حضورٌ في الغياب

حضورٌ في الغياب

من سُنن الله في خلقه أن لكلّ أجل كتابًا، وليس من الناس من هو خالد بجسده، لكن الإنسان يترك من بعده ذكرى تستمر من بعد رحيله. وقد ترك الشيخ صباح الأحمد (أمير دولة الكويت الراحل - يرحمه الله) بصمات تجعله حاضرًا بالرغم من الرحيل. عدد من البصمات تجذب انتباه المراقب:
• دبلوماسية العمل الإنساني، وهي دبلوماسية لا ترتبط حصرًا بمفهوم الإغاثة عند الكوارث، لكن أساسها بناء العلاقات الدولية انطلاقًا من مفهوم التنمية. وهذه التنمية ترتبط بدورها بوجود السلام وحسن العلاقات بين الدول والشعوب.
• تعامله مع الملف العراقي بعد التحرير يصلح مثالاً جيدًا لفكرة الوصول إلى حُسن العلاقات بين الشعوب والدول من مدخل دعم التنمية التي تقود بدورها لتقوية فرص حُسن الجوار. 
• دبلوماسية العمل الإنساني أجادها المغفور له، وقد كان عميدًا للدبلوماسية فترة طويلة قبل توليه مقاليد الحكم بالدولة. ولمنهجه في الدبلوماسية أصل في العقيدة السياسية لدولة الكويت قبل الاستقلال، كما أن الدستور الكويتي تبناها في ديباجته، وأثرت على بعض أحكامه. ومن باب الاستطراد، نذكر أنه كان الوزير المسؤول عن مجلة العربي عند انطلاقها عام 1958، وهي نموذج جيد للقناعة الكويتية بأهمية التقارب بين الشعوب العربية من بوابة الثقافة والمعرفة.
• الاهتمام بتنويع مصادر الدخل والتنمية المستدامة، والانطلاق في ذلك من الإمكانات الطبيعية للدولة. وفكرة السعي لجعل الكويت مركزًا ماليًا تجسيدًا لهذا التطلع. وفي الإطار ذاته يمكن الوقوف أمام دعمه لمشروع المنطقة الاقتصادية الشمالية.
• الاقتراب من الشعب، والواقعية في التعامل مع مطالبه، وموقفه من التفجير الإرهابي لمسجد الصادق يكشف عن هذا الاقتراب الشديد، فقد كان أول مَن ذهب متفقدًا ومواسيًا، مع أن الدخان كان ينبعث من مكان التفجير، وقد أطلق تعبيره المشهور «هذولا عيالي». 
 أما واقعيته فقد ظهرت عند الاحتجاجات الموازية للربيع العربي، والتي كان شعارها الأساسي هو المطالبة برحيل رئيس الوزراء، والمطالبة بحلّ البرلمان نتيجة اتهامات بالفساد طالت بعض أعضائه، فقد قبل استقالة رئيس الوزراء، بعد أن أعلن عدم رغبته بقبولها، كما صدّق على مرسوم حلّ مجلس الأمة الذي رفعه رئيس الوزراء الجديد، وبهذا نزع فتيل الأزمة بأقلّ تكلفة ممكنة. 
• الاحتكام للقانون كان شعارًا يرفعه، ويعلن أنه أفضل طريق للتعامل مع الخلافات، ولعل هذه القناعة مرتبطة بتراكم الخبرة في التعامل مع المنازعات والخلافات. لسان حاله يقول «قد لا يحقق الاحتكام للقانون كامل مطالب طرف من الأطراف، لكن هذا الطريق يقلل من تكلفة الحل مقارنة بالحلول الأخرى».
 وقد دعم تعديل قانون إنشاء المحكمة الدستورية عام 2014، كي يفتح الباب أمام الأفراد للطعن المباشر في دستورية القوانين واللوائح، بعد أن كان الباب أمامهم ضيقًا نسبيًا. هذا التعديل فتح الباب بشكل أوسع للاحتكام للقانون في المنازعات العامة، وهذا يصبّ في تقوية فكرة السِّلم الاجتماعي واقعيًا. رحل إلى رحمة الله، لكنه لا يزال موجودًا في الذاكرة الكويتية والعربية والعالمية، بما تركه من آثار وبصمات ■