إتقان ضبط النفس اختبار حلوى المارشيمللو

إتقان ضبط النفس اختبار حلوى المارشيمللو

مؤلف الكتاب هو صاحب فكرة اختبار حلوى المارشيمللو، وقد وضع كتابه بعد أن تجاوز سن الرابعة والثمانين. ويتكون الكتاب من عشرين فصلاً موزعة على ثلاثة أبواب. ويتجاوز عدد صفحاته المئتين وثلاثين صفحة بست صفحات.

يقول المؤلف والتر ميسكل في مقدمة كتابه: 
«وفقما يعرفني طلابي وأبنائي، فإن مسألة ضبط النفس ليست أمرًا يأتي بسهولة طبيعية بالنسبة لي. فأنا معروف بأني قد أتصل بطلابي في منتصف الليل لأستفسر منهم عن نتائج أبحاثهم التي كلفتهم بها في نهاية محاضرة اليوم. أما في دعوات تناول الطعام، فغالبًا ما يكون طبقي هو أول الأطباق التي تفرغ من محتوياتها اللذيذة، بما يسبب لي الإحراج بين بقية المدعوين، حيث لا يكون الآخرون عادة قد انتهوا من أطباقهم بعد».
«الفكرة الأساسية التي تحرك أبحاثي والتي حفزتني على كتابة هذا الكتاب، هي إيماني بأن: القدرة والمهارة النفسية على تأجيل الإشباع الفوري بناء على توقع النتائج المستقبلية لهذا الإشباع، هي قدرة نفسية قابلة للاكتساب. فعبر مدى زمني يمتد إلى نصف قرن من الأبحاث التي قمت بها في هذا المجال، وجدت أن هذه القدرة النفسية هي نمط من أنماط المهارة التي يمكن للبشر اكتسابها وقياسها، في مراحل مبكرة من حياة الشخص. والنتيجة الأهم من هذا كله هو أن هذه القدرة والمهارة الشخصية مفتوحة على التطوير والتعديل ويمكن تعزيزها من خلال تطبيق عدة استراتيجيات نفسية تم اكتشافها أخيرًا، وهي نتيجة لها نتائج تربوية خطيرة وتوابع تعليمية هائلة».

إجراءات الاختبار
في هذا الكتاب يسرد والتر ميسكل قصة واحد من أشهر الاختبارات النفسية التربوية وهو الاختبار المعروف باسم: اختبار المارشيمللو، كما يطلعنا على الإجراءات والنتائج والتطورات التي حققها هذا الاختبار على مدى نصف قرن من الزمان.
بدأ الأمر في ستينيات القرن الماضي، مع اختبار تم تطويره بجامعة ستانفورد، وتم إجراؤه على عدد من أطفال مرحلة الحضانة - ما قبل المدرسة. فقد أعطى المؤلف والتر ميسكل أطفال الحضانة الخيار بين وضعين: أن يحصلوا فورًا على قطعة من حلوى المارشيمللو، أو أن ينتظروا قليلاً ليحصلوا على قطعتين من الحلوى، مكافأة لهم على انتظارهم وصبرهم. وبذلك يكون الخيار المتاح للأطفال هو بين الحصول على إشباع فوري من خلال التهام قطعة المارشيمللو، وبين تأجيل الإشباع الفوري رغبة في تعظيم المكافأة المتوقعة نتيجة لصبرهم. 
وتم تصوير وتسجيل نتائج الاختبار بالفيديو وغيره من الوسائط، فمثلاً نشاهد حيرة الطفلة «آن» وهي جالسة إلى طاولة تتأمل طبقين أمامها، يحتوي أولهما على قطعة واحدة من حلوى المارشيمللو، بينما يحتوي الثاني على قطعتين من نفس الحلوى، وهو الطبق الذي ستحظى به إذا ما قررت الصبر حتى يعود الباحث من الداخل، ليعطيها القطعتين مكافأة على صبرها. وإلى جوار الطبقين، يوجد جرس صغير يمكنها أن تقرعه كي يعود الباحث من الداخل، لتعلن له أنها لا تستطيع الصبر، وأنها قررت أن تلتهم قطعة الحلوى الواحدة.
توجد مقاطع كثيرة من هذا الفيديو الشهير على الإنترنت. وهي تبعث في أعيننا بعض الدموع الشجية، جراء إحساسنا بالمعاناة النفسية التي يخوضها هؤلاء الصغار، في صراعهم الداخلي من أجل السيطرة على أنفسهم وشهواتهم في تلك السن المبكرة. 
كانت تلك هي فقط المرحلة الأولى من اختبار المارشيمللو. أما المرحلة الثانية فاعتمدت على تسجيل نجاحات وإخفاقات الأطفال في الاختبار، ثم متابعة مساراتهم الحياتية التالية خلال نصف القرن التالي من حياتهم، لمعرفة إذا ما كانت هذه النتائج ـ التي سجلت في طفولتهم - يمكن أن تفسر أيًا من نجاحاتهم أو إخفاقاتهم في حياتهم كأشخاص كبار.
يقول المؤلف والتر ميسكل: «ما فعله الأطفال خلال ذلك الاختبار مع حلوى المارشيمللو، كان مؤشرًا قويًا على قدراتهم النفسية على تأجيل الإشباع الفوري توقعًا لنتائج هذا الإشباع في المستقبل. فالأطفال الذين تمكنوا من الصبر لثوانٍ ودقائق أطول حينما كانوا في سن الرابعة أو الخامسة فقط، كانوا هم أنفسهم من حققوا نتائج أفضل في مساراتهم الحياتية التالية، ممثلة في نتائج اختبارات سات ودرجة البدانة والسمنة لديهم ودرجات الإدمان على مختلف المواد مثل السجائر وغيرها، وكذلك حتى فيما يتعلق بالانتظام في ممارسة الرياضة والاحتفاظ بوظيفة دائمة لفترة أطول في مقابل التنقل بين الوظائف المؤقتة».
كانت هذه النتائج باعثة على التفكير والتأمل، لأنها طرحت السؤال: هل القدرة النفسية على تأجيل الإشباع الفوري في مقابل التمتع ببعد النظر فيما يتعلق بتقدير النتائج المستقبلية، هي قدرة طبيعية كامنة يولد بها الإنسان؟ أم أنها قدرة مكتسبة يمكن تطويرها وتعديلها على مر السنين والتجارب التي يتعرض لها كل شخص؟

قوة الإرادة
يسمي والتر ميسكل تلك القدرة النفسية بقوة الإرادة willpower ويبدو أن قوة الإرادة التي يقصدها تتكون من شقين: ففي شقها الأول هو قوة الامتناع عن الأمور الضارة رغبة في تجنب العواقب المستقبلية الوخيمة المحتملة، وهنا يضرب والتر ميسكل المثل بالأخطاء التي يقع فيها السياسيون من أمثال بيل كلينتون ومثل ضعف القدرة على الإقلاع عن التدخين... بينما، يقصد ميسكل بقوة الإرادة، في شقها الثاني، قوة الإقدام والمداومة على فعل الأمور المفيدة للشخص، والتي ينجم عنها نتائج إيجابية في المستقبل، مثل المداومة على الذهاب إلى الجيم والمداومة والاستيقاظ مبكرًا للذهاب إلى العمل في أوقات محددة يوميًا... إلخ. 
فاختبار حلوى المارشيمللو مصمم بحيث يشتمل على الشقين من قوة الإرادة/ قوة الامتناع عن التهام قطعة المارشيمللو الواحدة فورا، في مقابل الحصول على قطعتين كمكافأة مستقبلية على مداومة هذا الامتناع. 
يذكرنا ميسكل، بين صفحات الكتاب، بالقصة الشهيرة في الأدب العالمي للسباق بين السلحفاة والأرنب، حيث عجز الأرنب عن التركيز على إنجاز السباق والامتناع عن تضييع الوقت في أمور تافهة، مثل التوقف لتناول ما يجده في الطريق، بينما ركزت السلحفاة على السباق وحده، فكانت النتيجة هي فوز السلحفاة وهزيمة الأرنب في السباق، رغم أن إمكانات الأرنب في الجري في السرعة تتجاوز إمكانات السلحفاة بكثير، إلا أن قوة الإرادة كانت هي العامل الحاسم في الفوز بالرغم من اختلاف الإمكانات.

جينات موروثة أم سلوكيات مكتسبة؟
ينخرط ميسكل في استكشاف إجابات عن السؤال: هل قوة الإرادة هي أمر تحدده الجينات الموروثة داخلنا أم أنها أمر سلوكي نكتسبه بفعل تجارب الحياة التي نتعرض لها؟
وهنا نجد كتاب ميسكل يشيع جوًا من التفاؤل الذي ينفي أن تكون قوة الإرادة هي مجرد محدد جيني موجود بشكل مسبق داخل الإنسان، لكنه لا يقول أيضًا بأن قوة الإرادة هي أمر مكتسب من تجارب الحياة، لكنه يتخذ موقفًا وسطًا، ويؤكد أن الجينات البشرية تحدد ما بين ثلث إلى نصف ما يتطور وينمو بداخلنا، بينما يعتمد الثلثان أو النصف الآخر على خبراتنا وتجاربنا الحياتية، كما على السياقات والبيئات التي نعيش فيها.

دراسة سلوكيات التوائم
ودليل ميسكل على هذا الموقف الوسطي هو أنه درس تطورات التوائم، فوجد أنه في حالات كثيرة ينشأ أحد التوأمين مالكًا لزمام أمره وقوة إرادته بشكل متزن يجعله يجتاز اختبار حلوى المارشيمللو بنجاح كبير، بينما نجد أن التوأم الآخر يسير في الاتجاه المخالف، فيظهر منه ضعفا في قوة الإرادة.
وهذا الأمر يعني أنه رغم توافر جينات متقاربة جدًا لدى التوأمين، إلا أن أسلوب حياة كل منهما يختلف فيما يتعلق بقوة الإرادة. فيبدو أن الأمر يعتمد بالفعل على السياقات والبيئات، ويبدو أن أحد التوائم يقرر أنه مادام أخوه موجودا في حياته ويستطيع حمايته، فهذا يعني أنه قد أصبح في حل من امتلاك القدر الكافي من قوة الإرادة. ما يعني أن قوة الإرادة ليست أمرًا أوتوماتيكيا يعمل بغض النظر عن تصوراتنا أو عن السياقات التي نحيا فيها. 
ويمكننا أن نقول إن هذه الرؤية التي يطرحها ميسكل هي رؤية معقولة إلى حد ما، فهو يرى أن الشخص نفسه إذا ما قيض له أن يعيش في سياقات مختلفة، فإنه قد يحقق النجاح في بعضها بينما يحصر الفشل في غيرها، وأغلب الأدلة التي يجلبها ميسكل لتأكيد نظريته تلك مجلوبة من نماذج حياة المهاجرين، فكثير من المهاجرين كانوا في قاع الفشل في بلدانهم، لكنهم عندما يغادرونها ويسافرون إلى بلدان أخرى، فإنهم يحققون نجاحات أكبر لم يعتادوا عليها قبلاً.
ما نستنتجه من كتاب ميسكل هو أن حياتنا هي عبارة عن تمازج عجيب، لكنه مفهوم، بين موروثاتنا الجينية وبين خبراتنا الحياتية داخل سياقات محددة، قد تؤدي إلى تثوير أو إحباط هذه الموروثات الجينية .