قُطُبْ مِينَار

قُطُبْ مِينَار

منارة قطب تحفة معمارية أنيقة، ومئذنة عملاقة أضيفت إلى رحاب جامع قوة الإسلام لاحقًا كرمز لانتصار الإسلام في الهند. وهي آية في الهندسة والبناء، وعلامة بارزة لتراث الهند الثقافي الإسلامي المجيد، ونموذج رائع للطراز المعماري الأنيق القديم، تنطق بعظمة الملوك المسلمين وهيبتهم. كما أنها تعتبر من أبدع المواقع الأثرية القديمة في مدينة دلهي حتى اليوم بما حواه من بدائع الصنع والزخارف الجميلة.

 

مسجد قوة الإسلام هو أول جامع أسس في شمال الهند، بناه سلطان الهند قُطْبُ الدين أَيْبَكْ في منطقة مَهْرَوْلي بالجهة الجنوبية لمدينة دلهي.
ودلهي ذات مكانة عريقة على مدى تاريخها الطويل، حيث كانت عاصمة شبه القارة الهندية، وظلت درّة الملوك المسلمين لقرون عدة، ولاتزال عاصمة الهند حتى الآن.
كان أحد مماليك السلطان شهاب الدين محمد بن سام الغَوْرِيْ الذي حكم في شبه القارة الهندية بما فيها الهند وباكستان وبنجلادش وأفغانستان وجزء من إيران خلال فترتي 1173م - 1205م.
وكانت عاصمته مدينة «غَزْنَهْ أو غَزْنِيْنْ في أفغانستان، كما كانت من أهم المدن ومراكز الثقافة والآداب للعالم الإسلامي في القرن السادس الهجري. 
أصبح قطب الدين أيبك قائد جيوش السلطان بفضل ذكائه ومهارته العسكرية، ونائبًا له في دلهي بعد فتحها. وما تسنّى له أن يتوج إلا بشجاعته ووفائه لمولاه وجوده وكرمه للعباد. 
فكان قائدًا ماهرًا وحاكمًا حازمًا وملكًا عادلًا، يتمسك بالإسلام ويكره الظلم والعسف، ويبغض نظام الطبقات والإقطاعية الذي كان سائدًا في الهند. 
بعد وفاة السلطان شهاب الدين الغوري اعتلى سدة الحكم في عام 1205م. ويعتبر أول سلطان مسلم يستقل بحكم دولة المسلمين في شمالي الهند، وأسّس ما عرف في تاريخ الهند الإسلامي باسم سلطنة المماليك في الهند.

أشهر منارة
تعدّ هذه الدولة المملوكية الإسلامية المستقلة بالهند كاملة، حيث إن الدول التي سبقتها كان مقرّها خارج الهند. هو أول ملك اجتمعت تحت لوائه معظم بلاد الهند بعد مئات السنين. بدأ قطب الدين أَيْبَكْ بناء الجامع في دلهي عام 1196م الذي سمّي بــ «مسجد قوة الإسلام» أو «قبّة الإسلام»، تعبيرًا عن انتصار الإسلام وغلبته في الهند، وعرف المسجد فيما بعد باسم «مسجد قطب مينار» نسبة إلى الملك قطب الدين أيبك، ومينار نسبة إلى منارة المسجد (مئذنته) التي كانت تعتبر أشهر منارة وأطولها في العالم آنذاك. 
وتم تشييد المسجد على شكل صروح معمارية ضخمة، من الحجارة الصلبة الزاهية، تبهر أنظار سكان البلاد والزائرين. واستطاع المهندسون الهنود أن يجمعوا بين تقاليد الهند الأصلية في العمارة وبين العناصر المعمارية الإسلامية من محاريب ومآذن وآيات قرآنية.
يقول المؤرخ الهندي الكبير خليق أحمد نظامي: «يدلّ جامع دلهي (مسجد قوة الإسلام) على عزائم السلطان العالية وهمّته النافذة، حيث كانت جدرانه تناطح السماء، ومحاريبه ومنبره تتزين بالنقوش والزخارف والصنعة البديعة الدقيقة». 
في عام 1198م كان المسجد عبارة عن مساحة مستطيلة طولها من الشرق إلى الغرب نحو 70 مترًا، ومن الشمال إلى الجنوب نحو 45 مترًا. يضم خمسة أبواب، كان الباب الوسط أطولها وأعلاها، حيث يبلغ ارتفاعها 14.5 مترًا، وعرضه نحو ستة أمتار، وكذلك على يساره بابان، ارتفاع كل منهما ثمانية أمتار ونصف المتر.

أهمية تاريخية
كانت كل الأبواب مزيّنة بالنقوش والزخارف الإسلامية الرائعة ومكتوبة عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما كتبت على واجهة الباب الشمالي للمسجد «أنشئ هذا الجامع في تاريخ العشر من ذي القعدة سنة أربع وتسعين وخمسمئة هجرية». 
وكان فناء المسجد مكشوفًا تحيط به أربع ظلات، وهو مبلّط ببلاطات حجرية من الحجارة البيض المنحوتة أبدع نحت، ملصقة بالرصاص أتقن إلصاق. وتزخر جدران المسجد ومحاريبه بالعديد من اللوحات العربية والفارسية ذات أهمية تاريخية وتراثية كبيرة.
ويوجد في وسط صحن الجامع عمود حديدي ضخم، عليه كتابات باللغة السنسكريتية القديمة، يرجع تاريخ صناعته إلى القرن الخامس الميلادي تقريبًا، وفق دراسات متعددة للمؤرخين الهنود، وضعه قطب الدين في فناء المسجد تخليدًا لانتصاره.
وقد وصفه الرحالة العربي الكبير
 أبو عبدالله محمد بن عبدالله اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة في كتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» قائلاً: «وفي وسط الجامع العمود الهائل الذي لا يدري من أي المعادن أيضًا هو. ذكر لي بعض حكماؤهم أنه يسمّى هَفـْتْ جُوشْ، ومعناها سبعة معادن، وأنه مؤلّف منها. وقد جلي من هذا العمود مقدار السبابة، ولذلك المجلو منه بريق عظيم، ولا يؤثر فيه الحديد. وطوله ثلاثون ذراعًا، وأدرنا به عمامة، فكان الذي أحاط بدائرته منها ثماني أذرع». ولهذا العمود أساطير وقصص شعبية كثيرة معروفة لدى الجمهور.

توسعة المسجد ومئذنته
ونظرًا إلى أهمية المسجد في نفوس المسلمين، قام الملوك والسلاطين المتعاقبون على حكم دلهي بزيادة مساحة المسجد كلما تزايدت أعداد المسلمين، وإنشاء بعض المباني ذات الوظائف المختلفة حوله، حتى أصبح مسجد قوة الإسلام محورًا مركزيًا لمجموعة عماير من فترات مختلفة.
وقد تعرف هذه المجموعة بــ «مجمع قطب مينار» اليوم. بعد وفاة السلطان قطب الدين أيبك في عام 1211م، خلفه السلطان شمس الدين أَلْتـَمَـشْ (1211م – 1236م)، فكان ملكًا عادلًا محبًا للشريعة الإسلامية السمحة، ملتزمًا بتعاليمها.
وقد حكم البلاد نحو ربع قرن، وبلغ الفوز مداه حتى اعترفت الخلافة العباسية بولايته على الهند، وأقرته سلطانًا على البلاد، وقام بتعديلات عدة في المسجد، حيث بنى حوله جدرانًا متينة قوية لحمايته من الخارج، وثلاثة أبواب محرابية ذات قيمة تاريخية، مبنية بالحجارة الحمراء الزاهية، مكتوبة عليها آيات قرآنية.
وتم تمديد أسوار المسجد حتى أصبحت مئذنة المسجد (منارة قطب) داخل المسجد، بعدما كانت تقع خارج سوره. كانت منارة المسجد من طابق واحد في عهد السلطان قطب الدين، وقد زاد خليفته شمس الدين اَلْتَمَشْ الطابقين الثاني والثالث في عام 1211م، وأكمل بناء مسجد قوة الإسلام.

فتوحات مستمرة
كان السلطان علاء الدين الخِلْجِيْ (1296م – 1316م) سلطانًا قويًّا وصاحب طموحات عظيمة، قاد جيشه في فتوحات مستمرة، ونجح في دفع هجمات مغولية على الهند، حتى فتحها في عام 1296م. 
وتربّع على عرش سلطنة دلهي، فقام بتوسعة مسجد قوة الإسلام، حتى بنى بابًا رئيسًا له، يعرف حتى الآن بــ «عَلَائِـي دَرْوَازَهْ».
وأنشأ مئذنة أخرى في الجهة الشمالية الشرقية من فناء المسجد الفسيح منافسًا منارة قطب، إلا أنها لم تتم، وبعض آثارها لا تزال موجودة.
وإلى جوار هذا المسجد الكبير، تم تشييد مدرسة لتعليم الأطفال والكبار مبادئ القراءة والكتابة، عرفت فيما بعد بـ «كلية علاؤ الدين الخِلْجِيْ». ثم قام السلطان فِيْرُوزْ شَاهْ تُغْلَـقْ (1351م – 1388م) بتوسعة نهاية، وأضاف الطابقين الخامس والسادس للمنارة، فقد كانت المنارة مكونة من 6 طبقات، لكنّ الموجود منها الآن خمس فقط. تساقطت عمارة المسجد مع مرور الزمان، ولم تبق منه إلا بعض الجدران من دون سقوف، لكن أرضيته وحجارته وبعض آثاره لاتزال موجودة حتى اليوم.

منارة قطب وطرازه المعماري
مئذنة مسجد قوة الإسلام المعروفة بــ «قُطُبْ مِيْنَارْ» في اللهجة الهندية، تعتبر أشهر وأطول وأضخم منارة، بسبب عمارتها الشامخة الفخمة وشكلها المخروطي البديع، وما عليها من آيات قرآنية وكتابات وألقاب وتواريخ، كما تعد أجمل مآذن العالم الإسلامي.
كان عند بنائه أعلى منارة في العالم، وهي مضلّعة، تبدو كأنها أعمدة متلاصقة. ويظهر في بنائها تأثير الحضارات المختلفة من الحضارة العربية الإسلامية والهندية. 
وللمنارة ثلاث شرفات جميلة للأذان، تم تصميم كل شرفة منها على غاية من الروعة والابتكار، حيث بالغ المهندسون في إتقانها وتنميقها. 
كان ارتفاعها 80 مترًا في عهد السلطان فيروز شاه تغلق، وبعد فترة سقط الطابق السادس الأعلى، بسبب هزة أرضية قوية، ويبلغ ارتفاعها اليوم 72.5 مترًا. 
ويوجد بداخلها درج حلزوني يعد 379 درجة. ويبلغ قطر القاعدة 15 مترًا، بينما لا يتجاوز الطابق الأعلى 2.7 متر. 
كانت هذه المنارة منفصلة عن المسجد الأصلي على بُعد حوالي 25 مترًا من الزاوية الجنوبية الشرقية للمسجد. سمّى الرحالة العربي ابن بطوطة هذه المنارة الفخمة باسم الصومعة وفق اللهجة التونسية، وقد وصفها بقوله: «وفي الصحن الشمالي من المسجد الصومعة التي لا نظير لها في بلاد الإسلام، وهي مبنية بالحجارة الحمر، خلافًا لحجارة سائر المسجد وهي بيض. وحجارة الصومعة منقوشة، وهي سامية الارتفاع، وفحلها من الرخام الأبيض الناصع، وتفافيحها من الذهب الخالص، وممرها واسع، بحيث تصعد فيه الفيلة».

نموذج فريد
وأضاف «حدثني من أثق به أنه رأى الفيل - حين بنيت - يصعد بالحجارة إلى أعلاها، وهي من بناء السلطان معز الدين بن ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن، وهذه الصومعة من عجائب الدنيا في ضخامتها وسعة ممرها، حيث تصعده ثلاثة من الفيلة متقارنة، وصعدتها مرة، فرأيت معظم دور المدينة، وعاينت الأسوار على ارتفاعها وسمّوها منحطة، وظهر لي الناس في أسفلها كأنهم الصبيان الصغار، ويظهر لناظرها من أسفلها أن ارتفاعها ليس بذلك لعِظَم جرمها وسعتها». 
هذه المنارة نموذج رائع فــريد لم يتكرر في شكلها وزخارفهــــا، ولا يوجـــد مثال لها في العمارة الإسلامية بالهنــد، وهي أهم رموز هذا المسجد التراثي التاريخي القديم، وتعد من أجمل المآذن في الحضارة الإسلامية ليس بالهند فقــــط، بل في العالم الإسلامي بأسره. 
وهي آية من آيات الفن المعماري وتحفة من تحف العمارة الإسلامية في الهند. كان باب المنارة مفتوحًا للجمهور والصعود على أدراجها، لكن تم إغلاقه بعد حادث التدافع في ديسمبر عام 1981م. 
وهي موقع سياحي شهير، يزورها السياح من جميع أنحاء العالم، وتم تصنيفها كموقع التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو. وجعلتها حكومة الهند شعارًا للمعالم السياحية الهندية، وشعار قطار مترو لمدينة دلهي ■

 

من آثار المسجد