بين الذكرى والتاريخ

بين الذكرى والتاريخ

بين‭ ‬الذكرى‭ ‬والتاريخ‭ ‬تتوقف‭ ‬بعض‭ ‬المعاني‭ ‬لتفرّق‭ ‬بين‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬،‭ ‬وبين‭ ‬أسباب‭ ‬الحوادث‭ ‬ونتائجها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحقيقة‭ ‬والواقع‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فالكلّ‭ ‬يرى‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬نافذته،‭ ‬وما‭ ‬اتفق‭ ‬عليه‭ ‬الجامعون‭ ‬والموثقون‭ ‬للحقائق‭ ‬يسجّل‭ ‬تاريخًا،‭ ‬أما‭ ‬الذكريات‭ ‬فإنها‭ ‬خاصة‭ ‬بصاحبها،‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬كيف‭ ‬يشاء،‭ ‬سعادة‭ ‬وفرحًا‭ ‬أو‭ ‬ألمًا‭ ‬وندمًا،‭ ‬تُستدعى‭ ‬بمؤثر‭ ‬زماني‭ ‬أو‭ ‬مكاني‭. ‬ويأبى‭ ‬‮«‬فبراير‭ ‬‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تاريخًا‭ ‬وذكرى‭ ‬معًا‭ ‬لعيد‭ ‬الكويت‭ ‬الوطني‭ ‬وفرحة‭ ‬التحرير‭ ‬من‭ ‬أنياب‭ ‬الذئاب‭.‬

في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬دخلت‭ ‬الكويت‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة،‭ ‬لتسجل‭ ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬دول‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬وهيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فوقف‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬حائلاً‭ ‬دون‭ ‬انضمامها‭ ‬للجهتين،‭ ‬حتى‭ ‬استطاعت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الكويتية‭ ‬فرض‭ ‬استقلال‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المحافل‭ ‬والانضمام‭ ‬إليها‭. ‬

هنالك،‭ ‬بدأ‭ ‬تحرش‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬بالكويت‭ ‬مقضًا‭ ‬لأمنها‭ ‬واستقلالها،‭ ‬ليصرح‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم‭ ‬بضم‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭. ‬وانساق‭ ‬الطاغية‭ ‬إلى‭ ‬رعونته‭ ‬حتى‭ ‬وقفت‭ ‬له‭ ‬ألوية‭ ‬الحرية‭ ‬بالمرصاد‭ ‬ليتراجع‭ ‬عن‭ ‬قراره‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كنا‭ ‬نحن‭ ‬الأطفال‭ ‬نشاهد‭ ‬الشباب‭ ‬والرجال‭ ‬يتحركون‭ ‬بعزم‭ ‬وقوة‭ ‬لطلب‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية‭ ‬لحماية‭ ‬أسرهم‭ ‬وفداء‭ ‬وطنهم‭. ‬لقد‭ ‬اختاروا‭ ‬طوعًا‭ ‬الوقوف‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬تمثل‭ ‬بأمير‭ ‬الدولة،‭ ‬دون‭ ‬جبر‭ ‬أو‭ ‬إلزام‭. ‬وتحركت‭ ‬الجموع‭ ‬إلى‭ ‬أمير‭ ‬البلاد‭ ‬تصيح‭ ‬بشعار‭ ‬‮«‬يا‭ ‬بو‭ ‬سالم‭ ‬عطنا‭ ‬سلاح‮»‬‭. ‬وافق‭ ‬أمير‭ ‬البلاد‭ ‬الراحل‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬السلاح‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬وكان‭ ‬السلاح‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بندقية‭ ‬أو‭ ‬مسدس‭ ‬لكل‭ ‬رب‭ ‬أسرة‭. ‬

وأذكر‭ ‬حينها‭ ‬أنّ‭ ‬والدي‭ ‬جاء‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬مسدس‭ ‬داخل‭ ‬جراب‭ ‬وحزام‭ ‬يحوي‭ ‬طلقات‭ ‬رصاص‭ ‬للاستعمال،‭ ‬وسمعت‭ ‬والدتي‭ ‬تستعطفه‭ ‬بأن‭ ‬يخفي‭ ‬السلاح‭ ‬عن‭ ‬أنظارنا‭ ‬نحن‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحذر‭ ‬وألا‭ ‬يثير‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬آنذاك‭ ‬تجنيد‭ ‬إلزامي،‭ ‬ولم‭ ‬يعمل‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬تجييش‭ ‬المواطنين،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬مؤدلجة‭ ‬كويتية،‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الجموع‭ ‬تتحرك‭ ‬بواعز‭ ‬وطني‭ ‬محب‭ ‬ومخلص‭ ‬للكويت‭ ‬وقيادتها‭. ‬وعندما‭ ‬هدأت‭ ‬العاصفة،‭ ‬بدأت‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬إكمال‭ ‬مسيرة‭ ‬نهضتها،‭ ‬ولسان‭ ‬حال‭ ‬مواطنيها‭ ‬يقول‭: ‬ذئب‭ ‬عوى‭ ‬وارعوى،‭ ‬وكلاب‭ ‬نبحت‭ ‬فسكتت‭.‬

 

تخطيط‭ ‬عصري

في‭ ‬بداية‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بدأ‭ ‬التخطيط‭ ‬للدولة‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬سبل‭ ‬العمران،‭ ‬إعمار‭ ‬الإنسان‭ ‬والأرض‭. ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬المخطط‭ ‬الجديد،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬أنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬والأرض‭ ‬خطّان‭ ‬متوازيان‭ ‬للتقدم‭ ‬والنهضة،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬الأولوية‭ ‬دائما‭ ‬للإنسان‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لمواقع‭ ‬سكن‭ ‬المواطنين‭ ‬ومراكز‭ ‬الخدمات،‭ ‬شُقّت‭ ‬الشوارع‭ ‬ووزعت‭ ‬المساكن‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭. ‬وعلى‭ ‬حسب‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬ذاك‭ ‬البناء،‭ ‬قُسّمت‭ ‬المناطق‭ ‬إلى‭ ‬قِطع،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قطعة‭ ‬مسجد،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬منطقة‭ ‬توجد‭ ‬روضتان‭ ‬للأطفال‭ ‬ومدرستان‭ ‬إبتدائية‭ ‬ومدرستان‭ ‬متوسطة،‭ ‬ومسجد‭ ‬جامع‭ ‬ومركز‭ ‬صحي‭ (‬مستوصف‭) ‬ومخفر‭ ‬للشرطة،‭ ‬كما‭ ‬خُصصت‭ ‬مدرستان‭ ‬للثانوية‭ ‬لكل‭ ‬أربع‭ ‬مناطق‭. ‬وقُسّمت‭ ‬الكويت‭ ‬إداريًا‭ ‬إلى‭ ‬محافظات،‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬محافظة‭ ‬مستشفى‭ ‬يضم‭ ‬جميع‭ ‬التخصصات‭ ‬الطبية‭. ‬أما‭ ‬الوزارات‭ ‬الحكومية‭ ‬والهيئات‭ ‬الرسمية،‭ ‬كالمحاكم‭ ‬والمجالس،‭ ‬فكانت‭ ‬مدينة‭ ‬الكويت‭ ‬العاصمة‭ ‬حاضنة‭ ‬لها،‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬اتخذت‭ ‬السفارات‭ ‬لبعثاتها‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬لممارسة‭ ‬أعمالها،‭ ‬الكويت‭ ‬العاصمة‭ ‬مقرا‭ ‬لها‭.‬

معظم‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬أينعت‭ ‬مخرجاتها‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أنتجت‭ ‬جيلًا‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والأصحاء‭ ‬بدنيًا‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬العقل‭ ‬السليم‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬السليم‮»‬‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬المدارس‭ ‬تضم‭ ‬صفوة‭ ‬المدرسين‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وساد‭ ‬العرف‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أنّ‭ ‬المُدَرِّس‭ ‬والد،‭ ‬فسادت‭ ‬أجواء‭ ‬التعليم‭ ‬روح‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬والمحبة‭. ‬والمتتبع‭ ‬لمصارف‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬الدولة‭ ‬بالأمرين‭ ‬والإغداق‭ ‬عليهما‭ ‬بسخاء‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬تقريبا‭. ‬كان‭ ‬الطالب‭ ‬يقضي‭ ‬ثلث‭ ‬يومه‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬التي‭ ‬تهيئ‭ ‬له‭ ‬وجبتين‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الاستراحة‭ ‬من‭ ‬الدروس،‭ ‬إفطارا‭ ‬وغداء‭. ‬وكانت‭ ‬المدارس‭ ‬مهيئة‭ ‬أيضًا‭ ‬بملاعب‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬وكرة‭ ‬السلة‭ ‬وكرة‭ ‬الطائرة،‭ ‬وصالة‭ ‬تضم‭ ‬كل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرياضية‭ ‬المعدّة‭ ‬لبناء‭ ‬الأجسام‭ ‬ورياضة‭ ‬الجمباز‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬اهتمام‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬آنذاك‭ ‬بإنشاء‭ ‬صالة‭ ‬لتعليم‭ ‬الرسم‭ ‬وأشغال‭ ‬الديكور‭ ‬المسرحي،‭ ‬وصالة‭ ‬أخرى‭ ‬للموسيقى‭ ‬تضم‭ ‬كل‭ ‬آلات‭ ‬الموسيقى‭ ‬تقريبًا،‭ ‬الإيقاعية‭ ‬والوترية‭ ‬والنفخية‭. ‬وجهزت‭ ‬المدارس‭ ‬بصالة‭ ‬ومسرح‭ ‬للاحتفالات،‭ ‬وهذه‭ ‬الصالات‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬لتناول‭ ‬الطلبة‭ ‬وجباتهم‭ ‬اليومية‭. ‬

 

صقل‭ ‬المواهب

وفي‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تقام‭ ‬احتفالية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصالة‭ ‬تعكس‭ ‬نشاطات‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬الموسيقي‭ ‬والتمثيل،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬تُمارس‭ ‬مرتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الدوام‭ ‬المدرسي‭. ‬هناك‭ ‬حصتان‭ ‬للرسم‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬ومثلهما‭ ‬للموسيقى،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬تُعنى‭ ‬بصقل‭ ‬المواهب‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المبدعين،‭ ‬كانت‭ ‬تختار‭ ‬أجمل‭ ‬القصائد‭ ‬الشعرية‭ ‬والألحان‭ ‬الموسيقية‭ ‬الإبداعية‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬والمعلمين‭ ‬والمشرفين‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬ومن‭ ‬غيرهم‭ ‬أيضًا‭. ‬أناشيد‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬يتذكرها‭ ‬إلا‭ ‬القليلون‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي،‭ ‬تمر‭ ‬كالحلم‭ ‬الجميل‭ ‬على‭ ‬الذاكرة‭ ‬المرهقة‭ ‬والنفس‭ ‬المرهفة‭. ‬هذه‭ ‬قصيدة‭ ‬كتبها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967م‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬عنبر‭ ‬ولحّنها‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالرؤوف‭ ‬إسماعيل‭ (‬رحمهما‭ ‬الله‭) ‬لطلبة‭ ‬المدارس‭ ‬بمناسبة‭ ‬العيد‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬تحل‭ ‬ذكراه‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭:‬

ضجت‭ ‬الفرحة‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬دمائي

وتغنى‭ ‬المجد‭ ‬من‭ ‬عليا‭ ‬سمائي

فانتشى‭ ‬الكون‭ ‬بأنفاس‭ ‬الضياءِ

عندما‭ ‬أشرقت‭ ‬يا‭ ‬عيد‭ ‬بلادي

رافعا‭ ‬رايات‭ ‬نصري‭ ‬وجهادي

قصة‭ ‬تروي‭ ‬طريفي‭ ‬وتلادي

منذ‭ ‬كان‭ ‬البحر‭ ‬ميدان‭ ‬رجالي

يُخضعون‭ ‬الموج‭ ‬في‭ ‬سود‭ ‬الليالي

يوم‭ ‬شعّ‭ ‬النور‭ ‬من‭ ‬فجر‭ ‬اللآلي

ينثر‭ ‬الآمال‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬الحياةِ

ومعي‭ ‬عزمي‭ ‬وصبري‭ ‬وثباتي

ذكرياتٌ‭ ‬يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ذكرياتِ

منذ‭ ‬سال‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬نبع‭ ‬الصحاري

نعمة‭ ‬تُسعد‭ ‬أهلي‭ ‬وجواري

فازدهى‭ ‬العمران‭ ‬في‭ ‬آفاق‭ ‬داري

صانه‭ ‬علمٌ‭ ‬وجيشٌ‭ ‬وحضارة

ومكانٌ،‭ ‬تعرف‭ ‬الدنيا‭ ‬اعتباره

ويدٌ،‭ ‬للعُرْبِ‭ ‬عزٌّ‭ ‬ومنارة

في‭ ‬حمى‭ ‬راعٍ‭ ‬أمينٍ‭ ‬ساهرِ

عهده‭ ‬عهد‭ ‬ربيع‭ ‬ناضرِ

خلّد‭ ‬الماضي‭ ‬بمجدٍ‭ ‬الحاضرِ

فرجالي‭ ‬إنّهم‭ ‬أُسْد‭ ‬العرين

وشبابي‭ ‬كنزنا‭ ‬عبر‭ ‬السنين

يجعلون‭ ‬العيد‭ ‬عيدا‭ ‬كل‭ ‬حين

عُمِّمَ‭ ‬النشيد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المدارس‭ ‬المتوسطة‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وعلت‭ ‬به‭ ‬أصوات‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬طابور‭ ‬الصباح،‭ ‬يصاحبهم‭ ‬به‭ ‬فرقة‭ ‬الموسيقى‭ ‬المدرسية‭ ‬التي‭ ‬تمرنت‭ ‬على‭ ‬اللحن‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬اللاحق‭ ‬1968م،‭ ‬أنشد‭ ‬الطلبة‭ ‬نشيدا‭ ‬آخر‭ ‬للأستاذين‭ ‬نفسهما،‭ ‬تقول‭ ‬كلماته‭:‬

نال‭ ‬قلبي‭ ‬ما‭ ‬تمنى‭ ‬فتغنى

عازفا‭ ‬أحلى‭ ‬نشيدٍ‭ ‬في‭ ‬الوجود

بصباحٍ‭ ‬مجده‭ ‬حدّث‭ ‬عنّا

بحديثٍ‭ ‬للخلودِ‭ ‬يوم‭ ‬عيدي

يوم‭ ‬عيد‭ ‬الوطنية

للكويت‭ ‬العربية

عيدنا‭ ‬للشعب‭ ‬عيد

عيدنا‭ ‬للعُرْبِ‭ ‬عيد

عيدنا‭ ‬للمَجْدِ‭ ‬عيد

عيدنا‭ ‬للنصْر‭ ‬عيد

فرحة‭ ‬هزّت‭ ‬فؤادي

تملأ‭ ‬الأرجاء‭ ‬بِشْرًا

فرحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وادي

منذ‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬حرّا

إنّه‭ ‬عيد‭ ‬بلادي

يزدهي‭ ‬بحرًا‭ ‬وبرًا

فصباح‭ ‬الروض‭ ‬نادِ

قد‭ ‬سرى‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬عطرا

وصباح‭ ‬ذو‭ ‬الأيادي

لاح‭ ‬في‭ ‬الآفاق‭ ‬بدرًا

والدٌ‭ ‬للشعب‭ ‬هادٍ

زاده‭ ‬الرحمن‭ ‬نصرا

يا‭ ‬رفاقي‭ ‬أقبل‭ ‬العيد‭ ‬بأفراح‭ ‬الزمانِ

فاستعيدوا‭ ‬بهجة‭ ‬العيد‭ ‬وإشراق‭ ‬الزمان

وارفعوا‭ ‬الرايات‭ ‬للعلياء‭ ‬في‭ ‬أسمى‭ ‬مكان

انهضوا‭ ‬مثل‭ ‬الجدود‭ ‬كالأسود‭ ‬الضاريات

إنهم‭ ‬سادوا‭ ‬وشادوا‭ ‬وهُمو‭ ‬خير‭ ‬البناة

أسسوا‭ ‬عزّا‭ ‬منيعًا‭ ‬فارفعوه‭ ‬يا‭ ‬حُماتي

بهدى‭ ‬الراي‭ ‬وبالقوة‭ ‬تعتز‭ ‬حياتي

عندما‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬المنطق‭ ‬في‭ ‬ردع‭ ‬الأعادي

أشعلوا‭ ‬نار‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬الروابي،‭ ‬في‭ ‬الوهادِ

واكتبوا‭ ‬لي‭ ‬بدم‭ ‬الأحرار‭ ‬أمجاد‭ ‬بلادي

 

عطر‭ ‬الكلام

واستمرت‭ ‬الفرحة‭ ‬بالوطن،‭ ‬واستمرت‭ ‬الأناشيد،‭ ‬وصدح‭ ‬كبار‭ ‬المطربين‭ ‬بحب‭ ‬الكويت،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬ومحمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وفريد‭ ‬الأطرش‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬ونجاة‭ ‬الصغيرة‭ ‬وفايزة‭ ‬أحمد،‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثير،‭ ‬كل‭ ‬له‭ ‬أغنية‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الكويت‭. ‬ولم‭ ‬تَخْبُ‭ ‬الأناشيد‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬العدواني،‭ ‬الذي‭ ‬ألّف‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت،‭ ‬ولحنه‭ ‬الموسيقار‭ ‬الراحل‭ ‬إبراهيم‭ ‬الصولة‭ (‬رحمهما‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬الشاعر‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالله‭ ‬العتيبي‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬استمرار‭ ‬حفلات‭ ‬العيد‭ ‬الوطني،‭ ‬فنسج‭ ‬قصائد‭ ‬من‭ ‬حرير‭ ‬الكلمات‭ ‬وتعطرت‭ ‬بصوت‭ ‬شادي‭ ‬الخليج‭ ‬الأســــتاذ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬المفرج‭ ‬ولحنها‭ ‬المبدع‭ ‬الأصيل‭ ‬الأستاذ‭ ‬غنَام‭ ‬الديكان‭. ‬

عندما‭ ‬كنا‭ ‬صغارًا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نعبـــأ‭ ‬بالألم،‭ ‬فأثقل‭ ‬الألم‭ ‬كان‭ ‬بكسر‭ ‬أو‭ ‬جرح‭ ‬اليد‭ ‬أو‭ ‬القدم،‭ ‬أو‭ ‬ضياع‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬الدفتر‭ ‬أو‭ ‬القلم‭. ‬وكبرنا‭ ‬وكبرت‭ ‬أحلامنا‭ ‬معنا،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬كبرت‭ ‬آلامنا،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الذات‭ ‬هي‭ ‬أقصى‭ ‬حدود‭ ‬الألم،‭ ‬وسِعَتْ‭ ‬حدود‭ ‬الجراح‭ ‬لتشمل‭ ‬آلام‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬وكوارث‭ ‬الإنسانية‭. ‬

وتعلمنا‭ ‬كيف‭ ‬نشارك‭ ‬الأخ‭ ‬والإنسان‭ ‬فرحه‭ ‬وأحزانه،‭ ‬حتى‭ ‬غشانا‭ ‬الطغيان‭ ‬وغشنا‭ ‬الشيطان‭ ‬يوم‭ ‬صدقنا‭ ‬بأنّ‭ ‬الجور‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الجيران،‭ ‬كنّا‭ ‬نظن‭ ‬أنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يجازي‭ ‬الإحسان‭ ‬بالنكران،‭ ‬فكيف‭ ‬بالعدوان؟‭! ‬لقد‭ ‬غَرّهم‭ ‬بالكويت‭ ‬الغرور،‭ ‬وبفضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ومِنّه،‭ ‬تحررت‭ ‬البلاد‭ ‬وسعد‭ ‬العباد،‭ ‬يوم‭ ‬أجمعت‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬نصرة‭ ‬الكويت‭. ‬

 

مواقف‭ ‬بطولية

وعلى‭ ‬هامش‭ ‬الذكريات،‭ ‬ذكريات‭ ‬الغزو‭ ‬والتحرير،‭ ‬سجّل‭ ‬التاريخ‭ ‬قائمة‭ ‬بأسماء‭ ‬الأبطال‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬إسهامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الطغيان،‭ ‬فاستشهد‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬استشهد،‭ ‬وبقى‭ ‬كثيرون‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬تضحياته‭ ‬أو‭ ‬بطولاته‭ ‬سوى‭ ‬واجب‭ ‬وطني‭ ‬يردّ‭ ‬فيه‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬فضل‭ ‬الوطن‭ ‬عليه‭. ‬لقد‭ ‬رأيت‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬المخلصين‭ ‬كيف‭ ‬تصرفوا‭ ‬بحكمة‭ ‬وصبر‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬العصيان‭ ‬المدني‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الطغيان‭ ‬والاستبداد،‭ ‬حيث‭ ‬تركوا‭ ‬أعمالهم‭ ‬الفعلية‭ ‬ليتكافلوا‭ ‬ويتعاونوا‭ ‬بأداء‭ ‬الأعمال‭ ‬التطوعية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬حاجات‭ ‬المجتمع‭ ‬والناس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬العصيبة‭. ‬اشتغل‭ ‬المواطنون‭ ‬بكل‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسيّر‭ ‬وتيسر‭ ‬سبل‭ ‬الحياة،‭ ‬خبّازون‭ ‬وحلاّقون‭ ‬وعمّال‭ ‬وسائقو‭ ‬حافلات‭ ‬النظافة‭ ‬وصهاريج‭ ‬المياه،‭ ‬وكهربائيون‭ ‬ومصلحو‭ ‬سيارات‭ ‬وبائعون‭ ‬ومحاسبون‭ ‬في‭ ‬الدكاكين‭ ‬وأسواق‭ ‬الجمعيات‭ ‬التعاونية‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فتح‭ ‬التجار‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬مخازن‭ ‬متاجرهم‭ ‬لتوزيع‭ ‬الأغذية‭ ‬والأدوات‭ ‬الكهربائية‭ ‬والمستلزمات‭ ‬بأنواعها‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬بأسعار‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬رمزية،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬تكون‭ ‬بالمجان‭. ‬لقد‭ ‬آثر‭ ‬التجار‭ ‬توزيع‭ ‬بضائعهم‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬البضائع‭ ‬الجيش‭ ‬الغازي‭ ‬الجائع‭ ‬الجشع،‭ ‬الذي‭ ‬سرق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬سرقته‭ ‬ونهبه‭ ‬من‭ ‬الكويت‭. ‬كان‭ ‬نقل‭ ‬تلك‭ ‬البضائع‭ ‬الغذائية‭ ‬يتطلب‭ ‬سرعة‭ ‬فائقة‭ ‬وشجاعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬فكل‭ ‬الطرق‭ ‬تقريبا‭ ‬كانت‭ ‬تقطعها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬التفتيش‭ ‬العراقية،‭ ‬وكانت‭ ‬أصنام‭ ‬الجيش‭ ‬الغازي‭ ‬لا‭ ‬تتوانى‭ ‬بإلصاق‭ ‬أي‭ ‬تهمة‭ ‬بكويتي‭ ‬تودي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقال،‭ ‬وأغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬الإعدام‭. ‬

ورأيت‭ ‬بعيني‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬تجار‭ ‬الأغذية‭ ‬يضحون‭ ‬بأنفسهم‭ ‬ويفتحون‭ ‬صدورهم‭ ‬أمام‭ ‬الخطر‭ ‬عندما‭ ‬جعلوا‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬الخاصة‭ ‬مكانا‭ ‬لتوزيع‭ ‬المؤن‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬وأذكر‭ ‬منهم‭ ‬عائلة‭ ‬الشوّاف‭ ‬بضاحية‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬وعائلة‭ ‬الحرز‭ ‬بالمنصورية‭ ‬وعائلة‭ ‬الوزان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تملك‭ ‬أكبر‭ ‬مخازن‭ ‬الغذاء‭ ‬في‭ ‬الكويت‭. ‬وعندما‭ ‬جمعتني‭ ‬الصدفة‭ ‬بكبير‭ ‬عائلة‭ ‬الشواف‭ ‬أثناء‭ ‬الاحتلال،‭ ‬رأيت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬الضعفاء‭ ‬يتبضعون‭ ‬غذاءهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدفعوا‭ ‬أي‭ ‬مقابل،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الطيّب‭ ‬يهز‭ ‬رأسه‭ ‬لهم‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬وتسامح‭ ‬وكرم،‭ ‬وكأنّ‭ ‬لسان‭ ‬حاله‭ ‬يقول‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬حرج‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يأخذوا‭ ‬حاجاتهم‭ ‬مجانًا‭. ‬شكرت‭ ‬الرجل‭ ‬الشهم‭ ‬على‭ ‬تصرفه‭ ‬تجاه‭ ‬الناس،‭ ‬فقال‭: ‬إنما‭ ‬آخذ‭ ‬من‭ ‬المقتدر،‭ ‬ولا‭ ‬آخذ‭ ‬ماله‭ ‬حسابًا،‭ ‬بل‭ ‬ليتسنى‭ ‬لي‭ ‬توفير‭ ‬شراء‭ ‬بضائع‭ ‬ضرورية‭ ‬أخرى‭ ‬ليست‭ ‬لدي‭ ‬ويحتاج‭ ‬إليها‭ ‬الناس‭. ‬كان‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬آنذاك‭ ‬مجتمعا‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬بخلية‭ ‬نحل،‭ ‬منظم‭ ‬ومنتج‭ ‬وكثير‭ ‬العطاء،‭ ‬يقدّم‭ ‬كل‭ ‬التضحيات‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬نجاة‭ ‬‮«‬الرمز‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تمثل‭ ‬بالسلطة‭ ‬الشرعية‭ ‬للكويت‭. ‬

 

مثال‭ ‬للبطولة

وعلى‭ ‬هامش‭ ‬الذكريات،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يدونها‭ ‬تاريخ،‭ ‬قصة‭ ‬بطلين‭ ‬لم‭ ‬تذكرهما‭ ‬صحيفة‭ ‬ولا‭ ‬وثّق‭ ‬عملهما‭ ‬كتاب،‭ ‬ولا‭ ‬يزالان‭ ‬بيننا،‭ ‬وما‭ ‬كانا‭ ‬ليحبا‭ ‬سرد‭ ‬قصتيهما‭ ‬تواضعا‭ ‬منهما‭ ‬واحتسابًا،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ظنّا‭ ‬منهما‭ ‬أنّ‭ ‬مثل‭ ‬أعمالهما‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬واقعها‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬مخلص‭ ‬لوطنه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬أجرًا‭ ‬أو‭ ‬شكورًا‭. ‬اثنان‭ ‬سجلا‭ ‬موقفًا‭ ‬لم‭ ‬يسجله‭ ‬في‭ ‬موقفهما‭ ‬رجل‭ ‬عسكري‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬دبلوماسي،‭ ‬لأنهما‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬لم‭ ‬يكونا‭ ‬من‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يمثل‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الكويتيين‭ ‬المخلصين،‭ ‬الذين‭ ‬عاهدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬ونذروا‭ ‬أرواحهم‭ ‬للوطن‭. ‬كان‭ ‬أحدهما‭ ‬داخل‭ ‬الكويت‭ ‬وكان‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أثناء‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الغاشم‭. ‬كلاهما‭ ‬عانى،‭ ‬وكلاهما‭ ‬عمل‭ ‬وأخلص‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوطن‭ ‬وعودة‭ ‬الشرعية‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭. ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الغزو‭ ‬الغاشم‭ ‬سجّل‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬جاسم‭ ‬الشمروخ‭ ‬اسمه‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الأسماء‭ ‬المدونة‭ ‬في‭ ‬مخفر‭ ‬شرطة‭ ‬ضاحية‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬كأحد‭ ‬الرجال‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاستعداد‭ ‬لحمل‭ ‬السلاح‭ ‬ومقاومة‭ ‬الغزاة‭. ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬المتطوعين،‭ ‬أُلحقت‭ ‬بأرقام‭ ‬هواتف‭ ‬وعناوين‭ ‬المتطوعين‭. ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإنّ‭ ‬فكرة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬السلاح‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬والأهل‭. ‬

ولما‭ ‬تغلغل‭ ‬جيش‭ ‬الغزاة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬الكويت،‭ ‬وسيطر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المرافق‭ ‬الحيوية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬مخافر‭ ‬الشرطة،‭ ‬أحسّ‭ ‬الجميع‭ ‬ممن‭ ‬سجّل‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬أنّ‭ ‬الخطر‭ ‬صار‭ ‬قريبا‭ ‬منه‭ ‬جدًا،‭ ‬فساد‭ ‬التوتر‭. ‬

استطاع‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬قبيل‭ ‬الفجر‭ ‬أن‭ ‬يتسلل‭ ‬داخل‭ ‬المخفر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نحت‭ ‬القضبان‭ ‬الحديدية‭ ‬للنافذة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فتحها،‭ ‬وقام‭ ‬بحرق‭ ‬جميع‭ ‬المستندات‭ ‬والأوراق‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬نفسه‭. ‬وبين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الشجاع‭ ‬بأنّه‭ ‬اشتغل‭ ‬مسعفًا،‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بدفن‭ ‬جثث‭ ‬شهداء‭ ‬الكويت‭. ‬كان‭ ‬مشاركا‭ ‬وشاهد‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جثث‭ ‬الشهداء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدفن‭ ‬ليلاً‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬العدو‭. ‬ثم‭ ‬سمعت‭ ‬عنه‭ ‬أنّه‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬فرق‭ ‬مساعدة‭ ‬العجزة‭ ‬والمعاقين‭ ‬وذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة،‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬جزع،‭ ‬ليقدم‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬تقديمه‭ ‬للمحتاجين‭. ‬وبعد‭ ‬مضي‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬وأكثر،‭ ‬نراه‭ ‬يقود‭ ‬بعض‭ ‬قوافل‭ ‬النازحين‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬الكويتية‭ ‬السعودية،‭ ‬ليخرجهم‭ ‬بسلام،‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتى،‭ ‬راجعًا‭ ‬لإكمال‭ ‬مهامه‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الناس‭ ‬داخل‭ ‬الكويت،‭ ‬يبث‭ ‬فيهم‭ ‬روح‭ ‬الصبر‭ ‬ويبشرهم‭ ‬بالتحرير‭. ‬وهكذا‭ ‬ظلّ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬صامدًا‭ ‬أمام‭ ‬رياح‭ ‬الغدر‭ ‬العاتية‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬الشمال‭. ‬تحية‭ ‬شكر‭ ‬واعتزاز‭ ‬وامتنان‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬مثل‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬وهم‭ ‬كُثْرُ‭. ‬سلام‭ ‬عزّ‭ ‬وفخر،‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬عبدالعزيز‭.‬

 

حب‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬يُشترى

وتأخذنا‭ ‬الذكرى‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ناصر‭ ‬عباس‭ ‬الفودري‭ ‬يكمل‭ ‬دراسته‭ ‬التخصصية‭ ‬هناك‭. ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬بخبر‭ ‬غزو‭ ‬الكويت،‭ ‬كان‭ ‬مثل‭ ‬الجميع،‭ ‬متفاجئا‭ ‬وغير‭ ‬مصدق‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬وقع‭ ‬الصدمة‭ ‬عليه‭. ‬وظلّ‭ ‬فترة‭ ‬يتابع‭ ‬الأخبار‭ ‬عبر‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬العالمية،‭ ‬حتى‭ ‬ضاقت‭ ‬به‭ ‬الحال،‭ ‬فخرج‭ ‬يلتقي‭ ‬برؤساء‭ ‬الصحف‭ ‬والقنوات‭ ‬الإذاعية‭ ‬والتلفزيونية‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬مدينته،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬التعريف‭ ‬بدولة‭ ‬الكويت‭ ‬وطبيعة‭ ‬أهلها‭ ‬المحبين‭ ‬للخير‭ ‬والسلام‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والمدارس‭ ‬وأماكن‭ ‬التجمعات‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ناصر‭ ‬صاحب‭ ‬دخل‭ ‬مالي‭ ‬ثابت،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬تأتيه‭ ‬من‭ ‬السفارة‭ ‬الكويتية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دراسته‭. ‬ولم‭ ‬تجعله‭ ‬قلة‭ ‬المال‭ ‬ينحني‭ ‬أو‭ ‬يحيد‭ ‬عن‭ ‬هدفه‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬لنفسه‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬صوت‭ ‬الجماهير‭ ‬الأمريكية‭ ‬لشجب‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬الكويت‭. ‬ولعل‭ ‬أغرب‭ ‬حادثة‭ ‬حصلت‭ ‬له‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المحاضرة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬الأبريشية‭ ‬الإنجيلية‭ ‬البروتستانتية‭. ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الكنيسة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الكنائس‭ ‬في‭ ‬مدينته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬طائفة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المتدينين‭ ‬التابعين‭ ‬لهذه‭ ‬الكنيسة‭. ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬ناصر‭ ‬من‭ ‬محاضرته،‭ ‬أحس‭ ‬جميع‭ ‬الحضور‭ ‬بالظلم‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الكويت،‭ ‬فتعاطفوا‭ ‬وقدروا‭ ‬ذاك‭ ‬الانفعال‭ ‬الذي‭ ‬أبكى‭ ‬الكثيرين‭ ‬حسرة‭ ‬ورحمة‭ ‬بما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬النِعم‭. ‬

اجتمع‭ ‬القس‭ ‬الأكبر‭ ‬للكنيسة‭ ‬بناصر‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المحاضرة‭ ‬يشكره‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬ومعلومات‭ ‬عن‭ ‬الكويت‭ ‬ووضعها‭ ‬الراهن،‭ ‬وبأن‭ ‬جميع‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬أوردها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليعلمها‭ ‬الحاضرون‭ ‬لولا‭ ‬شفافية‭ ‬الحديث‭ ‬ودقة‭ ‬الشرح‭. ‬شكر‭ ‬ناصر‭ ‬القس‭ ‬على‭ ‬كلماته،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يمضي‭ ‬ناصر‭ ‬في‭ ‬سبيله،‭ ‬قدم‭ ‬له‭ ‬القس‭ ‬ظرفا‭ ‬مغلقا‭ ‬مختوما‭. ‬ظنّ‭ ‬ناصر‭ ‬بأنّ‭ ‬ما‭ ‬تسلمه‭ ‬رسالة‭ ‬شكر‭ ‬أو‭ ‬شهادة‭ ‬تقدير،‭ ‬فوضع‭ ‬الظرف‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬شقته‭. ‬وعند‭ ‬الصباح‭ ‬فتح‭ ‬ناصر‭ ‬الظرف،‭ ‬فإذ‭ ‬بداخله‭ ‬شيكًا‭ ‬مصرفيًا‭ ‬باسم‭ ‬ناصر‭ ‬عباس‭ ‬الفودري‭ ‬وبقيمة‭ ‬ثمانين‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭. ‬تعجب‭ ‬ناصر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬وأسبابه،‭ ‬فاتصل‭ ‬بالقس‭ ‬طالبًا‭ ‬منه‭ ‬مقابلته‭. ‬وعندما‭ ‬التقى‭ ‬الاثنان،‭ ‬سأل‭ ‬ناصر‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬الشيك؟‭ ‬فأتاه‭ ‬الجواب‭ ‬بأنّ‭ ‬هذا‭ ‬الشيك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬التبرعات‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬المؤمنون‭ ‬بقضية‭ ‬الكويت‭ ‬ممن‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬المحاضرة‭. ‬

وبكل‭ ‬أدب‭ ‬واحترام،‭ ‬ردّ‭ ‬ناصر‭ ‬الشيك‭ ‬قائلاً‭: ‬إنّ‭ ‬الكويت‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬المساندة‭ ‬والتعاطف‭ ‬مع‭ ‬حقها‭ ‬باسترداد‭ ‬أرضها‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬أو‭ ‬حكومية‭ ‬تدعم‭ ‬ناصر‭ ‬وعمله،‭ ‬فرغم‭ ‬حاجته‭ ‬المالية‭ ‬وانقطاعه،‭ ‬لم‭ ‬يقبل‭ ‬المال،‭ ‬عزًّا‭ ‬وكرامة،‭ ‬ليعكس‭ ‬صورة‭ ‬المواطن‭ ‬الكويتي‭ ‬المحب‭ ‬المخلص،‭ ‬ويصيح‭ ‬عاليًا‭ ‬بمن‭ ‬طغى‭ ‬وتكبر،‭ ‬بأن‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬يُشترى‭ ‬بثمن‭. ‬سلام‭ ‬على‭ ‬ناصر‭ ‬ومن‭ ‬مثله‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬نحبهم‭ ‬وممن‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬معنا‭. ‬

واليوم،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الألم‭ ‬من‭ ‬جرح‭ ‬الخيانة‭ ‬مؤلمًا،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الذكرى‭ ‬الأليمة‭ ‬تعكّر‭ ‬صفو‭ ‬الفرحة‭. ‬دخان‭ ‬أسود‭ ‬مظلم‭ ‬شديد‭ ‬الأذى،‭ ‬غطى‭ ‬سماء‭ ‬الكويت،‭ ‬حجب‭ ‬الرؤية،‭ ‬لوّث‭ ‬الأجواء،‭ ‬خنق‭ ‬النفوس،‭ ‬من‭ ‬جرّاء‭ ‬حرق‭ ‬آبار‭ ‬النفط،‭ ‬وأثبت‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬عن‭ ‬كم‭ ‬الحقد‭ ‬والكره‭ ‬والحسد‭ ‬على‭ ‬النعمة‭ ‬التي‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬وشعبها‭ ‬المسالم‭. ‬كانت‭ ‬المعاناة‭ ‬تشتد‭ ‬مع‭ ‬قلة‭ ‬الماء،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬ندرته،‭ ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬تلك‭ ‬الألغام‭ ‬التي‭ ‬زُرعت‭ ‬بأرض‭ ‬الكويت،‭ ‬فاشتدت‭ ‬المصيبة‭ ‬بازدياد‭ ‬الخوف‭ ‬والحذر‭. ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬نفكر‭ ‬إلا‭ ‬بأبنائنا‭ ‬وبناتنا،‭ ‬ولكننا‭ ‬لم‭ ‬نمنعهم‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬علم‭ ‬الكويت‭ ‬والمشاركة‭ ‬بمسيرة‭ ‬استقبال‭ ‬الفاتحين‭ ‬من‭ ‬جيوش‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬والدول‭ ‬الصديقة‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬بتحرير‭ ‬الكويت‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المندسين‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬العدو‭ ‬والطابور‭ ‬الخامس‭ ‬تحاول‭ ‬جاهدة‭ ‬خلخلة‭ ‬أمن‭ ‬البلاد‭ ‬وتخويف‭ ‬المواطنين،‭ ‬ولكن‭ ‬عادت‭ ‬الحياة‭ ‬جميلة‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬الجميلة‭ .