تجليّات الحداثة في قصيدة الهايكو العربية

تجليّات الحداثة  في قصيدة الهايكو العربية

شهدت‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية،‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها،‭ ‬تحولات‭ ‬جوهرية،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الشكل‭ ‬أو‭ ‬المضمون،‭ ‬بدءًا‭ ‬بالقصيدة‭ ‬العمودية‭ ‬ومرورًا‭ ‬بالموشح‭ ‬والزجل،‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬القصيدة‭ ‬الحداثية،‭ ‬التي‭ ‬قطعت‭ ‬بدورها‭ ‬أشواطًا‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مسارها‭ ‬وتحولاتها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭  ‬تجاوز‭  ‬حتى‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬نفسها،‭ ‬فاخترقت‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬فضاءات‭ ‬الكتابة‭ ‬لتتحول‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬التجنيس‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬بفضاءاتها‭ ‬الأوسع،‭ ‬وذلك‭ ‬كله‭ ‬بفعل‭ ‬شيوع‭ ‬حرية‭ ‬الإبداع‭ ‬والتجريب،‭ ‬وكذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬العالمي‭ ‬تلقيًّا‭ ‬وترجمة‭ ‬وتحليلا‭.‬

على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬تلقى‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬قصيدة‭ ‬االهايكوب‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتسرب‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الياباني‭ ‬لتكتسح‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولتحتل‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬فاتجه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬نحو‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة،‭ ‬مستطلعين‭ ‬إمكاناتها‭ ‬وطاقاتها‭ ‬التعبيرية‭.‬

االهايكوب‭ ‬أو‭ ‬االهايكايب‭ ‬فن‭ ‬شعري‭ ‬شكّل‭ ‬ثورة‭ ‬على‭ ‬الأنماط‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعرية،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يعد‭ ‬مظهرًا‭ ‬حداثيَّا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأشكال‭ ‬والمضامين‭ ‬القديمة‭. ‬ويتشكل‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬من‭ ‬مقطعين،‭ ‬الأول‭ ‬اهايب،‭ ‬الذي‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬الإمتاع‭ ‬والتسلية،‭ ‬والثاني‭ ‬اكوب‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬اللفظ‭ ‬أو‭ ‬العبارة‭. ‬والكلمة‭ ‬ككل‭ ‬تشير‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬الحرفي‭ ‬إلى‭ ‬العبارة‭ ‬الممتعة‭ ‬أو‭ ‬الألفاظ‭ ‬المسلية‭ ‬والماتعة‭. ‬وقد‭ ‬نشأت‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬باليابان‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬ديانة‭ (‬الزن‭) ‬أو‭ ‬البوذية،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬يرجع‭ ‬أغلب‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬الهايكو،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬بسيطة‭ ‬وساذجة‭ ‬لم‭ ‬تعْدُ‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أغانيَ‭ ‬للفلاحين،‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬شعري‭ ‬قائم‭ ‬بذاته‭.‬

وقد‭ ‬ولدت‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬إلى‭ ‬ولادة‭ ‬شكل‭ ‬شعري‭ ‬فلاحي‭ ‬يتسم‭ ‬بالخفة‭ ‬والحيوية،‭ ‬ليزاحم‭ ‬الأشكال‭ ‬الشعرية‭ ‬الوقورة‭ ‬العائدة‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬سمي‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬هايكاي‭.‬

وقد‭ ‬شهد‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬الشعري‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬مع‭ ‬الشاعر‭ ‬الياباني‭ ‬ماتسو‭ ‬باشو‭ (‬1644‭ - ‬1694‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬منح‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬دينامية‭ ‬جديدة‭ ‬ورؤية‭ ‬أخرى‭ ‬تتمثّل‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬بعالم‭ ‬الطبيعة‭ ‬باعتبارها‭ ‬مصدرًا‭ ‬للتأمل،‭ ‬وذلك‭ ‬بأسلوب‭ ‬سلس‭ ‬يتصف‭ ‬بالبساطة‭ ‬المطلقة‭ ‬والجمالية‭ ‬الروحية،‭ ‬فأغلب‭ ‬قصائده‭ ‬يعكس‭ ‬مسيرة‭ ‬حياته‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬الأسفار‭ ‬وتماهيه‭ ‬مع‭ ‬عناصر‭ ‬الطبيعة‭. ‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬بداية‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لشعر‭ ‬الهايكو،‭ ‬لتفسح‭ ‬المجال‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬اليابانيين‭ ‬الذين‭ ‬أسهموا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬كوباياشي‭ ‬إيسو‭ ‬ويوسا‭ ‬باسون‭. ‬وسينفتح‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الترجمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬الغربيين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬جاك‭ ‬كورواك‭ ‬وريشارد‭ ‬رايت‭ ‬وإزرا‭ ‬بوند‭.‬

 

الخصائص‭ ‬البنائية

تتكون‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبيات،‭ ‬ويشير‭ ‬عاشور‭ ‬الطوايبي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬ارتبطت‭ ‬في‭ ‬منشئها‭ ‬الأصلي‭ ‬بمجموعة‭ ‬الخصائص‭ ‬البنائية،‭ ‬ففي‭ ‬اليابانية‭ ‬تتكون‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬مقطعًا‭ ‬مرتّبة‭ ‬بنظام‭ ‬5‭ ‬7‭- - ‬5،‭ ‬وموزعة‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬جمل‭ ‬تكتب‭ ‬في‭ ‬سطر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬إلى‭ ‬أسفل،‭ ‬لكن‭ ‬شاعت‭ ‬كتابته‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسطر،‭ ‬وهناك‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬يكتبه‭ ‬على‭ ‬سطر‭ ‬واحد،‭ ‬يضبطها‭ ‬وزن‭ ‬مكوّن‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬مقطعًا‭ ‬صوتيًّا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬تتسم‭ ‬بقصر‭ ‬حجمها‭ ‬مركزة‭ ‬على‭ ‬اللحظة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الشاعرة‭ ‬في‭ ‬تفاعلها‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬للتأويل‭ ‬وفضاء‭ ‬للمتخيل‭ ‬الشعري‭. ‬ومن‭ ‬شروط‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الشعري‭ ‬أنه‭ ‬يتضمن‭ ‬ذكرًا‭ ‬لفصل‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭ ‬أو‭ ‬اسم‭ ‬نبات‭ ‬أو‭ ‬حيوان‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬طبيعية،‭ ‬وزمنه‭ ‬المضارع‭ ‬ومواضيعه‭ ‬مأخوذة‭ ‬من‭ ‬الطبيعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجربة‭ ‬المباشرة‭ ‬كما‭ ‬تقدم‭ ‬صورتين‭ ‬متجاورتين‭.‬

كما‭ ‬يشترط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬الشاعر‭ ‬غير‭ ‬ماثلة‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬الصريحة،‭ ‬لذا‭ ‬تكون‭ ‬لغة‭ ‬الهايكو‭ ‬محايدة،‭ ‬وعادية‭ ‬تمامًا،‭ ‬حتى‭ ‬لكأن‭ ‬الهايكو‭ ‬يتبرأ‭ ‬من‭ ‬اللغة‭.‬

إن‭ ‬لغة‭ ‬القصيدة‭ ‬تتميز‭ ‬بأنها‭ ‬سهلة‭ ‬وبسيطة‭ ‬تجنح‭ ‬نحو‭ ‬السلاسة‭ ‬والتركيز،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تنفر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التعقيد،‭ ‬فألفاظها‭ ‬بسيطة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬زخرف‭ ‬الكلام،‭ ‬وتركيبها‭ ‬ينمّ‭ ‬عن‭ ‬إحساس‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬يظهر‭ ‬الشاعر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬دهشة‭ ‬جمالية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ذهول‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬العمق‭ ‬للجمال‭ ‬والحركات‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬والتي‭ ‬عادة‭ ‬لا‭ ‬ينتبه‭ ‬لها‭.‬

‭ ‬يقول‭ ‬باشو‭:‬

يَنْزَوِي‭ ‬الرَّبِيع

تَصْرُخُ‭ ‬الطُّيُور

عُيُونُ‭ ‬الأَسْمَاكِ‭ ‬مَمْلُوءَةٌ‭ ‬بِالدُّمُوع

 

وتشير‭ ‬الباحثة‭ ‬بشرى‭ ‬البستاني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬احركة‭ ‬الهايكو‭ ‬حركة‭ ‬حرة‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬عدة،‭ ‬ولعل‭ ‬في‭ ‬اختلافه‭ ‬عن‭ ‬شروط‭ ‬الشعرية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬عربيَّا‭ ‬وغربيًّا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬ذلك‭ ‬أولًا،‭ ‬وثانيًا‭ ‬يكاد‭ ‬نقاد‭ ‬الهايكو‭ ‬يجمعون‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يتسم‭ ‬بسهولة‭ ‬اشتراطاته‭ ‬البنيوية‭ ‬التي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬شروط‭ ‬كتابته‭ ‬لا‭ ‬تتسم‭ ‬بالعسر‭ ‬والتعقيد،‭ ‬بل‭ ‬تتكون‭ ‬بنيته‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬شعرية‭ ‬تتوزع‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسطر‭ ‬ذات‭ ‬تشكيل‭ ‬موجز‭ ‬باقتصاده‭ ‬اللغوي‭ ‬وتحرره‭ ‬من‭ ‬ملحقات‭ ‬التزيينب،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬القصيدة‭ ‬يتسم‭ ‬بالتماسك‭ ‬الشكلي‭ ‬والمعنوي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الموضوع،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬ارتباط‭ ‬بالطبيعة‭ ‬ومكوناتها‭ ‬أو‭ ‬إشارات‭ ‬لأحد‭ ‬المواسم‭ ‬السنوية‭.‬

 

الخصائص‭ ‬الفنية

ترتكز‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬الفنية‭ ‬والسمات‭ ‬الأسلوبية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬عند‭ ‬شعراء‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬الشعري‭: ‬

 

أ‭ - ‬التكثيف‭ ‬الدلالي

‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬طاقة‭ ‬مكثفة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬دلالات‭ ‬عدة‭ ‬يتيحها‭ ‬تعدد‭ ‬القراءات‭ ‬وتباينها،‭ ‬وقد‭ ‬تقوم‭ ‬لغته‭ ‬على‭ ‬المقابلة‭ ‬والتوازي‭ ‬والمفارقات‭ ‬لدى‭ ‬مقاربتها‭ ‬نقديًّا،‭ ‬وعلى‭ ‬اكتنازها‭ ‬لحظة‭ ‬جمالية‭ ‬يشتبك‭ ‬فيها‭ ‬الساكن‭ ‬بالمتحرك‭ ‬وهما‭ ‬يلامسان‭ ‬فاعلية‭ ‬المادة‭ ‬وحيويتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملامسة‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬لها،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬البث‭ ‬الدلالي‭ ‬حال‭ ‬تشكيل‭ ‬العلامة،‭ ‬فالعلامة‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬عنصرين،‭ ‬مادي‭ ‬مقروء‭ ‬أو‭ ‬منطوق‭ ‬مسموع،‭ ‬ومكون‭ ‬ذهني‭ ‬يعمل‭ ‬بتنبيه‭ ‬من‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬العلامة‭. ‬فالهايكو‭ ‬مشهد‭ ‬يبدو‭ ‬ساكنًا،‭ ‬لكنه‭ ‬يختزن‭ ‬طاقة‭ ‬حركية‭ ‬تكمن‭ ‬شعريتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللبس‭ ‬الكامن‭ ‬بين‭ ‬الصمت‭ ‬الظاهر‭ ‬والحركية‭ ‬المضمرة،‭ ‬بين‭ ‬التعبير‭ ‬المقتصد‭ ‬لغويًّا‭ ‬والدلالة‭ ‬المطلقة‭ ‬ذهنيًّا‭. ‬فالقصيدة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تقنية‭ ‬الحذف‭ ‬والاختصار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإيجاز‭ ‬المضمر‭ ‬للإيحاءات،‭ ‬لتكون‭ ‬الجملة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬القطع‭ ‬والوصل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الانفتاح‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬المتلقي،‭ ‬وتمنحه‭ ‬بذلك‭ ‬تلك‭ ‬الدلالة‭ ‬المحذوفة‭.‬

 

‭ ‬ب‭ - ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬اللحظة‭ ‬الجمالية

‭ ‬تهتم‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬باللحظة‭ ‬الآنية‭ ‬وتحقيق‭ ‬الدهشة‭ ‬الجمالية‭ ‬عند‭ ‬المتلقي،‭ ‬وتشير‭ ‬البستاني‭ ‬إلى‭ ‬اأن‭ ‬الهايكو‭ ‬لحظة‭ ‬جمالية‭ ‬لا‭ ‬زمنية‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬مصغرة‭ ‬موجزة‭ ‬ومكثفة‭ ‬تحفز‭ ‬المخيلة‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬دلالاتها،‭ ‬وتعبّر‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مألوف،‭ ‬عبر‭ ‬التقاط‭ ‬مشهد‭ ‬حسي‭ ‬طبيعي‭ ‬أو‭ ‬إنساني‭ ‬ينطلق‭ ‬عن‭ ‬حدس‭ ‬ورؤية‭ ‬مفتوحة‭ ‬تتسع‭ ‬لمخاطبة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ومضة‭ ‬تأملية‭ ‬صوفية‭ ‬هاربة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬مادي‭ ‬ثقيل‭ ‬محدود‭ ‬ضاق‭ ‬بأهله‭ ‬حتى‭ ‬تركهم‭ ‬باقتتال‭ ‬ومعاناةب،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬يحاور‭ ‬وصف‭ ‬مشهد‭ ‬بعفوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ألفاظ‭ ‬بسيطة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التأنق‭ ‬وزخرف‭ ‬الكلام،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬جياشة‭ ‬وأحاسيس‭ ‬عميقة‭ ‬بنظرة‭ ‬تأملية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬منبع‭ ‬الدهشة‭.‬

 

ج‭ - ‬الومضة‭ ‬الشعرية

تتسم‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬ببساطة‭ ‬الألفاظ‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تنحو‭ ‬إلى‭ ‬السهل‭ ‬الممتنع،‭ ‬وصياغة‭ ‬المعاني‭ ‬في‭ ‬تراكيب‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬الخيال‭ ‬والإيحاءات‭ ‬وتكثيف‭ ‬اللغة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬الهايكو‭ ‬لا‭ ‬تستعمل‭ ‬لوضوحها،‭ ‬بل‭ ‬لأدائها‭ ‬دلالة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الوضوح،‭ ‬وهذه‭ ‬سمة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬سماته‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬زهرة‭ ‬وفراشة‭ ‬في‭ ‬الهايكو،‭ ‬وكل‭ ‬حبة‭ ‬رمل،‭ ‬وكل‭ ‬شجرة‭ ‬تمثّل‭ ‬صورة‭ ‬مصغرة‭ ‬للحياة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها،‭ ‬وللعالم‭ ‬المعاصر‭ ‬الذي‭ ‬يمور‭ ‬بالواقع‭. ‬

ولاهتمامه‭ ‬بالطبيعة‭ ‬وإشراقاتها،‭ ‬بحقولها‭ ‬ورياضها،‭ ‬أُطلق‭ ‬عليه‭ ‬شعر‭ ‬الربيع‭ ‬أو‭ ‬الشعر‭ ‬الأخضر،‭ ‬ولذلك‭ ‬رأى‭ ‬بعضهم‭ ‬أنه‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الوصف،‭ ‬وخالفهم‭ ‬آخرون‭ ‬بأنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتناول‭ ‬مختلف‭ ‬الموضوعات‭ ‬الشعرية‭ ‬لو‭ ‬توفرت‭ ‬فيها‭ ‬سمات‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬بنيويًّا‭. ‬فشعر‭ ‬الهايكو‭ ‬يختزن‭ ‬شحنة‭ ‬دلالية‭ ‬ومعاني‭ ‬مضمرة‭ ‬غنية‭ ‬بالرموز‭ ‬والإيحاءات‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬المفارقة‭ ‬الشعرية،‭ ‬المستخلصة‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬شعورية‭ ‬وتأملية‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬خاطفة،‭ ‬مما‭ ‬يتولد‭ ‬عنه‭ ‬ومضة‭ ‬شعرية‭ ‬تعكس‭ ‬شعرية‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭.‬

 

تلقّي‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي

تلقى‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬اليابانية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المثاقفة‭ ‬وحركة‭ ‬الترجمة‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأعمال‭ ‬المترجمة‭ ‬اكتاب‭ ‬الهايكوب‭ ‬الذي‭ ‬ضمّ‭ ‬ألف‭ ‬هايكو‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬التكوين‭ ‬بدمشق‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬لمترجمه‭ ‬محمد‭ ‬عضيمة‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬اليابانية‭ ‬مباشرة،‭ ‬معتمدًا‭ ‬مئة‭ ‬مرجع،‭ ‬ومستوعبًا‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة،‭ ‬موضحًا‭ ‬مسيرة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ومراحل‭ ‬تطوره‭ ‬وأبرز‭ ‬شعرائه،‭ ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬الكتاب‭ ‬قيمة،‭ ‬إدراج‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬بلغته‭ ‬اليابانية‭ ‬مع‭ ‬المترجَم‭.‬

كما‭ ‬تعَرّف‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬عبر‭ ‬لغات‭ ‬وسيطة‭ ‬خصوصًا‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعمال‭ ‬تشامبرلين،‭ ‬والشاعر‭ ‬الأميركي‭ ‬إزارا‭ ‬باوند،‭ ‬وكذلك‭ ‬بول‭ ‬إيلوار‭ ‬الفرنسي‭ ‬وإمي‭ ‬لول‭. ‬وخصصت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬العقد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬مساحة‭ ‬للهايكو،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مجلة‭ ‬عالم‭ ‬الفكر‭ ‬الكويتية‭ ‬سنة‭ ‬1979،‭ ‬ومجلة‭ ‬الآداب‭ ‬الأجنبية‭ ‬سنة‭ ‬1983،‭ ‬ممهدة‭ ‬بذلك‭ ‬الطريق‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والإبداعات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬مما‭ ‬فسح‭ ‬المجال‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬أمثال‭: ‬سعدي‭ ‬يوسف‭ ‬وعِذاب‭ ‬الركابي‭ ‬ومحمد‭ ‬الأسعد‭ ‬ولؤي‭ ‬ماجد‭ ‬سليمان،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ممن‭ ‬حملوا‭ ‬على‭ ‬عاتقهم‭ ‬مهمة‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬وسبر‭ ‬عوالمه‭ ‬عبر‭ ‬تطويع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬واستنباط‭ ‬نماذج‭ ‬جديدة،‭ ‬بهوية‭ ‬عربية‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭. ‬وسنتوقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬النماذج‭ ‬الشعرية‭ ‬للشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬عِذاب‭ ‬الركابي‭.‬

 

استثمار‭ ‬حركية‭ ‬الصورة

يشير‭ ‬الركابي‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬ارسائل‭ ‬المطرب‭: ‬افي‭ ‬مجموعتي‭ ‬هذه،‭ ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬صاحبةَ‭ ‬المبادرة،‭ ‬ولهذا‭ ‬جاءت‭ ‬مشاغبة،‭ ‬والبلاغة‭ ‬مستفزة،‭ ‬والخيال‭ ‬أكثر‭ ‬جنوحًا‭ ‬وشرودًا‭ ‬وابتكارًا‭ ‬أيضًا،‭ ‬والحالة‭ ‬الشعرية‭ ‬أكثر‭ ‬نضوجًا‭...‬ب،‭ ‬فقصائده‭ ‬تنقل‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬المحسوس‭ ‬إلى‭ ‬المعنوي،‭ ‬إذ‭ ‬يغدو‭ ‬المألوف‭ ‬غريبًا‭ ‬والغريب‭ ‬مألوفًا‭ ‬معتادًا‭. ‬يعقد‭ ‬الركابي‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬قصائد‭ ‬المجموعة‭ ‬حلفًا‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أطوارها،‭ ‬ويستهل‭ ‬ديوانه‭ ‬باستقلال‭ ‬الخريف‭ ‬لينتقل‭ ‬للشتاء‭ ‬برسائل‭ ‬المطر،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬حلول‭ ‬الربيع‭ ‬ليتوقف‭ ‬عند‭ ‬سيرة‭ ‬القرنفل،‭ ‬وكبرياء‭ ‬الفراشة،‭ ‬وفضاء‭ ‬العصافير،‭ ‬فيخوض‭ ‬في‭ ‬تشعّبات‭ ‬عناصر‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬شمس‭ ‬وعواصف‭ ‬وصحراء‭ ‬وعصافير‭ ‬وشجر‭ ‬الزيتون‭ ‬والسنابل‭ ‬والزهور‭ ‬والريحان،‭ ‬ويرسم‭ ‬مظاهرها‭ ‬بالكلمات‭ ‬في‭ ‬تناغم‭ ‬وانسجام،‭ ‬ويجعل‭ ‬منطقها‭ ‬المضمون‭ ‬العام‭ ‬والفعلي‭ ‬الذي‭ ‬يوحي‭ ‬غالبًا‭ ‬الأمل‭ ‬والفرح‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬ومضيء،‭ ‬والانتصار‭ ‬على‭ ‬اليأس‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬محزن‭ ‬وكئيب‭.‬

 

اقْتِيدَ‭ ‬اللَّيْلُ‭ ‬وَالنَّهَارُ

إِلَى‭ ‬غُرْفَةِ‭ ‬التَّحْقِيقِ،

فَأُدِينَ‭ ‬اللَّيْلُ‭ ‬لِظُلْمَتِهِ،

وَأُفْرِجَ‭ ‬عَن‭ ‬النَّهَار‭...‬

بِآيَاتِ‭ ‬نُورِهِ

 

ويقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬سيرة‭ ‬القرنفل‭:‬

يُصَافِحُ‭ ‬الصَّبَاحُ

بِضَوْءِ‭ ‬قَلْبِهِ

قَطَرَات‭ ‬النَّدَى‭!!‬

إن‭ ‬الشاعر‭ ‬هنا‭ ‬وكأنه‭ ‬يلتقط‭ ‬صورة‭ ‬يصافح‭ ‬فيها‭ ‬الصباح‭ ‬قطرات‭ ‬الندى‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬يوم‭ ‬مشرق‭ ‬مفعم‭ ‬بالأمل‭ ‬والسعادة،‭ ‬إن‭ ‬القصيدة‭ ‬عند‭ ‬الركابي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬يستثمر‭ ‬حركية‭ ‬الصورة‭ ‬بإيقاع‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬شعرية‭ ‬الومضة‭ ‬وفلسفة‭ ‬المعنى‭ ‬بناء‭ ‬شعريًّا‭ ‬ظاهره‭ ‬المباشرة‭ ‬السريعة،‭ ‬وباطنه‭ ‬كثافة‭ ‬دلالية‭ ‬من‭ ‬الإيحاءات‭ ‬والصور‭ ‬المركبة‭ ‬المتداخلة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬كل‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬بلغة‭ ‬بسيطة‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التعقيد‭.‬

‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬رسائل‭ ‬المطر‭:‬

سَأَلَ‭ ‬الخَرِيفُ

عَنْ‭ ‬السِّرِّ‭ ‬فِي‭ ‬حُبِّ‭ ‬الرَّبِيعِ

فَجَاءَ‭ ‬الجَوَابُ‭:‬

صَحْوًا،

وَوَرْدًا،

وَعَصَافِير

إن‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬تشكّل‭ ‬تمثيلاً‭ ‬حقيقيًا‭ ‬لشعر‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬فرادته‭ ‬وبساطته‭ ‬التي‭ ‬يكسوها‭ ‬عمق‭ ‬وتزيّنها‭ ‬دقة‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬ونسجها‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬سهلة‭ ‬وبديعة‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬السرد،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الومضة‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬المعنى‭ ‬الحسي‭ ‬والمعنى‭ ‬الذهني،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تشمله‭ ‬الصور‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬والسطح‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭. ‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الفني‭ ‬تتميز‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬بالبراعة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الصور‭ ‬وعمقها،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالطبيعة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬شعراء‭ ‬الهايكو‭ ‬اليابانيون‭ ‬الأوائل،‭ ‬أو‭ ‬صور‭ ‬أخرى‭ ‬نسجها‭ ‬الشاعر‭ ‬من‭ ‬خياله‭ ‬وترتبط‭ ‬بواقعه‭ ‬المحيط‭.‬

لقد‭ ‬بدأ‭ ‬شعر‭ ‬الهايكو‭ ‬العربي‭ ‬يأخذ‭ ‬مكانته‭ ‬المهمة‭ ‬ضمن‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية؛‭ ‬سواء‭ ‬الشعرية‭ ‬أو‭ ‬النثرية،‭ ‬نظرًا‭ ‬لما‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬سلاسة‭ ‬اللغة‭ ‬واختزالها‭ ‬واستعمال‭ ‬مفردات‭ ‬وتراكيب‭ ‬سهلة‭ ‬عمومًا،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬المميزات‭ ‬جعلت‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬تدخل‭ ‬عالم‭ ‬الإبداع‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬بابه‭ ‬الواسع،‭ ‬مشكّلة‭ ‬بذلك‭ ‬ميسمًا‭ ‬حداثيًّا‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ .‬