مَن هو شارلي؟ سوسيولوجيا أزمة دينية

مَن هو شارلي؟ سوسيولوجيا أزمة دينية

في صباح يوم السابع من يناير 2015، اقتحم ملثمان مقر صحيفة شارلي إبدو الفرنسية، وبدأوا بإطلاق النار على العاملين بالصحيفة، مما أسفر عن مصرع 12 شخصًا وإصابة 11 آخرين.
وتنديدًا بهذا العمل الإرهابي، تمت الدعوة إلى «مسيرة الجمهورية»، التي جعلت من رفض التطرف هدفها الرئيس، ومن مقولة «أنا شارلي» شعارها الأساس، لتصبح أكبر مسيرة في تاريخ فرنسا بعدد متظاهرين ناهز 4 إلى 5 ملايين.

كان‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كشف‭ ‬خفايا‭ ‬وخبايا‭ ‬هذه‭ ‬الهستيريا‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬فرنسا،‭ ‬كما‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬جديدة‭ ‬وعقيمة‭ ‬من‭ ‬معاداة‭ ‬الأجانب،‭ ‬المسلمين‭ ‬والسامية‭. ‬

في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬يأتي‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬من‭ ‬هو‭ ‬شارلي؟‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬أزمة‭ ‬دينية‮»‬‭ ‬ليميط‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬التعاطي‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬فرنسا‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬من‭ ‬النمط‭ ‬الديني‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬الديني،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعرف‭ ‬أين‭ ‬تذهب‮»‬،‭ ‬يدفع‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬بفرنسا‭ ‬ثمنها‭.‬

شكلت‭ ‬أحداث‭ ‬‮«‬شارلي‭ ‬إبدو‮»‬‭ ‬فرصة‭ ‬لتوحيد‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬جذوره،‭ ‬ورهاناته‭ ‬أو‭ ‬أهدافه،‭ ‬وإيصال‭ ‬العالم‭ ‬ككلّ‭ ‬رسالة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬للإرهاب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬تناسي‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬بريء‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭.‬

وتعالت‭ ‬الأصوات‭ ‬الرافضة‭ ‬للتطرف،‭ ‬وصبّت‭ ‬جم‭ ‬غضبها‭ ‬على‭ ‬الأجانب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬ولم‭ ‬تُعر‭ ‬الأئمة‭ ‬والمدافعين‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬أي‭ ‬اهتمام،‭ ‬وانجر‭ ‬الصحفيّون‭ ‬والمثقفون‭ ‬نحو‭ ‬هذه‭ ‬الهستيريا‭ ‬الجماعية،‭ ‬وضربوا‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬مبادئ‭ ‬المهنية،‭ ‬الحياد‭ ‬والموضوعية‭ ‬لمصلحة‭ ‬تعزيز‭ ‬معاداة‭ ‬الأجانب‭ ‬والسامية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الصمت‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭.‬

وسعى‭ ‬الكل‭ ‬نحو‭ ‬تضخيم‭ ‬الحدث‭ ‬وصبغه‭ ‬بالبعدين‭ ‬الديني‭ ‬والإثني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬الإضرابات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والطبقية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭.‬

لذلك،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الدوافع‭ ‬الكامنة‭ ‬وراء‭ ‬احتجاج‭ ‬أربعة‭ ‬أو‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬متظاهر،‭ ‬وجرى‭ ‬توصيم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يحمل‭ ‬شعار‭ ‬أنا‭ ‬شارلي‭ ‬واستنطاق‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬رفضوا‭ ‬الوقوف‭ ‬دقيقة‭ ‬صمت‭ ‬بالمدارس‭ ‬حدادًا‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬الضحايا‭ ‬بشكل‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬المساواة،‭ ‬والحرية‭ ‬والإخاء‭ ‬التي‭ ‬ترعاها‭ ‬الجمهورية‭ ‬الخامسة‭.‬

 

باحث‭ ‬مثير‭ ‬للجدل

يعد‭ ‬إيمانويل‭ ‬تود‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الخمسة‭ ‬الأخيرة‭. ‬فبين‭ ‬تحليلاته‭ ‬وتنبؤاته‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬في‭ ‬جلّها؛‭ ‬تنبؤه‭ ‬بانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬السقطة‭ ‬النهائية‮»‬‭ (‬1976‭) ‬والأزمة‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2008‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الامبراطورية‮»‬‭ (‬2002‭) ‬ومواقفه‭ ‬المناصرة‭ ‬لحقوق‭ ‬الأقليات‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمسلمين‭. ‬يمتاز‭ ‬تود‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬المزاوجة‭ ‬بين‭ ‬التحليلات‭ ‬الإحصائية،‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬والأنثروبولوجية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبنيه‭ ‬نهجًا‭ ‬يتكامل‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬الثقافي‭ ‬والتاريخي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬علمي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬الاعتيادي‭ ‬وزعزعة‭ ‬المألوف‭.‬

عقب‭ ‬أحداث‭ ‬‮«‬شارلي‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬تود‭ ‬بأي‭ ‬تصريح‭ ‬إعلامي؛‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيفسر‭ ‬دواعيه‭ ‬لاحقًا،‭ ‬والتزم‭ ‬الصمت‭ ‬وانكب‭ ‬على‭ ‬تجميع‭ ‬معطيات‭ ‬وبيانات‭ ‬تاريخية‭ ‬وإحصائية‭ ‬اعتبرت‭ ‬محركةَ‭ ‬لهستيريا‭ ‬مسيرة‭ ‬الجمهورية‭ ‬ومفسّرة‭ ‬للتواطؤ‭ ‬المجتمعي‭ ‬ضد‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬وكراهية‭ ‬الأجانب‭.‬

 

كتاب‭ ‬يفضح‭ ‬قناع‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬هدأت‭ ‬الأوضاع‭ ‬نسبيًا،‭ ‬أصدر‭ ‬تود‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬من‭ ‬هو‭ ‬شارلي؟‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬أزمة‭ ‬دينية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬بلبلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التداولي‭ ‬الفرنسي؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لأنه‭ ‬جاء‭ ‬معاكسًا‭ ‬للتيار‭ ‬وواصفًا‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬مجزرة‭ ‬‮«‬شارلي‭ ‬إبدو‮»‬‭ ‬بالأيديولوجيا‭ ‬السياسية‭ ‬الرامية‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لطبقات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬سياسي‭ ‬وديني‭.‬

ويدفع‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬إيمانويل‭ ‬فالس‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬عدائه‭ ‬الصريح‭ ‬والمباشر‭ ‬للعلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لكونها‭ ‬تعمل‭ - ‬في‭ ‬نظره‭ - ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬علمي،‭ ‬ويجر‭ ‬الأنثربولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬نحو‭ ‬المساءلة‭ ‬الصحفية‭ ‬والجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إفراغ‭ ‬الفعاليات‭ ‬والنتائج‭ ‬الأكاديمية‭ ‬من‭ ‬معانيها‭ ‬ودلالاتها‭ ‬العلمية‭ ‬لمصلحة‭ ‬رهانات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬باسم‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭. ‬

ويسعى‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري‭ ‬يصبح‭ ‬مفصليًّا‭ ‬في‭ ‬التحليلات‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬والديموغرافية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الأخيرة‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الخلفيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمتظاهرين‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬أقلام‭ ‬الرصاص‭ ‬و«شعار‭ ‬أنا‭ ‬شاري‮»‬؟

 

أزمة‭ ‬طبقية‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬ديني

‮«‬الجمهورية‭ ‬التي‭ ‬يزمع‭ ‬إعادة‭ ‬تأسيسها‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬قيمها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التجديف‭ ‬‮«‬وازدراء‭ ‬الأديان‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬واجب‭ ‬التجديف‭ ‬الفوري‭ ‬على‭ ‬الشخصية‭ ‬الرمزية‭ (‬الرسول‭ ‬محمد‭ ‬‭[‬‭) ‬لدين‭ ‬لأقلية‭ ‬يعتنقه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البؤساء‭ ‬اجتماعيًا‮»‬‭ (‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬والعرب‭ ‬بفرنسا‭).‬

بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬يفضح‭ ‬تود‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬لمسيرة‭ ‬أنا‭ ‬شارلي،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تمثّل‭ ‬فرنسا‭ ‬الإسلام،‭ ‬والتعايش،‭ ‬والإخاء‭ ‬والحرية،‭ ‬وإنما‭ ‬مصالح‭ ‬الطبقات‭ ‬المهيمنة‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬وسياسيًّا‭. ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ (‬من‭ ‬مسلمين‭ ‬وغير‭ ‬مسلمين‭) ‬قد‭ ‬دانت‭ ‬الأحداث‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬فرنسا،‭ ‬وجل‭ ‬دول‭ ‬
العالم‭ - ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬
والتطرف‭ - ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬والمثقفين،‭ ‬ورجال‭ ‬السياسة‭ ‬والإعلام،‭ ‬هم‭ ‬الشريحة‭ ‬الأساس‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‭ ‬المليونية،‭ ‬وليس‭ ‬أبناء‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمُقصين‭ ‬في‭ ‬هوامش‭ ‬المدن‭ ‬والمراكز‭ ‬الحضرية‭ ‬باسم‭ ‬مخططات‭ ‬الإدماج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭. ‬

خلال‭ ‬العقود‭ ‬الخمسة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أضحت‭ ‬فرنسا‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬دينية‭ ‬حقيقة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتراجع‭ ‬نسب‭ ‬تديّن‭ ‬الشباب‭ (‬المسيحيين‭ ‬بالأساس‭) ‬وإقبالهم‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬لمصلحة‭ ‬المنطلقات‭ ‬والرهانات‭ ‬العلمانية‭. ‬وقد‭ ‬خلق‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أزمات‭ ‬نفسية،‭ ‬اقتصادية‭ ‬لمختلف‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬احتاجت‭ ‬معها‭ ‬‮«‬ماريان‮»‬‭ (‬رمز‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭) ‬إلى‭ ‬كبش‭ ‬فداء‭ ‬تلصق‭ ‬به‭ ‬البؤس‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه،‭ ‬فجاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الإسلام‭ ‬مقصودًا‭ ‬كدين‭ ‬بعينه،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مدخلًا‭ ‬لنشر‭ ‬أيديولوجيا‭ ‬إقصائية‭ ‬للمهاجرين‭ ‬والأجانب‭ ‬الذين‭ ‬يتحدرون‭ ‬في‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭.‬

 

الخطر‭ ‬الرباعي

انتبه‭ ‬تود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واقعة‭ ‬شارلي،‭ ‬ومختلف‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تلتها،‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬تعيش‭ ‬بحق‭ ‬أزمة‭ ‬هوية‭ ‬دينية،‭ ‬إثنية‭ ‬وطبقية،‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬حدة‭ ‬العنصرية،‭ ‬الطائفية‭ ‬ومعاداة‭ ‬الأجانب‭ ‬والإسلام،‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬ستتبلور‭ ‬معه‭ ‬أربعة‭ ‬أخطار‭ ‬أساس‭ ‬ستهدد‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬والإثنيات‭ ‬الفرنسية‭.‬

 

خطر‭ ‬معاداة‭ ‬الأجانب‭ ‬والسامية

بيّنت‭ ‬التظاهرات‭ ‬تواطؤًا‭ ‬واضحًا‭ ‬للمثقفين‭ ‬والصحفيين‭ ‬والطبقات‭ ‬الوسطى‭ ‬للمجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬ضد‭ ‬المبادئ‭ ‬المنظمة‭ ‬للجمهورية‭ ‬الفرنسية؛‭ ‬المساواة،‭ ‬والحرية‭ ‬والإخاء‭. ‬فقد‭ ‬انساق‭ ‬الكل‭ ‬وراء‭ ‬أيديولوجيا‭ ‬الحدث،‭ ‬ووجدوا‭ ‬الأمر‭ ‬مناسبة‭ ‬سانحة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬كرههم‭ ‬للأجانب‭ ‬والطبقات‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬ديني‭ ‬يربط‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬بهوامش‭ ‬المدن‭ ‬وضواحيها‭ ‬ومختلف‭ ‬الطبقات‭ ‬المسحوقة‭ ‬والمُقصاة‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬واقتصاديًا‭. ‬

 

خطر‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬

كانت‭ ‬قنوات‭ ‬التلفزيون‭ ‬والصحف‭ ‬مهووسة‭ ‬بالإسلام‭. ‬وأصبح‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬شاري‮»‬‭ ‬مرادفًا‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬فرنسي‮»‬،‭ ‬وتم‭ ‬حقن‭ ‬المجال‭ ‬التداولي‭ ‬والثقافي‭ ‬الفرنسي‭ ‬بحقنة‭ ‬أيديولوجية‭ ‬زائدة‭ ‬‮«‬تشيطن‮»‬‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬تحت‭ ‬ثقل‭ ‬تأثير‭ ‬الفكر‭ ‬المسيحي‭ ‬المتطرف‭ ‬والمعادي‭ ‬للإسلام‭. ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فكر‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬لا‭ ‬يقترن‭ ‬بالطبقات‭ ‬المسحوقة‭ ‬اجتماعيًّا،‭ ‬التي‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمسلمين‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬وإنما‭ ‬بالطبقات‭ ‬الوسطى‭ ‬المستقرة‭ ‬اجتماعيًّا‭ ‬والحاملة‭ ‬لأفكار‭ ‬ومبادئ‭ ‬علمانية‭ ‬لا‭ ‬تلتزم‭ ‬بمقتضيات‭ ‬الحرية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬اللامساواة‭. ‬

‭ ‬

خطر‭ ‬خيانة‭ ‬المثقف‭ ‬الفرنسي

‭ ‬ولّى‭ ‬زمان‭ ‬سارتر،‭ ‬وفوكو،‭ ‬وبورديو‭ ‬وعصر‭ ‬المثقفين‭ ‬الملتزمين‭ ‬بهموم‭ ‬الشعب‭ ‬وقضايا‭ ‬العموم،‭ ‬وأضحى‭ ‬الصمت‭ ‬علامة‭ ‬مميزة‭ ‬لمثقف‭ ‬وأكاديمي‭ ‬اليوم‭ ‬الخائف‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬أو‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬فوائد‭ ‬اجتماعية،‭ ‬سياسية‭ ‬وسلطوية‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الصمت‭. ‬

وما‭ ‬يؤكده‭ ‬تود‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصمت‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬الأجانب‭ ‬وتشويه‭ ‬صورة‭ ‬الإسلام‭ ‬يعد‭ ‬تواطؤًا‭ ‬ضد‭ ‬مبادئ‭ ‬المساواة‭ ‬والحرية‭ ‬والتعايش‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬مجرد‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭.‬

 

خطر‭ ‬أزمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الفرنسية

بِصَمت‭ ‬حكومة‭ ‬هولاند‭ ‬بشأن‭ ‬العزل‭ ‬والاستبعاد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬اللذين‭ ‬يعانيهما‭ ‬المهاجرون‭ ‬في‭ ‬الضواحي‭ ‬والأحياء‭ ‬الهامشية،‭ ‬والدعم‭ ‬الخفي‭ ‬للأصوات‭ ‬المعادية‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬وتنظيم‭ ‬الشرطة‭ ‬لتظاهرات‭ ‬تزدري‭ ‬الأديان‭ ‬والأعراق،‭ ‬تكون‭ ‬بذلك‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬قد‭ ‬أجهضت‭ ‬حلم‭ ‬التعايش‭ ‬الثقافي‭ ‬والحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬الذي‭ ‬رفعته‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

 

مستقبل‭ ‬الإسلام‭ ‬بفرنسا

‮«‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الإسلام،‭ ‬فعليها‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬تستعد‭ ‬للانكماش‭ ‬والتشقق‮»‬،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬الجمهورية‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬‮«‬نرجسية‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض‮»‬‭ ‬والمركزية‭ ‬الغربية‭ ‬وتعترف‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬مكوّن‭ ‬رئيس‭ ‬ضمن‭ ‬مكونات‭ ‬الهوية‭ ‬والثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والأوربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬فكل‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬لا‭ ‬تسهم‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬حلم‭ ‬الوحدة‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الجسم‭ ‬الفرنسي؛‭ ‬اقتصاديًّا،‭ ‬واجتماعيًّا‭ ‬وسياسيًّا‭. ‬إن‭ ‬مستقبل‭ ‬فرنسا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الإسلام‭ ‬واحترام‭ ‬المسلمين‭ ‬وإشراكهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬كما‭ ‬أوطانهم‭ ‬الأصلية‭.‬

ويقترح‭ ‬تود‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬تواؤم‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والمجتمع‭ ‬الفرنسي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استيعاب‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والدفع‭ ‬بالنهج‭ ‬العلماني‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬الحقوق‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬للأقليات‭ ‬الإثنية،‭ ‬وتصويب‭ ‬التمثّل‭ ‬الخاطئ‭ ‬لاقتران‭ ‬الإسلام‭ ‬والتطرف‭ ‬والإرهاب؛‭ ‬فالإرهاب‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬وطن‭ ‬له‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذه‭ ‬التوجيهات‭ ‬الحيوية‭ ‬أن‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬الاحتقان‭ ‬وشرط‭ ‬المواجهة،‭ ‬الذين‭ ‬يطبعان‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬القابع‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬هوية،‭ ‬ثقافة‭ ‬ودين،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬القبول‭ ‬النهائي‭ ‬لكون‭ ‬فرنسا‭ ‬هي‭ ‬بلاد‭ ‬الإسلام‭ ‬والمهاجرين‭ ‬بامتياز‭ ‬‭.