القلعة الحمراء تحفة هندسية معمارية نادرة للتراث الإسلامي الهندي

القلعة الحمراء  تحفة هندسية معمارية نادرة  للتراث الإسلامي الهندي

القلعة الحمراء «Red Fort»،  واحدة من أروع المباني في تاريخ العمارة الإسلامية الهندية، ومن أعظم وأضخم وأروع الآثار المغولية الباقية في الهند، كما أنها تعتبر من أبدع المعالم الأثرية القديمة في مدينة دلهي حتى اليوم بما تحتويه من بدائع الصنع والفن. وقد زيّن صنّاع الهند المسلمون المهرة القلعة وقصورها بأبدع نماذج قلَّما تستطيع البشرية الإتيان بمثلها. تعكس قوة المغول في الماضي، وتعتبر الآن رمزا لاستقلال الهند. وقد تم تصنيفها كموقع التراث العالمي لـ «اليونسكو».

عندما قرر الإمبراطور المغولي الملك شاه جَهان (1592 - 1666) نقل عاصمته الإمبراطورية من مدينة آغْــرَا إلى دلهي، أسس مدينة «شاه جهان آباد» التي يُطلق عليها الآن دلهي القديمة، على ضفاف نهر يَـمُـونا (Yamuna)، على الرغم من تغير مسار النهر في الوقت الحالي. وقد تم تدشين القلعة في مدينة شاه جهان آباد حسب تخطيط وتصميم المهندس أحمد لَاهَوْرِيْ، وابتدأ العمل في البناء عام 1638م تحت إشراف عزت خان ثم اَللّـه وَرْدِي خان ثم مَكْرَمَاتْ خان الذي أنهى القصر عام 1648م بحفل رائع، فكانت القلعة المباركة جاهزة بعظمتها وفي أبهى صور تألقها لاستقبال الملك شاه جهان. وقد سميت بـالقلعة الحمراء، نظرًا للون حجارتها الضارب للحمرة، بينما كانت تسمى في عصر الإمبراطور شاه جهان بـ «قلعة مبارك» (القلعة المباركة) وقلعة شاه جهان آباد، ولما تولى الملك بهادر شاه ظفر (1775-1862) مسند الحكم اشتهرت بـالقلعة المُعَلَّى، واليوم تعرف باللغة المحلية بـ «لال قلعة».
 
تصميم القلعة ومبانيها 
 القلعة الحمراء عبارة عن مجموعة أبنية محاطة بأسوار تقع على ربوة عالية بطول 900م وعرض 550م وبمقابلة نهر يَـمُـوْنَا، تنهض أسوار القلعة بارتفاع 18م، وفي بعض المناطق بارتفاع 33.5م، ويحيط القلعة خندق بعرض 22م، وعمق 9 أمتار. وقد أنشئت الأسوار بالحجر الرملي الأحمر، كذلك غطت الأحجار الجواسق والقباب والشرفات والنوافذ، وأصبحت القلعة بذلك ذات مشهد أخاذ، واتخذت الطابع الإسلامي والمغولي في طراز بنائها، إلى جانب لمسات من الطراز الهندي.
وتُفتح في السور بوابتان كبيرتان، بوابة لاهور وبوابة دلهي، وأمام بوابة لاهور سوق مسقف يسمى بــ تشاتا تشوك «Chatta Chowk»، وقد أفاد كاتب ومسجل الديوان الملكي محمد صالح والسائح الفرنسي فرانسويس برنير بأنه كان أول تجربة للسوق المسقف في الهند، ثم تجد ساحة واسعة يقوم فيها جوسق مقوس يطلق عليه اسم قاعة الموسيقى المعروفة 
بــ «نَقَّارْ خَانَهْ» (Drum House)، حيث كانت تعزف فيها الموسيقى الملكية عند دخول الإمبراطور وخروجه، وعند استقباله للشخصيات المهمة والضيوف الكبار، وهي في الوقت ذاته مدخل الديوان العام.

الديوان العام 
 يقوم مقام مجلس النواب أو مجلس الأمة حاليًا، حيث يضم أمراء وحكام المقاطعات الصغيرة، الذين يزورون السلطان كل عام وبين فترة وأخرى، ويؤدون ما عليهم من أموال، ويقدمون له الهدايا ويعلنون ولاءهم له. يقع هذا الديوان في مركز القلعة، وأبعاده 164× 128م، وهو بهو معمّد مفتوح من جهاته الثلاث، ويتكون من أعمدة عديدة تحمل سقفًا يتميز بالفخامة. ويوجد داخل هذه السقيفة منصة للإمبراطور، مزدانة بزخارف نباتية  خاصة رسوم الورد والأزهار والأوراق النباتية، كما تتميز بالزخارف الهندسية والأشكال المعمارية والفنية. وحول الديوان مساحة كبيرة يحيطها سكن الأمراء والوجهاء والمسؤولين الكبار.

الديوان الخاص 
يقوم مقام مجلس الوزراء أو مجلس كبار رجال الدولة، فهو بناء صغير مسقوف، فيه أعمدة تحمل سقفًا وبأرضيته مجار مائية لتلطيف الجو. وكان يوضع في وسطه عرش الإمبراطور المعروف
بــ «تَخَتْ طَاؤُوس»، وفوقه يوجد شعر فارسي على واجهة ظلة المحراب مكتوب بالخط الثلث بالطلاء الذهبي باللغة الفارسية (لوكانت الجنة في مكان على وجه الأرض، فليست إلا هاهنا وهاهنا وهاهنا). كان يجلس عليه الإمبراطور ويجتمع مع كبار وزرائه وقائد الجيش وكبار مستشاريه، يتدبرون أمور البلاد وألوية الحروب والمشكلات ذات الطابع القومي الخاص بالدولة كلها. هذا الديوان الخاص مساحته 20.4x27.4م، وهو أكثر منشآت شاه جهان أناقة وزخرفة، فهو من الرخام الأبيض المحمول على عضادات من الرخام المزين بالزخارف البنائية والأحجار الكريمة، ما يجعله أغنى وأجمل عمارة في القلعة. ويبدو هذا البناء بقبابه المتشابهة وسقوفه الفضية وحلياته الذهبية وزخارفه البنائية آية فنية، وكنزًا معماريًا طريفًا ورمزًا لأمجاد العصر المغولي.
 أما عرش الإمبراطور الملك شاه جهان فيسمى بــ «عرش طاووس»، وله قصة طريفة في تاريخ العصور الوسطى. هو كان أصلاً عرش الملوك المغوليين في الهند. اسم العرش مشتق من شكله، حيث ظهر العرش على شكل طاووسين، ينتشر ذيلاهما وهما مرصعان بالياقوت الأزرق والأحمرر والزمرد واللؤلؤ والأحجار الكريمة الأخرى. وقد صنع عرش الطاووس للملك المغولي شاه جهان في القرن السابع عشر الميلادي. 
تهجم الملك الفارسي نادر شاه على الهند في عام 1738م، ونهب واغتصب خزانة الهند وعاد إلى فارس في عام 1739م، وكان معه عرش الطاووس ونفائس كثيرة أخرى، حصلها كخراج من الامبراطور المغولي محمد شاه الذي يعرف 
بـمحمد شاه رَنْغِيْلَا. وأصبح تعبير عرش الطاووس كرمزاً لأمجاد عروش الأباطرة الفرس حتى آخرهم محمد رضا بهلوي.

رَنْــغْ محل (قصر الألوان)
  كان هذا القصر خلف الديوان العام، يختص بالحريم ويمتاز بمواصفاته الإبداعية وزخارفه الهندسية وأشكاله المعمارية والفنية، كما يزدان بقبابه المتشابهة وسقوفه الفضية وحلياته الذهبية، لذا سماه الإمبراطور شاه جهان بــ «امتياز محل» (القصر الممتاز)، تتقدمه ساحة كبيرة، وتتوسطها بركة المياه وتظللها الأشجار وتجري تحته الأنهار. قد أدهش منظره البهيج الرهيب الزائرين والسائحين حتى كتب المؤرخ والكاتب الكبير سير سيد أحمد خان: «ليس عندي كلمات أصف بها جمال القصر وروعته وزخارفه المتنوعة وزينته الفاخرة». 
  
موتي مسجد (مسجد اللؤلؤ)
 هذا المسجد صغير في حجمه، بديع ومبتكر في صناعته، وقريب من القصر الملكي والحمام الملكي. بناه الإمبراطور الملك أوْرَنْغْ زِيْب عَالَمْغِيْرْ بعد توليه عرش الهند. تخطيط المسجد على شكل مستطيل، ويتكون من صحن مكشوف متوسط الحجم، ومبلّط ببلاطات حجرية وتعلوه ثلاث قباب بصلية الشكل، أكبرها القبة الوسطى التي تقدم المحراب. وجميع القباب مطلية بالطلاء الذهبي، ولذا كان يسمى بالمسجد الذهبي أيضًا. شيد المسجد بالرخام الأبيض كاملاً، وزينت جدرانه وسقفه بلمسات جمالية ومواد طلاء متميزة، ويبدو الرخام الأبيض كاللؤلؤ والمرجان، لذا سمي بمسجد اللؤلؤ. 
 
هِيْـرَا محل (قصر الألماس)
هذا آخر قصر بناه الملك المغولي بهادر شاه ظفر الثاني (1775-1862) في رحاب القلعة الحمراء عام 1842م، وهو آخر حاكم مسلم للهند. كان يسمى هذا القصر بــ هِيْرا مَحَلْ (قصر الألماس)، هذا المبنى مبهرج وبديع، ومربع مكشوف ذو أربع جهات، ولكل جهة ثلاثة أبواب مقوسة، لذا يسمى أيضًا بــ «بَارَهْ دَرِي» (ذو اثني عشر بابا). وله قصة طريفة، إذ من المعروف أن الإمبراطور شاه جهان أخفى ألماسا في هذا المكان العريق، ولم يطلع عليه أحد حتى الآن، وكان ذلك الألماس أغلى من الألماس الموجود الذي يسمى بــ «كُوءهِ نُوْر» (جبل النور) اليوم.

نَهْــرِبَهـِــشْتْ ( نهر الجنة)
كان أهم وأبرز هيكل لتخطيط القلعة الحمراء، جهاز توزيع المياه عبر القنوات والأنهار والنافورات بين قصورها المختلفة وحدائقها العديدة. كما وصفها السائح الفرنسي فرنسويس سرنير بأن كل جناح من أجنحة القلعة، وكل قصر من قصورها يتمتع بأحواض المياه الجارية، حيث تمر بالبحيرات المظللة والنافورات الجارية والحدائق الخضراء. وقد سماها الإمبراطور بــ «نَهْــرِبَهـِــشْتْ» (نهر الجنة). كان تزود المياه للأحواض والبحيرات من نهر يــمونا الواقع في جنب القلعة شرقا ثم تصعد إلى برج الشاه (برج القصر الملكي)، ثم يجري الماء بقنوات ومجار مختلفة عبر القصور والحدائق بما فيها الديوان الخاص والقصر الممتاز وقصر الاستراحة والقصر الخاص وحديقة حَيَاتْ بَخْشْ (منعش الحياة).
ويبدو لي أن أسميه قصورًا مائية، حيث كانت المباني والقصور تقوم وسط الأحواض من الماء، ويدخل إليه عن طريق جسور ممتدة على هذه الأحواض، وهي قصور صغيرة. والسبب في إقامتها هو المناخ القاسي الذي تبلغ درجة حرارته في بعض الأوقات في فصل الصيف خمسين درجة أو أكثر، فيلطف الماء هذه الحرارة، فضلا عن المنظر الجميل الذي يحدثه وجود الماء حول البناء، وكأن القصر جزيرة وسط الماء.

الحمام الملكي 
يقع الحمام الملكي في جهة شمال الديوان الخاص، حيث يتضمن ثلاث صالات من الشرق إلى الغرب. كان المدخل الرئيس يضم قاعة ذات ثلاثة أبواب مقوسة، مازالت آثاره باقية في القلعة الحمراء حتى اليوم. كل صالة من الصالات الثلاث مجهزة بخزانات الماء والنافورة والزخارف الداخلية المتباهية مع أرضيتها الرخامية الفاخرة.

القلعة الحمراء... اليوم 
كانت القلعة بمنزلة مقر الحكم المغولي حتى نهاية عهد الإمبراطور المغولي بهادور شاه ظفر عام 1857م، حيث تم نفيه من قبل حكومة الهند البريطانية إلى رَنْغُونْ (الآن تسمى
بـ يَانْغُون  «Yangon» التي تقع في دولة ميانمار) واستخدمتها القوات البريطانية كمعسكر للجيش حتى استقلال الهند عام 1947م.
فلما حصلت الهند على استقلالها رسميًا من بريطانيا، قام رئيس الوزراء الهندي الأول جواهـر لال نهــرو على أسوار القلعة الحمراء، بمخاطبة الأمة الهندية يوم 15 أغسطس 1947م، قائلاً: «اليوم حصلت الهند على استقلالها رسميًا من بريطانيا». وفي كل يوم عيد استقلال 15 أغسطس يرفع رئيس الوزراء الهندي العلم الوطني عند البوابة الرئيسة للقلعة الحمراء، ويلقي خطابًا يبث حيًا على الصعيد الوطني من أسوارها، فهي الآن رمز قومي للسيادة الهندية، وموقع سياحي شهير، لأنها لها تصميم رائع وإبداع الثقافة الهندية الإسلامية.

بوابة لاهور

نقار خانه (قاعة الموسيقى)