ماتيرا مدينة الكهوف والحجارة

أساطير وحكايات وتاريخ متناقض لإحدى أقدم المدن المسكونة في العالم، وأول مكان طبيعي أدرج في قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي للإنسانية. وصفت بأنها واحدة من أهم المدن المثيرة للاهتمام في البحر الأبيض المتوسط، لتاريخها القديم الذي يعود للعصر الحجري. مدينة دمرت وأحرقت مرات عدة، لكنها كطير العنقاء تنبعث من قلب الرماد كل مرة. تعددت ألقابها بين مدينة الكهوف ومدينة العار ومدينة الكنوز. مرت بحقبات تاريخية مختلفة خلفت وراءها عديدًا من الآثار والمعالم. مدينة رائعة لكل محب للتاريخ ولكل شيء مختلف، تجمع بين الأصالة والمعاصرة... إلى مدينة ماتيرا الإيطالية كانت وجهتنا.
كل الطرق في إيطاليا تؤدي إلى ماتيرا بعد اعلان «اليونسكو» المدينة عاصمة للثقافة الأوربية لعام 2019. هي زيارتي الأولى للجنوب الإيطالي، بالرغم من زياراتي العديدة لإيطاليا، رحلة استكشافية لهذه المدينة الغامضة بالنسبة لي، لمدينة يبلغ عمرها أكثر من تسعة آلاف عام، وتملك جمالًا قديمًا مثيرًا ووجهًا متلونًا مثل الحرباء... ما حقيقة ماتيرا؟ وما هي هويتها؟ أسئلة كثيرة سنبحث لها عن إجابة في هذا الاستطلاع.
اخترنا أفضل الطرق وأسرعها للوصول إلى المدينة من العاصمة الإيطالية «روما»، وهو مطار مدينة باري «كارول فويتيلا»، في رحلة تستغرق ساعة واحدة بالطائرة. وعند مطار باري الذي يقع على بعد حوالي 60 كم من مدينة ماتيرا، من هناك استخدمنا خدمة السيارات، توجد أيضا خدمة الحافلات أو القطارات للوصول إلى المدينة بكل مرونة وسهولة. كانت إجراءات السفر من روما إلى باري ثم ماتيرا سريعة وميسرة والأجواء رائعة، على الرغم من الأقاويل التي كانت تتردد في السابق عن صعوبة الوصول إلى المدينة، لعدم وجود الطرق السريعة ووعورتها وتجاهل الحكومة لهذه المنطقة، وأن تلك هي أحد الأسباب التي جعلت المدينة مجهولة لفترة طويلة، خصوصًا للسياح الأجانب.
مدينة الكهوف
في البداية لم نحب الاختناقات المرورية في الشارع الرئيسي المؤدي إلى ماتيرا، ولكن بعد أن بدأنا نرى المدينة الحجرية نسيناها تمامًا. كنا نتساءل: كيف سيجد سائق سيارة الأجرة السكن الخاص بنا وسط المباني الحجرية المتشابهة تقريبًا والتي تقع في شارع رئيسي واحد فقط بين التلال، ولا توجد أي لافتات أو علامات للطريق؟ ولكن لحسن الحظ كان المسكن في بداية الشارع الرئيسي لمدينة ماتيرا. المكان الذي وقع اختيارنا عليه للسكن فيه عبارة عن بيت كهفي، ككثير من المساكن القريبة، ولكن تم ترميمها وتحويلها لتكون صالحة لإقامة السائحين. صاحبة المسكن كانت لطيفة للغاية وقدمت لنا جميع الاحتياجات. وشرحت لنا بعض الأمور المهمة حول ماتيرا وعن هذا المكان، وسأخبركم لاحقا عن قصة هذا المسكن.
لنعد إلى ماتيرا وجزئها القديم الجميل... توجهنا في اليوم الأول إلى المدينة القديمة، التي تتكون من منطقتين رئيستين هما حي ساسو كافيوسو، وهو الأقدم عمرًا والمثير للاهتمام من الناحية التاريخية، ويقال إن أول سكان هذه المنطقة استقروا فيها قبل 9 آلاف سنة، وحي ساسو باريسانو وهو الأشهر والجزء الأحدث، حيث تقع معظم المباني التجارية والمكاتب والمحلات والمساكن. أفضل الطرق لاكتشاف هذه المدينة هو السير على الأقدام. الشوارع والأزقة ضيقة ومتداخلة قد يتوه فيها الزائر أول مرة من خلال سيره في متاهة من السلالم المتعرجة غير المتساوية، والممرات شديدة الانحدار، والساحات الصغيرة. وقد نصحني بعض الأصدقاء بالحصول على دليل المدينة لأنني سأحتاجه حتمًا في شوارعها، فماتيرا هي المكان المثالي للتجول والضياع. الشوارع مزينة ببعض أواني الزهور، لكن المدينة يسودها اللون الرمادي، مخيفة في بعض الممرات، ومدهشة في مشهد آخر. أعشاب قاحلة وصبار شائك بين النتوءات، تتخيل فيه نضال الحياة وقسوتها في عقود مضت. جزء كبير من المدينة مازال منحوتًا بالكامل من الصخور الجيرية المعروفة باسم أحجار «التوفا» على منحدرات شديدة الانحدار في الوادي. المساكن عبارة عن تسع إلى عشر طبقات من المنازل، واحدة بنيت على قمة الأخرى غير منظمة بسبب انحناء الطبيعة في الوادي. ويقال إن الأغنياء قديمًا احتلوا الطبقات العليا والفقراء عاشوا في الطبقات السفلى. من المدهش حقًا أن بعض السكان المحليين الذين صادفناهم في طريقنا مازالوا يعيشون في نفس مساكن الكهوف التي كان أجدادهم يعيشون فيها قبل آلاف السنين.
تحتوي المدينة على أكثر من 1000 كهف، معظمها تحولت الآن إلى منازل وفنادق ومطاعم وحانات. حي ساسو كافيوسو هو أكثر الأحياء المليئة بالمساكن الكهفية والمستوطنات البشرية التي تعود إلى ما قبل التاريخ، وأشهر هذه الكهوف هي كهوف «كازاغروتا». من الممكن التجول في الكهوف غير المأهولة والتعرف على ما كان عليه العيش هنا منذ قرون مضت. وقد تمت إعادة تأثيث أحد تلك الكهوف من قبل وزارة الثقافة في إيطاليا كما كان عليه في السابق كي يكون كموقع سياحي يتخيل فيه الزائر كيف عاش أهالي ماتيرا هنا قديمًا في هذه الكهوف، وهو أحد المواقع المؤثرة التي شاهدتها والتي ستذكرني دائمًا بماتيرا. الكهف ليس عميقًا ويحتوي على منطقة معيشة كبيرة، جدرانها مربعة، لا توجد نوافذ، لا يوجد شيء غير الحجارة، وفي نهاية غرفة المعيشة يوجد مكان للنوم وإلى جانبه مطبخ بسيط مع موقد بدائي ومدخنة تنفث الدخان للخارج. غرفة المعيشة كانت مجهزة أيضًا لسكن الماشية، كانت العائلات هنا تعيش مع حيواناتها داخل الكهوف. استفاد الناس هنا من كل مساحة بين تلك الصخور. لا توجد علامة لمرحاض أو مياه جارية. وقد أخبرنا المرشد في المكان أنه كان يتم التخلص من النفايات في مكان أسفل المنحدر.
المساكن تروي كثيرًا من الحكايات، عن قدرة الإنسان على التكيف بشكل مثالي مع البيئة الطبيعية، باستخدام مميزات بسيطة، مثل درجة الحرارة الثابتة للبيئات المحفورة، والمنحدرات للتحكم في المياه والظواهر الجوية. شيء غريب يشدك إلى المكان بمجرد أن تتوغل فيه، شيء ما تحار في أمره، هل هو بساطة الحياة أم غرابة المشهد؟ المكان يشير إلى حضارات كانت ومازالت آثارها باقية. فيها ستشعر بالحيوية والانطلاق وبالرغبة في الاستكشاف.
المدينة مليئة بالحانات والمحلات الصغيرة في الأحياء القديمة العائدة إلى السكان المحليين. الأغاني والموسيقى الإيطالية تصدح في هذه الأحياء من هنا وهناك، تختلط بأصوات الباعة والسائحين. ومن الملاحظ في ماتيرا أن 25 في المئة من المساكن الموجودة بها غير مأهولة وهي مخصصة للإيجار للسائحين، وهذه النسبة الأكبر في كل إيطاليا. وأفضل الأوقات لزيارة المدينة يكون خلال موسمي الربيع والخريف عندما يكون الطقس هو الأمثل وتكون الحشود هي الأقل.
خلال تجوالنا في شوارع المدينة القديمة نصحنا أحد السكان بالذهاب إلى أعلى تلة مورجينا المقابلة للوادي للاستمتاع برؤية مشهد بانورامي للمدينة والتقاط الصور التذكارية. وبعد أكثر من ساعة مشيًا على الأقدام وصلنا إلى موقع «بلفيدير»، وهو موقع مليء بالسياح، وصادفنا العديد من المصوّرين الذين يبحثون عن لقطة مثالية للمدينة، موقع يسمح برؤية واحد من أروع المناظر في ماتيرا، صورة بانورامية للمكان، ورؤية عن بعد للمدينة تجعلك تشعر وتفهم لماذا هذا المكان مختلف وفريد.
رياح العرب عبرت ماتيرا
ماتيرا مدينة التناقضات تجمع في طياتها الأصالة والمعاصرة. المدينة ليست جميلة فقط، ولكن ثرية بالتاريخ والفن، في بعض شوارعها ستجد الطابع العربي يحيط بك حتى تتوهم للحظات أنك لازلت في بلاد عربية، ولا تتعجب إن حدث وألقى عليك أحد السكان المحليين التحية باللغة العربية مرحبًا بك في المكان، فرياح العرب عبرت المدينة منذ زمن. دعونا نتذكر أن وجود العرب في الجنوب الإيطالي بدأ في عام 728م في عهد الأغالبة ومن بعدهم الفاطميين. انطلق في ذلك الزمن البعيد عديد من الغزوات العربية إلى مدن إيطالية مختلفة. وتقول إحدى الروايات التاريخية في كتاب «العرب والروم» لفازيليف، إنه بعد احتلال العرب لبعض الجزر الإيطالية في عهد الامبراطورية البيزنطية لم تقف طموحاتهم عند تلك الحدود، بل تعدت إلى أبعد من ذلك، فاتجهوا إلى الجنوب الإيطالي واستولوا على ولايات ومناطق عديدة، منها ماتيرا، وأقاموا المعاقل والحصون، واستطاعوا تكوين إمارة مستقلة بهم وأسسوا حكومة عربية إسلامية في منطقة باري التي تبعد 60 كيلومترًا عن ماتيرا، وحكموا هذه الأقاليم الجنوبية لنحو مئتي عام، وأطلقوا على الأراضي الإيطالية لقب «البر الطويل». ولم يكتف العرب بما وصلوا إليه من قوة وحزم، بل اعتبروا أنفسهم سادة هذه البلاد، واستطاعوا خلال القرن التاسع أن يصلوا إلى حصون روما. أغضب هذا الحدث الامبراطور الروماني لويس الثاني، فقرر أن يسترجع الأراضي والأقاليم الإيطالية إلى الحكم الروماني، فدارت حروب ومعارك ضارية بين الروم والعرب في تلك الفترة، وفي عام 871 دب الخلاف بين صفوف العرب وشغلهم عن المضي في فتح إيطاليا، وأنساهم العدو الذي كان يتربص بهم، فنجحت قوات الروم في اقتحام حصون المسلمين في المناطق الجنوبية، وقام الامبراطور لودفيك بقتل جميع العرب والمسلمين. وتقول الروايات التاريخية إنه في ذلك العام لم ينج أحد، كانت إبادة جماعية وتحولت المدن إلى دمار وخراب كبيرين. ومع سقوط مدينة باري الإسلامية اندثرت المعالم الحضارية العربية، حيث قام الروم ومن معهم بتدمير جميع الآثار العربية في جميع المدن الجنوبية ولم يتبق منها شيء.
ويبدو أن الرسامين الإيطاليين استلهموا من المعارك العربية الإيطالية الطاحنة التي حدثت في ذلك الزمن بعض رسوماتهم، ومنهم الرسام الإيطالي رفائيل الذي له رسمة شهيرة عن «معركة أوستيا» التي تعبر عن ويلات إحدى تلك المعارك، وهي موجودة في أحد المتاحف الإيطالية بروما.
الثقافة العربية والإسلامية كان لها تأثير واضح وعميق أيضًا في كتابات الإيطاليين الأدبية والعلمية في تلك الفترة، واستمر لوقت طويل حتى عصر النهضة. من أهم هؤلاء الكتاب الذين تأثروا بالثقافة الإسلامية الكاتب الإيطالي دانتي الجييري (1265 - 1321) في عمله «الكوميديا الإلهية»، فالعمل يحتوي على مرجعيات وإشارات إسلامية كثيرة، وهو مشابه لما ظهر في كتاب أبي العلاء المعري «رسالة الغفران» الذي سبقة بـ 264 عامًا. كلاهما كتب عن فكرة الرحلة إلى العالم الآخر والجنة والجحيم في قالب ملحمة شعرية. وعلى العكس تمامًا كان هناك شعراء وأدباء إيطاليون عارضوا بشدة انتشار العلوم العربية والإسلامية وانتقدوها ودعوا إلى محاربة أفكارها ومحو آثارها، ومن أشهرهم الكاتب الإيطالي فرانشيسكو بتراركا (1304-1374) الذي عبَّر في قصيدة شهيرة عن استيائه من النجاح الكبير واللافت لفلاسفة المسلمين، مثل ابن رشد (1126-1198)، الذي وضعه الإيطاليون في مكانة كتاب وفلاسفة لاتينيين. وهذا الموقف لم يكن حالة فردية في القرن الرابع عشر، إذ كان يتبناه كثير من المثقفين الإيطاليين، فقد كانت أعمال ابن رشد تثير نقاشات وخلافات عميقة في كل إيطاليا.
مدينة الكنوز
كانت ماتيرا والجنوب الإيطالي بشكل عام مسرحًا لأحداث وصراعات دامية، وذلك لما تتمتع به المنطقة من مكان استراتيجي يقع على البحر المتوسط وعلى مراكز الإمداد وطرق التجارة. ظلت المدينة طوال فترات التاريخ مشتعلة ومتوترة وتعرضت للاحتلال والحروب والتدمير مرات عدة في فترات زمنية مختلفة، لكنها كطير العنقاء تنبعث من قلب الرماد كل مرة. فيها ستشاهد إرثًا تاريخيًا متعددًا ومختلفًا لحقب متنوعة خلفت وراءها عديدًا من الآثار والمعالم كعهد الإغريق والرومان والعهد البيزنطي والدوقية، كل منهم أثر على المنطقة بطريقة مختلفة. ولعل أبنيتها وكنائسها ومتاحفها العريقة شاهدة على ذلك إلى الآن. أول هذه الآثار التي وجدت في ماتيرا هذه المساكن الكهفية التي ثبت أن البشر عاشوا فيها 9 آلاف عام، وآثار تعود إلى الرومان في القرن الثالث قبل الميلاد. في القرن السادس والسابع غزاها اللومبارديون أيضًا وغيروا عديدًا من المعالم والملاك والعائلات الحاكمة ومن بعدهم جاء الأباطرة البيزنطيون والمسلمون والألمان، وذلك خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. لعبت ماتيرا أيضًا دوراً مهمًا خلال الحرب العالمية الثانية عندما أصبحت أول مدينة إيطالية تعارض النازية وتحارب ضد «الفيرماخت»، وهي القوة العسكرية الأعلى بألمانيا في عهد هتلر.
وهناك روايات متعددة حول اسم المدينة، يقول بعض الباحثين إنه كانت هناك حرب بين جيشين، من ميتابونتو ومن هيراكليا وقعت على هذه الأرض، لذلك جاء ماتيرا من هذين الاسمين ميت وهيرا. ويقول آخرون إنه يأتي من كلمة ماتا, التي تعني الصخرة أو ميتورون التي تعني السماء المليئة بالنجوم. وخلال الحقبة الرومانية كان يطلق على المدينة لقب «ماذار», أي الأم.
شمال وجنوب
في بلدان كثيرة هناك شمال وجنوب، شمال متقدم متحضر وجنوب متخلف عن الركب، هذه المقولة حاضرة بقوة هنا في إيطاليا، فهي بين شمال متطور وصناعي وجنوب متكاسل ينظر إليه على أنه معقل للصيادين والمزارعين وعصابات المافيا. فرق كبير في كل شيء بين الشماليين والجنوبيين بإيطاليا في التعليم، الثقافة، وفي الحالة الاجتماعية، وفي ماتيرا تحديدًا تشعر أكثر بهذه الفروقات، حتى أنه يخيّل إليك في كثير من الأحيان أنك خارج إيطاليا. قد يكون ذلك بسبب عدم استقرار المنطقة أو لإهمال الحكومة أو الاثنين معًا. نسبة البطالة هنا في ماتيرا عالية جدًا، و40 في المئة من السكان الذين يبلغ عددهم ستين ألفًا هم تحت خط الفقر. و«هناك هجرة داخلية للعقول إلى الشمال للبحث عن فرص وظيفية أفضل ونمط حياة اجتماعية أكثر أمانًا»، هذا ما قاله لي أحد السكان الذين التقيت بهم ويدعى دانيال باتريس عند حديثه عن سبب هجرة أبنائه الثلاثة إلى مدينة فيرونا للعمل بعد أن عاشوا هنا أعوامًا يبحثون عن عمل ومثلهم كثيرون. أغلب السكان يعتمدون على الحرف اليدوية والمهن البسيطة للعيش. الرعاية الصحية أيضًا هي الأقل، نسبة لبقية المدن الإيطالية.
المدينة تقع ضمن إقليم باسيليكاتا. وحدودها بين بوليا وباسيليكاتا. ويعتمد اقتصادها المتواضع حاليًا على الزراعة والسياحة نظرًا لما تحتويه طبيعتها الجغرافية. وتقع المدينة على ارتفاع 400 متر فوق مستوى سطح البحر، وعلى بعد 45 كم من الشاطئ وتبلغ مساحتها 392 كم.
مدينة العار
للمدينة قصص وحكايات حزينة، سمعت بعضها من أهل ماتيرا أنفسهم، وهذه إحدى القصص. منذ زمن ليس ببعيد أطلق على هذه المدينة الجميلة لقب «مدينة العار» في فترة أليمة مرت بها في عام 1952. كانت المدينة واحدة من أفقر المناطق في إيطاليا، يسكنها 30 ألف شخص، ولم يكن يوجد بها نظام لإمداد المياه، ولا محطة كهرباء أو مرافق صحية متاحة، كان سكانها يعيشون حياة بدائية بكل ما للكلمة من معنى، يفتقرون إلى السلع الغذائية البسيطة، وذلك لعدم وجود متاجر، ويعتمد نظامهم الغذائي الأساسي على الخبز والزيت والطماطم، كانت المدينة منبعًا للأوبئة بسبب القذارة التي ملأت البيوت والأحياء، حيث كان السكان يبنون منازلهم في مناطق منعدمة التهوية لا تتعرض للشمس ولا يصل الضوء إلى داخلها حتى في فصل الصيف الحار، مساكن كهفية استعملها أجدادهم منذ آلاف السنين ولم تكن المنازل المبنية في المناطق المعتمة هي السبب الوحيد لانتشار الأمراض في ماتيرا، بل لأن السكان كانوا يربون حيواناتهم كالحمير والدجاج والخنازير داخل المنازل التي هي في الأغلب عبارة عن غرفة واحدة عميقة ويتقاسمون معهم أماكن النوم خوفًا عليها من السرقة، فازداد معدل الوفيات بنسب مروعة وظهرت الأمراض الوبائية مثل الكوليرا والتيفوئيد والملاريا. وبعد الحرب العالمية الثانية قرر رئيس الوزراء الإيطالى آنذاك دي غاسبيري، بعد زيارة قام بها للمدينة تهجير آلاف السكان قسرًا من ماتيرا واعتبرها عارًا على إيطاليا.
لكن عديدا من السكان رفضوا المغادرة، فنقلتهم الحكومة بالقوة من الكهوف إلى مساكن حديثة في بلدة مجاورة تقع على قمة المنحدر وتم توطينهم فيها. بعدها أعلنت الحكومة الإيطالية أن المدينة غير مأهولة بالسكان وغير صالحة للعيش فيها، وقامت بحرقها بأكملها. كانت الإزالة رهيبة وقاسية وضربة مؤلمة لساكنيها. وقد علق الكاتب الإيطالي كارلو ليفي في كتابه «توقف المسيح في أبولي» على هذه الأحداث بقوله: «لم يسبق لي أن رأيت في حياتي صورًا مرعبة كصور الفقر في ماتيرا، الأطفال بعضهم عراة والبعض الآخر يبيع السجائر في الشوارع والسكان في خرق بالية وهيئة جسمانية بشعة اجتاحها المرض». وقد كان كثير من الإيطاليين ينظرون إلى أهالي ماتيرا على أنهم رمز للتخلف.
وبعد ثلاثين عامًا بدأت الحكومة في ترميم المدينة وإعادة تأهيلها من جديد والاهتمام بكهوفها التاريخية، مع المحافظة على الطابع الخاص بالمدينة. العمل الذي قامت به الحكومة الإيطالية كان كبيرًا لتبدو المشاهد كما هي في الوقت الحالي. واليوم استردت ماتيرا عافيتها ونهضت من جديد من هذا الرماد وأصبحت مدينة آمنة وصحية ومكانًا جميلًا للعيش فيه. وتحولت من وصمة عار وطنية إلى كنز أثري ثمين يفتخر به جميع الإيطاليين. وتحولت الكهوف إلى مطاعم سياحية وفنادق فاخرة تزخر بالسائحين الذين يأتون لزيارتها من جميع أنحاء العالم.
الورقة الرابحة
عند خروج السكان من الكهوف في عام 1952 كافح عديد منهم للتكيف مع المنازل الجديدة، فقد كانت المرة الأولى التي يرى فيها كثيرون المياه تتدفق من الصنبور، والمروحة الكهربائية، فضلًا عن غلاية. كانت هذه الفترة بداية التطور للعقود التالية التي شهدتها المدينة. وفي عام 1986 الذي تم فيه تمرير قانون في إيطاليا لإعادة الناس إلى الداخل، شجعت الحكومة الناس على إحياء المدينة من خلال دعم أعمال الترميم، وتشجيع الحرفيين لإقامة ورش عمل ودعم المزارعين المحليين، كانت أشبه بمعركة مدنية لاعادة إحياء المكان من جديد، وبدأت الحانات والمطاعم والفنادق والمحلات في الظهور والتكاثر. ولكن بعد أن استقر الناس في منازلهم الجديدة، رفض معظم السكان السابقين الذهاب إلى البلدة القديمة، وفضلوا العيش خارج الكهوف على العيش في داخلها. وقد أخبرني هذه القصة ماركو فيرر، أحد السكان الأصليين بقوله: «كان هناك نقص في الكهرباء ومرافق الصرف الصحي والخدمات، مثل محلات البقالة والصيادلة، لذا كان العيش هناك غير مريح للغاية».
كانت الكهوف هي الورقة الرابحة في إعادة الحياة والاهتمام إلى هذه المدينة من قبل الحكومة، مرورًا باهتمام الفنانين والنحاتين وصناع السينما، وفي نهاية المطاف اختيار «اليونسكو» المدينة كموقع للتراث العالمي الإنساني في عام 1993. المكان ذو تاريخ ساحر، تمتزج فيه المناظر الطبيعية بالحضارات والثقافات المختلفة. الكهوف ومبانيها المتدرجة على المرتفعات، الكنائس الصخرية الرائعة والأحياء الضيقة. المدينة هي مثال غير عادي على التكافل بين المناظر الطبيعية والثقافة البشرية. لهذه الأسباب بالفعل تعتبر ماتيرا عاصمة حضارات العصر الحجري. هي مكان يلهم الأفكار والعواطف العميقة. هنا يشعر الناس بالوعي بالعناصر الأساسية للكون وهشاشة الوجود من دورات الحياة والموت وعدد كبير من العمليات الطبيعية. هنا الفراغ والامتلاء والصوت والصمت والظلال والضوء، كلها جزء من كل واحد متناغم يشكل علاقة لا تنفصم بين الإنسان والطبيعة من الكهوف المنحوتة إلى الفضاء المطل على الهضبة، كل شيء يمتزج بقوة هنا.
عاصمة الثقافة الأوربية
منذ الإعلان عن تتويجها عاصمة للثقافة الأوربية في أكتوبر عام 2014 والعمل قائم على قدم وساق في إيطاليا للإعداد والتحضير لهذا الحدث المهم ليس فقط لماتيرا وإنما للجنوب الإيطالي بأكمله. وتم وضع مدينة ماتيرا على الخريطة السياحية الإيطالية والأوربية، وازداد اهتمام الحكومة الإيطالية والقطاع الخاص للاستثمار في السياحة. وخصص الاتحاد الأوربي 400 مليون يورو لتطوير جميع جوانب المدينة. وكما قال لنا سالفاتور أدوس عمدة المدينة السابق، رئيس اللجنة العليا الحالي للاحتفال بهذه المناسبة: «إن رحلة ماتيرا الحديثة بدأت منذ وقت طويل، منذ عام 1952، وسوف تنطلق بشكل متسارع، إذ لا يمكننا العودة للوراء بعد تتويج المدينة عاصمة ثقافية». وأضاف أنه يسعى مع اللجنة العليا والحكومة الإيطالية بجهود كبيرة متضافرة إلى أن تكون مدينة ماتيرا مدينة مستدامة.
وهناك رؤية مستقبلية أن تصبح المدينة واحدة من خمس مدن إيطالية تدخل إليها خدمة 5 G قريبًا، وهو جزء من برنامج الاتحاد الأوربي للتحول الرقمي لجذب الشركات العاملة في مجال البحث والابتكار للمنطقة. لكن هذا التطور التكنولوجي لن يمنعهم من الالتزام بالهدف الأساسي، وهو المحافظة على الآثار والمواقع التاريخية للمدينة. وأكد أنه تم وضع خطة متكاملة لهذا الحدث المهم وبرامج طويلة وقصيرة لتطوير المدينة من بنية تحتية وطرق ومنشآت وبرامج أخرى لتدريب وتعليم شباب المنطقة على فن التعامل مع السياح، هذا بالإضافة إلى برامج احتفالية أخرى تتناسب مع الحدث كتنظيم رحلات منظمة للكهوف والمعالم الأثرية للمدينة، فضلا عن المهرجانات الثقافية والفنية والمعارض الدورية لتسويق منتجات الإقليم محليًا وعالميًا، وإقامة المراكز التسويقية والملاعب الرياضية وإسطبلات الخيول وملاعب الجولف وتنظيم مسابقات رياضية. ومن المتوقع حسب قوله أن يتخطى عدد زوار المدينة هذا العام المليون زائر، وهو رقم جيد نسبة للأعوام السابقة التي كان العدد لا يتجاوز فيها 600 ألف.
كاتدرائية ماتيرا
حي ساسو باريسانو أحد أكثر الأحياء الجميلة التي لفتت انتباهي، لذلك قررت الرجوع إليه مساء. ليلاً تتوهج فيه الأنوار والإضاءات الصغيرة القادمة من المنازل الكهفية القريبة والبعيدة في أطراف التلال في مشهد جميل. عند وصولنا إلى قمة سيفيتاس في آخر الحي شاهدنا كاتدرائية المدينة، وهي كنيسة جميلة يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، وهي تستحق الزيارة ليس فقط لتصميمها المذهل؛ لكن لكونها توفر إطلالة مذهلة على حي ساسو باريسانو. المدينة تحتوي على كثير من الكنائس، تبلغ تقريبًا 150 كنيسة تاريخية، ذات طابع معماري فريد، والتي لغرابتها وجمالها القديم جذبت عديدًا من المخرجين وصناع السينما في هوليوود وأوربا لتصوير عديد من الأفلام التاريخية والدينية المهمة، وأشهرها فيلم «آلام المسيح» لميل جبسون عام 2004 وفيلم الإنجيل للمخرج باولو باسوليني عام 1966. وقصة المهد في هاردويك عام 2006، وفيلم ماثيو عام 1964 وفيلم ديفيد عام 1985.
الكنائس في ماتيرا كان لها دور كبير في اختيار «اليونسكو» المدينة عاصمة ثقافية. فهي تعتبر معالم تاريخية أثرية، وهي شهادة استثنائية لحضارة كانت هنا، بالإضافة إلى أنها صممت بطريقة معمارية تتلاءم مع بيئتها، وهي مثال مهم على العلاقة المتناغمة بين الاستيطان البشري واستخدام الأرض والتوازن البيئي. من الكنائس المهمة أيضا في ماتيرا الكنائس الرومانية في سان جيوفاني وسان دومينيكو وكنيسة مغارة القديس مالفي، وذلك لاحتوائها على رسومات جدارية لفنانين إيطاليين، بالإضافة إلى التصميم الهندسي الفريد على الطراز الروماني.
مهرجان «أرض الخبز»
الطعام في ماتيرا مثل أي وجهة في مدن إيطالية أخرى، فهي مثالية للذواقة من محبي تناول الطعام الصحي، حيث يستخدم الطهاة الخضراوات والمنتجات الطازجة لتقديم أطباق ممتازة، بما في ذلك الأطباق الإيطالية الشهيرة مثل المعكرونة والبيتزا، والكرابيتا المكونة من خليط من الحبوب والبقول، وغيرها من الأطباق الرائعة، والمميز في ماتيرا أن عديدًا من المطاعم هي في الأصل كهوف تحولت إلى مكان ساحر لتناول الطعام.
أفضل وجبة صحية ممكن أن تتناولها في ماتيرا هي خبز ماتيرا الشهير، خاصة التي تكون من مخبز المدينة «بان اي بيس». أهالي ماتيرا يفتخرون بخبزهم التقليدي الذي تشتهر به المدينة ويعتبر رمزًا لها. شكله وطعمه الفريد هما ثمرة الثقافة والتقاليد القديمة التي تعود لقرون ولا تزال تعيش إلى اليوم. يتم صنع الخبز وفقًا للتقنيات والطرق القديمة، وهو يتكون من القمح المحلي الذي يزرع بالمدينة ويخمر بخميرة طبيعية من المشمش المحلي يتم تجميدها كل 36 ساعة للحفاظ على نسبة حموضة ثابتة، ثم يتم خلطها مع الدقيق والملح والماء وتترك العجينة لتتخمر ليلاً إلى الصباح ثم تخبز عند 250 درجة مئوية لمدة ساعتين، ويتم تسخين الفرن عن طريق حرق فروع أشجار الزيتون والبلوط الجاف، هذه الطريقة تجعل الخبز يحافظ على صلاحيته لمدة 15 يومًا. يزن الرغيف الواحد كيلوغرامًا واحدًا وهو على شكل قرن. كانت جميع النساء في الماضي تطهو الخبز في فرن واحد بالمدينة، ولتتعرف كل امرأة على خبزها تضع النساء ختمًا خشبيًا خاصا يحمل الحروف الأولى للعائلة على الخبز الخاص بها.
وقد صادف أثناء وجودنا في ماتيرا إقامة مهرجان أرض الخبز. «المهرجان هو عودة إلى الجذور، من خلال المستقبل» هكذا لخص لنا أنطونيو كالبي، رئيس المعهد الوطني للثقافة، عضو اللجنة العليا للاحتفال، فكرة المهرجان في جملة واحدة خلال الندوة التي أقامها ضمن الفعاليات. المهرجان دعوة لاكتشاف خبز ماتيرا, ويتضمن ورش عمل للأطفال والكبار لاستخدام الأفران القديمة وصنع الخبز المحلي. وقد ضم المهرجان 30 ضيفًا من المهتمين بالتراث والثقافة والبيئة والاقتصاد، الذين قدموا عديدا من المحاضرات والندوات وتباحثوا حول صناعة الأغذية في ماتيرا وأهمية المحافظة على الموارد الطبيعية ودور وتاريخ مخابز الحي في صناعة الغذاء وبعض القصص التي تؤخذ إلهامًا من الخبز. المهرجان فيه تعريف وترويج لبعض موارد ومنتجات المدينة وحافل بالعروض الموسيقية والمسرحية وعروض أوبرا من وحي العناصر الطبيعية والأساسية للحياة, والتي تنشأ كل مادة منها وهي الماء والهواء والأرض والنار. المهرجان جميل ومؤثر ومتعدد الحواس، تم التعبير عنه بعدة طرق كالفن والموسيقى والاستعراض، وجميعها كانت في الهواء الطلق في حي سان بياجو الرائع.
خزانات المياه
لن تفهم ماتيرا دون زيارة للصهاريج وخزانات المياه تحت الأرض، ورؤية المدينة من الأسفل. «بالومبارو لونغو» هو أكبر خزان مياه في ماتيرا، يقع في منتصف المدينة تحت ساحة ماتيرا الرئيسة مباشرة. يعود تاريخه إلى عام 1846 وقد كان مصدرًا لإمداد المياه لجميع المباني، وهو على شكل جذع شجرة عملاقة شيدت بطريقة تخفف من ضغط المياه المتدفقة إليها، يبلغ ارتفاع الخزان 15 مترًا وتصل سعته إلى 5 ملايين لتر ماء، وهو أحد الدلائل الأولى على قيام البشر بوضع علامة معمارية مهمة في المكان. فقد كان نقل المياه قديمًا من النهر يستغرق كثيرًا من الوقت والجهد، وبالتالي كانت الخزانات ضرورية لاستمرار الحياة والبقاء في ماتيرا، فقام أهالي ماتيرا بعمل نظام مياه ضخم يسمح بنقل المياه إلى أعلى وأسفل المدينة، وكان يعتمد بشكل أساسي على الأمطار والمياه الجوفية. هذه القنوات تحت الأرض كبيرة جدًا لدرجة أنه كانت تستخدم القوارب للتنقل فيها. المكان محفور من الصخور ومغطى بطبقة من الطين للحفاظ على الماء ومنع تسربه. لكن المثير للاهتمام في هذا المكان هو اكتشاف براعة أهل ماتيرا واستخدامهم المثالي للبيئة، فمن الصعب تخيل أن الناس كانوا قادرين على تخطيط وحفر بنية تحتية بهذا الحجم في ذلك الوقت.
متحف ماتيرا للفنون والنحت
للمتاحف أهمية كبيرة في ماتيرا، وهي عديدة ومتنوعة. اخترنا أولًا زيارة أهم هذه المتاحف وهو «متحف ماتيرا للفنون والنحت»، الذي يقع في قصر بوماريسي، ويرجع تاريخة إلى القرن السادس عشر. توجهنا إليه في الصباح، كان المكان مكتظًا بالناس وأفواج من السياح. على مدخل المتحف كتبت عبارة تحذيرية «من فضلك لا تلمس اللوحات الجدارية». الغريب والمدهش في هذا المتحف أنه يحتوي على أنفاق وغرف تحت الأرض، بالإضافة إلى الطابق العلوي، وهناك شبه كبير بينه وبين المساكن الكهفية. في أحد الممرات لوحة جدارية تالفة، لكنها مازالت نابضة بالحياة ولا تزال دقيقة وتحتفظ ببريقها. قد تكون بالفعل هذه الأضرار من السياح وخاصة عند لمسها، فالجداريات حساسة جدًا للرطوبة. يحتوي المتحف على أكثر من 400 من المقتنيات والآثار المهمة للمنطقة.
وقد تم التبرع بمعظم الأعمال الفنية الموجودة فيه، بالإضافة للآثار، من متبرعين كثر كالنحاتين والفنانين أنفسهم وعائلاتهم وجامعي القطع النادرة والأثرية. وأبرز الأعمال الفنية التي يحتويها المتحف كانت لنحاتين إيطاليين مثل دوناتلو وجيوفاني وأومبرتو بوتشيوني، بالإضافة إلى الرسوم والنقوش وقطع المجوهرات والميداليات، وبعض المنحوتات الحديثة. المتحف يعد من أهم المتاحف النحتية في كل إيطاليا لما يتضمنه من آثار تحكي قصة النحت وعلاقتها بالإنسان والطبيعة. القطع معروضة بترتيب زمني متسلسل في المتحف. وأعتقد أنه المتحف الكهفي الوحيد في العالم. ما رأيناه كان مدهشًا من جمال المنحوتات وتأثير الضوء عليها. تجربة ساعدتنا على تقدير المنحوتات بأشكالها المختلفة وفهم العلاقة الوثيقة بين الفن والمكان. يقدم المتحف أيضًا ورشًا ومؤتمرات عالمية ومحلية للمهتمين بهذا الفن.
المساكن الكهفية
نعود إلى المشهد الأول، وهو المساكن الكهفية، فمنذ اليوم الأول لوصولنا ماتيرا قررنا العيش في أحد المساكن الكهفية، وهو الشيء الأكثر إثارة في هذه الرحلة، لنعيش تجربة أهالي ماتيرا القدماء في الحياة داخل هذه الكهوف. لكن هذه الكهوف والمساكن تغيرت كثيرًا الآن، معظمها تحولت لتكون إقامة فاخرة للسياح. فكرة هذه المساكن تجمع بين الجوانب الطبيعية للكهوف مع التصميم الداخلي المعاصر والتاريخي في الوقت نفسه. تم إدخال التكنولوجيا وأنظمة التبريد والتدفئة المبتكرة التي تم إنشاؤها خصيصًا لهذا المكان للقضاء على الرطوبة.
يعود هذا المسكن الذي نحن فيه لشارلوت وزوجها، وهو في الأصل كهف يعود لجدتها، ومن القصص الطريفة والحزينة في الوقت نفسه التي قالتها لنا شارلوت إن جدتها عاشت هنا في هذا الكهف منذ زمن بعيد، ولكنها بعد خروجها من ماتيرا بعد الحرب العالمية الثانية رفضت العودة إليه مرة أخرى، حتى أنها رفضت رؤيته من جديد لما له من ذكريات أليمة، وهي الآن لا تصدق أن الناس اليوم يأتون من جميع أنحاء العالم لمشاهدة هذا المكان. لكن شارلوت على عكسها تمامًا سعيدة وفخورة بالتطورات الحديثة التي تعيشها ماتيرا. كان الكهف مهجورًا لفترة طويلة ثم قامت هي وزوجها بتعديل كبير عليه، وفتحه على عدد من الكهوف المجاورة ليصبح وجهة مثالية للسياح لقضاء وقت مميز. المكان ساحر وغريب وملهم للأفكار بالرغم من بساطته.
من الحجارة إلى الاستدامة
ماتيرا صوت يتحدث باسم الجنوب الإيطالي وباسم جميع المدن التاريخية المنسية في العالم، والتي دفعت كثيرًا بسبب الإهمال، لكنها مازالت تحمل قيمها العريقة ومحافظة على هويتها. ماتيرا لا تقل أهمية عن بقية المدن الإيطالية الشهيرة كروما وميلانو وفلورنسا وفينيسيا وفيرونا التي تتميز بأنها من المدن الأكثر زيارة على مستوى العام، مقارنة مع غيرها من المدن الأوربية، وذلك لأنها تجمع بين الفن والحضارة والغرابة.
وعلى الرغم من إجراء بعض التغييرات والتجديدات في الآونة الأخيرة، فإنها بقيت محافظة على النمط القديم السائد فيها، بالإضافة إلى احتوائها على عديد من الكنوز التي تعود إلى التاريخ القديم من العصر الحجري. ومن خلال الفلسفة الجديدة التي اعتمدتها إيطاليا وهي عدم بناء بنى تحتية ثقافية جديدة، بل تجديدها واستخدامها وتكييفها بشكل مختلف مع المحافظة على مواقعها الأثرية، ومشروع الاستدامة الذي بدأت عجلته تدور في المدينة، بهذا ستكون ماتيرا وجهة سياحية جذابة في وسط الجنوب الإيطالي ونقطة اتصال مثالية لكل المدن الجنوبية المحيطة بها .
حي ساسو كافيوسو
كهوف كازاغروتا
كهوف ماتيرا
متحف دومينيكو ريدولا للآثار
سحر الإضاءة يزين معالم المدينة
ستيفانو ديرانتي... أحد الرسامين في المدينة
الأطفال في ماتيرا عام 2591
لوحة للفنان والكاتب الإيطالي كارلو ليفي تعبر عن الحياة القاسية التي عاشها الأهالي في ماتيرا
كنيسة سان فرانسيسكو تم بناؤها عام 1670
في أعلى التلة كنيسة سانتا ماريا الصخرية وفي الأسفل كنيسة سان بيترو
تصميم هندسي فريد داخل الكاتدرائية
إحدى الرقصات التعبيرية في حي جيوفاني
تأثير الضوء والظل على المنحوتات