«الرواية والقيَم» استئناف البحث في أبعاد الرواية العربية

«الرواية والقيَم» استئناف البحث في أبعاد الرواية العربية

لا‭ ‬يزال‭  ‬الباحث‭   ‬والأكاديمي‭ (‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬لطيف‭ ‬زيتوني‭) ‬يواصل‭ ‬مسيرته‭ ‬البحثية‭ ‬في‭  ‬السرديات‭ ‬العربية،‭ ‬ويصدر‭ ‬كتبًا‭ ‬وأبحاثًا‭ ‬منذ‭ ‬أواسط‭   ‬التسعينيات‭   ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

صدرت‭ ‬لزيتوني‭ ‬الأعمال‭ ‬الآتية‭: ‬الرواية‭ ‬العربية؛‭ ‬البنية‭  ‬وتحولات‭ ‬السرد‭ (‬2012‭)‬،‭ ‬معجم‭  ‬مصطلحات‭ ‬نقد‭ ‬الرواية‭ (‬2002‭)‬،‭ ‬وسيمياء‭ ‬الرحلة‭ (‬بالفرنسية،‭ ‬1997‭)‬،‭ ‬وحركة‭ ‬الترجمة‭  ‬في‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ (‬1994‭)‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬عشرات‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السرديات‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬توالى‭ ‬صدورها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬المجلات‭ ‬العربية‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الأكاديمي‭. ‬أما‭ ‬الكتاب‭ ‬الأخير،‭ ‬وهو‭  ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الرواية‭ ‬والقيَم‮»‬‭ (‬2018‭) ‬والصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الفارابي،‭ ‬والذي‭ ‬سوف‭ ‬نعرض‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يأتي،‭ ‬فيمثّل‭ ‬وقفة‭ ‬تأملية‭ ‬لازمة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أبعاد‭ ‬الرواية‭  ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬عنيتُ‭ ‬القيَم،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الإشكاليات‭ ‬النامية‭ ‬إلى‭ ‬النوع‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭  ‬الأدبي‭ (‬الرواية‭) ‬الجديد‭ ‬–‭ ‬نسبيًا‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬التبئير،‭ ‬ودرس‭ ‬الشخصيات،‭ ‬والحبكة‭ ‬القصصية،‭ ‬وأنواع‭ ‬الخطاب،‭ ‬وغيرها‭ ‬مما‭ ‬حفلت‭ ‬به‭ ‬الروايات‭ ‬العربية،‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬،على‭ ‬قولة‭ ‬البعض‭ (‬‮«‬وي‭ ‬إني‭ ‬لستُ‭ ‬بأجنبي‮»‬‭ ‬،خليل‭ ‬الخوري‭)‬،‭ ‬وحتى‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬ولعشرين‭ ‬و‭ ‬صدور‭ ‬آخر‭ ‬رواية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ (‬‮«‬في‭ ‬أثر‭ ‬غيمة‭ ‬‮«‬حسن‭ ‬داوود،‭ ‬2017‭)‬،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

ولكن‭ ‬الكاتب‭ ‬لطيف‭ ‬زيتوني‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المعترك‭ ‬يلزمه‭ ‬مدخل‭ ‬،وأنّ‭ ‬خير‭ ‬المداخل‭ ‬هو‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬دور«الروائي‭ ‬المثقّف‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القيَم‭ ‬الإنسانية‭  ‬وفي‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬المضادة‭ ‬معًا‭.. ‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬زيتوني‭  ‬على‭  ‬دور‭ ‬الرواية‭ ‬المتعاظم‭ ‬في‭ ‬‮«‬التوعية‭ ‬على‭ ‬الواقع‭... ‬وعلى‭ ‬المسائل‭ ‬الاجتماعية‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬صلاحيتها‭ ‬لحمل‭ ‬‮«‬التوعية‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬الشاملة‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬محدودية‭ ‬العلوم‭ ‬العلمية‭ ‬وحصرية‭ ‬فائدتها‭ ‬التي‭ ‬تطاول‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬والمتعلمين‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء،‭ ‬وفقًا‭ ‬لآخر‭ ‬الدراسات‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المثقف،‭ ‬فيفرد‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ (‬ص‭:‬13‭-‬79‭) ‬للكلام‭ ‬على‭ ‬‮«‬تحولات‭ ‬المثقّف‮»‬،‭ ‬فيذكر‭ ‬زيتوني‭ ‬كيف‭ ‬تحوّل‭ ‬مفهوم‭ ‬المثقف،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬زولا‮»‬‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬القلم‭ ‬الذين‭ ‬دافعوا‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬ألفرد‭ ‬درايفوس،‭ ‬إلى‭ ‬جورج‭ ‬كليمنصو‭  ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬السبق‭  ‬في‭  ‬إطلاق‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬المثقفين‮»‬‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬معينة‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬فيعزز‭  ‬بذلك‭ ‬الأمل‭ ‬بالمستقبل‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬التعريف‭ ‬الذي‭ ‬أداه‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬في‭ ‬ربطه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬ووظيفته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بل‭ ‬السياسية‭ ‬بالمقام‭ ‬الأول‭.‬

ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تناول‭ ‬الكاتب‭ ‬رأي‭ ‬جوليان‭ ‬بندا‭ (‬1927‭) ‬في‭ ‬المثقفين‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬هم‭ ‬‮«‬كلّ‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يسعون‭  ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬سعادتهم‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الفن‭ ‬أو‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬التأمّل‮»‬‭. ‬وما‭ ‬عتم‭ ‬أن‭ ‬عدّل‭ ‬تعريفه‭ ‬المثقفين‭ ‬بتعيين‭ ‬وظيفتهم‭  ‬في‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القيَم‭ ‬الموضوعية‭ ‬والثابتة‮»‬‭ (‬1946‭). ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬أفرد‭ ‬الكاتب‭  ‬زيتوني‭  ‬مكانا‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المثقف‭ ‬العضوي‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬المفكّر‭ ‬الإيطالي‭ ‬اليساري‭ ‬الماركسي‭ ‬أنطونيو‭ ‬غرامشي،‭ ‬فاعتبر‭ ‬الأخير،‭ ‬بحسب‭ ‬زيتوني،‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬كلّ‭ ‬فئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ناشئة‭ ‬من‭... ‬بنية‭ ‬اقتصادية‭ ‬سابقة،‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬محتاجة‭ ‬إلى‭ ‬مثقفين‭  ‬يضمنون‭ ‬تماسكها‭ ‬ويرسخون‭ ‬وعيها‭ ‬لوظيفتها‮»‬‭ (‬ص‭:‬25‭) ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬ينمي‭ ‬التعريفات‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ساقهاعلى‭ ‬لسان‭ ‬المفكرين‭ ‬المذكورين،‭ ‬فيتوقف‭ ‬لدى‭ ‬تعريف‭ ‬الكاتب‭ ‬الوجودي‭ ‬سارترللمثقفين‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬المتعلمون‭ ‬الذين،‭ ‬وإن‭ ‬أوتوا‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬بفضل‭ ‬الطبقة‭ ‬البورجوازية‭ ‬وصاروا‭ ‬اختصاصيي‭ ‬معرفة‭ ‬فإنهم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المعرفة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تناقض‭ ‬خصوصية‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ (‬ص‭:‬31‭).‬

‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يعرّج‭ ‬على‭ ‬تصوّر‭ ‬المفكر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬للمثقف‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬معياري‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬ويواجه‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يتعمد‭ ‬خرقهما‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة،‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ميشال‭ ‬فوكو‭ ‬للمثقف‭ ‬الخاص،‭ ‬الذي‭ ‬يؤهله‭ ‬علمه‭ ‬أن‭ ‬يتولّى‭ ‬مهام‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة،‭ ‬‮«‬ويتمرّد‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬كلما‭ ‬اصطدمت‭ ‬بالحقيقة‮»‬‭ (‬ص‭:‬41‭).‬

  ‬ولا‭ ‬يكتفي‭ ‬الكاتب‭ ‬زيتوني،‭ ‬من‭  ‬دراسته‭  ‬المعمقة‭ ‬والشاملة‭  ‬لمفهوم‭  ‬المثقف‭  ‬كما‭  ‬وردت‭  ‬لدى‭ ‬المفكرين‭ ‬والفلاسفة‭  ‬الغربيين،‭ ‬إنما‭ ‬تراه‭ ‬يعرض،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬بانورامي،‭ ‬لتصورات‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬المعاصرين،‭ ‬علمانيين‭ ‬وإسلاميين،‭ ‬لمفهوم‭ ‬المثقّف‭ (‬الجابري،‭ ‬أركون،‭ ‬نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبوزيد،‭ ‬العلاّم‭) ‬ليخلص‭ ‬إلى‭  ‬أنّ‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬المتعلّم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يلتزم‭ ‬بالمثُل‭ ‬الإنسانية‭ ‬العليا‮»‬‭ (‬ص‭: ‬73‭)‬،‭ ‬ويؤدي‭ ‬أدوارًا‭ ‬عملية‭ ‬من‭  ‬مثل‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬‮«‬زيف‭ ‬البورجوازية‭ ‬المتسترة‭ ‬بالمبادئ‭ ‬العقلانية‮»‬‭ (‬ص‭:‬78‭)‬،‭ ‬ومحاربة‭  ‬الفساد‭  ‬والسهر‭ ‬على‭ ‬‮«‬إعلاء‭ ‬صوت‭ ‬الحقيقة‭ ‬واحترام‭ ‬قيم‭ ‬الحق‭ ‬والعدالة‭ ‬والحرية‭ ‬والتقدم‭...‬‮»‬‭ (‬ص‭:‬79‭).‬

  ‬ولكنّ‭ ‬قارئ‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬المعمقة‭ ‬عن‭ ‬المثقف،‭ ‬شأني،‭ ‬لا‭ ‬يسعه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬تطاول‭ ‬المسلّمة‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬الكاتب‭ ‬زيتوني،‭ ‬وهو‭  ‬اعتباره‭ ‬كاتب‭ ‬الرواية‭  ‬مثقفًا،‭ ‬وملتزمًا‭ ‬–‭ ‬بالضرورة‭ ‬–‭ ‬قضايا‭ ‬مجتمعه‭ ‬ومدافعًا‭ ‬عن‭ ‬قيَم‭ ‬الحق‭ ‬والعدالة‭ ‬والحرية،‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬لنا‭ ‬الحديث‭ ‬عنها،‭ ‬من‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬يدرك‭  ‬كلّ‭ ‬كاتب‭ ‬رواية‭ ‬أنه‭ ‬مثقّف،‭ ‬كامل‭ ‬الأوصاف‭ ‬؟‭ ‬ثمّ‭ ‬هل‭ ‬يعتبر‭ ‬كلّ‭ ‬روائي‭ ‬نفسه‭ ‬ملتزمًا‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القيَم‭ ‬والمثُل‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبرى،‭ ‬في‭ ‬رواياته؟‭ ‬ولئن‭ ‬صحّ‭ ‬هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬–‭ ‬وههنا‭  ‬نخصّ‭ ‬بالذكر‭ ‬العربَ‭ ‬–‭ ‬فماذا‭ ‬نقول‭ ‬عمّن‭ ‬قصد‭ ‬إلى‭ ‬التملّص‭ ‬من‭ ‬الالتزام،‭ ‬بل‭ ‬التمرّد‭ ‬عليه‭ ‬باسم‭  ‬الفردانية‭ ‬يتصدّى‭ ‬بها‭ ‬للرؤية‭ ‬السياسية‭ ‬الجماعية‭ (‬الاشتراكية،‭ ‬العروبية،الإسلامية‭...‬إلخ‭) ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬الكتابات‭ ‬الروائية‭ ‬في‭ ‬ظهرانيهم؟‭ ‬ولنا‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬لبنانيين،‭ ‬جلّ‭ ‬قضاياهم‭ ‬محصور‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬الفرد‭ ‬وانفصاله‭ ‬الحاد‭ ‬عن‭ ‬محيطه‭ ‬وإطاره‭ ‬العائلي‭ (‬‮«‬ليرننغ‭ ‬إنغلش‮»‬‭ ‬لرشيد‭ ‬الضعيف،‭ ‬مثلا‭). ‬وفي‭ ‬التصدّي‭ ‬لمسائل‭  ‬فلسفية‭  ‬ذاتية،‭ ‬كاستحالة‭  ‬الفرد‭  ‬استعادة‭  ‬لحظات‭  ‬الحب‭   ‬أو‭ ‬استحضار‭ ‬الحبيب‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ (‬‮«‬نقّل‭ ‬فؤادك‮»‬،‭ ‬2015،‭ ‬و«في‭ ‬أثر‭ ‬غيمة‮»‬،‭ ‬2017،‭ ‬لحسن‭ ‬داوود‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬الرفض‭   ‬الصارخ‭ ‬لكلّ‭ ‬زمن‭ ‬الالتزام‭ (‬اليساري‭ ‬والإسلامي،‭ ‬والجماعي‭ ‬العام‭) ‬من‭  ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬فردانية‭  ‬ومزاجية‭ ‬حادّة‭ (‬نساء‭ ‬بلا‭ ‬أثر،‭ ‬لمحمد‭ ‬أبي‭ ‬سمرا،‭ ‬2017‭). ‬أم‭ ‬نعتبر‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬النزعات‭ ‬الفردية‭ ‬تمثيلٌ‭ ‬لقيمة‭ ‬الحرّية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬عملة‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬الميّالة‭ ‬إلى‭ ‬التوتاليتارية‭ ‬أو‭ ‬التيوقراطية؟‭ ‬أم‭ ‬ندع‭ ‬خانة‭ ‬للمثقف‭ ‬غير‭ ‬الملتزم‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬لزاما‭ ‬استثمار‭ ‬روايته‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬رؤيته‭ ‬الفنية‭ ‬وعالمه،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬‮«‬الاتجاه‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬تنأى‭ ‬فيه‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬–‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭ ‬–‭ ‬غير‭ ‬دور‭ ‬الفن‭..‬‮»‬‭ (‬ص‭:‬167‭)‬؟

‭ ‬ولكن‭ ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬الروائيين‭ ‬العرب‭ ‬المتمرّدين‭ ‬على‭  ‬وظيفة‭ ‬صنيعهم‭ ‬الأدبي‭ (‬الرواية‭) ‬الاجتماعية،‭ ‬والذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬متأنية،‭ ‬فإنّ‭ ‬الكاتب‭ ‬لطيف‭ ‬زيتوني‭ ‬يواصل‭ ‬بسط‭ ‬نظريته‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬المحمولة‭ ‬عبر‭ ‬الرواية،‭ ‬فيخصّ‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ (‬ص‭:‬81-135‭) ‬‮«‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬القيَم‭ ‬الإيجابية‮»‬،‭ ‬والفصل‭ ‬الثالث‭ ‬بالكلام‭ ‬على‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬على‭ ‬القيَم‭ ‬المضادة‮»‬‭ (‬ص‭:‬137‭-‬226‭). ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني،‭ ‬يجري‭ ‬الباحث‭ ‬زيتوني‭ ‬فصلا‭ ‬بين‭ ‬القيَم‭ ‬والأخلاق؛‭ ‬فيعتبر‭ ‬أنّ‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬أفكار‭ ‬عامة‭ ‬ضرورية‭ ‬لوجودنا‭ ‬وتطورنا،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالصواب‭ ‬والخطأ‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يشعرنا‭ ‬بالخجل‭  ‬والفخر‭...‬‮»‬‭ (‬ص‭:‬89‭). ‬أما‭ ‬الثانية،‭ ‬أي‭ ‬الأخلاق‭   ‬فهي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬والسلوك‭ ‬والطقوس‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬معيّن‭ ‬دون‭  ‬آخر‭ . ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يبيّن‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الروايات‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬ثناياها‭ ‬قيمًا‭ ‬إنسانية،‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬المال‭ ‬والصداقة‭ ‬والحب،‭ ‬والحذر‭ ‬والعدالة،‭ ‬والقوة،‭ ‬والاعتدال‭ ‬وغيرها،‭ ‬يذكر‭ ‬أنّ‭ ‬الأخلاق،‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬غير‭ ‬المتقدمة‭ ‬كمجتمعاتنا‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تشكّل،‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬حائلا‭ ‬دون‭ ‬المس‭ ‬ببعض‭ ‬المعتقدات‭ ‬غير‭ ‬السليمة؛‭ ‬ولنا‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬‮«‬أولاد‭ ‬حارتنا‮»‬‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬و«الشميسيى‮»‬‭ ‬لتركي‭ ‬الحمد،‭ ‬و«مدن‭ ‬الملح‮»‬‭ ‬لعبدالرحمن‭ ‬منيف،‭ ‬و«سفينة‭ ‬حنان‭ ‬إلى‭ ‬القمر‮»‬‭ ‬لليلى‭ ‬بعلبكي‭.‬

ولكنّ‭ ‬الدرس‭ ‬المستفاد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ (‬الثاني‭) ‬ليس‭ ‬اتضاح‭ ‬الفروق‭ ‬بين‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬فحسب،‭ ‬وليس‭ ‬تقرير‭ ‬الباحث‭ ‬زيتوني‭ ‬بقدرة‭ ‬الرواية‭ ‬المتقنة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬القيَم‭ ‬الإيجابية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬إثباته‭ ‬المبنيّ‭ ‬على‭ ‬محاجّة‭ ‬مفحمة‭ ‬بأنّ‭ ‬الرواية‭ ‬عمل‭ ‬تربوي‭ ‬بامتياز‭ ‬أيضا،‭ ‬وبأنها‭ ‬تخدم‭ ‬تنمية‭ ‬موسوعية‭ ‬القارئ،‭ ‬بحسب‭ ‬أومبرتو‭ ‬إيكو،‭ ‬أيا‭ ‬يكن‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬يعمل،‭ ‬وبأنها‭ ‬تنمّي‭ ‬معرفته‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه،‭ ‬وبأقلّ‭ ‬الطرائق‭ ‬قسرًا‭.‬

  ‬أما‭ ‬الدرس‭ ‬المستفاد‭  ‬من‭  ‬الفصل‭  ‬الثالث،‭ ‬وعنوانه‭  ‬‮«‬الثورة‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬المضادة‮»‬‭ ‬فهو‭  ‬أنّ‭ ‬التزام‭  ‬الأدب،‭  ‬والرواية‭ ‬بالأخص،‭ ‬بقضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬والمجتمع‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيه،‭ ‬وإن‭ ‬تعددت‭ ‬أنواع‭  ‬الروايات‭ (‬الرواية‭ ‬الطريحة،‭ ‬والرواية‭ ‬الملتزمة‭)‬،‭ ‬وتبدّلت‭   ‬فيها‭  ‬الأقنعة‭ (‬الحيوان،‭ ‬المجنون،‭ ‬الزمن،‭ ‬المكان،‭ ‬والاسم‭ ‬المستعار‭. ‬وأنّ‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬–‭ ‬عبر‭ ‬الرواية‭ ‬هذه‭ ‬الوسيطة‭ ‬المثالية‭ ‬–‭ ‬كفيل،‭ ‬بحسب‭ ‬زيتوني،‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬يحمي‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬شريعة‭ ‬القوة‮»‬‭ (‬ص‭:‬222‭) ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ملاحظة‭  ‬جديرة‭  ‬بأن‭  ‬تذكر‭  ‬وهي‭ ‬أنّ‭ ‬الثقل‭ ‬والعمق‭ ‬النظريين‭ ‬اللذين‭ ‬اتّسمت‭ ‬بهما‭ ‬الدراسة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والفصلين‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ ‬بخاصة،‭ ‬لم‭ ‬ترفدهما‭ ‬أمثلة‭ ‬كافية،‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬روايات‭ ‬عربية‭ ‬قديمة‭ ‬وحديثة،‭ ‬تيسيرًا‭ ‬للفهم‭ ‬وترسيخًا‭ ‬للإثبات‭.‬

‭ ‬يبقى‭ ‬أن‭ ‬يُخضع‭ ‬قرّاء‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬المستفيض،‭ ‬للكاتب‭ ‬والأكاديمي‭  ‬لطيف‭ ‬زيتوني،‭ ‬للمزيد‭  ‬من‭  ‬التفحص‭ ‬والتدقيق،‭ ‬وبين‭ ‬أيديهم‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭ ‬الروايات‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬التي‭ ‬يتوالى‭ ‬صدورها‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬بكثرة‭ ‬لافتة‭ .