ثقافة النجاح

النجاح أمل وحلم كل إنسان؛ ليحقق كل أو بعض ما يصبو إليه في حياته، سواء على صعيد العمل أو المنصب أو الأسرة أو الدراسة أو الثراء أو الهواية أو العلاقات، وغيرها من المجالات.
والنجاح مطلب وضرورة لإرضاء الذات وتعزيز الثقة بالنفس، ونيل إعجاب الآخرين وانتزاع مكانة متقدمة بينهم. لكنّ ثمّة خلطًا بين النجاح الذي هو تحقيق الهدف المراد المخطط له، وبين الوصول إلى منصب أو مكانة أو درجة ثراء معيّنة عن طريق الواسطة أو العلاقات والمصالح أو بسلطة العشيرة والمنصب. وسبب هذا الخلط غياب ثقافة النجاح في مجتمعاتنا العربية بشكل عام، وعدم الاهتمام بالنجاح كإنجاز يَستحق أن يُحتفى به، بل ويعاني الناجح الحسد والغيرة واغتيال الشخصية أحيانًا.
إن النجاح، في مجتمعنا العربي، مرتبط - غالبًا - بإنجاز فردي أو جزئي أو مرحلي، غير مؤثر فعليًّا في المجتمع أو المؤسسة أو الوظيفة، ويغيب النجاح الجماعي بشكل شبه تام إلا في كرة القدم، وحتى هذه لا تخلو من نسبة الفضل للاعب أو مدرب، وكأن الفرد، مهما كانت قدراته، يستطيع أن يحقق إنجازًا كبيرًا بمعزل عن الآخرين!
إن ثقافة النجاح بحاجة إلى تأصيل ونشر وتجذير؛ كي يعم الوعي بأهمية النجاح المنشود، بعيدًا عن الأنانية والغيرة ووضع العصيّ في الدواليب، وهذا الجهد ينبغي أن يُوجه للأطفال بالدرجة الأولى، حتى يتشربوا هذه الثقافة ويكبروا عليها، مع أهميتها للجميع بطبيعة الحال. وثمة أفكار كثيرة قد تشكّل أرضية مناسبة في هذا الاتجاه.
الحياة بلا تخطيط تصبح عشوائية، تميل إلى التكاسل والتواكل والتعلّق بالأوهام وانتظار المعجزات، أما التخطيط فإنه يوضح الرؤية، وينير الطريق، وينظم الوقت واستغلاله بشكل أفضل، ويساعد على التوقع وحُسن التصرف.
ومن هنا، فإن ترسيخ ثقافة التخطيط كمنهج حياة ضرورة وأولوية، وخاصة في مراحل العمر الأولى، فإذا تعود عليها الطفل، أصبحت عادة ومهارة مكتسبة لن يتخلى عنها. ومن الرائع أن يدرب أولياء الأمور أطفالهم، منذ الصغر، على التخطيط لمشاريع بسيطة، وكيفية تحديد أهدافها، ووضع الإجراءات لتنفيذها، ومن ثم التنفيذ والمراجعة حتى تحقيق الأهداف الموضوعة، وهذا إن تم، فهو أفضل وأعمق أثرًا من مئات النصائح والكتب والمحاضرات.
وفي العادة، يرتبط النجاح بمشروع عام أو خاص، ومنه تنبثق الأهداف المنشودة بعد التأكد من الجدوى والفائدة المتوقعة، وهذا يتطلب أن تكون الأهداف محددة لا تحتمل اللَّبس، وأن تكون خطوات وإجراءات تحقيقها واضحة مرئية في خيال صاحبها، مع ضرورة الأخذ بالأسباب، وتجزئة الأهداف ومرحلتها، لا تصغيرها عند الضرورة، والإيمان المطلق بألا نجاح إلا بتحقيق الأهداف المحددة كلها، مع ما يتطلّبه ذلك من مرونة واستعداد وتفاؤل ■