اليمن في الذاكرة الفرنسية

اليمن في الذاكرة الفرنسية

  ‬‮«‬العربية‭ ‬السعيدة‮»‬‭ ‬اسم‭ ‬أطلقه‭ ‬اليونان‭ ‬والرومان‭ ‬على‭ ‬بلاد‭ ‬جنوب‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬واستمر‭ ‬متداولاً‭ ‬حتى‭ ‬مطلع‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬الرحالة‭ ‬الإيطالي‭ ‬لودوفيكو‭ ‬فارتيما‭ (‬1470‭ ‬‭ ‬1517‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬زار‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬يخصص‭ ‬فصلين‭ ‬ضمن‭ ‬رحلاته؛‭ ‬الأول‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬الصحراوية‮»‬،‭ ‬والثاني‭ ‬‮«‬بلاد‭ ‬العربية‭ ‬السعيدة‮»‬‭.‬

كان‭ ‬للإشارات‭ ‬والحكايات‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬والمصادر‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬عن‭ ‬العربية‭ ‬السعيدة‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬النظر‭ ‬إليها،‭ ‬بوصفها‭ ‬مكانًا‭ ‬سحريًا‭ ‬وعجيبًا‭ ‬يثير‭ ‬خيال‭ ‬القراء‭ ‬والمستمعين‭ ‬حتى‭ ‬بدايات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

وترجع‭ ‬أقدم‭ ‬هذه‭ ‬الإشارات‭ ‬إلى‭ ‬المؤرخ‭ ‬اليوناني‭ ‬هيرودوت‭ ‬عند‭ ‬محاولته‭ ‬التعريف‭ ‬بهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الغنية‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الطيوب‭ ‬واللبان‭ ‬وتجارة‭ ‬التوابل،‭ ‬فعدّها‭ ‬آخر‭ ‬الأراضي‭ ‬المأهولة،‭ ‬وقدّم‭ ‬وصفًا‭ ‬لحيواناتها‭ ‬وأشجارها‭ ‬وعمليات‭ ‬استخراج‭ ‬الطيوب‭ ‬منها،‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬عجائبية‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الأسطورة‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الواقع؛‭ ‬فهو‭ ‬يذكر،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أن‭ ‬أشجار‭ ‬البخور‭ ‬تحرسها‭ ‬ثعابين‭ ‬صغيرة‭ ‬مجنّحة‭ ‬ذات‭ ‬ألوان‭ ‬زاهية،‭ ‬ويتم‭ ‬إبعادها‭ ‬عند‭ ‬استخراج‭ ‬البخور‭ ‬بواسطة‭ ‬الدخان‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬حرق‭ ‬صمغ‭ ‬الاصطرك‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬الغامضة‭ ‬ولّدت‭ ‬لدى‭ ‬المؤرخين‭ ‬اللاحقين‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تتبّع‭ ‬المعلومات‭ ‬وجمعها‭ ‬لتكوين‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬بلاد‭ ‬جنوب‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فحتى‭ ‬بُعيد‭ ‬النهضة‭ ‬الأوربية‭ ‬وحركة‭ ‬الكشوف‭ ‬الجغرافية‭ ‬كان‭ ‬اليمن‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بلدًا‭ ‬مجهولاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أوربا،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتوافر‭ ‬معرفة‭ ‬دقيقة‭ ‬بطبيعتها‭ ‬الجغرافية‭ ‬والإثنوغرافية‭ ‬سوى‭ ‬المعلومات‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬المصادر‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬مدى‭ ‬صحتها؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬العلماء‭ ‬آنذاك‭ ‬لإرسال‭ ‬المستكشفين‭ ‬للتحقق‭ ‬منها،‭ ‬وتقديم‭ ‬دراسة‭ ‬دقيقة‭ ‬لبلاد‭ ‬جنوب‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كانت‭ ‬الحكومات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬أرشيف‭ ‬معرفي‭ ‬حديث‭ ‬بالعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬استعدادها‭ ‬لمواجهته‭.‬

وتعدّ‭ ‬البعثة‭ ‬الدنماركية‭ (‬1761‭ - ‬1767‭) ‬بقيادة‭ ‬الألماني‭ ‬كارستن‭ ‬نيبور‭ ‬أول‭ ‬بعثة‭ ‬علمية‭ ‬إلى‭ ‬اليمن،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أول‭ ‬اتصال‭ ‬للأوربيين‭ ‬باليمن،‭ ‬فقد‭ ‬سبقتها‭ ‬رحلات‭ ‬وحملات‭ ‬عسكرية‭ ‬وتجارية،‭ ‬بدءًا‭ ‬بمحاولة‭ ‬البرتغاليين‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الشواطئ‭ ‬اليمنية‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬ومرورًا‭ ‬بمجيء‭ ‬الهولنديين‭ ‬والإنجليز‭ ‬والفرنسيين‭ ‬وتأسيس‭ ‬وكالات‭ ‬تجارية‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الشِّحْر‭ ‬والمخا‭ ‬وبيت‭ ‬الفقيه،‭ ‬وانتهاء‭ ‬باحتلال‭ ‬الإنجليز‭ ‬لعدن‭ ‬عام‭ ‬1839‭.‬

 

البن‭ ‬اليمني

تزامن‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأوربي‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬البن‭ ‬اليمني‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬وانتشار‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬وتحوله‭ ‬إلى‭ ‬سلعة‭ ‬تجارية‭ ‬فتحت‭ ‬شهية‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬للتحكم‭ ‬بهذه‭ ‬التجارة،‭ ‬نظرًا‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬تدره‭ ‬من‭ ‬فائض‭ ‬ربحي‭ ‬مهم‭ ‬يضارع‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭ ‬النفط‭ ‬اليوم‭ ‬كعنصر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الاقتصاد‭.‬

وبفضل‭ ‬حبوب‭ ‬البن‭ ‬تحولت‭ ‬مدينة‭ ‬المخا‭ ‬اليمنية‭ ‬إلى‭ ‬قبلة‭ ‬للشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬ومحطة‭ ‬يتزود‭ ‬منها‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬البن،‭ ‬وكما‭ ‬تذكر‭ ‬الباحثة‭ ‬الأمريكية‭ ‬جين‭ ‬هاثواي،‭ ‬‮«‬بحلول‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬انتشرت‭ ‬القهوة‭ ‬انتشارًا‭ ‬واسعًا،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنها‭ ‬جعلت‭ ‬اليمن‭ ‬بلدًا‭ ‬مشهورًا‭ ‬كالشهرة‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬ولاية‭ ‬واشنطن‭ ‬اليوم؛‭ ‬فالقهوة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‮»‬‭. ‬

ضمن‭ ‬مدى‭ ‬هذين‭ ‬البعدين؛‭ ‬العلمي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬يدور‭ ‬كتاب‭ ‬د‭. ‬حميد‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬اليمن‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفرنسية‮»‬‭ (‬مكتبة‭ ‬الآداب،‭ ‬القاهرة،‭ ‬2017‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬مؤلفه‭ ‬إلى‭ ‬الأرشيف‭ ‬الفرنسي‭ ‬مترجمًا،‭ ‬وقدَّم‭ ‬جانبًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬التاريخ‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬اليمن‭ ‬وفرنسا،‭ ‬تضمن‭ ‬الكتاب‭ ‬ستة‭ ‬أبواب‭ ‬تناولت‭ ‬ستة‭ ‬محاور‭: ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الأولى،‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الثانية،‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬المخا،‭ ‬قضية‭ ‬منطقة‭ ‬الشيخ‭ ‬سعيد،‭ ‬الفنارات‭ ‬البحرية،‭ ‬تقارير‭ ‬الرحالة‭ ‬الفرنسيين‭.‬

 

الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية

  ‬عند‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬كانت‭ ‬القهوة‭ ‬اليمنية‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحجاز،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬سورية‭ ‬وإسطنبول،‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬عرفت‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬وبقية‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭. ‬وكان‭ ‬الفرنسيون‭ ‬يحصلون‭ ‬عليها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإنجليز‭ ‬والهولنديين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يجنون‭ ‬أرباحًا‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬تجارتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الفرنسيين‭ ‬إلى‭ ‬الاتصال‭ ‬بالمصدر‭ ‬مباشرة،‭ ‬فقامت‭ ‬شركة‭ ‬الهند‭ ‬الشرقية‭ ‬الفرنسية‭ ‬بإرسال‭ ‬حملة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬سفينتين‭ ‬حربيتين‭ ‬انطلقت‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1708‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬المخا‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬1709‭. ‬

وبمجرد‭ ‬وصول‭ ‬الفرنسيين‭ ‬شرعوا‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬حاكم‭ ‬مدينة‭ ‬المخا‭ ‬دامت‭ ‬أسبوعًا،‭ ‬وأسفرت‭ ‬عن‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬ينظم‭ ‬العلاقة‭ ‬التجارية‭ ‬بينهما،‭ ‬حصل‭ ‬الفرنسيون‭ ‬بموجبه‭ ‬على‭ ‬تسهيلات‭ ‬وامتيازات‭ ‬وإعفاء‭ ‬من‭ ‬الجمارك‭ ‬لذلك‭ ‬العام‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الحفاوة‭ ‬وإبداء‭ ‬حُسن‭ ‬النية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬وكالتين‭ ‬تجاريتين‭ ‬في‭ ‬المخا‭ ‬وبيت‭ ‬الفقيه‭ ‬لشراء‭ ‬البن‭ ‬ونقله‭. ‬

ويعتمد‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬البابين،‭ ‬الأول‭ ‬والثاني،‭ ‬على‭ ‬وثائق‭ ‬البحرية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وفي‭ ‬الأول‭ ‬منهما‭ ‬يركّز‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬يوميات‭ ‬القبطان‭ ‬دولا‭ ‬ميرفاي،‭ ‬أحد‭ ‬قائدي‭ ‬الحملة،‭ ‬التي‭ ‬تضمنت‭ ‬مشاهداته‭ ‬وانطباعاته‭ ‬ومسار‭ ‬المفاوضات،‭ ‬ووصف‭ ‬المدن‭ ‬والجزر‭ ‬اليمنية‭ ‬التي‭ ‬مروا‭ ‬بها،‭ ‬وحظيت‭ ‬مدينة‭ ‬المخا‭ ‬باهتمام‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بجغرافيتها‭ ‬ومبانيها‭ ‬وتكوينها‭ ‬الديمغرافي،‭ ‬ومنها‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الانضباط‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬المدينة‭ ‬ودقة‭ ‬نظامها،‭ ‬ليس‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإدارة‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بالحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للسكان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬وتطبيق‭ ‬القانون،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬تلخصه‭ ‬عبارة‭ ‬ميرفاي‭ ‬الموجزة‭: ‬‮«‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مجال‭ ‬لإشاعة‭ ‬الفوضى‭ ‬وإقلاق‭ ‬السكينة‭ ‬العامة‮»‬‭ (‬اليمن‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ص30‭). ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ - ‬وفق‭ ‬تسمية‭ ‬الوثائق‭ ‬وترجمة‭ ‬المؤلف‭ - ‬أرباحًا‭ ‬وفيرة‭ ‬للفرنسيين‭ ‬أغرتهم‭ ‬بإرسال‭ ‬حملة‭ ‬أخرى‭ ‬عام‭ ‬1711،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفرنسيون‭ ‬في‭ ‬حملتهم‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬يذهبوا‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬مدينتي‭ ‬المخا‭ ‬وبيت‭ ‬الفقيه،‭ ‬فقد‭ ‬وصلوا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬إقامة‭ ‬حاكم‭ ‬اليمن،‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المواهب‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬ذمار،‭ ‬مرورًا‭ ‬بمدن‭ ‬تعز‭ ‬وجبلة‭ ‬وإب‭ ‬وذمار،‭ ‬استجابة‭ ‬لدعوة‭ ‬وجهها‭ ‬وزير‭ ‬الإمام،‭ ‬طالبًا‭ ‬منهم‭ ‬اصطحاب‭ ‬طبيب‭ ‬الحملة‭ ‬لمداواة‭ ‬الإمام‭ ‬من‭ ‬عارض‭ ‬مرضي‭. ‬

وقد‭ ‬تضمنت‭ ‬تقارير‭ ‬الحملة‭ ‬الثانية‭ ‬وصفًا‭ ‬للمناطق‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬الفريق،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬منطقة‭ ‬المواهب‭ ‬وطبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يحياها‭ ‬حاكم‭ ‬اليمن‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بالحكم‭ ‬وممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭.‬

 

العدوان‭ ‬الفرنسي‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬المخا

صيغت‭ ‬بنود‭ ‬المعاهدة‭ ‬بين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬وحاكم‭ ‬المخا‭ ‬بشكل‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الدقة‭ ‬والتحديد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬مجحفة‭ ‬بحق‭ ‬اليمنيين،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬الفرنسيون‭ ‬2.25‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬جمارك‭ ‬على‭ ‬بضائعهم،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬رعايا‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬يدفعون‭ ‬نسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬و10‭ ‬في‭ ‬المئة‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فقد‭ ‬أغرق‭ ‬الفرنسيون‭ ‬المدينة‭ ‬بالبضائع،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الركود،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬دبّ‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الوكالة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وحاكم‭ ‬المخا‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬فالحاكم‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬النسبة‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬خاصة‭ ‬بالبضائع‭ ‬الفرنسية‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬تشمل‭ ‬البضائع‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬المستعمرات‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وفَرَضَ‭ ‬زيادةً‭ ‬على‭ ‬بضائع‭ ‬المستعمرات،‭ ‬فأوغر‭ ‬بذلك‭ ‬صدور‭ ‬الفرنسيين‭.‬

وهنا‭ ‬لجأت‭ ‬الشركة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬وراحت‭ ‬تعد‭ ‬لحملةٍ‭ ‬عسكرية‭ ‬تعيد‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها،‭ ‬فجهزت‭ ‬أسطولاً‭ ‬مكونًا‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬سفن‭ ‬و290‭ ‬جنديًا‭ ‬بقيادة‭ ‬القبطان‭ ‬دولاجارد‭ ‬جازييه،‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬المخا‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬1737،‭ ‬وكانت‭ ‬السفن‭ ‬محملة‭ ‬بالبضائع‭ ‬أيضًا،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الحملة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عملاً‭ ‬عسكريًّا‭ ‬بحتًا،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬عملاً‭ ‬خفيفًا‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬استعراض‭ ‬القوة‭ ‬والتخويف،‭ ‬فقد‭ ‬أعطيت‭ ‬الأوامر‭ ‬لقائد‭ ‬الحملة‭ ‬بتجنب‭ ‬ضرب‭ ‬المدينة‭ ‬وتخريبها،‭ ‬فالغاية‭ ‬هي‭ ‬استعادة‭ ‬الامتيازات‭ ‬وفرض‭ ‬شروط‭ ‬جديدة‭ ‬تحفظ‭ ‬لفرنسا‭ ‬مكانتها‭ ‬كقوة‭ ‬امبراطورية‭ ‬واقتصادية‭. ‬

وكان‭ ‬للفرنسيين‭ ‬ما‭ ‬أرادوا،‭ ‬بعد‭ ‬مواجهات‭ ‬سيطروا‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬القلعة‭ ‬الجنوبية‭ ‬للمدينة،‭ ‬بخسارة‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬جنودهم،‭ ‬بينما‭ ‬قاربت‭ ‬خسائر‭ ‬اليمنيين‭ ‬على‭ ‬الثمانين‭ ‬جنديًا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المصابين،‭ ‬واستعاد‭ ‬الفرنسيون‭ ‬ما‭ ‬أُخذ‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬ضريبة،‭ ‬وفرضوا‭ ‬اتفاقية‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬إجحافًا‭ ‬من‭ ‬الأولى‭.‬

وأورد‭ ‬المؤلف‭ ‬ترجمة‭ ‬كاملة‭ ‬للاتفاقية‭ ‬والرسائل‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬قائد‭ ‬الحملة‭ ‬ومسؤولي‭ ‬المدينة،‭ ‬اشتملت‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬وتفاصيل‭ ‬دقيقة‭ ‬عن‭ ‬المواجهة‭ ‬وسير‭ ‬المعركة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬ومما‭ ‬تضمنه‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬أيضًا‭ ‬ترجمة‭ ‬رسالة‭ ‬القبطان‭ ‬جازييه‭ ‬إلى‭ ‬الأسقف‭ ‬ديفونتين،‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬مذكراته،‭ ‬وهي‭ ‬رسالة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬تناقض‭ ‬دال‭ ‬بين‭ ‬رؤية‭ ‬القبطان‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬وموقفه‭ ‬الفعلي‭ ‬منه‭ ‬كقائد‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬هيمنة‭ ‬الشركة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وتحقيق‭ ‬أطماعها‭ ‬ومصالحها‭. ‬

وقد‭ ‬عبَّر‭ ‬جازييه‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬عن‭ ‬دهشته‭ ‬وإعجابه‭ ‬بمستوى‭ ‬الدقة‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬عليها‭ ‬السجلات‭ ‬التجارية‭ ‬لمدينة‭ ‬المخا‭ ‬عندما‭ ‬أُعيدت‭ ‬الزيادة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬حاكم‭ ‬المدينة‭ ‬قد‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬الوكالة‭ ‬الفرنسية‭. ‬ويصف‭ ‬جازييه‭ ‬اليمنيين‭ ‬بالنبل‭ ‬والصدق،‭ ‬مثنيًا‭ ‬على‭ ‬تعاونهم‭ ‬وعدم‭ ‬استغلالهم‭ ‬للموقف‭ ‬والتراجع‭ ‬عن‭ ‬المعاهدة‭ ‬الجديدة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضح‭ ‬لهم‭ ‬وهن‭ ‬الفرنسيين‭ ‬وضعفهم‭ ‬ووجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬جندي‭ ‬فرنسي‭ ‬تحت‭ ‬قبضتهم‭ ‬في‭ ‬منازل‭ ‬استأجروها‭ ‬للعلاج‭ ‬والتعافي،‭ ‬بعد‭ ‬انتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬المعدية‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفن‭.‬

يقول‭ ‬جازييه‭: ‬‮«‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬الغوغائيين‭ ‬الذي‭ ‬يتصفون‭ ‬بالفجاجة‭ ‬والوحشية،‭ ‬يتسم‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬النبل‭ ‬والصدق‭ ‬وبما‭ ‬ينافي‭ ‬إضفاءنا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬الشخص‭ ‬اللئيم،‭ ‬الفج،‭ ‬القاسي،‭ ‬الظالم‮»‬‭ (‬ص‭ ‬99‭).‬

كما‭ ‬تكشف‭ ‬الرسالة‭ ‬عن‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعلّقها‭ ‬الفرنسيون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬في‭ ‬توطيد‭ ‬سمعتهم‭ ‬كقوة‭ ‬امبراطورية‭ ‬وتجارية‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬المخا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عُمان‭ ‬وفارس‭ ‬وبلاد‭ ‬الهند،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬اقتصادهم‭ ‬في‭ ‬مستعمرة‭ ‬بونديشيري‭ ‬بالهند‭ ‬يعتمد‭ ‬كليًا‭ ‬على‭ ‬تجارتهم‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وكما‭ ‬يذكر‭ ‬جازييه‭ ‬في‭ ‬رسالته،‭ ‬فإن‭ ‬الحملة‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬الفرنسيين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الهند،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الجواز‭ ‬الفرنسي‭ ‬مطلب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التجار‭ (‬ص101‭).‬

 

منطقة‭ ‬الشيخ‭ ‬سعيد‭ ‬والفنارات‭ ‬البحرية

تكشف‭ ‬وثائق‭ ‬البابين‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬عن‭ ‬اشتداد‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والإنجليز‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬واقعة‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احتلال‭ ‬تلك‭ ‬المناطق،‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬السياسية‭ ‬والتجارية‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭.‬

فالفرنسيون‭ ‬كانوا‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬تأمين‭ ‬طريق‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬أمر‭ ‬حيوي‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ازدهار‭ ‬مستعمراتهم‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬ولذلك‭ ‬سعوا‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬ثورتهم‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1798،‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مستعمرة‭ ‬فرنسية،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬موقعها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬الحيوي‭ ‬وللخصوبة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬أرضها‭ ‬في‭ ‬زراعة‭ ‬المحاصيل‭.‬

ويذكر‭ ‬المؤرخون‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬شق‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬كانت‭ ‬مدرجة‭ ‬ضمن‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تنوي‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إقامتها‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬تبخّر‭ ‬نتيجة‭ ‬المقاومة‭ ‬الباسلة‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬المصريون‭ ‬لإفشال‭ ‬الحملة‭. ‬لكن‭ ‬الفكرة‭ ‬ظلت‭ ‬قائمة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬نجح‭ ‬المهندس‭ ‬الفرنسي‭ ‬دليسبس‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬سعيد‭ ‬باشا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭. ‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬شق‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ (‬1859‭ ‬–‭ ‬1869‭) ‬بدأ‭ ‬القناصل‭ ‬الفرنسيون‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬مناطق‭ ‬مشاطئة‭ ‬للبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬اليمني‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودهم،‭ ‬ولإقامة‭ ‬مستودعات‭ ‬للفحم‭ ‬ومراسٍ‭ ‬بحرية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬فنارات‭ ‬بحرية‭ ‬لتسهيل‭ ‬مرور‭ ‬السفن‭ ‬وحماية‭ ‬حركتها‭. ‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بموضوع‭ ‬الفنارات‭ ‬البحرية‭ ‬قدّم‭ ‬المؤلف‭ ‬عرضًا‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬لإنشاء‭ ‬إدارة‭ ‬فنارات‭ ‬الامبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أوردته‭ ‬الوثائق‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬أصدر‭ ‬فرمانًا‭ ‬عام‭ ‬1855‭ ‬بتعيين‭ ‬القبطان‭ ‬الفرنسي‭ ‬بلايز‭ ‬ميشل‭ ‬مديرًا‭ ‬عامًا‭ ‬للفنارات،‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬إدارة‭ ‬المشروع‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬حق‭ ‬امتياز‭ ‬للشركة‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬ميشل‭ ‬مع‭ ‬كولاس‭ ‬بمباركة‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭. ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1860‭ ‬تم‭ ‬منح‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬كولاس‭ ‬–‭ ‬ميشل‮»‬‭ ‬حق‭ ‬الامتياز‭ ‬لإنشاء‭ ‬عشرات‭ ‬الفنارات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬والجزر‭ ‬التابعة‭ ‬للدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬عام‭ ‬1899‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬بين‭ ‬الشركة‭ ‬والحكومة‭ ‬العثمانية‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬4‭ ‬فنارات‭ ‬على‭ ‬الشواطئ‭ ‬اليمنية‭ ‬غير‭ ‬الخاضعة‭ ‬للسيطرة‭ ‬البريطانية‭ (‬في‭ ‬جبل‭ ‬الطير،‭ ‬وجبل‭ ‬الزبير،‭ ‬وأبو‭ ‬علي،‭ ‬والمخا‭)‬،‭ ‬وأنشئت‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬وجيزة‭ ‬ودخلت‭ ‬حيز‭ ‬التشغيل‭ ‬الفعلي‭ ‬عام‭ ‬1903‭. ‬

لكن‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬وتفكك‭ ‬امبراطوريتها،‭ ‬دب‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والبريطانيين‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفنارات،‭ ‬إذ‭ ‬قام‭ ‬البريطانيون‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1915‭ ‬بالاستيلاء‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬فنارات‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لنفوذ‭ ‬البحرية‭ ‬البريطانية،‭ ‬ويورد‭ ‬المؤلف‭ ‬ترجمة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الشركة‭ ‬والحكومتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬وقد‭ ‬استمرت‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬حتى‭ ‬تصفية‭ ‬إدارة‭ ‬الفنارات‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬سبتمبر‭ ‬1959‭. ‬

   

تقارير‭ ‬ورحلات‭ ‬إلى‭ ‬اليمن

قام‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬الباب‭ ‬السادس‭ ‬بترجمة‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬تقارير‭ ‬الرحالة‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬وفي‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬التصرف‭ ‬تلخيصًا‭ ‬واختصارًا،‭ ‬ولم‭ ‬ينج‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬تقرير‭ ‬بول‭ ‬بوتا‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬الكتاب‭ ‬كان‭ ‬تقديم‭ ‬محطات‭ ‬تاريخية‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الوثائق‭ ‬الفرنسية‭ ‬لا‭ ‬ترجمة‭ ‬كاملة‭ ‬للتقارير،‭ ‬فبعضها‭ ‬كان‭ ‬كتبًا‭ ‬ضخمة‭ ‬ككتابي‭ ‬ألبير‭ ‬ديفلرز‭ ‬وجوزيف‭ ‬هاليفي‭ (‬ترجم‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الأخير‭ ‬ونشر‭ ‬عام‭ ‬2011‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬إلا‭ ‬لوجهة‭ ‬نظر‭ ‬المترجم‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬مهم‭ ‬وأولى‭ ‬بالنقل‭. ‬والجديد‭ ‬الذي‭ ‬تضمنه‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬هو‭ ‬الترجمة‭ ‬الكاملة‭ ‬لكتاب‭ ‬الإيطالي‭ ‬بوتا‭ ‬‮«‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‮»‬‭ (‬1841،‭ ‬69‭ ‬صفحة‭) ‬وهي‭ ‬رحلة‭ ‬مهمة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفة‭ ‬خاصة‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تضمنته‭ ‬من‭ ‬رصد‭ ‬لأحوال‭ ‬المجتمع‭ ‬اليمني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬صراع‭ ‬أهلي‭ ‬استمر‭ ‬عقودًا‭ ‬عدة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تلخيص‭ ‬يوميات‭ ‬ديفلرز‭ (‬1889‭) ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬تعريفًا‭ ‬بالكتاب‭ ‬وجهود‭ ‬ديفلرز‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬مكملة‭ ‬لعمل‭ ‬بوتا‭ ‬في‭ ‬مسح‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬لمناطق‭ ‬اليمن‭ ‬الوسطى‭ ‬والجنوبية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتهيأ‭ ‬لبوتا‭ ‬زيارتها‭.‬

جمع‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬اليمن‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفرنسية‮»‬‭ ‬بين‭ ‬السرد‭ ‬التاريخي‭ ‬وترجمة‭ ‬الوثائق‭ ‬وقدر‭ ‬معيّن‭ ‬من‭ ‬التحليل،‭ ‬وهو‭ ‬جمع‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬طموح‭ ‬مؤلفه‭ ‬ليقول‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬حيّز‭ ‬محدود،‭ ‬فغامت‭ ‬أحيانًا‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬السرد‭ ‬والوثيقة‭ ‬والرأي،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬يتقصد‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬وثائق‭ ‬ظلت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المتناول،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يطلع‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬الباحثين،‭ ‬وقد‭ ‬أتيح‭ ‬للمؤلف‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬وترجمتها‭ ‬بفضل‭ ‬عمله‭ ‬مستشارًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬بالسفارة‭ ‬اليمنية‭ ‬في‭ ‬باريس‭. ‬

أتصور‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬كمقدمة‭ ‬تعريفية‭ ‬بهذه‭ ‬المحطات‭ ‬التاريخية،‭ ‬ولاستكمال‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬العلمي‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬يعمد‭ ‬المترجم‭ ‬عند‭ ‬إعادة‭ ‬طباعته‭ ‬إلى‭ ‬إتمام‭ ‬ترجمة‭ ‬بعض‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬أورد‭ ‬أجزاء‭ ‬منها،‭ ‬وترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬ديفلرز‭ ‬وإفراده،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬رحلة‭ ‬بوتا‭ ‬في‭ ‬كتابين‭ ‬منفصلين‭ ‬لكي‭ ‬يسهل‭ ‬الرجوع‭ ‬إليهما‭ ‬واستفادة‭ ‬الباحثين‭ ‬منهما‭ .