فلسطين في تاريخ بريد الكويت «الستينيات أنموذجاً»

فلسطين في تاريخ بريد الكويت «الستينيات أنموذجاً»

ينظر البعض إلى تاريخ البريد من جانب واحد فقط، ألا وهو جانب الطوابع البريدية وإصدراتها عبر السنوات. ولكنها غير ذلك، ففي السنوات الأخيرة، طرأ تحول كبير على مفهوم هواية الطوابع، إذ أصبحت هناك هواية لجمع المغلفات البريدية ذاتها. ويعنى هذا المسار من الهواية بتاريخ الأختام البريدية والأختام الرقابية وبمسارات البريد وبالأجرة البريدية وتحولاتها جميعا عبر السنوات من تاريخ مكاتب البريد، لتأخذ منحى توثيق الأحداث التي مرت بها مكاتب البريد، وبمعنى آخر التي مرت بها الدول. وعليه، تسير هذه القراءة التاريخية حول «فلسطين في تاريخ بريد الكويت» على ذلك النهج في فهم الأختام البريدية أو الأختام التي تحمل شعارات خاصة لتوضع على الرسائل.

تمثل فترة الستينيات من القرن الماضي مرحلة فاصلة في مسار الصراع العربي ــ الإسرائيلي، تحديدًا بعد حرب الخامس من شهر يونيو عام 1967م والتي عرفت آنذاك بالنكسة، وما نتج من تبعات سياسية وميدانية على أرض الواقع من احتلال الجيش الإسرائيلي لكل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، والجولان، ونشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الثانية والذين تم تهجيرهم من مساكنهم وأراضيهم بالقوة. كما شهدت فترة الستينيات من القرن الماضي ردات الفعل لحرب الخامس من يونيو وانعكاسها على بنية التكوين السياسي لبعض التنظيمات الفلسطينية، وتحول مسار بعض سبل المقاومة إلى خارج حدود أرض فلسطين، وذلك من أجل لفت انتباه بعض شعوب العالم للقضية الفلسطينية ولمأساة اللاجئين من أجل تحقيق عودة كامل أرض فلسطين.
هذا، ولم تكن الكويت بعيدة عما يجري في المشهد العربي السياسي، وعن الصراع الدائر مع الكيان الإسرائيلي، حيث كانت قريبة جدًا من الأحداث يومًا بيوم، ولصيقة بآلام الفلسطينيين في الشتات، فقد فتحت الكويت أراضيها للاجئين الفلسطينيين من أجل العيش الكريم، كما أتاحت لبعض المنظمات الفلسطينية أن تطلق تكويناتها الحزبية والنقابية من أرض الكويت مع إتاحة مساحة من الحرية لنشاطها الحركي السياسي، وكما أسهمت في دعم العمل الفدائي وفصائل المقاومة في حراكها النضالي لتحرير فلسطين.
ويرسم لنا تاريخ البريد في الكويت، والذي كان قد انتقل من الإدارة البريطانية في عام 1958 - أي قبل ثلاثة أعوام من استقلال دولة الكويت في عام 1961 -، صورًا متعددة من أشكال الدعم البريدي المعنوي للقضية الفلسطينية خلال فترة الستينيات، وتأكيد حق عودة الفلسطينيين، وفي استعادة أراضيهم وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عبر ثلاثة مسارات بريدية دعائية متجانسة اتبعت خلال سنوات متتالية، حيث اتخذ المسار الأول عملية إصدار الطوابع البريدية التي تعنى بالقضية الفلسطينية، أما المسار الثاني فقد تمثل في نوعين: الأول هو الأختام البريدية التي تختم على الطوابع والتي تؤكد حق اللاجئين بالعودة لوطنهم، أما النوع الثاني فيكمن في ختم الشعارات المؤيدة للدعم المعنوي والمادي، التي توضع على الرسائل الصادرة والواردة ولا تختم على الطوابع.

الطوابع التذكارية
وتشير الكتيبات التي تعنى بتاريخ إصدارت الطوابع البريدية للبلدان العربية إلى أن «إدارة بريد الكويت» تعد من أكثر إدارات البريد التي اهتمت بإصدار طوابع خاصة تعنى بالقضية الفلسطينية، فعلى مدى ستين عامًا من تاريخ البريد في الكويت، صدر اثنان وعشرون مجموعة من الطوابع التي تناولت القضية الفلسطينية، بحيث جاء كل إصدار يحمل شكلًا مختلفًا عن الإصدار الذي سبقه من الطوابع حسب المناسبة التي صدر بها، وفي بعض الأحيان يأتي الإصدار مكررًا من أجل التأكيد على إحياء ذكرى خاصة. فعلى سبيل المثال، تناول أول إصدار طوابع لمكتب بريد الكويت في عام 1965 القضية الفلسطسينية عبر التذكير بمذبحة «دير ياسين» التي تمت على يد الاحتلال الإسرائيلي في التاسع من أبريل عام 1948، حيث يحمل الطابع رسمًا لخنجر يطعن خريطة لأرض فلسطين، وكتب بداخلها أسماء بعض المدن الفلسطينية «يافا» و«عكا» و«حيفا» و«بئر السبع»، وهي المدن التي تم احتلالها بعد إعلان تقسيم فلسطين في عام 1948. وأتى هذا الإصدار في سياق الإصدارات الموحدة التي صدرت متزامنة من إدارات بريد بعض البلدان العربية.
وبلغ عدد الإصدارات التي قدمتها إدارة بريد الكويت عن القضية الفلسطينية تسعة إصدارات من الطوابع في الفترة ما بين عام 1967 إلى عام 1971، حيث جاء كل إصدار للطوابع بالتوافق مع مناسبة عالمية، وقد اعتنى بريد الكويت من خلال تلك الإصدرات من الطوابع بتوصيل رسائل إلى العالم تحمل مأساة اللاجئين، وحقهم بالعودة لمنازلهم في أرض فلسطين. صممت تلك الطوابع بأسلوب الرسم المباشر أحيانًا، وأسلوب الرسم التعبيري في أحيان أخرى، علاوة على ما يتضمنه الطابع بحجمه الصغير من جماليات فنية. وبالاطلاع على المواضيع التي تم تناولها في السنوات الخمس التي تلت حرب عام 1967، نجدها تنقسم إلى ثلاثة مواضيع هي: قضية اللاجئيين، وذكرى يوم فلسطين، وإحياء ذكرى مذبحة دير ياسين.
والملاحظ في معظم الإصدارات، ربط القضية الفلسطينية مع مناسبة عالمية، مثل إصدار يوم هيئة الأمم المتحدة الذي حمل رسمًا لخريطة فلسطين عند إصداره في 24 أكتوبر 1967م، وكتب عليه عبارة «يوم هيئة الأمم المتحدة»، وبالأسفل «يوم فلسطين العربية»، وذلك بهدف التذكير بتبعات التقسيم الصادر بقرار من هيئة الأمم. وكذلك تم ربط إصدار طابع آخر صدر بمناسبة يوم هيئة الأمم المتحدة لعام 1968 مع يوم أطلق عليه «يوم اللاجئين الفلسطينيين العرب»، حيث جاء رسم الطابع لطفلين يشيران إلى مبنى هيئة الأمم المتحدة للتذكير بقرار التقسيم الذي كان قد مر عليه عشرون عامًا، وأدى إلى تهجير الفلسطينيين وتشريدهم كلاجئين في البلدان العربية. ونظرًا لكون قضية اللاجئيين تعد قضية إنسانية ملحة، تم إصدار طابع خاص تحت عنوان «السنة الدولية لحقوق الإنسان للاجئين الفلسطينيين» في يونيو 1968، يحمل رسمًا تشكيليًا يمثل أمًا فلسطينية رافعة يديها تدعو الله أن يفرّج كربتها، وبجانبها أطفالها الأربعة يبدون كأنهم في مخيم  من المخيمات التي وضعتها بعض البلدان العربية المجاورة لفلسطين بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.

 الأختام البريدية
وما يميز البريد في الكويت بعد استكمال انتقاله للإدارة الوطنية سعيه الدؤوب لنشر الوعي البريدي في المجتمع من خلال استحداث أختام بريدية آلية تستخدم للإلغاء تحمل شعارات توعوية اجتماعية، وكانت تستخدم على طوابع الرسائل الصادرة وكذلك خلف الرسائل الواردة كختم إشعار استلام. كانت تلك الأختام مستطيلة الشكل تحمل نصًا باللغتين العربية والإنجليزية، وكذلك دائرة تبين التاريخ واسم المكتب الذي صدرت منه الرسالة. تضمنت تلك الشعارات عبارات مثل «هواية جمع طوابع البريد ثقافة وادخار»، وكذلك «أودع المراسلات بالبريد مبكرًا»، إلى جانب نشر النصائح الصحية مثل: «التدخين يضر بصحتك»، أو إرشادات اجتماعية، مثل: «احترم النظام والقانون لكي يحترمك الآخرون» و«ساعدوا لمحو الأمية» وغيرها من الأختام الآلية الأخرى.
واللافت في الأختام الآلية التي تحمل الشعارات أنه صدر منها ختم استثنائي يحمل شعار «الضمير العالمي مطالب بتحقيق العدالة في فلسطين» باللغة العربية والإنجليزية، استخدم بالتوافق مع طوابع صدرت بيوم الأمم المتحدة في أكتوبر من عام 1969، حيث جاء الرسم الذي في الطوابع على هيئة وثيقة مكتوب بداخلها شعار «الضمير العالمي مطالب بتحقيق العدالة في فلسطين». وكما عمدت إدارة بريد الكويت لوضع ختم آلي يحمل شعار «السنة الدولية لحقوق الإنسان» باللغة العربية والإنجليزية في عام 1968، وذلك بالتوافق مع إصدار طوابع حقوق الإنسان للاجئين الفلسطينيين، وإصدار آخر يحمل طوابع يوم الأمم المتحدة واللاجئين الفلسطينيين العرب، بغية التأكيد على الرسالة الإنسانية التي تحملها الطوابع لكي تصل لأكبر عدد ممكن من المتراسلين، وإلى أبعد مساحة جغرافية من العالم.
كما تميز بريد الكويت بعد الاستقلال بوضع أختام تحمل شعارات لكنها لا تستخدم في ختم الطوابع، حيث توضع الأختام على الرسائل لفترة محدودة احتفاءً بمناسبة عالمية أو تبعًا لمناسبة محلية، حيث تحمل الشعارات رسائل قصيرة هادفة اجتماعيًا وثقافيًا وصحيًا، وتكتب الشعارات باللغتين العربية والإنجليزية، أو بإحدى اللغتين. ومن المناسبات العربية التي اهتم بها بريد الكويت في تلك الفترة على سبيل المثال، مناسبة رياضية عربية أقيمت في الكويت، وهي مسابقة كأس العرب لكرة القدم الثانية التي أقيمت في نوفمبر 1964، إلى جانب مناسبات دولية مثل «الذكرى العشرون لليونسكو»، و«أنقذوا آثار النوبة» و«يوم الأرصاد الجوية العالمي»، و«العام الدولي للكتاب 1973»، إلى جانب شعارات توعوية ذات رسائل اجتماعية كثيرة، مثل «بنك الدم: التبرع بالدم إنسانية ووطنية» و«السل مرض يمكن القضاء عليه»، و«الأمومة حب وتضحية»، و«الأم عماد الأسرة»... وغيرها.
ومساهمة من إدارة البريد في الكويت في دعم القضية الفلسطينية في الستينيات من القرن الماضي، عمدت الإدارة لإصدار عدد خمسة أختام تحمل شعارات توضع على الرسائل الصادرة والواردة، سواء تودع في البريد الخارجي أو البريد المحلي؛ أربعة منها تعود للفترة ما بين عامي 1965 و1967، أي  قبل حرب 1967، والختم الخامس في عام 1969. ومن الملاحظ أنه كان هناك نوعان من الشعارات، شعار يحمل نداء بالتذكر بفلسطين وبحق عودة اللاجئين، وشعار آخر يحمل إعلانا لإنجاح ودعم أسبوع فلسطين الذي يقام على أرض الكويت. 
ويعود أول ختم مطاطي في شهر مايو عام 1965 وحمل شعار «اذكر فلسطين واعمل من أجل عودتها» باللغتين العربية والإنجليزية. ويعود اختيار شهر مايو لكونه الشهر الذي تمت به النكبة في عام 1948 وعرف بـ «يوم فلسطين»، حيث تحتفل به معظم إدارات البريد في البلدان العربية. ويذكر أنه  في منتصف عام 1966، طُرحت في أروقة المجتمع الدولي بهيئة الأمم المتحدة دعوة لتنفيذ القرارات والتي لم يحرز منها أي تقدم على صعيد الواقع، ومن أهمها القرار رقم 194 الصادر في سنة 1948 الذي نص على «أن اللاجئين الراغبين في العودة إلى أوطانهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، يجب أن يسمح لهم بذلك في أول فرصة ممكنة، ودفع تعويض لممتلكات الذين لا يرغبون في العودة، ودفع تعويض للخسارة والضرر الذي أصاب الممتلكات لأصحابها، وإرجاعها إلى أهلها من قبل الحكومات والسلطات المسؤولة بناء على قواعد القانون الدولي»، واستخدمت إدارة بريد الكويت وذلك في أكتوبر 1966 ختما يحمل عبارة «تذكروا اللاجئين الفلسطينيين» باللغتين العربية والإنجليزية. وفي مايو من عام 1967 استخدم ختم آخر يحمل عبارة «في ذكرى النكبة... اذكر فلسطين واعمل على تحريرها».

أسبوع فلسطين
في شهر نوفمبر عام 1965 قررت منظمة التحرير إقامة أسبوع باسم فلسطين من أجل الدعم المالي، ولكن تم إلغاؤه نظرًا لوفاة أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم، مما أدى إلى ترحيل الاحتفالية إلى شهر مارس 1966، تحت إشراف لجنة نصرة فلسطين برئاسة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد - عندما كان متوليًا منصب وزير الخارجية - وبالتعاون مع مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت. وقد حضر أحمد الشقيري رئيس المنظمة وألقى خطابًا في افتتاح المعرض الفني الذي أقيم في المدرسة المباركية. ويروي ممثل منظمة التحرير في الكويت آنذاك، الأستاذ خيري أبو الجبين، بأن منتخب فلسطين لكرة القدم قد حضر خصيصًا في ذلك الأسبوع ولعب مباراة مع منتخب الكويت. 
كما أصدرت إدارة بريد الكويت ختما خاصا بالمناسبة يحمل عبارة «ساهموا في إنجاح أسبوع فلسطين - 29 نوفمبر - 6 ديسمبر 1965»، لكنه استخدم لفترة قصيرة جدًا بسبب ترحيل الأسبوع من شهر نوفمبر إلى شهر مارس عام 1966، ومن ثم صدر ختم مماثل له في النص مع تغيير التاريخ المرادف له.
وقد عمدت إدارة البريد إلى دعم أسبوع فلسطين من خلال إصدار نشرة داخلية من مراقب الخدمات البريدية إلى جميع المكاتب والفروع البريدية بتاريخ 2 /3 /1966، يدعو موظفي ومستخدمي دائرة البريد للمساهمة في إنجاح حملة التبرعات خلال «أسبوع فلسطين»، وشددت النشرة على الدعوة للتبرع بسخاء لإنجاح مشروع حملة التبرعات، مع المطالبة بإرسال قوائم بأسماء المتبرعين والمبالغ بعد نهاية الأسبوع. كما نوه الإعلان في النشرة على أن الكويت قد دأبت، حكومة وشعبًا، على دعم الحق العربي بكل الوسائل وفي جميع الميادين في ذلك الجزء المغتصب من الوطن العربي الكبير... فلسطين. 

يوم العمل الفدائي
بعد نكسة عام 1967، شهد الكفاح الفلسطيني المسلح تحولاً نوعيًا إلى العمل الفدائي، ونشطت حركة فتح مع بعض المنظمات الفلسطينية في القيام بالأعمال الفدائية في الضفة الغربية وغزة، وقد توّج نشاط العمل الفدائي الذي قامت به حركة فتح مع الجيش الأردني بمواجهة ضارية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في قرية «الكرامة» في 21 مارس 1968، بعد محاولة قامت بها قوات الجيش الإسرائيلي لاحتلال شرق نهر الأردن ومرتفعات جلعاد ومرتفعات السلط، إلى جانب ضرب الجيش الأردني وتصفية الوجود الفدائي في الضفة الغربية، مما أدى إلى هزيمة قوات الجيش الإسرائيلي وانسحابه تاركا خلفه آلياته وبعضاً من الدبابات والقتلى.
بعد عام من معركة الكرامة، نظمت منظمة التحرير، فرع الكويت، أسبوعًا تحت مسمى «يوم العمل الفدائي»، برعاية من الشيخ سعد العبدالله الصباح - رحمه الله - عندما كان وزيرًا للداخلية والدفاع، وبمناسبة هذا الأسبوع، أصدرت إدارة البريد ختمين يحملان شعار «أسبوع العمل الفدائي 25-31 مارس 1969»، ختم باللغة العربية وختم باللغة الإنجليزية لوضعهما على الرسائل. وكما تم إصدار ثلاثة طوابع تدعم العمل الفدائي بعنوان «الفدائيون الفلسطينيون» في 4 مارس 1970، وتحمل الطوابع جميعها صورة لمسجد قبة الصخرة، ولكنها تختلف بتوسط كل طابع في رسم لفدائي أو رسم لإحدى الفدائيات أو رسم لطفل فدائي يحملون السلاح.
وفي الختام هكذا، عندما ننظر إلى الرسائل، ينبغي ألا نتوقف عند جماليات الطابع فقط، وإنما يتعين علينا الالتفات إلى ما وراء الرسالة التي حملت الطابع من أختام وشعارات تؤرخ لزمان ما بكل تفاصيله وبالدقة المناسبة لجعل كتب التاريخ تشير إليه.

من إصدار أبريل 1965، بمناسبة مرور 17 عامًا على مذبحة دير ياسين.