ويقولون إنها مسطحة. لكن الفلكي والعالم المسلم أبو حيان البيروني تمكّن من قياس نصف قطر الأرض قبل أكثر من 10 قرون، وقد استخدم الإسطرلاب لقياس زاوية غروب الشمس، وأسماها زاوية «انحطاط الشمس» من قمة جبل عال، واستخدم قوانين الزوايا المثلثية لحساب نصف قطر الأرض، وحصل على نتيجة دقيقة.
حركة الأرض
تلف الأرض أو تغــزل حول محــــورهــا، كمـــا أنها تدور حول الشمس، ونبسّـــط حركـــة إلكترونات الذرات في دروس مادة العلوم بالقول إن حركتها مغزلية ودورانيـــة تشبه حركة الأرض.
ويمكن حساب سرعة الأرض بواسطة قوانين الحركة البسيطة التي تقول إن السرعة تساوي حاصل قسمة المسافة على الزمن.
ففي حالة الحركة المغزلية، تدور الأرض دورة كاملة واحدة حول محورها خلال 24 ساعة، أما المسافة التي تتحركها النقاط على سطح الأرض أو الأجسام فمختلفة، وتعتمد على خط العرض، تكون المسافة أكبر ما يمكن عند خط الاستواء.
إن طول خط الاستواء يساوي حوالي 40070 كيلومترًا، وتساوي سرعة الأرض والأجسام عند خط الاستواء حوالي 1760 كيلومترًا/ ساعة، وهذه سرعة كبيرة جدًا وتفوق سرعة بعض الطائرات، وتنقص تلك السرعة كلما اتجهنا شمالاً أو جنوبًا، وتنعدم عند القطبين، حيث محور الدوران. فمثلًا تكون السرعة في مدينة القدس (خط عرض 32 درجة) حوالي 1416 كيلومترًا/ ساعة.
إطار مرجعي
قد يستغرب البعض لأننا لا نشعر بهذه السرعة الكبيرة، لكن السبب واضح، إذ إن كل شيء حولنا يتحرك بالسرعة نفسها، ولا يوجد ما أسماه آينشتاين في نظرية النسبية بالإطار المرجعي للمقارنة والقياس، وتشبه هذه الحالة حالة المسافر في الطائرة، إذ إنه لا يشعر بالسرعة الكبيرة للطائرة في الجو، لعدم وجود الإطار المرجعي، أما عند الإقلاع أو الهبوط، ومع وجود إطار مرجعي (أي شيء خارج الطائرة) فإنه يشعر بسرعة كبيرة مخيفة.
تسهّل سرعة الأرض الكبيرة عند خط الاستواء عملية إطلاق الصواريخ والمركبات الفضائية إلى الفضاء الخارجي. وتزيد، وفق قوانين الحركة، سرعة الصاروخ عند إطلاقه باتجاه حركة الأرض بمقدار سرعتها.
يقع مركز كنيدي للفضاء الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق الصواريخ والمركبات الفضائية في قاعدة كيب كانافيرال على الشاطئ الشرقي بولاية فلوريدا على مقربة من خط الاستواء. وكذلك الحال مع محطة إطلاق الصواريخ ومركبات الفضاء الأوربية التي تقع في غويانا الفرنسية على بعد درجات قليلة من خط الاستواء.
ويختلف الأمر بالنسبة إلى محطة إطلاق الصواريخ التي بناها الاتحاد السوفييتي (سابقًا) في سرية تامة أيام الحرب الباردة في كازاخستان، وذلك لأسباب أمنية وعسكرية.
توقّف الأرض
بالطبع، فإن الأرض لن تتوقف عن حركتها المغزلية حول محورها، لكن ماذا يمكن أن يحدث لو توقفت؟
سيبقى كل شيء عليها بما فيها نحن، وكل شيء آخر يتحرك بنفس سرعتها، وستحدث أمور كارثية. ستنطلق الأشياء مثل قذائف بسرعة الأرض قبل التوقف، وستكون الأمور أسوأ ما يمكن عند خط الاستواء بسبب السرعة الكبيرة.
أما عند القطبين الشمالي والجنوبي فلن يحدث شيء، بسب انعدام السرعة هناك. وقد يضعف المجال المغناطيسي للأرض أو يتلاشى، وتصل كثير من إشعاعات الشمس وخاصة الجسيمات المشحونة، وتسبب مشكلات كثيرة للناس.
حركة مدارية
تدور الأرض حول الشمس في مدار شبه دائري متوسط يساوي نصف قطره حوالي 150 مليون كيلومتر. ويطلق على هذه المسافة في علم الفلك اسم الوحدة الفلكية (AU)، تستخدم الوحدة الفلكية لقياس أبعاد الأجرام السماوية.
وتتغير هذه المسافة بحوالي (0.3 في المئة) خلال العام، والغريب في الأمر أن الأرض تكون أقرب ما يمكن من الشمس في فصل الشتاء، وتكون أبعد ما يمكن منها في أشهر الصيف. إن الفرق بين البعدين يساوي حوالي 5 ملايين كيلومتر.
وقد أطلق العرب على مسار الأرض حول الشمس اسم دائرة البروج، أو دائرة الكسوف. وفي الحقيقة فإننا لا نشعر بحركة الأرض، ونلاحظ أن الشمس وبقية النجوم الأخرى تتحرك من الشرق إلى الغرب، وهذه الحركة هي انعكاس لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق. ويطلق أيضا على المدار اسم المدار الوهمي للشمس. ويمكن حساب متوسط سرعة الأرض في مدارها حول الشمس ببساطة، وتساوي حوالي 30 كيلومترًا/ ثانية، أي حوالي 108 آلاف كيلومتر/ ساعة.
ونحن لا نلاحظ ولا نشعر بهذه السرعة الكبيرة جدًّا، بسبب عدم وجود إطار مرجعي، إذ إن كل شيء يتحرك مع الأرض. وتكون سرعة الأرض في يناير، بسبب قربها من الشمس، أكبر بحوالي كيلومتر/ ساعة من سرعتها في الصيف.
ويؤدي تغير سرعة الأرض إلى اختلاف الوقت، وهكذا فإن أطول يوم خلال العام يزيد بحوالي 4 دقائق عن أقصر يوم. تستخدم ساعاتنا متوسط الزمن الشمسي، ولذلك فهنالك خلاف بسيط بينها وبين الساعة الشمسية (المزولة) التي تقيس الزمن الحقيقي تبعًا لحركة الأرض.
الفصول الأربعة
يميل محور الأرض التي تلف حوله عن محور دائرة البروج التي تدور فيها الأرض حول الشمس بحوالي 23.5 درجة. ويؤدي هذا الميلان إلى أن يكون النصف الشمالي من الكرة الأرضية مقابلًا للشمس في الصيف، حيث الحرارة وأيام النهار الطويلة.
وتكون الشمس في بداية الصيف عمودية على مدار السرطان في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (خط عرض 23.5 درجة)، لكنّ الأمر يكون مختلفًا في النصف الجنوبي البعيد عن الشمس، حيث فصل الشتاء وساعات النهار القصيرة نسبيًا. وينعكس الأمر بعد 6 أشهر، حيث يسود الشتاء في النصف الشمالي البعيد عن الشمس، ويكون الصيف في النصف الجنوبي المقابل للشمس.
تكون الشمس في بداية الفصل عمودية على مدار الجدي (خط عرض 23.5 درجة)، وتكون الشمس في بداية فصل الربيع (21 مارس) عمودية على خط الاستواء، ويتكرر الأمر ثانية بعد 6 أشهر في بداية فصل الخريف (21 سبتمبر)، حيث تعود عمودية مرة ثانية على خط الاستواء.
تسود خلال فصلي الربيع والخريف أحوال جوية معتدلة، ويتساوى الليل والنهار تقريبًا في معظم مناطق نصفي الكرة الأرضية. لكن الأمر يختلف في منطقتي القطبين الشمالي والجنوبي، حيث تشرق الشمس على المنطقة الأولى في بداية الربيع، وتستمر لنحو 6 أشهر، ويسود الليل المنطقة الثانية، وينعكس الأمر بعد 6 أشهر، حيث يسود الليل في القطب الشمالي والنهار في القطب الجنوبي.
كما تشرق الشمس من الشرق تمامًا في بداية فصلي الربيع والخريف، حيث تكون عمودية على خط الاستواء. ومع مرور أيام الصيف فإنها تتجه نحو الشمال بصورة تدريجية، لتشرق مبتعدة قليلاً عن الشرق الحقيقي، ويستمر هذا الأمر حتى بداية فصل الصيف (21 يونيو)، حيث تصل إلى أقصى نقطة نحو الشمال، ثم تبدأ رحلة العودة إلى الشرق.
وتشرق مرة أخرى من الشرق تمامًا في بداية الخريف (21 سبتمبر)، وتتجه بعد ذلك، مع مرور أيام الشتاء، نحو الجنوب، لتصل إلى أقصى نقطة في الجنوب مع بداية فصل الشتاء، (21 ديسمبر). وتعود مرة أخرى نحو الشرق، وهكذا تستمر حركتها وشروقها أيامًا بعد أيام .