بين «الإنترنت» والقنوات الفضائية مجلات الأطفال في المغرب

بين «الإنترنت» والقنوات الفضائية مجلات الأطفال في المغرب

دقيقة واحدة في اليوم من الوقت الحر، هي التي يخصصها الطفل المغربي لهواية المطالعة أو القراءة، بمعنى 60 ثانية. معدّل ورقم مرعب صرحت به «المندوبية السامية للتخطيط» بالمغرب منذ أشهر عدة في إطار دراسة لها.
رقم يسائلنا عن التحول الكبير الذي يعرفه الأطفال حاليًا بعزوفهم عن القراءة خارج ساعات الدراسة، ومدى مكانة المطالعة في حياتهم التي تعد إحدى وسائل البناء المعرفي والفكري، مادامت المدرسة لا تقدم المعرفة الكاملة.

أطفال اليوم في المغرب لا يعرفون أسماء عناوين مجلات مغربية خاصة بفئاتهم العمرية، ببساطة، لأننا لو بحثنا عنها في الأكشاك فهي غير موجودة. 
في سنوات السبعينيات حتى التسعينيات من القرن الماضي، مَن منّا من الأجيال التي عاصرتها، لا يتذكر مجلات الأطفال الرائدة، مثل باسم وماجد وأحمد وسمير وبساط الريح، وغيرها من المجلات التي انتشرت على امتداد تراب الدول العربية؟ مجلات كانت رائدة، بفضل التواصل الكبير الذي تحققه قبل اجتياح الثورة التكنولوجية لبيوتنا، حيث كانت القنوات التلفزيونية حينئذ قليلة، ولا تبث برامجها على مدار أربع وعشرين ساعة كما الشأن الآن.
كان أساتذتنا في المدارس ينصحوننا دومًا بالمطالعة العامة خارج أوقات الدراسة، ويشجعوننا عليها، وكانت مجلات الأطفال أحد روافد المطالعة التي شكّلت متعة القراءة والاستفادة في آن.
كانت تعبق بالقصص المصورة والمكتوبة التي تشغل الطفل القارئ، وترحل بمخيلته إلى فضاءات شاسعة، إضافة الى ما تزخر به من معارف ومعلومات مختلفة من كل مناحي الحياة. أكثر من ذلك كانت المجلات فضاء للكتابة والنشر وتبادل الآراء بين الأطفال وتصحيحها من طرف المشرفين على تلك المنابر الصحفية. 
وثمة مجلات ترافق الطفل طوال مرحلته الابتدائية والإعدادية، مما يجعل مجموعة من المنابر الصحفية المهتمة بالطفولة، تجعل في مضامين المجلات ما يتفاعل معه الأطفال طوال تلك المراحل العمرية والفكرية، وهو الأمر غير السهل، في حين كان من المفترض تخصيص مجلة خاصة لكل فئة عمرية، بيد أن الصعوبات الإنتاجية تجعل من عبارة «ليس في الإمكان أبدع مما كان» هي الواقع.
منابر إعلامية
مجلات الأطفال أو صحافة الطفل، هي أيضًا ذات حمولات وأهداف كغيرها من الصحافة الورقية، سواء كانت أدوارًا إخبارية أو تثقيفية أو ترفيهية. منابر إعلامية تساعد الأطفال على إنماء مداركهم ومعارفهم، وتذوّق الآداب والفنون، فلا يمكن إنكار أهمية صحافة الطفل، لأنها من الأساليب الراقية لتنشئة الطفل وتربيته وتعليمه، من خلال القيم المتضمنة في القصص والأفكار، وعبر المعلومات الغزيرة التي تقدمها، ويتم عبرها أيضًا اكتساب اللغة والأساليب التعبيرية المساعدة في الدراسة. 
مجلات الأطفال فرصة كذلك للطفل لاكتشاف مستواه المعرفي من خلال المسابقات المتضمنة، وقد تؤهله للبحث عن الأجوبة في كتب أخرى يسعى لقراءتها بحثًا عن الفكرة أو المعلومة، وتستمر رحلة المعرفة.
إن تراجع الصحافة الورقية في العالم ككل، جعل صحافة الطفل في الدول العربية تسير المنحى نفسه، أمام تكاليف الإنتاج الباهظة، خصوصًا أمام ما تتطلبه مجلات الأطفال من نوعية في الألوان والرسوم والصور وجودة في الورق والطباعة. ونضيف إلى أزمة التراجع أيضًا سهولة التواصل عبر شبكة الإنترنت التي وصلت إلى غالبية مناطق المدن والقرى. 
في المغرب تقاوم صحافة الطفل الاندثار، بمعنى المجلات الخاصة بالأطفال. كانت العقود الماضية، خصوصًا سنوات السبعينيات حتى التسعينيات، قد عرفت طفرة نوعية وكمية في مجلات الأطفال، مثل «أزهار» للقاص المغربي محمد إبراهيم بوعلو، و«حدائق» التي كانت تصدرها وزارة الشؤون الثقافية، رغم عدم انتظام صدورهما واستمرارهما مدة طويلة، الأمر نفسه مع مجلة «سامي» سنوات التسعينيات للأديب العربي بنجلون، الذي أثرى الخزانة العربية بإنتاجات الأطفال. 

منهجية حديثة
مجلة «العندليب» أيضًا لم تعد تصدر، وهي التي كانت تنشرها جمعية تنمية التعاون المدرسي منذ 1975، وحققت استمرارية مهمة امتدت سنوات، حيث كانت توزع خصوصًا بين تلاميذ المدارس الابتدائية. حاليًا هناك استثناء لمجلة بالألوان لاتزال وفيّة الصدور بشكل دوري، رغم حداثة عمرها، ولكنها موزعة بين اللغتين العربية والفرنسية، اسمها «واز»، وهي مجلة تعنى بشؤون الطفولة بمنهجية حديثة، وتسعى لترسيخ الوعي والانتباه للمطالب الأساسية للأطفال من خلال استحضار وتجسيد أمثل لمفهومي الإعلام بحقوق الطفل وحق الطفل في الإعلام.
وعكس بعض مجلات الأطفال ذائعة الصيت في الدول العربية، فإن مجلات الأطفال بالمغرب تظل عمومًا اجتهادات لبعض الأطر التربوية أو المؤسسات التي لا تمتلك ميزانيات مهمة لضمان استمرارية المنتج الصحفي الخاص بالأطفال.
حديثنا عن صحافة الطفل يحيلنا أيضًا إلى المشتغلين في هذا المجال، حيث نجد مثلما في الصحافة عمومًا، ثمة أدباء وكتّاب يساهمون في هذه الإنتاجات، أو المؤطرون التربويون في الجمعيات المهتمة بالطفولة، وكانت هناك اجتهادات لصحف تهتم بإصدار ملاحق أسبوعية خاصة بالطفولة، من ذلك نذكر جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي كانت تصدر ملحقًا في التسعينيات كل يوم جمعة اسمه «الطفولة»، غير أنه توقف عن الصدور.

دقيقة للمطالعة
نعود إلى أرقام المؤسسة المغربية، وفي البحث الوطني الميداني للمندوبية السامية للتخطيط حول استعمال الوقت، ذكرت أن مشاهدة التلفزيون هو النشاط المهيمن في الوقت الحر لدى الأطفال المغاربة، بما يعادل ثلاث ساعات في اليوم الكامل، بما نسبته 43.6 في المئة من وقتهم الحر، في الوقت الذي لا تأخذ فيه المطالعة إلا الحيز القليل من الوقت عند الأطفال، فلا تتجاوز معدل 0.3 في المئة من الوقت الحر، وهو ما لا يمثل سوى دقيقة واحدة في اليوم للمطالعة.
أكثر من ذلك عدم الاهتمام بما يشاهد الأطفال من طرف أوليائهم، قد لا يخدم القيم الواجب تعلّمها، كما الشأن لبرامج الجريمة التي حققت نسب مشاهدة كبيرة في المغرب من طرف المتابعين، بمن فيهم الأطفال والتلاميذ، قبل أن يتدخل المجلس الأعلى للسمعي البصري بطلب حذفها من برامج قناتين مغربيتين. وهذا دون الحديث عن برامج قنوات الدول الغربية أو مسلسلاتها التي تتناول قيمًا أخرى بعيدة عن مجتمعاتنا يشاهدها الأطفال كل يوم.
إن قوة التواصل الإلكتروني اليوم، نشهدها بحضور المواقع في شبكات الإنترنت ومختلف ألعاب الفيديو والهواتف الذكية، حيث يمكن للطفل أو التلميذ في المغرب أن يعبئ الاشتراك في «الإنترنت» بخمسة دراهم، ليظل مرتبطًا بها أربعًا وعشرين ساعة متواصلة، في وقت تساوي فيه المجلة مبلغًا ماليًا أكبر بقليل، إضافة إلى انتشار القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال، التي تبث برامجها وأفلامها على مدار الساعة ليلاً ونهارًا، تلك عوامل تجعل رهان مجلات الطفل في محكّ صعب، حتى يستطيع الطفل ملامسة صفحات مجلة ما بأنامله، بدل ملامسة أزرار الهاتف. 
فإذا لم تُتدارك الأمور، من خلال إيلاء صحافة الطفل أهمية كبرى، وتشجيع الأطفال على المطالعة، فقد تصبح لدينا أجيال ضعيفة التكوين، علمًا بأن القراءة والتفكير هما من الأمور الأساسية التي تنمّي مدارك عقول الأطفال.
ومن واجب المؤسسات الحكومية مادامت تدعم الصحافة الورقية والإلكترونية بالمغرب، أن يكون من بين أرصدة دعمها ومنحها ما يهتم بصحافة الطفل، وتشجيع المنابر الصحفية التي تنتج ملاحق خاصة بهذه الفئة العمرية، أو الأقلام المهتمة بالكتابة للطفل في تلك المجلات، فهي منبر للترفيه، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار دورها الثقافي والتعليمي.