ماتيرا مدينة الكهوف والحجارة

ماتيرا مدينة الكهوف والحجارة

  ‬أساطير‭ ‬وحكايات‭ ‬وتاريخ‭ ‬متناقض‭ ‬لإحدى‭ ‬أقدم‭ ‬المدن‭ ‬المسكونة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأول‭ ‬مكان‭ ‬طبيعي‭ ‬أدرج‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬للتراث‭ ‬العالمي‭ ‬للإنسانية‭. ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المدن‭ ‬المثيرة‭ ‬للاهتمام‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬لتاريخها‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬للعصر‭ ‬الحجري‭. ‬مدينة‭ ‬دمرت‭ ‬وأحرقت‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬لكنها‭ ‬كطير‭ ‬العنقاء‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الرماد‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬تعددت‭ ‬ألقابها‭ ‬بين‭ ‬مدينة‭ ‬الكهوف‭ ‬ومدينة‭ ‬العار‭ ‬ومدينة‭ ‬الكنوز‭. ‬مرت‭ ‬بحقبات‭ ‬تاريخية‭ ‬مختلفة‭ ‬خلفت‭ ‬وراءها‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬والمعالم‭. ‬مدينة‭ ‬رائعة‭ ‬لكل‭ ‬محب‭ ‬للتاريخ‭ ‬ولكل‭ ‬شيء‭ ‬مختلف،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭... ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬ماتيرا‭ ‬الإيطالية‭  ‬كانت‭ ‬وجهتنا‭.‬

كل‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ماتيرا‭ ‬بعد‭ ‬اعلان‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬المدينة‭ ‬عاصمة‭ ‬للثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬لعام‭ ‬2019‭. ‬هي‭ ‬زيارتي‭ ‬الأولى‭ ‬للجنوب‭ ‬الإيطالي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬زياراتي‭ ‬العديدة‭ ‬لإيطاليا،‭ ‬رحلة‭ ‬استكشافية‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ ‬الغامضة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬لمدينة‭ ‬يبلغ‭ ‬عمرها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬آلاف‭ ‬عام،‭ ‬وتملك‭ ‬جمالًا‭ ‬قديمًا‭ ‬مثيرًا‭ ‬ووجهًا‭ ‬متلونًا‭ ‬مثل‭ ‬الحرباء‭... ‬ما‭ ‬حقيقة‭ ‬ماتيرا؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬هويتها؟‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬سنبحث‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭.‬

اخترنا‭ ‬أفضل‭ ‬الطرق‭ ‬وأسرعها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬الإيطالية‭ ‬‮«‬روما‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مطار‭ ‬مدينة‭ ‬باري‭ ‬‮«‬كارول‭ ‬فويتيلا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬تستغرق‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬بالطائرة‭. ‬وعند‭ ‬مطار‭ ‬باري‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬60‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬ماتيرا،‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬استخدمنا‭ ‬خدمة‭ ‬السيارات،‭ ‬توجد‭ ‬أيضا‭ ‬خدمة‭ ‬الحافلات‭ ‬أو‭ ‬القطارات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬بكل‭ ‬مرونة‭ ‬وسهولة‭. ‬كانت‭ ‬إجراءات‭ ‬السفر‭ ‬من‭ ‬روما‭ ‬إلى‭ ‬باري‭ ‬ثم‭ ‬ماتيرا‭ ‬سريعة‭ ‬وميسرة‭ ‬والأجواء‭ ‬رائعة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الأقاويل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬صعوبة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬الطرق‭ ‬السريعة‭ ‬ووعورتها‭ ‬وتجاهل‭ ‬الحكومة‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬المدينة‭ ‬مجهولة‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬للسياح‭ ‬الأجانب‭.‬

 

مدينة‭ ‬الكهوف

  ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬نحب‭ ‬الاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬الرئيسي‭ ‬المؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ماتيرا،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأنا‭ ‬نرى‭ ‬المدينة‭ ‬الحجرية‭ ‬نسيناها‭ ‬تمامًا‭. ‬كنا‭ ‬نتساءل‭: ‬كيف‭ ‬سيجد‭ ‬سائق‭ ‬سيارة‭ ‬الأجرة‭ ‬السكن‭ ‬الخاص‭ ‬بنا‭ ‬وسط‭ ‬المباني‭ ‬الحجرية‭ ‬المتشابهة‭ ‬تقريبًا‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬رئيسي‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬التلال،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬لافتات‭ ‬أو‭ ‬علامات‭ ‬للطريق؟‭ ‬ولكن‭ ‬لحسن‭ ‬الحظ‭ ‬كان‭ ‬المسكن‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الشارع‭ ‬الرئيسي‭ ‬لمدينة‭ ‬ماتيرا‭. ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬اختيارنا‭ ‬عليه‭ ‬للسكن‭ ‬فيه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بيت‭ ‬كهفي،‭ ‬ككثير‭ ‬من‭ ‬المساكن‭ ‬القريبة،‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬ترميمها‭ ‬وتحويلها‭ ‬لتكون‭ ‬صالحة‭ ‬لإقامة‭ ‬السائحين‭. ‬صاحبة‭ ‬المسكن‭ ‬كانت‭ ‬لطيفة‭ ‬للغاية‭ ‬وقدمت‭ ‬لنا‭ ‬جميع‭ ‬الاحتياجات‭. ‬وشرحت‭ ‬لنا‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬المهمة‭ ‬حول‭ ‬ماتيرا‭ ‬وعن‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬وسأخبركم‭ ‬لاحقا‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬هذا‭ ‬المسكن‭.‬

لنعد‭ ‬إلى‭ ‬ماتيرا‭ ‬وجزئها‭ ‬القديم‭ ‬الجميل‭... ‬توجهنا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬منطقتين‭ ‬رئيستين‭ ‬هما‭ ‬حي‭ ‬ساسو‭ ‬كافيوسو،‭ ‬وهو‭ ‬الأقدم‭ ‬عمرًا‭ ‬والمثير‭ ‬للاهتمام‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬أول‭ ‬سكان‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬استقروا‭ ‬فيها‭ ‬قبل‭ ‬9‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬وحي‭ ‬ساسو‭ ‬باريسانو‭ ‬وهو‭ ‬الأشهر‭ ‬والجزء‭ ‬الأحدث،‭ ‬حيث‭ ‬تقع‭ ‬معظم‭ ‬المباني‭ ‬التجارية‭ ‬والمكاتب‭ ‬والمحلات‭ ‬والمساكن‭. ‬أفضل‭ ‬الطرق‭ ‬لاكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬هو‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭. ‬الشوارع‭ ‬والأزقة‭ ‬ضيقة‭ ‬ومتداخلة‭ ‬قد‭ ‬يتوه‭ ‬فيها‭ ‬الزائر‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيره‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬من‭ ‬السلالم‭ ‬المتعرجة‭ ‬غير‭ ‬المتساوية،‭ ‬والممرات‭ ‬شديدة‭ ‬الانحدار،‭ ‬والساحات‭ ‬الصغيرة‭. ‬وقد‭ ‬نصحني‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬دليل‭ ‬المدينة‭ ‬لأنني‭ ‬سأحتاجه‭ ‬حتمًا‭ ‬في‭ ‬شوارعها،‭ ‬فماتيرا‭ ‬هي‭ ‬المكان‭ ‬المثالي‭ ‬للتجول‭ ‬والضياع‭. ‬الشوارع‭ ‬مزينة‭ ‬ببعض‭ ‬أواني‭ ‬الزهور،‭ ‬لكن‭ ‬المدينة‭ ‬يسودها‭ ‬اللون‭ ‬الرمادي،‭ ‬مخيفة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الممرات،‭ ‬ومدهشة‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬آخر‭. ‬أعشاب‭ ‬قاحلة‭ ‬وصبار‭ ‬شائك‭ ‬بين‭ ‬النتوءات،‭ ‬تتخيل‭ ‬فيه‭ ‬نضال‭ ‬الحياة‭ ‬وقسوتها‭ ‬في‭ ‬عقود‭ ‬مضت‭. ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬مازال‭ ‬منحوتًا‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬الصخور‭ ‬الجيرية‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬أحجار‭ ‬‮«‬التوفا‮»‬‭ ‬على‭ ‬منحدرات‭ ‬شديدة‭ ‬الانحدار‭ ‬في‭ ‬الوادي‭. ‬المساكن‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تسع‭ ‬إلى‭ ‬عشر‭ ‬طبقات‭ ‬من‭ ‬المنازل،‭ ‬واحدة‭ ‬بنيت‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬الأخرى‭ ‬غير‭ ‬منظمة‭ ‬بسبب‭ ‬انحناء‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬الوادي‭. ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬الأغنياء‭ ‬قديمًا‭ ‬احتلوا‭ ‬الطبقات‭ ‬العليا‭ ‬والفقراء‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬الطبقات‭ ‬السفلى‭. ‬من‭ ‬المدهش‭ ‬حقًا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬الذين‭ ‬صادفناهم‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬مازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬مساكن‭ ‬الكهوف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أجدادهم‭ ‬يعيشون‭ ‬فيها‭ ‬قبل‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭.‬

  ‬تحتوي‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1000‭ ‬كهف،‭ ‬معظمها‭ ‬تحولت‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬منازل‭ ‬وفنادق‭ ‬ومطاعم‭ ‬وحانات‭. ‬حي‭ ‬ساسو‭ ‬كافيوسو‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬الأحياء‭ ‬المليئة‭ ‬بالمساكن‭ ‬الكهفية‭ ‬والمستوطنات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأشهر‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف‭ ‬هي‭ ‬كهوف‭ ‬‮«‬كازاغروتا‮»‬‭. ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التجول‭ ‬في‭ ‬الكهوف‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬العيش‭ ‬هنا‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬مضت‭. ‬وقد‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬تأثيث‭ ‬أحد‭ ‬تلك‭ ‬الكهوف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬كموقع‭ ‬سياحي‭ ‬يتخيل‭ ‬فيه‭ ‬الزائر‭ ‬كيف‭ ‬عاش‭ ‬أهالي‭ ‬ماتيرا‭ ‬هنا‭ ‬قديمًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬المواقع‭ ‬المؤثرة‭ ‬التي‭ ‬شاهدتها‭ ‬والتي‭ ‬ستذكرني‭ ‬دائمًا‭ ‬بماتيرا‭. ‬الكهف‭ ‬ليس‭ ‬عميقًا‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬معيشة‭ ‬كبيرة،‭ ‬جدرانها‭ ‬مربعة،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬نوافذ،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬الحجارة،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬غرفة‭ ‬المعيشة‭ ‬يوجد‭ ‬مكان‭ ‬للنوم‭ ‬وإلى‭ ‬جانبه‭ ‬مطبخ‭ ‬بسيط‭ ‬مع‭ ‬موقد‭ ‬بدائي‭ ‬ومدخنة‭ ‬تنفث‭ ‬الدخان‭ ‬للخارج‭. ‬غرفة‭ ‬المعيشة‭ ‬كانت‭ ‬مجهزة‭ ‬أيضًا‭ ‬لسكن‭ ‬الماشية،‭ ‬كانت‭ ‬العائلات‭ ‬هنا‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬حيواناتها‭ ‬داخل‭ ‬الكهوف‭. ‬استفاد‭ ‬الناس‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مساحة‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الصخور‭. ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬علامة‭ ‬لمرحاض‭ ‬أو‭ ‬مياه‭ ‬جارية‭. ‬وقد‭ ‬أخبرنا‭ ‬المرشد‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬النفايات‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬أسفل‭ ‬المنحدر‭.‬

المساكن‭ ‬تروي‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الحكايات،‭ ‬عن‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬بشكل‭ ‬مثالي‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬باستخدام‭ ‬مميزات‭ ‬بسيطة،‭ ‬مثل‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬الثابتة‭ ‬للبيئات‭ ‬المحفورة،‭ ‬والمنحدرات‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬والظواهر‭ ‬الجوية‭. ‬شيء‭ ‬غريب‭ ‬يشدك‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تتوغل‭ ‬فيه،‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬تحار‭ ‬في‭ ‬أمره،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬بساطة‭ ‬الحياة‭ ‬أم‭ ‬غرابة‭ ‬المشهد؟‭ ‬المكان‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬حضارات‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬آثارها‭ ‬باقية‭. ‬فيها‭ ‬ستشعر‭ ‬بالحيوية‭ ‬والانطلاق‭ ‬وبالرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستكشاف‭.‬

المدينة‭ ‬مليئة‭ ‬بالحانات‭ ‬والمحلات‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬العائدة‭ ‬إلى‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭. ‬الأغاني‭ ‬والموسيقى‭ ‬الإيطالية‭ ‬تصدح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأحياء‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬تختلط‭ ‬بأصوات‭ ‬الباعة‭ ‬والسائحين‭. ‬ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬أن‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬المساكن‭ ‬الموجودة‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬مأهولة‭ ‬وهي‭ ‬مخصصة‭ ‬للإيجار‭ ‬للسائحين،‭ ‬وهذه‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إيطاليا‭. ‬وأفضل‭ ‬الأوقات‭ ‬لزيارة‭ ‬المدينة‭ ‬يكون‭ ‬خلال‭ ‬موسمي‭ ‬الربيع‭ ‬والخريف‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الطقس‭ ‬هو‭ ‬الأمثل‭ ‬وتكون‭ ‬الحشود‭ ‬هي‭ ‬الأقل‭.‬

خلال‭ ‬تجوالنا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬نصحنا‭ ‬أحد‭ ‬السكان‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬تلة‭ ‬مورجينا‭ ‬المقابلة‭ ‬للوادي‭ ‬للاستمتاع‭ ‬برؤية‭ ‬مشهد‭ ‬بانورامي‭ ‬للمدينة‭ ‬والتقاط‭ ‬الصور‭ ‬التذكارية‭. ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬مشيًا‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬بلفيدير‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬موقع‭ ‬مليء‭ ‬بالسياح،‭ ‬وصادفنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصوّرين‭ ‬الذين‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬لقطة‭ ‬مثالية‭ ‬للمدينة،‭ ‬موقع‭ ‬يسمح‭ ‬برؤية‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أروع‭ ‬المناظر‭ ‬في‭ ‬ماتيرا،‭ ‬صورة‭ ‬بانورامية‭ ‬للمكان،‭ ‬ورؤية‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬للمدينة‭ ‬تجعلك‭ ‬تشعر‭ ‬وتفهم‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬مختلف‭ ‬وفريد‭.‬

 

رياح‭ ‬العرب‭ ‬عبرت‭ ‬ماتيرا

ماتيرا‭ ‬مدينة‭ ‬التناقضات‭ ‬تجمع‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭. ‬المدينة‭ ‬ليست‭ ‬جميلة‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬ثرية‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والفن،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬شوارعها‭ ‬ستجد‭ ‬الطابع‭ ‬العربي‭ ‬يحيط‭ ‬بك‭ ‬حتى‭ ‬تتوهم‭ ‬للحظات‭ ‬أنك‭ ‬لازلت‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬عربية،‭ ‬ولا‭ ‬تتعجب‭ ‬إن‭ ‬حدث‭ ‬وألقى‭ ‬عليك‭ ‬أحد‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬التحية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬مرحبًا‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬المكان،‭ ‬فرياح‭ ‬العرب‭ ‬عبرت‭ ‬المدينة‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭. ‬دعونا‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الإيطالي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬728م‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الأغالبة‭ ‬ومن‭ ‬بعدهم‭ ‬الفاطميين‭. ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬البعيد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الغزوات‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬إيطالية‭ ‬مختلفة‭. ‬وتقول‭ ‬إحدى‭ ‬الروايات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬العرب‭ ‬والروم‮»‬‭ ‬لفازيليف،‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العرب‭ ‬لبعض‭ ‬الجزر‭ ‬الإيطالية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الامبراطورية‭ ‬البيزنطية‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬طموحاتهم‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬الحدود،‭ ‬بل‭ ‬تعدت‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فاتجهوا‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬الإيطالي‭ ‬واستولوا‭ ‬على‭ ‬ولايات‭ ‬ومناطق‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬ماتيرا،‭ ‬وأقاموا‭ ‬المعاقل‭ ‬والحصون،‭ ‬واستطاعوا‭ ‬تكوين‭ ‬إمارة‭ ‬مستقلة‭ ‬بهم‭ ‬وأسسوا‭ ‬حكومة‭ ‬عربية‭ ‬إسلامية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬باري‭ ‬التي‭ ‬تبعد‭ ‬60‭ ‬كيلومترًا‭ ‬عن‭ ‬ماتيرا،‭ ‬وحكموا‭ ‬هذه‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬لنحو‭ ‬مئتي‭ ‬عام،‭ ‬وأطلقوا‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيطالية‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬البر‭ ‬الطويل‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬العرب‭ ‬بما‭ ‬وصلوا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وحزم،‭ ‬بل‭ ‬اعتبروا‭ ‬أنفسهم‭ ‬سادة‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬واستطاعوا‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬أن‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬حصون‭ ‬روما‭. ‬أغضب‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الامبراطور‭ ‬الروماني‭ ‬لويس‭ ‬الثاني،‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يسترجع‭ ‬الأراضي‭ ‬والأقاليم‭ ‬الإيطالية‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬الروماني،‭ ‬فدارت‭ ‬حروب‭ ‬ومعارك‭ ‬ضارية‭ ‬بين‭ ‬الروم‭ ‬والعرب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬871‭ ‬دب‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬العرب‭ ‬وشغلهم‭ ‬عن‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬إيطاليا،‭ ‬وأنساهم‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتربص‭ ‬بهم،‭ ‬فنجحت‭ ‬قوات‭ ‬الروم‭ ‬في‭ ‬اقتحام‭ ‬حصون‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وقام‭ ‬الامبراطور‭ ‬لودفيك‭ ‬بقتل‭ ‬جميع‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭. ‬وتقول‭ ‬الروايات‭ ‬التاريخية‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬لم‭ ‬ينج‭ ‬أحد،‭ ‬كانت‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬وتحولت‭ ‬المدن‭ ‬إلى‭ ‬دمار‭ ‬وخراب‭ ‬كبيرين‭. ‬ومع‭ ‬سقوط‭ ‬مدينة‭ ‬باري‭ ‬الإسلامية‭ ‬اندثرت‭ ‬المعالم‭ ‬الحضارية‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬الروم‭ ‬ومن‭ ‬معهم‭ ‬بتدمير‭ ‬جميع‭ ‬الآثار‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬الجنوبية‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬منها‭ ‬شيء‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الرسامين‭ ‬الإيطاليين‭ ‬استلهموا‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬العربية‭ ‬الإيطالية‭ ‬الطاحنة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬بعض‭ ‬رسوماتهم،‭ ‬ومنهم‭ ‬الرسام‭ ‬الإيطالي‭ ‬رفائيل‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬رسمة‭ ‬شهيرة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬معركة‭ ‬أوستيا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬ويلات‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬المعارك،‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المتاحف‭ ‬الإيطالية‭ ‬بروما‭.‬

الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬واضح‭ ‬وعميق‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬الإيطاليين‭ ‬الأدبية‭ ‬والعلمية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬واستمر‭ ‬لوقت‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭. ‬من‭ ‬أهم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬تأثروا‭ ‬بالثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الكاتب‭ ‬الإيطالي‭ ‬دانتي‭ ‬الجييري‭ (‬1265 ‭- ‬1321‭) ‬في‭ ‬عمله‭ ‬‮«‬الكوميديا‭ ‬الإلهية‮»‬،‭ ‬فالعمل‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬مرجعيات‭ ‬وإشارات‭ ‬إسلامية‭ ‬كثيرة،‭ ‬وهو‭ ‬مشابه‭ ‬لما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬الغفران‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬سبقة‭ ‬بـ‭ ‬264‭ ‬عامًا‭. ‬كلاهما‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭ ‬والجنة‭ ‬والجحيم‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬ملحمة‭ ‬شعرية‭. ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬تمامًا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬شعراء‭ ‬وأدباء‭ ‬إيطاليون‭ ‬عارضوا‭ ‬بشدة‭ ‬انتشار‭ ‬العلوم‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وانتقدوها‭ ‬ودعوا‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬أفكارها‭ ‬ومحو‭ ‬آثارها،‭ ‬ومن‭ ‬أشهرهم‭ ‬الكاتب‭ ‬الإيطالي‭ ‬فرانشيسكو‭ ‬بتراركا‭ (‬1304‭-‬1374‭) ‬الذي‭ ‬عبَّر‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬شهيرة‭ ‬عن‭ ‬استيائه‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‭ ‬واللافت‭ ‬لفلاسفة‭ ‬المسلمين،‭ ‬مثل‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ (‬1126‭-‬1198‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬الإيطاليون‭ ‬في‭ ‬مكانة‭ ‬كتاب‭ ‬وفلاسفة‭ ‬لاتينيين‭. ‬وهذا‭ ‬الموقف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حالة‭ ‬فردية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يتبناه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الإيطاليين،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬أعمال‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬تثير‭ ‬نقاشات‭ ‬وخلافات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إيطاليا‭. ‬

 

مدينة‭ ‬الكنوز

  ‬كانت‭ ‬ماتيرا‭ ‬والجنوب‭ ‬الإيطالي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬مسرحًا‭ ‬لأحداث‭ ‬وصراعات‭ ‬دامية،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬استراتيجي‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وعلى‭ ‬مراكز‭ ‬الإمداد‭ ‬وطرق‭ ‬التجارة‭. ‬ظلت‭ ‬المدينة‭ ‬طوال‭ ‬فترات‭ ‬التاريخ‭ ‬مشتعلة‭ ‬ومتوترة‭ ‬وتعرضت‭ ‬للاحتلال‭ ‬والحروب‭ ‬والتدمير‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬زمنية‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكنها‭ ‬كطير‭ ‬العنقاء‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الرماد‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬فيها‭ ‬ستشاهد‭ ‬إرثًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬متعددًا‭ ‬ومختلفًا‭ ‬لحقب‭ ‬متنوعة‭ ‬خلفت‭ ‬وراءها‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬والمعالم‭ ‬كعهد‭ ‬الإغريق‭ ‬والرومان‭ ‬والعهد‭ ‬البيزنطي‭ ‬والدوقية،‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭. ‬ولعل‭ ‬أبنيتها‭ ‬وكنائسها‭ ‬ومتاحفها‭ ‬العريقة‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭. ‬أول‭ ‬هذه‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬هذه‭ ‬المساكن‭ ‬الكهفية‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬عاشوا‭ ‬فيها‭ ‬9 آلاف‭ ‬عام،‭ ‬وآثار‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الرومان‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬والسابع‭ ‬غزاها‭ ‬اللومبارديون‭ ‬أيضًا‭ ‬وغيروا‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬والملاك‭ ‬والعائلات‭ ‬الحاكمة‭ ‬ومن‭ ‬بعدهم‭ ‬جاء‭ ‬الأباطرة‭ ‬البيزنطيون‭ ‬والمسلمون‭ ‬والألمان،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬التاسع‭ ‬والعاشر‭ ‬الميلاديين‭. ‬لعبت‭ ‬ماتيرا‭ ‬أيضًا‭ ‬دوراً‭ ‬مهمًا‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬عندما‭ ‬أصبحت‭ ‬أول‭ ‬مدينة‭ ‬إيطالية‭ ‬تعارض‭ ‬النازية‭ ‬وتحارب‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬الفيرماخت‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأعلى‭ ‬بألمانيا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬هتلر‭.‬

وهناك‭ ‬روايات‭ ‬متعددة‭ ‬حول‭ ‬اسم‭ ‬المدينة،‭ ‬يقول‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬إنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬جيشين،‭ ‬من‭ ‬ميتابونتو‭ ‬ومن‭ ‬هيراكليا‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬لذلك‭ ‬جاء‭ ‬ماتيرا‭ ‬من‭ ‬هذين‭ ‬الاسمين‭ ‬ميت‭ ‬وهيرا‭. ‬ويقول‭ ‬آخرون‭ ‬إنه‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬ماتا‭, ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الصخرة‭ ‬أو‭ ‬ميتورون‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬السماء‭ ‬المليئة‭ ‬بالنجوم‭. ‬وخلال‭ ‬الحقبة‭ ‬الرومانية‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬ماذار‮»‬‭, ‬أي‭ ‬الأم‭.‬

 

شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬

في‭ ‬بلدان‭ ‬كثيرة‭ ‬هناك‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب،‭ ‬شمال‭ ‬متقدم‭ ‬متحضر‭ ‬وجنوب‭ ‬متخلف‭ ‬عن‭ ‬الركب،‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭  ‬فهي‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬متطور‭ ‬وصناعي‭ ‬وجنوب‭ ‬متكاسل‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬معقل‭ ‬للصيادين‭ ‬والمزارعين‭ ‬وعصابات‭ ‬المافيا‭. ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بين‭ ‬الشماليين‭ ‬والجنوبيين‭ ‬بإيطاليا‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬الثقافة،‭ ‬وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وفي‭ ‬ماتيرا‭ ‬تحديدًا‭ ‬تشعر‭ ‬أكثر‭ ‬بهذه‭ ‬الفروقات،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬يخيّل‭ ‬إليك‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬أنك‭ ‬خارج‭ ‬إيطاليا‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬أو‭ ‬لإهمال‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬الاثنين‭ ‬معًا‭.  ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬عالية‭ ‬جدًا،‭ ‬و40‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬يبلغ‭ ‬عددهم‭  ‬ستين‭ ‬ألفًا‭ ‬هم‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر‭. ‬و«هناك‭ ‬هجرة‭ ‬داخلية‭ ‬للعقول‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬وظيفية‭ ‬أفضل‭ ‬ونمط‭ ‬حياة‭ ‬اجتماعية‭ ‬أكثر‭ ‬أمانًا‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬التقيت‭ ‬بهم‭ ‬ويدعى‭ ‬دانيال‭ ‬باتريس‭ ‬عند‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬هجرة‭ ‬أبنائه‭ ‬الثلاثة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭  ‬فيرونا‭ ‬للعمل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عاشوا‭ ‬هنا‭ ‬أعوامًا‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬ومثلهم‭ ‬كثيرون‭. ‬أغلب‭ ‬السكان‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬الحرف‭ ‬اليدوية‭ ‬والمهن‭ ‬البسيطة‭ ‬للعيش‭. ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬أيضًا‭ ‬هي‭ ‬الأقل،‭ ‬نسبة‭ ‬لبقية‭ ‬المدن‭ ‬الإيطالية‭.‬

المدينة‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬إقليم‭ ‬باسيليكاتا‭. ‬وحدودها‭ ‬بين‭ ‬بوليا‭ ‬وباسيليكاتا‭. ‬ويعتمد‭ ‬اقتصادها‭ ‬المتواضع‭ ‬حاليًا‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬والسياحة‭ ‬نظرًا‭ ‬لما‭ ‬تحتويه‭ ‬طبيعتها‭ ‬الجغرافية‭. ‬وتقع‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬400‭ ‬متر‭ ‬فوق‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وعلى‭ ‬بعد‭ ‬45‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الشاطئ‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬392‭ ‬كم‭. ‬

 

مدينة‭ ‬العار

للمدينة‭ ‬قصص‭ ‬وحكايات‭ ‬حزينة،‭ ‬سمعت‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬ماتيرا‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وهذه‭ ‬إحدى‭ ‬القصص‭. ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬ليس‭ ‬ببعيد‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الجميلة‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬مدينة‭ ‬العار‮»‬‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬أليمة‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭. ‬كانت‭ ‬المدينة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أفقر‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ ‬يسكنها‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭  ‬يوجد‭ ‬بها‭ ‬نظام‭ ‬لإمداد‭ ‬المياه،‭ ‬ولا‭ ‬محطة‭ ‬كهرباء‭ ‬أو‭ ‬مرافق‭ ‬صحية‭ ‬متاحة،‭ ‬كان‭ ‬سكانها‭ ‬يعيشون‭ ‬حياة‭ ‬بدائية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬للكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬السلع‭ ‬الغذائية‭ ‬البسيطة،‭ ‬وذلك‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬متاجر،‭ ‬ويعتمد‭ ‬نظامهم‭ ‬الغذائي‭ ‬الأساسي‭ ‬على‭ ‬الخبز‭ ‬والزيت‭ ‬والطماطم،‭ ‬كانت‭ ‬المدينة‭ ‬منبعًا‭ ‬للأوبئة‭ ‬بسبب‭ ‬القذارة‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬البيوت‭ ‬والأحياء،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬السكان‭ ‬يبنون‭ ‬منازلهم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬منعدمة‭ ‬التهوية‭ ‬لا‭ ‬تتعرض‭ ‬للشمس‭ ‬ولا‭ ‬يصل‭ ‬الضوء‭ ‬إلى‭ ‬داخلها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬الحار،‭ ‬مساكن‭ ‬كهفية‭ ‬استعملها‭ ‬أجدادهم‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬المنازل‭ ‬المبنية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المعتمة‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الوحيد‭ ‬لانتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬في‭ ‬ماتيرا،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬السكان‭ ‬كانوا‭ ‬يربون‭ ‬حيواناتهم‭ ‬كالحمير‭ ‬والدجاج‭ ‬والخنازير‭ ‬داخل‭ ‬المنازل‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة‭ ‬عميقة‭ ‬ويتقاسمون‭ ‬معهم‭ ‬أماكن‭ ‬النوم‭ ‬خوفًا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬السرقة،‭ ‬فازداد‭ ‬معدل‭ ‬الوفيات‭ ‬بنسب‭ ‬مروعة‭ ‬وظهرت‭ ‬الأمراض‭ ‬الوبائية‭ ‬مثل‭ ‬الكوليرا‭ ‬والتيفوئيد‭ ‬والملاريا‭. ‬وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬قرر‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإيطالى‭ ‬آنذاك‭ ‬دي‭ ‬غاسبيري،‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬للمدينة‭  ‬تهجير‭ ‬آلاف‭ ‬السكان‭ ‬قسرًا‭ ‬من‭ ‬ماتيرا‭ ‬واعتبرها‭ ‬عارًا‭ ‬على‭ ‬إيطاليا‭. ‬

لكن‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬رفضوا‭ ‬المغادرة،‭ ‬فنقلتهم‭ ‬الحكومة‭ ‬بالقوة‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬إلى‭ ‬مساكن‭ ‬حديثة‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬مجاورة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬المنحدر‭ ‬وتم‭ ‬توطينهم‭ ‬فيها‭. ‬بعدها‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيطالية‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬غير‭ ‬مأهولة‭ ‬بالسكان‭ ‬وغير‭ ‬صالحة‭ ‬للعيش‭ ‬فيها،‭ ‬وقامت‭ ‬بحرقها‭ ‬بأكملها‭. ‬كانت‭ ‬الإزالة‭ ‬رهيبة‭ ‬وقاسية‭ ‬وضربة‭ ‬مؤلمة‭ ‬لساكنيها‭. ‬وقد‭ ‬علق‭ ‬الكاتب‭ ‬الإيطالي‭ ‬كارلو‭ ‬ليفي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬توقف‭ ‬المسيح‭ ‬في‭ ‬أبولي‮»‬‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬رأيت‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬صورًا‭ ‬مرعبة‭ ‬كصور‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬ماتيرا،‭ ‬الأطفال‭ ‬بعضهم‭ ‬عراة‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يبيع‭ ‬السجائر‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والسكان‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬بالية‭ ‬وهيئة‭ ‬جسمانية‭ ‬بشعة‭ ‬اجتاحها‭ ‬المرض‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإيطاليين‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬أهالي‭ ‬ماتيرا‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬رمز‭ ‬للتخلف‭.‬

وبعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬بدأت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬ترميم‭ ‬المدينة‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيلها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬والاهتمام‭ ‬بكهوفها‭ ‬التاريخية،‭ ‬مع‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬الخاص‭ ‬بالمدينة‭. ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيطالية‭ ‬كان‭ ‬كبيرًا‭ ‬لتبدو‭ ‬المشاهد‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭. ‬واليوم‭ ‬استردت‭ ‬ماتيرا‭ ‬عافيتها‭ ‬ونهضت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرماد‭ ‬وأصبحت‭ ‬مدينة‭ ‬آمنة‭ ‬وصحية‭ ‬ومكانًا‭ ‬جميلًا‭ ‬للعيش‭ ‬فيه‭. ‬وتحولت‭ ‬من‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬وطنية‭ ‬إلى‭ ‬كنز‭ ‬أثري‭ ‬ثمين‭ ‬يفتخر‭ ‬به‭ ‬جميع‭ ‬الإيطاليين‭. ‬وتحولت‭ ‬الكهوف‭ ‬إلى‭ ‬مطاعم‭ ‬سياحية‭ ‬وفنادق‭ ‬فاخرة‭ ‬تزخر‭ ‬بالسائحين‭ ‬الذين‭ ‬يأتون‭ ‬لزيارتها‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

 

الورقة‭ ‬الرابحة

عند‭ ‬خروج‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬كافح‭ ‬عديد‭ ‬منهم‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬المنازل‭ ‬الجديدة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬كثيرون‭ ‬المياه‭ ‬تتدفق‭ ‬من‭ ‬الصنبور،‭ ‬والمروحة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬غلاية‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بداية‭ ‬التطور‭ ‬للعقود‭ ‬التالية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المدينة‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1986‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬تمرير‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬لإعادة‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الداخل،‭ ‬شجعت‭ ‬الحكومة‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬أعمال‭ ‬الترميم،‭ ‬وتشجيع‭ ‬الحرفيين‭ ‬لإقامة‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬ودعم‭ ‬المزارعين‭ ‬المحليين،‭ ‬كانت‭ ‬أشبه‭ ‬بمعركة‭ ‬مدنية‭ ‬لاعادة‭ ‬إحياء‭ ‬المكان‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وبدأت‭ ‬الحانات‭ ‬والمطاعم‭ ‬والفنادق‭ ‬والمحلات‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬والتكاثر‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقر‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬الجديدة،‭ ‬رفض‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬السابقين‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬البلدة‭ ‬القديمة،‭ ‬وفضلوا‭ ‬العيش‭ ‬خارج‭ ‬الكهوف‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬داخلها‭. ‬وقد‭ ‬أخبرني‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭  ‬ماركو‭ ‬فيرر،‭ ‬أحد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬الكهرباء‭ ‬ومرافق‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬والخدمات،‭ ‬مثل‭ ‬محلات‭ ‬البقالة‭ ‬والصيادلة،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬العيش‭ ‬هناك‭ ‬غير‭ ‬مريح‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬الكهوف‭ ‬هي‭ ‬الورقة‭ ‬الرابحة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الحياة‭ ‬والاهتمام‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة،‭ ‬مرورًا‭ ‬باهتمام‭ ‬الفنانين‭ ‬والنحاتين‭ ‬وصناع‭ ‬السينما،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬اختيار‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬المدينة‭ ‬كموقع‭ ‬للتراث‭ ‬العالمي‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993‭. ‬المكان‭ ‬ذو‭ ‬تاريخ‭ ‬ساحر،‭ ‬تمتزج‭ ‬فيه‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬بالحضارات‭ ‬والثقافات‭ ‬المختلفة‭. ‬الكهوف‭ ‬ومبانيها‭ ‬المتدرجة‭ ‬على‭ ‬المرتفعات،‭ ‬الكنائس‭ ‬الصخرية‭ ‬الرائعة‭ ‬والأحياء‭ ‬الضيقة‭. ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬مثال‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬على‭ ‬التكافل‭ ‬بين‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬والثقافة‭ ‬البشرية‭. ‬لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬بالفعل‭ ‬تعتبر‭ ‬ماتيرا‭ ‬عاصمة‭ ‬حضارات‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭. ‬هي‭ ‬مكان‭ ‬يلهم‭ ‬الأفكار‭ ‬والعواطف‭ ‬العميقة‭. ‬هنا‭ ‬يشعر‭ ‬الناس‭ ‬بالوعي‭ ‬بالعناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬للكون‭ ‬وهشاشة‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬دورات‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الطبيعية‭. ‬هنا‭ ‬الفراغ‭ ‬والامتلاء‭ ‬والصوت‭ ‬والصمت‭ ‬والظلال‭ ‬والضوء،‭ ‬كلها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬متناغم‭ ‬يشكل‭ ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬تنفصم‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬المنحوتة‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬المطل‭ ‬على‭ ‬الهضبة،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يمتزج‭ ‬بقوة‭ ‬هنا‭. ‬

 

عاصمة‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬

منذ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تتويجها‭ ‬عاصمة‭ ‬للثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬والعمل‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬للإعداد‭ ‬والتحضير‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬المهم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لماتيرا‭ ‬وإنما‭ ‬للجنوب‭ ‬الإيطالي‭ ‬بأكمله‭. ‬وتم‭ ‬وضع‭ ‬مدينة‭ ‬ماتيرا‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬السياحية‭ ‬الإيطالية‭ ‬والأوربية،‭ ‬وازداد‭ ‬اهتمام‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيطالية‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬السياحة‭. ‬وخصص‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬لتطوير‭ ‬جميع‭ ‬جوانب‭ ‬المدينة‭. ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬سالفاتور‭ ‬أدوس‭ ‬عمدة‭ ‬المدينة‭ ‬السابق،‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬الحالي‭ ‬للاحتفال‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭: ‬‮«‬إن‭ ‬رحلة‭ ‬ماتيرا‭ ‬الحديثة‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬طويل،‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1952،‭ ‬وسوف‭ ‬تنطلق‭ ‬بشكل‭ ‬متسارع،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬العودة‭ ‬للوراء‭ ‬بعد‭ ‬تتويج‭ ‬المدينة‭ ‬عاصمة‭ ‬ثقافية‮»‬‭.  ‬وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬يسعى‭ ‬مع‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬والحكومة‭ ‬الإيطالية‭ ‬بجهود‭ ‬كبيرة‭ ‬متضافرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدينة‭ ‬ماتيرا‭ ‬مدينة‭ ‬مستدامة‭. ‬

وهناك‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬المدينة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬مدن‭ ‬إيطالية‭ ‬تدخل‭ ‬إليها‭ ‬خدمة‭ ‬5‭ ‬G‭ ‬قريبًا،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬للتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬لجذب‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البحث‭ ‬والابتكار‭ ‬للمنطقة‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬لن‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬بالهدف‭ ‬الأساسي،‭ ‬وهو‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الآثار‭ ‬والمواقع‭ ‬التاريخية‭ ‬للمدينة‭. ‬وأكد‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬المهم‭ ‬وبرامج‭ ‬طويلة‭ ‬وقصيرة‭ ‬لتطوير‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬وطرق‭ ‬ومنشآت‭ ‬وبرامج‭ ‬أخرى‭ ‬لتدريب‭ ‬وتعليم‭ ‬شباب‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬السياح،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬احتفالية‭ ‬أخرى‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬كتنظيم‭ ‬رحلات‭ ‬منظمة‭ ‬للكهوف‭ ‬والمعالم‭ ‬الأثرية‭ ‬للمدينة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المهرجانات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬والمعارض‭ ‬الدورية‭ ‬لتسويق‭ ‬منتجات‭ ‬الإقليم‭ ‬محليًا‭ ‬وعالميًا،‭ ‬وإقامة‭ ‬المراكز‭ ‬التسويقية‭ ‬والملاعب‭ ‬الرياضية‭ ‬وإسطبلات‭ ‬الخيول‭ ‬وملاعب‭ ‬الجولف‭ ‬وتنظيم‭ ‬مسابقات‭ ‬رياضية‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬عدد‭ ‬زوار‭ ‬المدينة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬المليون‭ ‬زائر،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬جيد‭ ‬نسبة‭ ‬للأعوام‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬العدد‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬فيها‭ ‬600‭ ‬ألف‭.‬

‭ ‬

كاتدرائية‭ ‬ماتيرا

حي‭ ‬ساسو‭ ‬باريسانو‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬الأحياء‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬لفتت‭ ‬انتباهي،‭ ‬لذلك‭ ‬قررت‭ ‬الرجوع‭ ‬إليه‭ ‬مساء‭. ‬ليلاً‭ ‬تتوهج‭ ‬فيه‭ ‬الأنوار‭ ‬والإضاءات‭ ‬الصغيرة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬الكهفية‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬التلال‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬جميل‭. ‬عند‭ ‬وصولنا‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬سيفيتاس‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الحي‭ ‬شاهدنا‭ ‬كاتدرائية‭ ‬المدينة،‭ ‬وهي‭ ‬كنيسة‭ ‬جميلة‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر،‭ ‬وهي‭ ‬تستحق‭ ‬الزيارة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لتصميمها‭ ‬المذهل؛‭ ‬لكن‭ ‬لكونها‭ ‬توفر‭ ‬إطلالة‭ ‬مذهلة‭ ‬على‭ ‬حي‭ ‬ساسو‭ ‬باريسانو‭. ‬المدينة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكنائس،‭ ‬تبلغ‭ ‬تقريبًا‭ ‬150‭ ‬كنيسة‭ ‬تاريخية،‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬معماري‭ ‬فريد،‭ ‬والتي‭ ‬لغرابتها‭ ‬وجمالها‭ ‬القديم‭ ‬جذبت‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬وصناع‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬هوليوود‭ ‬وأوربا‭ ‬لتصوير‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التاريخية‭ ‬والدينية‭ ‬المهمة،‭ ‬وأشهرها‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬آلام‭ ‬المسيح‮»‬‭ ‬لميل‭ ‬جبسون‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬وفيلم‭ ‬الإنجيل‭ ‬للمخرج‭ ‬باولو‭ ‬باسوليني‭ ‬عام‭ ‬1966‭. ‬وقصة‭ ‬المهد‭ ‬في‭ ‬هاردويك‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬وفيلم‭ ‬ماثيو‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬وفيلم‭ ‬ديفيد‭ ‬عام‭ ‬1985‭. ‬

الكنائس‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬المدينة‭ ‬عاصمة‭ ‬ثقافية‭. ‬فهي‭ ‬تعتبر‭ ‬معالم‭ ‬تاريخية‭ ‬أثرية،‭ ‬وهي‭ ‬شهادة‭ ‬استثنائية‭ ‬لحضارة‭ ‬كانت‭ ‬هنا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬صممت‭ ‬بطريقة‭ ‬معمارية‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬بيئتها،‭ ‬وهي‭ ‬مثال‭ ‬مهم‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬المتناغمة‭ ‬بين‭ ‬الاستيطان‭ ‬البشري‭ ‬واستخدام‭ ‬الأرض‭ ‬والتوازن‭ ‬البيئي‭. ‬من‭ ‬الكنائس‭ ‬المهمة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬الكنائس‭ ‬الرومانية‭ ‬في‭ ‬سان‭ ‬جيوفاني‭ ‬وسان‭ ‬دومينيكو‭ ‬وكنيسة‭ ‬مغارة‭ ‬القديس‭ ‬مالفي،‭ ‬وذلك‭ ‬لاحتوائها‭ ‬على‭ ‬رسومات‭ ‬جدارية‭ ‬لفنانين‭ ‬إيطاليين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التصميم‭ ‬الهندسي‭ ‬الفريد‭ ‬على‭ ‬الطراز‭ ‬الروماني‭.‬

 

مهرجان‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الخبز‮»‬

‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬وجهة‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬إيطالية‭ ‬أخرى،‭ ‬فهي‭ ‬مثالية‭ ‬للذواقة‭ ‬من‭ ‬محبي‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬الصحي،‭ ‬حيث‭ ‬يستخدم‭ ‬الطهاة‭ ‬الخضراوات‭ ‬والمنتجات‭ ‬الطازجة‭ ‬لتقديم‭ ‬أطباق‭ ‬ممتازة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأطباق‭ ‬الإيطالية‭ ‬الشهيرة‭ ‬مثل‭ ‬المعكرونة‭ ‬والبيتزا،‭ ‬والكرابيتا‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والبقول،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأطباق‭ ‬الرائعة،‭ ‬والمميز‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬أن‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬المطاعم‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬كهوف‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ساحر‭ ‬لتناول‭ ‬الطعام‭. ‬

أفضل‭ ‬وجبة‭ ‬صحية‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬تتناولها‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬هي‭ ‬خبز‭ ‬ماتيرا‭ ‬الشهير،‭ ‬خاصة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬مخبز‭ ‬المدينة‭ ‬‮«‬بان‭ ‬اي‭ ‬بيس‮»‬‭. ‬أهالي‭ ‬ماتيرا‭ ‬يفتخرون‭ ‬بخبزهم‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬تشتهر‭ ‬به‭ ‬المدينة‭ ‬ويعتبر‭ ‬رمزًا‭ ‬لها‭. ‬شكله‭ ‬وطعمه‭ ‬الفريد‭ ‬هما‭ ‬ثمرة‭ ‬الثقافة‭ ‬والتقاليد‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬لقرون‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تعيش‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬يتم‭ ‬صنع‭ ‬الخبز‭ ‬وفقًا‭ ‬للتقنيات‭ ‬والطرق‭ ‬القديمة،‭ ‬وهو‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬المحلي‭ ‬الذي‭ ‬يزرع‭ ‬بالمدينة‭ ‬ويخمر‭ ‬بخميرة‭ ‬طبيعية‭ ‬من‭ ‬المشمش‭ ‬المحلي‭ ‬يتم‭ ‬تجميدها‭ ‬كل‭ ‬36‭ ‬ساعة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬حموضة‭ ‬ثابتة،‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬خلطها‭ ‬مع‭ ‬الدقيق‭ ‬والملح‭ ‬والماء‭ ‬وتترك‭ ‬العجينة‭ ‬لتتخمر‭ ‬ليلاً‭ ‬إلى‭ ‬الصباح‭ ‬ثم‭ ‬تخبز‭ ‬عند‭ ‬250‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬لمدة‭ ‬ساعتين،‭ ‬ويتم‭ ‬تسخين‭ ‬الفرن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حرق‭ ‬فروع‭ ‬أشجار‭ ‬الزيتون‭ ‬والبلوط‭ ‬الجاف،‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تجعل‭ ‬الخبز‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬صلاحيته‭ ‬لمدة‭ ‬15‭ ‬يومًا‭. ‬يزن‭ ‬الرغيف‭ ‬الواحد‭ ‬كيلوغرامًا‭ ‬واحدًا‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قرن‭. ‬كانت‭ ‬جميع‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬تطهو‭ ‬الخبز‭ ‬في‭ ‬فرن‭ ‬واحد‭ ‬بالمدينة،‭ ‬ولتتعرف‭ ‬كل‭ ‬امرأة‭ ‬على‭ ‬خبزها‭ ‬تضع‭ ‬النساء‭ ‬ختمًا‭ ‬خشبيًا‭ ‬خاصا‭ ‬يحمل‭ ‬الحروف‭ ‬الأولى‭ ‬للعائلة‭ ‬على‭ ‬الخبز‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬صادف‭ ‬أثناء‭ ‬وجودنا‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬إقامة‭ ‬مهرجان‭ ‬أرض‭ ‬الخبز‭. ‬‮«‬المهرجان‭ ‬هو‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬الجذور،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المستقبل‮»‬‭ ‬هكذا‭ ‬لخص‭ ‬لنا‭ ‬أنطونيو‭ ‬كالبي،‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة،‭ ‬عضو‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬للاحتفال،‭ ‬فكرة‭ ‬المهرجان‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬خلال‭ ‬الندوة‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬ضمن‭ ‬الفعاليات‭. ‬المهرجان‭ ‬دعوة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬خبز‭ ‬ماتيرا‭, ‬ويتضمن‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬للأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬لاستخدام‭ ‬الأفران‭ ‬القديمة‭ ‬وصنع‭ ‬الخبز‭ ‬المحلي‭. ‬وقد‭ ‬ضم‭ ‬المهرجان‭ ‬30‭ ‬ضيفًا‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بالتراث‭ ‬والثقافة‭ ‬والبيئة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬والندوات‭ ‬وتباحثوا‭ ‬حول‭ ‬صناعة‭ ‬الأغذية‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬وأهمية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬ودور‭ ‬وتاريخ‭ ‬مخابز‭ ‬الحي‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الغذاء‭ ‬وبعض‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تؤخذ‭ ‬إلهامًا‭ ‬من‭ ‬الخبز‭. ‬المهرجان‭ ‬فيه‭ ‬تعريف‭ ‬وترويج‭ ‬لبعض‭ ‬موارد‭ ‬ومنتجات‭ ‬المدينة‭ ‬وحافل‭ ‬بالعروض‭ ‬الموسيقية‭ ‬والمسرحية‭ ‬وعروض‭ ‬أوبرا‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬العناصر‭ ‬الطبيعية‭ ‬والأساسية‭ ‬للحياة‭, ‬والتي‭ ‬تنشأ‭ ‬كل‭ ‬مادة‭ ‬منها‭ ‬وهي‭ ‬الماء‭ ‬والهواء‭ ‬والأرض‭ ‬والنار‭. ‬المهرجان‭ ‬جميل‭ ‬ومؤثر‭ ‬ومتعدد‭ ‬الحواس،‭ ‬تم‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬بعدة‭ ‬طرق‭ ‬كالفن‭ ‬والموسيقى‭ ‬والاستعراض،‭ ‬وجميعها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬سان‭ ‬بياجو‭ ‬الرائع‭.‬

 

خزانات‭ ‬المياه

لن‭ ‬تفهم‭ ‬ماتيرا‭ ‬دون‭ ‬زيارة‭ ‬للصهاريج‭ ‬وخزانات‭ ‬المياه‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬ورؤية‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬الأسفل‭. ‬‮«‬بالومبارو‭ ‬لونغو‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬خزان‭ ‬مياه‭ ‬في‭ ‬ماتيرا،‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬المدينة‭ ‬تحت‭ ‬ساحة‭ ‬ماتيرا‭ ‬الرئيسة‭ ‬مباشرة‭. ‬يعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1846‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬مصدرًا‭ ‬لإمداد‭ ‬المياه‭ ‬لجميع‭ ‬المباني،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬جذع‭ ‬شجرة‭ ‬عملاقة‭ ‬شيدت‭ ‬بطريقة‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬المياه‭ ‬المتدفقة‭ ‬إليها،‭  ‬يبلغ‭ ‬ارتفاع‭ ‬الخزان‭ ‬15‭ ‬مترًا‭ ‬وتصل‭ ‬سعته‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬لتر‭ ‬ماء،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الدلائل‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬البشر‭ ‬بوضع‭ ‬علامة‭ ‬معمارية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المكان‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬نقل‭ ‬المياه‭ ‬قديمًا‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬يستغرق‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬الخزانات‭ ‬ضرورية‭ ‬لاستمرار‭ ‬الحياة‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬ماتيرا،‭ ‬فقام‭ ‬أهالي‭ ‬ماتيرا‭ ‬بعمل‭ ‬نظام‭ ‬مياه‭ ‬ضخم‭ ‬يسمح‭ ‬بنقل‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬وأسفل‭ ‬المدينة،‭ ‬وكان‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬الأمطار‭ ‬والمياه‭ ‬الجوفية‭. ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬القوارب‭ ‬للتنقل‭ ‬فيها‭. ‬المكان‭ ‬محفور‭ ‬من‭ ‬الصخور‭ ‬ومغطى‭ ‬بطبقة‭ ‬من‭ ‬الطين‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬ومنع‭ ‬تسربه‭. ‬لكن‭ ‬المثير‭ ‬للاهتمام‭  ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬براعة‭ ‬أهل‭ ‬ماتيرا‭ ‬واستخدامهم‭ ‬المثالي‭ ‬للبيئة،‭ ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬تخطيط‭ ‬وحفر‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

 

متحف‭ ‬ماتيرا‭ ‬للفنون‭ ‬والنحت‭ ‬

للمتاحف‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬ماتيرا،‭ ‬وهي‭ ‬عديدة‭ ‬ومتنوعة‭. ‬اخترنا‭ ‬أولًا‭ ‬زيارة‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬المتاحف‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬متحف‭ ‬ماتيرا‭ ‬للفنون‭ ‬والنحت‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬بوماريسي،‭ ‬ويرجع‭ ‬تاريخة‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭. ‬توجهنا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬كان‭ ‬المكان‭ ‬مكتظًا‭ ‬بالناس‭ ‬وأفواج‭ ‬من‭ ‬السياح‭. ‬على‭ ‬مدخل‭ ‬المتحف‭ ‬كتبت‭ ‬عبارة‭ ‬تحذيرية‭ ‬‮«‬من‭ ‬فضلك‭ ‬لا‭ ‬تلمس‭ ‬اللوحات‭ ‬الجدارية‮»‬‭. ‬الغريب‭ ‬والمدهش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المتحف‭ ‬أنه‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬أنفاق‭ ‬وغرف‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الطابق‭ ‬العلوي،‭ ‬وهناك‭ ‬شبه‭ ‬كبير‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬المساكن‭ ‬الكهفية‭. ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الممرات‭ ‬لوحة‭ ‬جدارية‭ ‬تالفة،‭ ‬لكنها‭ ‬مازالت‭ ‬نابضة‭ ‬بالحياة‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬دقيقة‭ ‬وتحتفظ‭ ‬ببريقها‭. ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬بالفعل‭ ‬هذه‭ ‬الأضرار‭ ‬من‭ ‬السياح‭ ‬وخاصة‭ ‬عند‭ ‬لمسها،‭ ‬فالجداريات‭ ‬حساسة‭ ‬جدًا‭ ‬للرطوبة‭. ‬يحتوي‭ ‬المتحف‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬والآثار‭ ‬المهمة‭ ‬للمنطقة‭. ‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬التبرع‭ ‬بمعظم‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬الموجودة‭ ‬فيه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للآثار،‭ ‬من‭ ‬متبرعين‭ ‬كثر‭ ‬كالنحاتين‭ ‬والفنانين‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬وجامعي‭ ‬القطع‭ ‬النادرة‭ ‬والأثرية‭. ‬وأبرز‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬يحتويها‭ ‬المتحف‭ ‬كانت‭ ‬لنحاتين‭ ‬إيطاليين‭ ‬مثل‭ ‬دوناتلو‭ ‬وجيوفاني‭ ‬وأومبرتو‭ ‬بوتشيوني،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الرسوم‭ ‬والنقوش‭ ‬وقطع‭ ‬المجوهرات‭ ‬والميداليات،‭ ‬وبعض‭ ‬المنحوتات‭ ‬الحديثة‭. ‬المتحف‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المتاحف‭ ‬النحتية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إيطاليا‭ ‬لما‭ ‬يتضمنه‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬النحت‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالإنسان‭ ‬والطبيعة‭. ‬القطع‭ ‬معروضة‭ ‬بترتيب‭ ‬زمني‭ ‬متسلسل‭ ‬في‭ ‬المتحف‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬المتحف‭ ‬الكهفي‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬كان‭ ‬مدهشًا‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬المنحوتات‭ ‬وتأثير‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭. ‬تجربة‭ ‬ساعدتنا‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬المنحوتات‭ ‬بأشكالها‭ ‬المختلفة‭ ‬وفهم‭ ‬العلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والمكان‭. ‬يقدم‭ ‬المتحف‭ ‬أيضًا‭ ‬ورشًا‭ ‬ومؤتمرات‭ ‬عالمية‭ ‬ومحلية‭ ‬للمهتمين‭ ‬بهذا‭ ‬الفن‭.‬

 

المساكن‭ ‬الكهفية

نعود‭ ‬إلى‭ ‬المشهد‭ ‬الأول،‭ ‬وهو‭ ‬المساكن‭ ‬الكهفية،‭ ‬فمنذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لوصولنا‭ ‬ماتيرا‭ ‬قررنا‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المساكن‭ ‬الكهفية،‭ ‬وهو‭ ‬الشيء‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة،‭ ‬لنعيش‭ ‬تجربة‭ ‬أهالي‭ ‬ماتيرا‭ ‬القدماء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الكهوف‭ ‬والمساكن‭ ‬تغيرت‭ ‬كثيرًا‭ ‬الآن،‭ ‬معظمها‭ ‬تحولت‭ ‬لتكون‭ ‬إقامة‭ ‬فاخرة‭ ‬للسياح‭. ‬فكرة‭ ‬هذه‭ ‬المساكن‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الجوانب‭ ‬الطبيعية‭ ‬للكهوف‭ ‬مع‭ ‬التصميم‭ ‬الداخلي‭ ‬المعاصر‭ ‬والتاريخي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬تم‭ ‬إدخال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وأنظمة‭ ‬التبريد‭ ‬والتدفئة‭ ‬المبتكرة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬خصيصًا‭ ‬لهذا‭ ‬المكان‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الرطوبة‭. 

يعود‭ ‬هذا‭ ‬المسكن‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬لشارلوت‭ ‬وزوجها،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬كهف‭ ‬يعود‭ ‬لجدتها،‭ ‬ومن‭ ‬القصص‭ ‬الطريفة‭ ‬والحزينة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬التي‭ ‬قالتها‭ ‬لنا‭ ‬شارلوت‭ ‬إن‭ ‬جدتها‭ ‬عاشت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكهف‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬ولكنها‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬ماتيرا‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬رفضت‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬رفضت‭ ‬رؤيته‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬أليمة،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬تصدق‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬لمشاهدة‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭. ‬لكن‭ ‬شارلوت‭ ‬على‭ ‬عكسها‭ ‬تمامًا‭ ‬سعيدة‭ ‬وفخورة‭ ‬بالتطورات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬ماتيرا‭. ‬كان‭ ‬الكهف‭ ‬مهجورًا‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬ثم‭ ‬قامت‭ ‬هي‭ ‬وزوجها‭ ‬بتعديل‭ ‬كبير‭ ‬عليه،‭ ‬وفتحه‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬المجاورة‭ ‬ليصبح‭ ‬وجهة‭ ‬مثالية‭ ‬للسياح‭ ‬لقضاء‭ ‬وقت‭ ‬مميز‭. ‬المكان‭ ‬ساحر‭ ‬وغريب‭ ‬وملهم‭ ‬للأفكار‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬بساطته‭.‬

 

من‭ ‬الحجارة‭ ‬إلى‭ ‬الاستدامة

ماتيرا‭ ‬صوت‭ ‬يتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الجنوب‭ ‬الإيطالي‭ ‬وباسم‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬التاريخية‭ ‬المنسية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والتي‭ ‬دفعت‭ ‬كثيرًا‭ ‬بسبب‭ ‬الإهمال،‭ ‬لكنها‭ ‬مازالت‭ ‬تحمل‭ ‬قيمها‭ ‬العريقة‭ ‬ومحافظة‭ ‬على‭ ‬هويتها‭. ‬ماتيرا‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬المدن‭ ‬الإيطالية‭ ‬الشهيرة‭ ‬كروما‭ ‬وميلانو‭ ‬وفلورنسا‭ ‬وفينيسيا‭ ‬وفيرونا‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأكثر‭ ‬زيارة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العام،‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأوربية،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنها‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والحضارة‭ ‬والغرابة‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬بعض‭ ‬التغييرات‭ ‬والتجديدات‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فإنها‭ ‬بقيت‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬القديم‭ ‬السائد‭ ‬فيها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬احتوائها‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الكنوز‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الفلسفة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬إيطاليا‭ ‬وهي‭ ‬عدم‭ ‬بناء‭ ‬بنى‭ ‬تحتية‭ ‬ثقافية‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬تجديدها‭ ‬واستخدامها‭ ‬وتكييفها‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬مع‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬مواقعها‭ ‬الأثرية،‭ ‬ومشروع‭ ‬الاستدامة‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬عجلته‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬بهذا‭ ‬ستكون‭ ‬ماتيرا‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬جذابة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الجنوب‭ ‬الإيطالي‭ ‬ونقطة‭ ‬اتصال‭ ‬مثالية‭ ‬لكل‭ ‬المدن‭ ‬الجنوبية‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ .

حي‭ ‬ساسو‭ ‬كافيوسو

كهوف‭ ‬كازاغروتا

كهوف‭ ‬ماتيرا

متحف‭ ‬دومينيكو‭ ‬ريدولا‭ ‬للآثار

سحر‭ ‬الإضاءة‭ ‬يزين‭ ‬معالم‭ ‬المدينة

ستيفانو‭ ‬ديرانتي‭... ‬أحد‭ ‬الرسامين‭ ‬في‭ ‬المدينة

الأطفال‭ ‬في‭ ‬ماتيرا‭ ‬عام‭ ‬2591

لوحة‭ ‬للفنان‭ ‬والكاتب‭ ‬الإيطالي‭ ‬كارلو‭ ‬ليفي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬الأهالي‭ ‬في‭ ‬ماتيرا

كنيسة‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬تم‭ ‬بناؤها‭ ‬عام‭ ‬1670

في‭ ‬أعلى‭ ‬التلة‭ ‬كنيسة‭ ‬سانتا‭ ‬ماريا‭ ‬الصخرية‭ ‬وفي‭ ‬الأسفل‭ ‬كنيسة‭ ‬سان‭ ‬بيترو

تصميم‭ ‬هندسي‭ ‬فريد‭ ‬داخل‭ ‬الكاتدرائية

إحدى‭ ‬الرقصات‭ ‬التعبيرية‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬جيوفاني

تأثير‭ ‬الضوء‭ ‬والظل‭ ‬على‭ ‬المنحوتات